الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لفظ الجنّ من جِهَتَيْنِ.
إِحْدَاهمَا: أَنَّك كنت تجمع فِي أول الْكَلِمَة زيادتين وَلَيْسَ الْكَلِمَة جَارِيَة على عفل مثل منطلق ومستخرج.
وَالْأُخْرَى: أنّا لَا نعلم فِي الْكَلَام منفعولا فَيحمل هَذَا عَلَيْهِ. وَلَا يجوز أَيْضا أَن تكون النُّون وَحدهَا زَائِدَة: لِأَنَّهَا قد ثبتَتْ فِي الْجمع فِي قَوْلهم: مناجين وَلَو كَانَت زَائِدَة لقيل مجاجين فَإِذا لم يجز أَن تكون الْمِيم وَحدهَا زَائِدَة وَلَا النُّون وَحدهَا زَائِدَة وَلَا أَن يَكُونَا كلتاهما زائدتين لم يجز إلاّ أَن يَكُونَا أصلين وَتجْعَل النُّون لاماً مكرّرة وَتَكون الْكَلِمَة مثل حندقوق بعضر فوط.
وَأنْشد بعده وَهُوَ
3 -
(الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ)
وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْبَسِيط
(فَأَصْبحُوا قد أعَاد الله دولتهم
…
إِذْ هم قريشٌ وَإِذ مَا مثلهم بشر)
بِأَن سِيبَوَيْهٍ حكى أَن بعض النَّاس ينصب مثلهم خَبرا ل مَا وبشر اسْمهَا. وَهَذَا لَا يكَاد يعرف. وَقيل: إِن خبر مَا مَحْذُوف أَي: إِذْ مَا فِي الدُّنْيَا بشر وَمثلهمْ حَال من بشر وانتصابه عِنْد الكوفيّين على الظّرْف أَي: فِي مثل حَالهم وَفِي مثل مكانهم من الرّفْعَة.
قَول سِيبَوَيْهٍ مَبْنِيّ على إِعْمَال مَا وَالْقَوْلَان بعده مبنيّان على إهمالها قَالَ
سِيبَوَيْهٍ: وَهَذَا لَا يكَاد يعرف كَمَا أنّ لات حِين مناص ك ذَلِك. وربّ شَيْء هَكَذَا.
قَالَ السّيرافيّ: يَعْنِي أنّ نصب مثلهم بشر على تَقْدِيم الْخَبَر قَلِيل كَمَا أنّ لات حِين مناص بِالرَّفْع قَلِيل لَا يكَاد يعرف انْتهى.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النحّاس: يذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أنّه نصب مثلهم على أنّه خبر وَإِن كَانَ مقدما فَكَأَنَّهُ يُجِيز مَا قَائِما زيد. أَقُول: كَيفَ ينصبونه مقدما قَالَ النحّاس: سَأَلت أَبَا إِسْحَاق عمّا قَالَه المبرّد فَقَالَ: إنّه لعمري من بني تَمِيم. وَلكنه مُسلم قد قَرَأَ الْقُرْآن وَقَرَأَ فِيهِ: مَا هنّ أمّهاتهم فَرجع إِلَى لُغَة من ينصب فَلَا معنى للتشنيع بِأَنَّهُ من بني تَمِيم. انْتهى.
أَقُول: من نصب لَا ينصب مَعَ تقدّم الْخَبَر فَلَا يصحّ هَذَا جَوَابا. وَقيل: أَرَادَ الفرزدق أَن يتكلّم بلغَة الْحجاز فغلط وَهَذَا بَاطِل فَإِن العربيّ لَا يُمكن أَن يغلط لِسَانه وَإِنَّمَا الْجَائِز غلطه فِي الْمعَانِي.
وَقَالَ الأعلم: وَالَّذِي حمله عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ أصحّ عِنْدِي وَإِن كَانَ الفرزدق تميمياً: لأنّه أَرَادَ أَن يخلّص الْمَعْنى من الِاشْتِرَاك: وَذَلِكَ أَنه لَو قَالَ فِيهِ إِذْ مَا مثلهم بشر بِالرَّفْع لجَاز أَن يتوهّم أَنه من بَاب مَا مثلك أحدا إِذا نفيت عَنهُ الإنسانية والمروءة فَإِذا
قَالَ: مَا مثلهم بشر بِالنّصب لم يتَوَهَّم ذَلِك وخلص الْمَعْنى للمدح دون توهّم الذمّ فتأمّله تَجدهُ صَحِيحا.
وَالشعر مَوضِع ضَرُورَة
وَيحْتَمل فِيهِ وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه دون إِحْرَاز فَائِدَة فَكيف مَعَ وجود ذَلِك. وسيبويه مِمَّن يَأْخُذ بتصحيح الْمعَانِي وَإِن اخْتلفت الْأَلْفَاظ فَكَذَلِك وجّهه على هَذَا وَإِن كَانَ غَيره أقرب إِلَى الْقيَاس. انْتهى.)
