الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمَّ بَكت حتّى غشي عَلَيْهَا فلمّا أفاقت قلت: من أَنْت يَا أمة الله قَالَ: أَنا ليلى المشؤومة عَلَيْهِ غير المواسية لَهُ. قَالَ: فو الله مَا رَأَيْت مثل حزنها عَلَيْهِ وَلَا مثل جزعها. وَلَا مثل وجدهَا.
وَأنْشد بعده: يَا سَارِق اللّيلة أهل الدّار)
قد تقدّم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالسبْعين بعد الْمِائَة.
وَأنْشد بعده وَهُوَ
3 -
(الشَّاهِد الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ)
وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز
(ربّ ابْن عمّ لسليمى مشمعل
…
طبّاخ سَاعَات الْكرَى زَاد الكسل)
على أنّ سَاعَات كَانَ فِي الأَصْل مَفْعُولا فِيهِ فاتّسع فِيهِ فَألْحق بالمفعول بِهِ واضيف إِلَيْهِ طبّاخ.
فكسرة التَّاء من سَاعَات كسرة جرّ وَزَاد الكسل مَنْصُوب على أنّه مفعول طبّاخ لأنّه مُعْتَمد على موصوفه.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ إِضَافَة طبّاخ إِلَى سَاعَات على تشبيهها
بالمفعول
بِهِ لَا على أنّها ظرف وَلَا تجوز الْإِضَافَة إِلَيْهَا وَهِي ظرف لأنّ الظّرْف يقدّر فِيهِ حرف الْوِعَاء وَهُوَ فِي وَالْإِضَافَة إِلَى الْحَرْف غير جَائِزَة وَإِنَّمَا يُضَاف إِلَى الِاسْم. وَلما أضَاف الطبّاخ إِلَى السَّاعَات اتّساعاً ومجازاً عدّاه إِلَى الزَّاد لأنّه الْمَفْعُول بِهِ فِي الْحَقِيقَة. انْتهى.
وَقَول ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ: إِضَافَة طبّاخ إِلَى سَاعَات لَا تجوز إلاّ فِي الشّعْر مَمْنُوع.
وَقَالَ ابْن برّيّ فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح لأبي عليّ: لَا بُد أَن تقدّر السَّاعَات تنزّلت منزلَة الْمَفْعُول بِهِ حَتَّى كَأَنَّهَا مطبوخة عَن كَانَ الطبّخ فِي الْمَعْنى إنّما هُوَ للزاد كَمَا تصير اللّيلة فِي قَوْله: يَا سَارِق اللّيلة أهل الدّار بِمَنْزِلَة الْمَفْعُول حتّى كأنّها مسروقة. وَلما خفض سَاعَات بِإِضَافَة طبّاخ إِلَيْهَا انتصب زَاد على الْمَفْعُول بِهِ لأنّه الْمَطْبُوخ فِي الْحَقِيقَة.
وَمن خفض زَاد الكسل قدّر السَّاعَات ظرفا فاصلاً بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ على قَوْلهم فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يَا سَارِق اللّيلة أهل الدّار انْتهى كَلَامه.
وَأوردهُ الفرّاء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: فَلَا تحسبنّ الله مخلف وعده رسله قَالَ: اضيفت مخلف إِلَى الْوَعْد ونصبت الرُّسُل على التَّأْوِيل. وَإِذا كَانَ الْفِعْل يَقع على شَيْئَيْنِ مُخْتَلفين مثل)
كسوتك الثَّوْب
وأدخلتك الدَّار تبدأ بغضافة الْفِعْل إِلَى الرجل فَتَقول: هُوَ كاسي عبد الله ثوبا ومدخله الدَّار وَيجوز هُوَ كاسي الثَّوْب عبد الله ومدخل الدَّار زيدا جَازَ ذَلِك لأنّ الْفِعْل قد يَأْخُذ الدَّار كأخذه عبد الله.
(ترى الثّور فِيهَا مدْخل الظّلّ رَأسه
…
وسائره بادٍ إِلَى الشّمس أجمع)
فأضاف مدْخل إِلَى الظلّ وَكَانَ الْوَجْه أَن يضيف مدْخل إِلَى الرَّأْس.
وَمثله: ربّ ابْن عمّ لسليمى مشمعلّ
…
. الخ وَمثله قَول الآخر: يَا سَارِق اللّيلة أهل الدّار يُرِيد: يَا سَارِق أهل الدّار اللّيلة فأضاف سَارِقا إِلَى اللّيلة وَنصب أهل الدَّار. وَكَانَ بعض النَّحْوِيين ينصب اللَّيْلَة ويخفض أهل الدَّار. انْتهى المُرَاد مِنْهُ.
وَقَالَ ابْن الشجريّ فِي أَمَالِيهِ وَغَيره: وَرُوِيَ بجرّ زَاد أَيْضا على أنّ طباخاً قد أضيف إِلَيْهِ وَفصل بَينهمَا الظّرْف وَهُوَ سَاعَات فَتكون الكسرة فِيهِ نائبة عَن الفتحة وَهُوَ مَنْصُوب لَا مجرور.
قَالَ: وَمثل هَذَا جَائِز فِي الشّعْر كَقَوْلِه: يَا سَارِق اللّيلة أهل الدّار
يُرِيد: يَا سَارِق أهل الدَّار اللَّيْلَة. انْتهى.
وَقَالَ ابْن خلف: وَيجوز أَن يكون زَاد الكسل بدل اشْتِمَال من مَوضِع سَاعَات أَلا ترى أَن الزّاد تبيينٌ لما يطْبخ فِي السَّاعَات وَهِي مُشْتَمِلَة على الزَّاد وَغَيره ويجوة أَيْضا نصب زَاد بِفعل دلّ عَلَيْهِ طبّاخ أَي: يطْبخ زَاد الكسل. هَذَا كَلَامه فتأمّله.
وَقَوله: مشمعل صفة لمجرور ربّ بعد وَصفه بقوله لسليمى. والمشمعلّ: الجادّ فِي الْأَمر الْخَفِيف فِي جَمِيع مَا أَخذ فِيهِ من الْعَمَل وَهُوَ مشدّد اللَّام إلاّ أنّه سكّنها للشعر.
قَالَ المبّرد فِي الْكَامِل: أَمر مُصعب بن الزّبير رجلا من بني أَسد بن خُزَيْمَة يقتل مرّة بن محكان السعديّ فَقَالَ مرّة: الطَّوِيل
(بني أسدٍ إِن تقتلوني تَحَارَبُوا
…
تميماً إِذا الْحَرْب الْعوَان اشمعلت))
(وَلست وَإِن كَانَت إليّ حَبِيبَة
…
بباكٍ على الدّنيا إِذا مَا تولت)
قَالَ المبّرد: واشمعلت: ثارت فأسرعت.
وَأنْشد: ربّ ابْن عمّ لسليمى مشمعل وطبّاخ صفة ثَالِثَة لمجرور ربّ. والْكرَى: النعاس. والكسل بِفَتْح الْكَاف وَكسر السِّين بِمَعْنى الكسلان إلاّ أنّ فِي كسلان مُبَالغَة لَيست فِي الكسل وَهُوَ المتثاقل المتواني. يَقُول: إِذا كسل أَصْحَابه عَن طبخ الزَّاد
عِنْد نزولهم آخر اللَّيْل وَغَلَبَة النعاس عَلَيْهِم كفاهم ذَلِك وشمّر فِي خدمتهم. وَصفَة بالنشاط والمضيّ فِي الْأُمُور وَقت كسل أَصْحَابه وفتورهم. وَالْعرب تفتخر بِمثل هَذَا.
وروى الْمبرد فِي الْكَامِل هَذَا الرجز كَذَا: الرجز
(ربّ ابْن عمّ لسليمى مشمعل
…
أروع فِي السّفر وَفِي الحيّ غزل)
طبّاخ سَاعَات
…
. . إِلَى آخِره والأروع: السَّيِّد الَّذِي يروعك عَظمته وعزّته. والسّفر: جمع سَافر كصحب جمع صَاحب يُقَال: سفرت أَي: خرجت إِلَى السّفر فَأَنا سَافر وَقوم سفر. وغزل بِفَتْح الْغَيْن وَكسر الزَّاي المعجمتين يُقَال: رجلٌ غزل: أَي صَاحب غزل وَهُوَ محادثة النِّسَاء ومراودتهنّ. وَهَذَا الْإِعْرَاب هُوَ مُقْتَضى هَذِه الرِّوَايَة وَسَتَأْتِي الرِّوَايَة الْأَصْلِيَّة.
وَقد نسب الْمبرد هَذَا الرجز إِلَى الشمّاخ بن ضرار وَهُوَ من رجز لجبّار بن جُزْء أخي الشمّاخ يتَعَلَّق بعمّه الشمّاخ. وَهَذَا مدحٌ فِيهِ.
وَهُوَ من جملَة أوجازٍ لجَماعَة لَهَا حكايةٌ مسطورة فِي آخر ديوَان الشمّاخ محصّلها: أنّ الشمّاخ أقبل من مصر وَمَعَهُ أَوْلَاد إخْوَته فِي نَاس من قومه
مِنْهُم جُنْدُب بن عَمْرو وَكَانَ الشمّاخ وَأَصْحَابه يبغضونه لأنّه كَانَ يتحدّث إِلَى امْرَأَة الشمّاخ حتّى إِذا كَانُوا قَرِيبا من تيماء على رَأس مَاء يُقَال لَهُ ثجر بِفَتْح الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْجِيم قَالَ الشمّاخ لحسن بن مزرد: انْزِلْ أحد بالقوم وَكَانُوا كَذَلِك يَفْعَلُونَ: ينزل الرجل فيسوق بِأَصْحَابِهِ ويرتجز بهم وَأمره أَن يعرّض بِامْرَأَة جُنْدُب فَقَالَ: الرجز
(خَلِيل خودٍ غرّها شبابه
…
إِلَى آخر الرّجز))
فَنزل جُنْدُب وحدا بالقوم وعرّض بامراة الشمّاخ وَكَانَت أمّ صبيّ وَاسْمهَا سليمى فَقَالَ: الرجز طيف خيالٍ من سليمى هائجي إِلَى أَن قَالَ: الرجز
(يَا لَيْتَني غير حارج
…
قبل الرّواح ذَات لون باهج)
(أمّ صبيّ قد حبا أَو دارج
…
غرثى الوشاح كزّة الدّمالج)
فَغَضب الشمّاخ لما عرّض بامرأته فَنزل وسَاق بالقوم ورجز رجزين عرّض فيهمَا بِامْرَأَة جُنْدُب إِلَى أَن نزل وحدا جمَاعَة من طرف هَذَا وَجَمَاعَة من قبل ذَاك وكلّ رجل يتعصب لصَاحبه إِلَى أَن تواثبوا بِالسُّيُوفِ.
وَكَانَ مَعَهم رجل من بني أَسد فاقتحم بَينهم فَقَالَ: يَا قوم نهشت نهشت فَلم يزَالُوا يسقونه السّمن واللّبن حتّى لهوا عَن قِتَالهمْ فَأَصْبحُوا وَقد سكنوا.
وَهَذَا رجز جبّار ابْن أخي الشمّاخ بِتَمَامِهِ: قَالَت سليمى لست بالحادي المدل مَا لَك لَا تملك أعضاد الْإِبِل المدل: الَّذِي أدلّ بقوةٍ على شدّة السّير. يَقُول: مَالك تتخلف عَن الْإِبِل لَا تكون عِنْد أعضادها. وَهَذَا خطاب لجندب بِأَنَّهُ ضَعِيف لَا جلد لَهُ.
ربّ ابْن عمّ لسليمى مشمعل يُحِبهُ الْقَوْم وتشناه الْإِبِل أَرَادَ بِابْن العمّ زَوجهَا الشمّاخ. ويحبّه الْقَوْم لِأَنَّهُ يعينهم ويخدمهم مساعدة. وتشنؤه الْإِبِل: أَي تبْغضهُ لأنّه يَسُوقهَا سوقاً عنيفاً بالحداء. ويحبّه: جَوَاب ربّ الْعَامِل فِي مَحل مجرورها.
فِي الشّول وشواشٌ وَفِي الحيّ رفل طبّاخ سَاعَات الْكرَى زَاد الكسل أحوس وسط الْقَوْم بالرّمح الخطل الشّول بِالْفَتْح: الْإِبِل الَّتِي شوّلت أَلْبَانهَا أَي: رفعته. والوشواش بمعجمتين: الْخَفِيف المتسرّع.)
يُرِيد أَنه خَفِيف جلد فِي السّفر يخدمنها ويراعيها وَفِي الْإِقَامَة فِي الحيّ متنعم متحملّ. والجملتان اسميتان
وَقد رُوِيَ بدل هَذَا الْبَيْت مَا نَقَلْنَاهُ عَن المبّرد. وَقَوله: طبّاخ بِالرَّفْع خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ طبّاخ كَمَا هُوَ الظَّاهِر من السيّاق بِخِلَاف مَا تقدّم.
وَفِي طبّاخ مُبَالغَة دون طابخ. والأحوس بمهملتين: الرجل الشَّديد الَّذِي لَا يبرح عِنْد الْقِتَال. والخطّل بِفَتْح الْخَاء وَكسر الطَّاء الطَّوِيل جدا فَوق الْقدر.
(عاذلتي أُبْقِي قَلِيلا من عذل
…
وَإِن تقولي هَالك أقل أجل)
عاذلتي: منادى. والعذل: اللوم. وَمن متعلّقة بِمَحْذُوف. وهَالك أَي: أَنْت هَالك. وأجل: بِمَعْنى نعم.
(قربت عنساً خلقت خلق الْجمل
…
لَا تَشْتَكِي مَا لقِيت من الْعَمَل)
قربت بالتكلم وَالْبناء للْفَاعِل. والعنس بالنُّون: النَّاقة الصّلبة.
مولع يقرو صريماً قد نقل يُرِيد: أَن نَاقَته ضمرت فاسترخت نسوعها أَي: سيورها. ونهل السّوط بدفّيها أَي: بجنبيها.
وعلّ أَي: ضربت بِالسَّوْطِ مرّة بعد مرّة. والمولّع بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول: الثور الوحشيّ شبّه نَاقَته فِي حَال كلالها وتعبها بالثور الوحشيّ فِي حَال مَا رأى الصياد وَقد أَمْسَى اللَّيْل عَلَيْهِ فَهُوَ يسْرع أشدّ مَا يُمكن. ويقرو بِالْقَافِ يُقَال: قروت الْبِلَاد قرواً وقريتها واستقريتها: إِذا تتبعتها تخرج من أَرض إِلَى أَرض. والصّريم: الْقَاطِع يُرِيد رَفِيقه الَّذِي صرمه وَنقل رجله عَنهُ فسبقه.
(صبّ عَلَيْهِ قانصٌ لمّا غفل
…
والشّمس كالمرآة فِي كفّ الأشل)
مقلدات القدّ يقرونَ الدّعل قانص: فَاعل صبّ أَي: أرسل قانصٌ على الثور لّما غفل كلاباً. وَجُمْلَة: وَالشَّمْس كالمرآة حَال إمّا من قانص أَو من فَاعل غفل أَو من ضمير عَلَيْهِ وهما ضمير الثور يُرِيد فِي حَالَة أنّ الشَّمْس قد تنكبت للمغيب. والأشلّ: الَّذِي يَبِسَتْ يَده فَلَا يمْسِكهَا إلاّ منكّسة. والمقلدات بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول يُرِيد كلاباً عَلَيْهَا قلائد من السيّور وَهُوَ مفعول صبّ.)
وَلم يزدْ العبّاسيّ شَارِح شَوَاهِد التَّلْخِيص على قَوْله: اخْتلف فِي قَائِل هَذَا الْبَيْت فَقيل للشمّاخ وَقيل لِأَخِيهِ وَقيل لأبي النّجم وَقيل لِابْنِ المعتز.
وجبّار قَائِل هَذَا الرجز هُوَ بِفَتْح الْجِيم وَالْبَاء الموحّدة وَمَعْنَاهُ ذُو الجبرية وَالْعَظَمَة يُقَال: قوم فيهم جبرية بِفَتْح الْبَاء أَي: عَظمَة وَكبر.
وَنسبه تقدّم فِي تَرْجَمَة عمّه الشمّاخ فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالتسْعين بعد الْمِائَة.