الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فلمّا تبيّنّ أصواتنا
…
بكين وفدّيننا بالأبينا)
انْتهى كَلَامه بِاخْتِصَار.
وَأنْشد بعده:
يَا بؤس للْجَهْل ضرّاراً لأقوام هَذَا عجز وصدره: قَالَت بَنو عامرٍ خالوا بني أسدٍ وَقد تقدّم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة.
وَأنْشد بعده وَهُوَ
3 -
(الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَتَيْنِ)
وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْبَسِيط
(كَأَن أصوات من إيغالهنّ بِنَا
…
أَوَاخِر الميس إنقاض الفراريج)
على أنّه قد فصل لضَرُورَة الشّعْر بالظرف بَين المتضايفين. وَالْأَصْل: كَأَن أصوات أَوَاخِر الميس من إيغالهنّ بِنَا إنقاض الفراريج.
فِي الْأُصُول لبن السرّاج: وقبيح أَن تفصل بَين الجارّ وَالْمَجْرُور فَتَقول لَا أَخا هذَيْن الْيَوْمَيْنِ لَك.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: هَذَا يجوز فِي ضَرُورَة الشّعْر لأنّ الشَّاعِر إِذا اضطّر فصل بَين الْمُضَاف إِلَيْهِ. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. ومن للتَّعْلِيل والإيغال: الإبعاد يُقَال أوغل فِي الأَرْض إِذا أبعد فِيهَا حَكَاهُ ابْن دُرَيْد قَالَ: وكل داخلٍ فِي شيءٍ دُخُول مستعجل فقد أوغل فِيهِ.
وَقَالَ الأصمعيّ فِي شرح هَذَا الْبَيْت: الإيغال: سرعَة الدُّخُول فِي الشَّيْء يُقَال أوغل فِي الْأَمر: إِذا دخل فِيهِ بِسُرْعَة. وَالضَّمِير لِلْإِبِلِ فِي بَيت قبله. والْأَوَاخِر: جمع آخِره بِوَزْن فَاعله وَهِي قَالَ ابْن حجر فِي فتح الْبَارِي: هُوَ بضمّ أَوله ثمَّ همزَة سَاكِنة وَأما الْخَاء فَجزم أَبُو عبيد بِكَسْرِهَا وجوّز الْفَتْح وَأنكر ابْن قُتَيْبَة الْفَتْح وَعكس ذَلِك ابْن مكّيّ فَقَالَ: لَا يُقَال مقدم ومؤخر بِالْكَسْرِ إلاّ فِي الْعين خَاصَّة وأمّا فِي غَيرهَا فَيُقَال بِالْفَتْح فَقَط. وَرَوَاهُ بَعضهم بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْخَاء. انْتهى.
وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: ومؤخر الْعين مثل مُؤمن: الَّذِي يَلِي الصّدغ ومقدمها: الَّذِي يَلِي الْأنف ومؤخرة الرحل أَيْضا لُغَة قَليلَة فِي آخِره الرحل وَهِي الَّتِي يسْتَند الرَّاكِب إِلَيْهَا. قَالَ يَعْقُوب: وَلَا تقل مؤخرّة انْتهى. والميس: بِفَتْح الْمِيم: شجر يتَّخذ مِنْهُ الرّحال
والأقتاب وَإِضَافَة الْأَوَاخِر إِلَيْهِ كإضافة خَاتم فضّة. والإنقاض: مصدر أنقضت الدّجاجة: إِذا صوّتت وَهُوَ بالنُّون وَالْقَاف وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وَرُوِيَ بدله: أصوات الفراريج جمع فرّوجة وَهِي صغَار الدّجاج. يُرِيد أنّ رحالهم جدد وَقد طَال سيرهم فبعض الرحل يحكّ بَعْضًا فتصوّت مثل أصوات الفراريج من شدّة السّير واضطراب الرحل.
وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لذِي الرّمّة. وَمن أَبْيَات هَذِه القصيدة قَوْله: الْبَسِيط)
(وراكد الشّمس أجّاج نصبت لَهُ
…
حواجب الْقَوْم بالمهريّة العوج)
(تلوي الثّنايا بأحقيها حَوَاشِيه
…
ليّ الملاء بِأَبْوَاب التّفاريج)
أَي: ربّ يَوْم راكد الشّمس أَي: لَا تكَاد شمسه تَزُول من طوله. وَأَرَادَ بالأجّاج أنّ ذَلِك الْيَوْم لَهُ توهّج واشتعال كالأجّاج بِالضَّمِّ وَهُوَ اللهب.