يُرِيد بتخليص الْمَدْح أَنَّك إِذا قلت مَا مثلك أحدا فنفيت الأحديّة احْتمل الْمَدْح والذمّ فَإِن قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده: وَفِيه نظر فإنّ السِّيَاق يعيّن الْكَلَام للمدح.
وَقَالَ فِي الردّ على الْمبرد أَحْمد بن مُحَمَّد بن ولاّد: إنّ الرّواة عَن الفرزدق وَغَيره من الشُّعَرَاء قد تغير الْبَيْت على لغتها. وترويه على مذاهبها مِمَّا يُوَافق لُغَة الشَّاعِر ويخالفها وَلذَلِك كثرت الرِّوَايَات فِي الْبَيْت الْوَاحِد.
أَلا ترى أنّ سِيبَوَيْهٍ قد يستشهد ببيتٍ وَاحِد لوجوهٍ شتّى وإنّما ذَلِك على حيب مَا غيّرته الرّواة بلغاتها لِأَن لُغَة الرَّاوِي من الْعَرَب شاهدٌ كَمَا أنّ قَول الشَّاعِر شَاهد إِذا كَانَا فصيحين.
فَمن ذَلِك مَا أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل
(بدا لي أنّي لست مدرك مَا مضى
…
وَلَا سابقٍ شيئاٍ إِذا كَانَ جائيا)
وَرَوَاهُ أَيْضا: وَلَا سَابِقًا فِي مَوضِع آخر. وَكَذَلِكَ قَول الْأَعْوَر الشّنّيّ: المتقارب
(فَلَيْسَ يآتيك منهيها
…
وَلَا قاصرٌ عَنْك مأمورها)
بِالرَّفْع والجر. وَهَذَا كثير جدا. انْتهى.
وَفِيه أنّ بَيت الفرزدق لَيْسَ على لُغَة الْحجاز وَلَا على لُغَة تَمِيم وَغَيرهَا فَكيف يكون من قبيل لُغَة الرَّاوِي فتأمّل.
وَالْقَوْل الأوّل من الْقَوْلَيْنِ هُوَ المازنيّ وَتَبعهُ المبرّد وَقَالَ: كأنّمثلهم صفةٌ لبشر فلمّا قدّم عَلَيْهِ صَار قَالَ السَّيِّد عبد الله فِي شرح اللب: وَفِيه نظر لأنّ الْحَال فضلَة يتمّ الْكَلَام بِدُونِهَا وَهَاهُنَا لَا يتمّ الْكَلَام بِدُونِ مثلهم فَلَا يكون حَالا.
وردّه ابْن هِشَام أَيْضا فِي شرح شواهده بأنّ مَعَاني الْأَفْعَال لَا تعْمل مضمرة. والكوفّيون الْقَائِلُونَ بِنصب مثل على الظّرْف يَقُولُونَ: اصله مَا بشر فِي مكانٍ مثل مكانهم ثمَّ أنيبت الصّفة عَن الْمَوْصُوف والمضاف إِلَيْهِ عَن الْمُضَاف.
قَالَ ابْن هِشَام: وردّ بأنّ الصّفة إنّما تخلف الْمَوْصُوف إِذا اختصّت بِجِنْسِهِ وَلِهَذَا جَازَ رَأَيْت كَاتبا وَامْتنع رَأَيْت طَويلا.
وَبَقِي تَخْرِيج آخر لم يذكرهُ الشَّارِح الْمُحَقق وَهُوَ أنّ مثلهم خبر مَا التميميّة لَكِن بني مثل على الْفَتْح إِضَافَته إِلَى مبنّي فإنّ الْمُضَاف إِذا كَانَ مُبْهما كَغَيْر وَمثل وَدون واضيف إلأى مبنيّ بني كَقَوْلِه تَعَالَى: إنّه لحقٌّ
مثل مَا أَنكُمْ تنطقون فِيمَن فتح مثل أَو كَقِرَاءَة بَعضهم: أَن يُصِيبكُم مثل)
مَا أصَاب بِالْفَتْح. وَهَذَا
أقرب الْأَقْوَال.
وَزعم ابْن مَالك أنّ ذَلِك لَا يكون فِي مثل لمخالفتها للمبهمات بِأَن تثنّى وَتجمع.
وَقَوله: إِذْ هم قُرَيْش الخ إِذْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ للتَّعْلِيل. وَبِه اسْتشْهد ابْن هِشَام فِي هَذَا الْبَيْت فِي الْمُغنِي.
وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للفرزدق يمدح بهَا عمر بن عبد الْعَزِيز الْأمَوِي. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: الْبَسِيط
(تَقول لمّا رأتني وَهِي طيّبةٌ
…
على الْفراش وَمِنْهَا الدّلّ والخفر)
(أصدر همومك لَا يقتلك واردها
…
فكلّ واردةٍ يَوْمًا لَهَا صدر)
إِلَى أَن قَالَ:
(فعجنتها قبل الأخيار منزلَة
…
والطّيّبي كلّ مَا التأثت بهَا الأزر)
(إِذا رجا الركب تعريساً ذكرت لَهُم
…
عَيْشًا يكون على الْأَيْدِي لَهُ دُرَر)
(وَكَيف ترجون تغميضاً وأهلكهم
…
بِحَيْثُ تلحس عَن أَوْلَادهَا الْبَقر)
…
(سِيرُوا فإنّ ابْن ليلى عَن أمامكم
…
وبادروه فَإِن الْعرف يبتدر)
إِلَى أَن قَالَ:
(وَمَا أُعِيد لَهُم حتّى أتيتهم
…
أزمان مَرْوَان إِذْ فِي وحشها غرر)
(فَأَصْبحُوا قد أعَاد الله دولتهم
…
إِذْ هم قريشٌ وَإِذ مَا مثلهم بشر)
(وَلنْ يزَال إمامٌ مِنْهُم ملكٌ
…
إِلَيْهِ يشخص فَوق الْمِنْبَر الْبَصَر)
(إِن عاقبوا فالمنايا من عقوبتهم
…
وَإِن عفوا فذوو الأحلام إِن قدرُوا)
قَوْله: وَمِنْهَا الدلّ والخفر الدلّ بِفَتْح الدَّال: مصدر دلّت الْمَرْأَة من بَابي ضرب وتعب.
وتدللّت تدلّلاً وَالِاسْم الدّلال وَهُوَ جرأتها فِي تكسر وتغنج كَأَنَّهَا مُخَالفَة وَلَيْسَ بهَا خلاف.
كَذَا فِي الْمِصْبَاح. والخفر بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَهُوَ شدّة الْحيَاء.
وَقَوله: أصدر همومك أَي: اصرفها عَنْك يُقَال: صدر الْقَوْم وأصدرناهم إِذا صرفتهم.
وَقَوله: فَكل وَارِدَة تَعْلِيل لقَوْله أصدر.
وَقَوله: فعجتها قبل الأخيار الخ يُقَال: عجت النّاقة أعوجها: إِذا عطفت رَأسهَا بالزمام وَالضَّمِير للناقة.)
وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن قَاسم فِي شرح الألفيّة على أنّ الطّيبي صفة مشبّهة مُضَافَة إِلَى مُضَاف وَقَوله: إِذا رجا الرّكب الخ التَّعْرِيس: النُّزُول فِي آخر اللَّيْل للاستراحة وَالنَّوْم.
وَقَوله: بِحَيْثُ تلحس أَي: فِي مَوضِع لَا نَبَات بِهِ وَلَا مَاء.
وَابْن ليلى هُوَ عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أميّة بن عبد شمس ابْن عبد منَاف. وليلى هِيَ أمّه وَهِي بنت عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه.
والْعرف بِالضَّمِّ: الْمَعْرُوف.
وَقَوله: إِذْ فِي وحشها غرر الْغرَر بِالْكَسْرِ: جمع غرّة وَهِي الْغَفْلَة. يُرِيد أَن وحشها لَا يدعرها أحد فَهِيَ فِي غرّة من عيشها يُقَال: هُوَ فِي غرّة من الْعَيْش إِذا كَانَ فِي عَيْش لَيْسَ فِيهِ كدر وَلَا خوف. وأزمان: نَائِب فَاعل أُعِيد. وأتيتهم خطاب لعمر بن عبد الْعَزِيز. وَضمير وحشها للمدينة المنوّرة.
قَالَ ابْن خلف: مدح الفرزدق بِهَذَا الشّعْر بن عبد الْعَزِيز. وَكَانَ قد ولي الْمَدِينَة. يَقُول: وَمَا أُعِيد لأهل الْمَدِينَة وَلمن بهَا من قُرَيْش أزمانٌ مثل أزمان مَرْوَان فِي الخصب والسّعة حَتَّى وليت أَأَنْت عَلَيْهِم فَعَاد لَهُم مثل مَا كَانُوا فِيهِ من الْخَيْر حِين كَانَ مَرْوَان والياً عَلَيْهِم فَأَصْبحُوا بولايتك عَلَيْهِم قد أعَاد الله نعمتهم عَلَيْهِم.
وَقَالَ الأعلم: مدح بالشعر بني أميّة فَقَالَ: كَانَ ملك الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة