الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَسِيط)
وَقد تقدّم شَرحه مفصّلاً فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة.
وَأنْشد بعده وَهُوَ
3 -
(الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَتَيْنِ)
الطَّوِيل
(وَقد مَاتَ شمّاخ وَمَات مزرّدٌ
…
وأيّ كريمٍ لَا أَبَاك مخلّد)
على أَن إِضَافَة أَبَا إِلَى الضَّمِير بِدُونِ اللَّام شاذّة لَا يُقَاس عَلَيْهَا. قَالَ ابْن السرّاج فِي الْأُصُول: والشاعر قد يضطّرّ فيحذف اللَّام ويضيف قَالَ الشَّاعِر: الوافر
(أَبَا لمَوْت الَّذِي لَا بدّ أنّي
…
ملاقٍ لَا أَبَاك تخوّفيني)
وَقَالَ الآخر:
(وَقد مَاتَ شمّاخٌ وَمَات مزرّدٌ
…
وأيّ كريمٍ لَا أَبَاك مخلّد)
وَكَذَا أنشدهما الْمبرد فِي الْكَامِل.
قَالَ أَبُو عليّ فِي التَّذْكِرَة قَالَ أَبُو عُثْمَان: لم يَجِيء فِي بَاب النَّفْي مثل لَا أَبَاك مُضَافا بِغَيْر لَام إلاّ هَذَا وَحده. وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ.
وَلَا يخفى أَن هَذَا الْبَيْت من قصيدةٍ عينيّة لمسكين الدّارميّ وَلَيْسَ فِيهَا الضَّرُورَة.
وأيّ كريم لَا أَبَا لَك يمْنَع وَهِي قصيدة أورد فِيهَا شعراء كلّ مِنْهُم نسب قَبره إِلَى بَلَده ومسقط رَأسه وَذكر حَال الشُّعَرَاء المتقدّمين وأنّهم ذَهَبُوا وَلم يبْق مِنْهُم أحدٌ يصغّر أَمر الدُّنْيَا ويحقّره.
وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: الطَّوِيل
(وَلست بأحيا من رجالٍ رَأَيْتهمْ
…
لكلّ امْرِئ يَوْمًا حمامٌ ومصرع)
(دَعَا ضابئاً دَاعِي المنايا فَجَاءَهُ
…
وَلما دعوا باسم ابْن دارة أسمعوا)
(وحصنٌ بصحراء الثّويّة بَيته
…
أَلا إنّما الدّنيا متاعٌ يمتّع)
(وَأَوْس بن مغراء القريعيّ قد ثوى
…
لَهُ فَوق أبياتالرّياحيّ مَضْجَع)
(ونابغة الجعديّ بالرّمل بَيته
…
عَلَيْهِ صفيحٌ من رخامٍ مرصّع)
(وَمَا رجعت من حميريّ عصابةٌ
…
إِلَى ابْن وثيلٍ نَفسه حِين تنْزع)
(أرى ابْن جعيلٍ بالجزيرة بَيته
…
وَقد ترك الدّنيا وَمَا كَانَ يجمع))
(بِنَجْرَان أوصال النّجاشيّ أَصبَحت
…
تلوذ بِهِ طيرٌ عكوفٌ ووقّع)
(وَقد مَاتَ شمّاخٌ وَمَات مرزّدٌ
…
وأيّ عَزِيز لَا أَبَا لَك يمْنَع)
(أُولَئِكَ قومٌ قد مضوا لسبيلهم
…
كَمَا مَاتَ لُقْمَان بن عادٍ وتبّع)
قَوْله: ونابغة الجعديّ الخ هَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ وَأَرَادَ بالرمل رمل بني جعدة وَهِي رمالٌ وَرَاء الفلج من طَرِيق الْبَصْرَة إِلَى مكّة. وَابْن
وثيل هُوَ سحيم ابْن وثيل بن حميريّ. وَكَعب بن جعيل دفن بِجَزِيرَة ابْن عمر لأنّها بِلَاد بني تغلب
وَدفن النّجاشيّ بِنَجْرَان لأنّه من الْيمن بِلَاد بني الْحَارِث بن كَعْب.
وَقَوله: وَفد مَاتَ شمّاخ وَمَات مزرّد هما أَخَوان لأَب وأمّ وصحابيان وشاعران.
وَقد تقدّمت تَرْجَمَة الشمّاخ فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالتسْعين بعد الْمِائَة.
واسْمه معقل بن ضرار والمزرّد اسْمه يزِيد بن ضرار وإنّما سمّي مزرّداً بقوله: الطَّوِيل.
(فَقلت تزرّدها عبيد فإنّني
…
لدرد الموَالِي فِي السّنين مزرّدٌ)
وَلَهُمَا أَخ آخر شقيقهما وَهُوَ جُزْء بن ضرار بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الزَّاي بعْدهَا همزَة. وَمَات الشمّاخ وجزءٌ متهاجرين.
وَسبب ذَلِك على مَا روى الكلبيّ أنّ الشمّاخ كَانَ يهوى امْرَأَة من قومه يُقَال لَهَا كلبة بنت جوّال وَكَانَ يتحدّث إِلَيْهَا وَيَقُول فِيهَا الشّعْر فَخَطَبَهَا فأجابته وهمّت أَن تتزوجه ثمَّ خرج إِلَى سفرٍ لَهُ فتزوّجها أَخُوهُ جُزْء فآلى الشمّاخ أَن لَا يكلمهُ أبدا وهجاه بقصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا:
الطَّوِيل
(لنا صاحبٌ قد خَان من أجل نظرةٍ
…
سقيم فؤاد حبّ كلبة شاغلة)
وَقَوله: لَا أَبَا لَك جملَة اعتراضيّة بَين أيّ عَزِيز وَهُوَ مَوْصُوف وَبَين يمْنَع وَهُوَ صفة لأيّ.
وَكَذَلِكَ يخلّد ومخلّد على تِلْكَ الرِّوَايَة.
قَالَ المبرّد فِي الْكَامِل: لَا أَبَا لَك هِيَ كلمة فِيهَا جفَاء وغلظة وَالْعرب تستعملها عِنْد الْحَث على أَخذ الحقّ والإغراء وربّما استعملتها الجفاة من
الْأَعْرَاب عِنْد الْمَسْأَلَة والطلب فَيَقُول الْقَائِل للأمير والخليفة: انْظُر فِي أَمر رعيّتك لَا أَبَا لَك.
وَسمع سُلَيْمَان بن عبد الْملك رجلا من الْأَعْرَاب فِي سنة مُجْدِبَة يَقُول: الرجز
(ربّ الْعباد مَا لنا وَمَا لكا
…
قد كنت تسقينا فَمَا بدا لكا)
أنزل علينا الْغَيْث لَا أَبَا لكا)
فَأخْرجهُ سُلَيْمَان أحسن مخرج. فَقَالَ: أشهد أنّه لَا أَبَا لَهُ وَلَا ولد وَلَا صَاحِبَة وَأشْهد أَن الْخلق جَمِيعًا عباده وَهُوَ الْأَحَد الصَّمد.
وَقَالَ رجلٌ من بني عَامر بن صعصعة أبعد من هَذِه الْكَلِمَة لبَعض قومه: الْكَامِل
(أبني عقيلٍ لَا أَبَا لأبيكم
…
أبيّ وأيّ بني كلابٍ أكْرم)
اه.
وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح بَانَتْ سعاد عِنْد قَوْله: الْبَسِيط اعْلَم أنّ قَوْلهم: لَا أَبَا لَهُ كلامٌ يسْتَعْمل كِنَايَة عَن الْمَدْح والذمّ وَوجه
الأوّل أَن يُرَاد نفي النّظير الممدوح بِنَفْي أَبِيه وَوجه الثَّانِي أَن يُرَاد أنّه مَجْهُول النّسَب. والمعنيان محتملان هُنَا أمّا الثَّانِي فَوَاضِح لأنّهم لما لم يغنوا عَنهُ شَيْئا أَمرهم بتخلية سَبيله ذامّاً لَهُم وأمّا الأوّل فعلى وَجه الِاسْتِهْزَاء انْتهى.
وَزَاد عَلَيْهِ شارحها البغداديّ قَالَ: تَقول الْعَرَب لَا أَبَا لَك وَلَا أَب لَك يسْتَعْمل فِي التفجّع والتعجّب وَيُقَال فِي الْمَدْح والذم وربّما قَالُوا لَا أَبَاك وَهُوَ نَادِر. وأمّا لَا أمّ لَك فَلَا يُقَال إلاّ فِي الذّم وَحده دلّ على ذَلِك استقراء كَلَام الْعَرَب.
وَقَالَ ابْن جنّي فِي الخصائص: إِن قلت إنّ الْألف فِي لَا أَبَا لَك تؤذن بِالْإِضَافَة والتعريف وَاللَّام تؤذن بِالْفَضْلِ والتنكير فقد جمعت على الشَّيْء الْوَاحِد فِي الْوَقْت الْوَاحِد مَعْنيين ضدّين وهما التَّعْرِيف والتنكير. وَهَذَا كَمَا ترى متدافعان قلت: الْفرق وَاضح فإنّه كَلَام جرى مجْرى الْمثل فإنّك لَا تَنْفِي فِي الْحَقِيقَة أَبَاهُ وَإِنَّمَا تخرجه مخرج الدُّعَاء عَلَيْهِ أَي: أَنْت عِنْدِي مّمن يستحقّ أَن يدعى عَلَيْهِ بفقد أَبِيه. كَذَا فسّره أَبُو عليّ وَكَذَلِكَ هُوَ لمتأمّله أَلا ترى أَنه قد أنْشد توكيداً لما رَآهُ من هَذَا الْمَعْنى فِيهِ قَوْله: الطَّوِيل وتترك أُخْرَى فردةً لَا أَخا لَهَا وَلم يقل لَا أُخْت لَهَا وَلَكِن لّما جرى هَذَا الْكَلَام على أَفْوَاههم لَا أَبَا لَك وَلَا أَخا لَك قيل مَعَ المؤنّث على حدّ مَا يكون عَلَيْهِ مَعَ المذكّر
فَجرى نَحوا من قَوْلهم لكلّ أحدٍ: من ذكر وَأُنْثَى واثنين واثنتين وَجَمَاعَة: الصّيف ضيّعت اللَّبن على الأنيث لأنّه كَذَا جرى أوّله.
وَأما قَوْله:
(أَبَا لمَوْت الَّذِي لَا بدّ أنّي
…
ملاقٍ لَا أَبَاك تخوّفيني))
فقد قَالَ شَارِح أبي عليّ الفارسيّ: هُوَ لأبي حيّة النّميريّ قَالَه أَبُو عَمْرو قَالَ: جلبه أَبُو عليّ شَاهدا على حذف هَذِه اللَّام ضَرُورَة فثبوت الْألف فِي أَبَا دَلِيل الْإِضَافَة والتعريف وَوُجُود اللَّام دَلِيل الْفَصْل والتنكير. حذف لَام الجرّ وَهُوَ
يريدها وَلَوْلَا أنّها فِي حكم الثّابت فِي اللَّفْظ لما عملت لَا لأنّها لَا تعْمل إلاّ فِي نكرَة. فأمّا دلَالَة الْألف فِيهِ وَحذف النُّون من نَحْو لَا يَدي بهَا لَك على إِرَادَة الْإِضَافَة فلأنّ وجود الْعَمَل مانعٌ فِيهَا من اللَّفْظ فضعف اقْتِضَاء الْمَعْنى مَعَ وجود الْمَانِع اللفظيّ. فإنّ هَذَا مثلٌ لم يقْصد بِهِ نفي الْأَب وإنّما قصد بِهِ الذمّ. وَكَذَلِكَ لَا يَدي لَك إنّما المُرَاد لَا طَاقَة لَك بهَا.
وَهُوَ قِيَاس من النّحويين على قَوْلهم لَا أَبَا لَك. وَفِي الْكتاب: لَا أَبَا فَاعْلَم لَك وَفِيه دَلِيل على أنّه لَيْسَ بمضاف. وَيجوز أَن تكون الْألف لَام الْكَلِمَة كَمَا قَالَ: الرجز فأمّا قَوْله تخوّفيني فإنّه أَرَادَ تخوفينني فَحذف إِحْدَى النونين: فَقيل حذف الأولى كَمَا حذف الْإِعْرَاب فِي قَول امْرِئ الْقَيْس:
السَّرِيع فاليوم أشْرب غير مستحقبٍ
وَقَالَ المبّرد حذف الثَّانِيَة وَهُوَ أولى لأنّها إِنَّمَا زيدت مَعَ الْيَاء لتقي الْفِعْل من الكسرة وَالْأولَى عَلامَة الرّفْع انْتهى كَلَامه.
وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك علم أنّ قَوْلهم لَا أَبَا لَك إنّما فِيهِ تعادي ظَاهره واجتماع صُورَتي الْفَصْل والوصل والتعريف والتنكير لفظا لَا معنى
…
. وَنحن إنّما عَقدنَا فَسَاد الْأَمر وصلاحه على الْمَعْنى كَأَن يكون الشَّيْء الْوَاحِد فِي الْوَقْت الْوَاحِد قَلِيلا كثيرا. هَذَا مَا لَا يدّعيه مدّع.
ويؤكد عنْدك خُرُوجه مخرج الْمثل كثرته فِي الشّعْر وأنّه يُقَال لمن لَهُ أَب وَلمن لَيْسَ لَهُ أَب. وَهُوَ دُعَاء فِي الْمَعْنى لَا محَالة وَإِن كَانَ فِي اللَّفْظ خَبرا وَلَو كَانَ دُعَاء مصرّحاً وأمراً مغنيّاً لما جَازَ أَن يُقَال لمن لَا أَب لَهُ لأنّه إِذا كَانَ لَا أَب لَهُ لم يجز أَن يدعى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ فِيهِ لَا محَالة فَيعلم أنّه لَا حَقِيقَة لمعناه مُطَابقَة للفظه وإنّه لَا حَقِيقَة لمعناه مُطَابقَة للفظه وإنّما هِيَ خَارِجَة مخرج الْمثل قَالَ عنترة: الْكَامِل
(فاقني حياءك لَا أَبَا لَك واعلمي
…
أنّي امرؤٌ سأموت إِن لم أقتل)
…
(ألق الصّحيفة لَا أَبَا لَك إنّه
…
يخْشَى عَلَيْك من الحباء النّقرس)
وَقَالَ:)
(أَبَا لمَوْت الَّذِي لَا بدّ أنّي
…
ملاقٍ لَا أَبَاك تخوّفيني)
أَرَادَ: لَا أَبَا لَك فَحذف اللَّام.
وَقَالَ جرير: يَا تيم تيم عديّ لَا أَبَا لكم وَهَذَا أقوى دَلِيل على كَونه مثلا لَا حَقِيقَة. أَلا ترى أَنه لَا يجوز أَن يكون لتيم كلّها أبٌ وَاحِد وَلَكِن مَعْنَاهُ كلّكم أهل للدّعاء عَلَيْهِ والإغلاظ لَهُ.
وَقَالَ الحطيئة: الطَّوِيل
(أقلّوا عَلَيْهِم لَا أَبَا لأبيكم
…
من اللوم أَو سدّوا الْمَكَان الَّذِي سدوا)
فَإِن قلت: فقد أثبت الحظيئة فِي هَذَا الْبَيْت مَا نفيته فِي الْبَيْت قبله فَجعل للْجَمَاعَة أَبَا وَاحِدًا وَأَنت قلت إنّه لَا يكون لجَماعَة تيم أبٌ وَاحِد. قيل: الْجَواب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أنّه مثلٌ لَا يُرِيد حَقِيقَة الْأَب وإنّما غَرَضه الدّعاء مُرْسلا ففحّش بِذكر الْأَب.
وَالْآخر: يجوز أَن يُرِيد بأبيكم الْجمع أَي: لَا أَبَا لآبائكم يُرِيد الدّعاء على آبَائِهِم من حَيْثُ