وَقَوله: نصبت لَهُ الخ أَي: استقبلته بحواجب الْقَوْم. والمهريّة الْإِبِل المنسوبة إِلَى مهرَة. والعوج الَّتِي ضمرت فاعوجّت.
وَقَوله: إِذا تنَازع الخ إِذا ظرف لقَوْله نصبت أَي: ربّ يَوْم نصبت لَهُ حواجب الْقَوْم إِذا تنَازع الخ. وَأَخْطَأ من جعلهَا شرطيّة وَجعل جوابها الْبَيْت الَّذِي بعْدهَا. والجالان بِالْجِيم: جانبا بلدٍ مجهل. وقذف بِفَتْح الْقَاف والذال: الْبعيد. أَرَادَ أَن الجالين تنَازعا أَطْرَاف طَرِيق مطّرد بالحرّ أَي: كأنّه مَاء يَجِيء وَيذْهب يتبع بعضه بَعْضًا يَعْنِي السّراب فإنّه يطّرد كَالْمَاءِ ونسجه من الحرّ.
وَقَوله: تلوي الثّنايا فعل وفاعل ووحواشيه مفعول. والثّنايا: الطّرق فِي الْجبَال. والأحقى: جمع حقو بِفَتْح فَسُكُون: الْوسط وأصل الحقو الخصر وَمَوْضِع شدّ الْإِزَار وَالْبَاء بِمَعْنى على. والْحَوَاشِي: الْأَطْرَاف والنّواحي. وَالضَّمِير رَاجع إِلَى المطّرد المُرَاد بِهِ السّراب. وليّ الملاء: كطيّها وَهُوَ مصدر تشبيهي لقَوْله تلوي. والملاء بِالضَّمِّ والمدّ: الملحفة إِذا كَانَت والتفاريج كَمَا فِي الْعباب عَن ابْن الأعرابيّ: فتحات الْأَصَابِع وَاحِدهَا تفراج بِالْكَسْرِ وخروق الدّرابزين أَيْضا. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: الثنايا الطّرق فِي الْجبَال. يَقُول: الثنايا تلوي حَوَاشِي السّراب أَي: بلغ السّراب أوساط الثّنايا. وحَوَاشِيه: أَطْرَافه قَالَ شَارِح الدِّيوَان: الثّنايا تلوي أَي: تلفّ حَوَاشِي
السّراب بأوساطها كَمَا يلوى الملاء بالمصاريع وَقيل الدّرابزين: وَمَا سَمِعت أنّ الملاء يلوى بمصاريع الْأَبْوَاب انْتهى.
وَجَوَابه أنّ مُرَاد الشَّاعِر أنّ الستائر تُوضَع وتربط على الدّرابزين وأبوابها للتجمّل كَمَا يَفْعَله الْأَغْنِيَاء.
وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ صَاحب الكشّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: يكور اللّيل على النّهار ويكوّر النّهار على اللّيل على تَشْبِيه كلّ مِنْهُمَا باللباس الَّذِي يكوّر ويلفّ على اللابس فإنّ أَحدهمَا لّما كَانَ غاشياً للْآخر أشبه اللبَاس الملفوف على لابسه فِي ستره إيّاه واشتماله عَلَيْهِ وتغطيّه بِهِ)
كَمَا شبّه ذُو الرّمّة طيّ الهضاب حَوَاشِي السّراب بطيّ السّتائر بالأبواب.
وَقد أَخطَأ شَارِح شَوَاهِد التفسيرين فِي قَوْله: تلوي الثّنايا جَوَاب إِذا فِي الْبَيْت الَّذِي قبله.
فَتَأمل.
وترجمة ذِي الرّمّة قد تقدّمت فِي الشواهد الثَّامِن فِي أَوَائِل الْكتاب.
أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد السبعون بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد س: الوافر
(وَمَا إِن طبّنا جبنٌ وَلَكِن
…
منايانا ودولة آخرينا)
على أنّ مَا الحجازيّة إِذا زيد بعْدهَا إِن لَا تعْمل عمل لَيْسَ كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت.
قَالَ الأعلم: إِن كَافَّة لما عَن الْعَمَل كَمَا كفت مَا إِن عَن الْعَمَل. والطّبّ بِالْكَسْرِ هَاهُنَا بِمَعْنى العلّة والسبّب أَي: لم يكن سَبَب قتلنَا الْجُبْن وإنّما كَانَ مَا جرى بِهِ الْقدر من حُضُور الْمنية وانتقال الْحَال عنّا والدّولة.
وَقَالَ فِي الصِّحَاح: تَقول مَا ذَلِك بطبّي أَي: دهري وعادتي. وانشد هَذَا الْبَيْت للكميت.
وَهَذِه النِّسْبَة غير صَحِيحَة كَمَا يَأْتِي بَيَانه قَرِيبا. والْجُبْن: ضدّ الشّجاعة وَهُوَ مصدر جبن جبنا كقرب قرباً فَهُوَ جبانٌ أَي: ضَعِيف الْقلب.
والجبن الْمَأْكُول فِيهِ ثَلَاث لُغَات أَجودهَا سُكُون
الْبَاء وَالثَّانيَِة ضمّ الْبَاء لِلِاتِّبَاعِ وَالثَّالِثَة وَهِي أقلّها التَّشْدِيد كَذَا فِي الْمِصْبَاح. والمنايا: جمع منيّة وَهِي الْمَوْت لأنّها مقدّرة مَأْخُوذَة من المنا بِوَزْن الْعَصَا وَهُوَ
الْقدر يُقَال: مني لَهُ أَي: قدّر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فيهمَا.
روى السيّد علم الْهدى المرتضى فِي أَمَالِيهِ أنّ مُسلما الخزاعيّ ثمّ المصطلقيّ قَالَ: شهِدت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقد أنْشدهُ منشد قَول سُوَيْد بن عَامر المصطلقي: الْبَسِيط
(لَا تأمننّ وَإِن أمسيت فِي حرمٍ
…
إنّ المنايا بكفّي كلّ إِنْسَان)
(واسلك طريقك تمشي غير مختشعٍ
…
حتّى يبيّن مَا يمني لَك الماني)
(فكلّ ذِي صاحبٍ يَوْمًا يُفَارِقهُ
…
وكلّ زادٍ وَإِن أبقيته فان)
(وَالْخَيْر والشّرّ مقرونان فِي قرنٍ
…
بكلّ ذَلِك يَأْتِيك الجديدان)
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لَو أَدْرَكته لأسلم انْتهى.)
وَأنْشد فِي الصِّحَاح لهَذَا الْمَعْنى قَوْله: حتّى تلاقي مَا يمني لَك الماني
وف يحواشيه: أوّله:
(وَلَا تقولن لشيءٍ سرف أَفعلهُ
…
حتّى تبيّن مَا يمني لَك الخ)
قَالَ: وَالْبَيْت لأبي قلَابَة الهذليّ. وَالله أعلم. والدولة بِالْفَتْح: الْغَلَبَة فِي الْحَرْب وبالضم تكون فِي المَال وَقيل هما بِمَعْنى ودالت الأيّام تدول وروى ابْن هِشَام فِي السِّيرَة بدله: وطعمة آخرينا.
وَفِيه مَعَ ذكر الْجُبْن مَا لَا يخفى.
وَأورد ابْن قُتَيْبَة فِي تَرْجَمَة خفاف بن ندبة من كتاب الشُّعَرَاء قَوْله: الوافر
(فَلم يَك طبّهم جبنٌ وَلَكِن
…
رميناهم بثالثة الأثاقي)
قَالَ: وَهَذَا مّما يسْأَل عَنهُ.
أَقُول: ثَالِثَة الأثافيّ هِيَ الْجَبَل لأنّه يَجْعَل حجران إِلَى جنبه فَيكون الثَّالِث فَيَقُول: كَانُوا شجعاناً لَيْسَ فيهم جبن ولحكن رميناهم بداهية عَظِيمَة مثل الْجَبَل.
وَقد روى أَبُو عُبَيْدَة الْبَيْت هَكَذَا:
(فلمّا أَن أَبَوا إلاّ علينا
…
رميناهم بثالثة الأثافي)
وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات لفروة بن مسيك المراديّ رَوَاهَا أهل السّير كَابْن هِشَام والكلاعيّ وَغَيرهمَا وَهِي:
(فَإِن نغلب فغلاّبون قدماً
…
وَإِن نغلب فَغير مغلّبيبنا)
(وَمَا إِن طبّنا جبنٌ وَلَكِن
…
منايانا وطعمة آخرينا)
(كَذَاك الدّهر دولته سجالٌ
…
تكرّ صروفه حينا فحينا)
(إِذا انقلبت بِهِ كرّات دهر
…
فألقيت الألى غبطوا طحينا)
(فَمن يغبط بريب الدّهر مِنْهُم
…
يجد ريب الزّمان لَهُ خؤونا)
(فَلَو خلد الْمُلُوك إِذن خلدنا
…
وَلَو بَقِي الْكِرَام إِذن بَقينَا)
(فأفنى ذَلِكُم سروات قومِي
…
كَمَا أفنى الْقُرُون الأوّلينا))
قَوْله: فَغير مغلبينا المغلّب المغلوب مرَارًا. والسّجال بِالْكَسْرِ: مصدر ساجل بساجل بِمَعْنى ناوب قَالَ الميدانيّ فِي أَمْثَاله: المساجلة أَن تصنع مثل صَنِيع صَاحبك من جري أَو سقِِي وَأَصله من السّجل وَهِي الدّلو فِيهَا مَاء قلّ أَو كثر. وَحَقِيقَة السّجال المغالبة بالسّقي بالسّجل وَمِنْه المباراة والمفاخرة والمعارضة. وتكرّ: ترجع. والصّروف: الْحَوَادِث. والغضارة بِالْفَتْح: الْخَيْر وَالْخصب. وألفيت: وجدت. وغبطوا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من الْغِبْطَة اسْم من غبطته غبطاً من بَاب ضرب إِذا تمنّيت مثل مَا ناله من غير أَن تُرِيدُ زَوَاله عَنهُ لما أعْجبك مِنْهُ وَعظم عنْدك وريب الدّهر: مَا يحدث مِنْهُ. والخؤون بِفَتْح الْمُعْجَمَة: مُبَالغَة الخائن.
وَقَوله: فأفنى ذَلِكُم الْإِشَارَة لكرّات الدّهر وحوادثه. والسّروات جمع شراة بِفَتْح السِّين
وفَرْوَة بن مسيك صحابيّ أسلم عَام الْفَتْح وَذَلِكَ أَنه لما افْتتح رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مكّة ودانت لَهُ قُرَيْش عرفت الْعَرَب أنّهم لَا طَاقَة لَهُم بحربه فَدَخَلُوا فِي دين الله أَفْوَاجًا فَقدمت عَلَيْهِ وُفُود الْعَرَب. وَمِمَّنْ قدم فَرْوَة بن مسيك المراديّ قدم إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ رجلا لَهُ شرف فأنزله سعد بن عبَادَة عَلَيْهِ ثمَّ غَدا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالس فِي الْمجْلس فسلّم عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: يَا رَسُول الله أَنا لمن ورائي من قومِي. قَالَ: ايْنَ نزلت يَا فَرْوَة قَالَ: على سعد بن عبَادَة. قَالَ: بَارك الله على سعد بن عبَادَة.
وَكَانَ يحضر مجْلِس رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ويتعلّم الْقُرْآن وفرائض الْإِسْلَام.
وَكَانَ بَين مُرَاد وهمدان قبيل الْإِسْلَام وقعةٌ أَصَابَت فِيهَا هَمدَان من مُرَاد وَكَانَ يُقَال لذَلِك الْيَوْم يَوْم الرّزم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: يَا فَرْوَة هَل ساءك مَا أصَاب قَوْمك يَوْم الرّزم. قَالَ: يَا رَسُول الله من ذَا يُصِيب قومه مثل مَا أصب قومِي لَا يسوؤه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنّ ذَلِك لم يزدْ قَوْمك فِي الْإِسْلَام إلاّ خيرا.
وَفِي ذَلِك الْيَوْم قَالَ فَرْوَة هَذِه الأبيات. وَاسْتَعْملهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على مُرَاد وزبيد ومذحج وَبعث مَعَه خَالِد بن سعيد بن العَاصِي على الصَّدَقَة وَكتب فِيهَا كتابا لَا يعدوه إِلَى غَيره وَكَانَ خالدٌ مَعَه فِي بِلَاده حتّى توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. كَذَا فِي وَذكر الواقديّ أنّ عمر بن الْخطاب رَضِي اله عَنهُ اسْتَعْملهُ أَيْضا على
صدقَات مذْحج. وَذكر)
غَيره أَنه انْتقل إِلَى الْكُوفَة فسكنها.
وَأخرج ابْن سعد أنّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أجَاز فَرْوَة باثنتي عشرَة أوقيّة وَحمله على بعير نجيب وَأَعْطَاهُ حلّة من نسج عمان.
وفروة: بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا وَاو ومسيك: بِضَم الْمِيم وَفتح السِّين وَسُكُون الْيَاء وَمُرَاد: قَبيلَة بِالْيمن.
فَإِن قلت: كَيفَ اعْترف بالانهزام مَعَ مَا فِيهِ من الْعَار قلت: هَذَا مَوْقُوف على سَماع قصتّه فَإِن أَصْحَاب الْمعَانِي لَا يقدرُونَ على فهم مثل هَذَا إِلَّا بقصّته.
وَهِي كَمَا رَوَاهَا أَبُو مُحَمَّد الأعرابيّ فِي فرحة الأديب: أنّه كَانَ صنم مرادٍ
فِي أَعلَى وأنعم وهما بطْنَان من مُرَاد فَقَالَت أشرافٌ من مُرَاد: مَا بَال آلِهَتنَا لَا تكون ف يعرانيننا فأرادوا انتزاع الْآلهَة مِنْهُم فَخَرجُوا مِنْهُم فَأتوا بني الْحَارِث فاستجاروا بهم وأ سلتن مُرَاد إِلَى بني الْحَارِث: أَن أخرجُوا إخوتنا من داركم وابعثوا إِلَيْنَا برجلَيْن مِنْكُم لنقتلهما بصاحبنا وَكَانَت مُرَاد تطلب بني الْحَارِث بِدَم فلمّا رأى الْحصين بن يزِيد بن قنان أنّ مرَادا قد ألحت فِي طلب أَصْحَابهم هابهم وهلم أَنه لَا طَاقَة لَهُ بهم.
وَكَانَت مُرَاد إِذا قتل مِنْهُم رجلٌ قتلوا بِهِ رجلَيْنِ وَكَانُوا لَا يَأْخُذُونَ الدِّيَة إلاّ مضاعفة فَسَار حُصَيْن بن يزِيد وَهُوَ رَئِيس بني الْحَارِث إِلَى عُمَيْر ذِي
مرّان فَسَأَلَهُ أَن يركب مَعَه إِلَى أرحب فيصلح بَينه وَبينهمْ ويسألهم الْحلف على مُرَاد لِأَنَّهُ كَانَ بَينه وَبَين أرحب دِمَاء. فَركب مَعَه إِلَيْهِم فَأصْلح بَينهم وسألهم أَن ينصروه ويحالفوه على مُرَاد فَقَالَ الْحصين: يَا معشر أرحب إنّي لست بِأَسْعَد بِهَلَاك مرادٍ مِنْكُم وَكَانَت أرحب تغاور مرَادا قبل ذَلِك فحالفته أرحب وغدوا فَسَار حُصَيْن بن يزِيد ببني الْحَارِث وسارت الْبَادِيَة من هَمدَان وَعَلَيْهِم يزِيد بن ثُمَامَة الأرحبي الأصمّ.
وَأَقْبَلت مُرَاد كأنّهم حرّة سَوْدَاء يدفّون دفيفاً وَعَلَيْهِم الْحَارِث بن ظبْيَان المثلّم وَكَانَ يكنى أَبَا قيس الأنعمي.
فَاقْتَتلُوا بِموضع يُقَال لَهُ الرزم إِلَى جنب أياء قتالاً شَدِيدا فتضعضعت بَنو
الْحَارِث وَأَقْبل عَلَيْهِم الْحصين فَقَالَ: يَا بني الْحَارِث وَالله لَئِن لم تضربوا وُجُوه مرادٍ بالسّيوف حتّى يخلوا لكم الْعَرَصَة لأتركنكم تنفلون فِي الْعَرَب)
ثمَّ أقبل على بادية هَمدَان فَقَالَ: يَا معشر هَمدَان الصبّر الصَّبْر لَا تَقول مُرَاد إِنَّا لجأنا إِلَى عدد هَمدَان وعزّها فَلم يغنوا عنّا فاقتتل الْقَوْم قتالاً شَدِيدا فَقتل الْحصين وصبر الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا فتهيأت بَنو الْحَارِث للفرار وتضعضعت أرحب وَقد كَانُوا أحضروا النِّسَاء مَعَهم فجعلوهن خلف ظُهُورهمْ فلمّا رَأَتْ أرحب النِّسَاء قد بَدَت خلاخيلها للفرار عَادوا لِلْقِتَالِ وَقَالُوا: لَا نفرّ حتّى يفرّ يَغُوث وصبروا للْقَوْم وَصَبَرت بَنو الْحَارِث مَعَهم فانهزمت مُرَاد واستذرع الْقَتْل فيهم وَسبوا نسءً من نِسَائِهِم فَأدْرك الْإِسْلَام وَهن فِي دور هَمدَان.
وَقتل يومئذٍ المثلّم رَئِيس مُرَاد وعزيز وَقيس ونمران وسميّ المراديون. وَقتل فِي ذَلِك الْيَوْم الْحصين بن يزِيد الْحَارِثِيّ.
قَالَ فِي ذَلِك يزِيد بن ثُمَامَة الأرحبي: