الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموع أَن يكون الِاسْم الْمظهر على حرف مُفْرد. هَذَا كَلَامه وَمِنْه تعلم أنّ نقل الشَّارِح المحقّق عَن أبي عليّ خلاف مذْهبه.
وَأنْشد بعده وَهُوَ
3 -
(الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الثلاثمائة)
الوافر
(كفي بالنّأي من أَسمَاء كَافِي)
على أنّ الْوَقْف على الْمَنْصُوب بِالسُّكُونِ لُغَة فَإِن كَافِيا مفعول مُطلق وَهُوَ مصدر مؤكّد لقَوْله كفى وَكَانَ الْقيَاس أَن يَقُول كَافِيا بِالنّصب لكنّه حذف تنوينه ووقف عَلَيْهِ بِالسُّكُونِ والمنصوب حقّه أَن يُبدل تنوينه ألفا. وكَاف من المصادر الَّتِي جَاءَت على وزن اسْم الْفَاعِل قَالَ المرزوقيّ فِي شرح الفصيح: يُرِيد كفى النأي من أَسمَاء كفايةُ وَهُوَ اسْم فَاعل وضع مَوضِع الْمصدر كَقَوْلِهِم: قُم قَائِما وعوفي عَافِيَة وفلج فالجاً. وَكَانَ يجب أَن يَقُول كَافِيا لكنّه حذف الفتحة كَمَا تحذف الضمّة والكسرة. انْتهى.
وَكَذَلِكَ الزمخشريّ أوردهُ فِي المفصّل فِي المصادر الَّتِي جَاءَت على صِيغَة اسْم الْفَاعِل. والنأي: الْبعد وَهُوَ فَاعل كفى وَالْبَاء زَائِدَة فِي الْفَاعِل كَقَوْلِه تَعَالَى:
كفى بِاللَّه شَهِيدا.
وَهَذَا صدر وعجزه: وَلَيْسَ لنأيها إِذْ طَال شافي وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدةٍ لبشر بن أبي خازم مدح بهَا أَوْس بن حَارِثَة بن لأم لّما خلّى سَبيله من الْأسر وَالْقَتْل. وشاف: اسْم لَيْسَ. ولنأيها: متعلّق بِهِ وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: عِنْدِي أَو مَوْجُود. وفاعل طَال ضمير النأي. وإِذْ تعليليّة متعلّقة بشاف. وَجُمْلَة وَلَيْسَ لنأيها الخ معطوفة على مَا قبلهَا أَي: يَكْفِينِي بعْدهَا بلَاء فَلَا حَاجَة إِلَى بلاءٍ آخر إِذْ هُوَ الْغَايَة وَلَا شِفَاء لي من مرض بعْدهَا مَعَ
طوله. وَيجوز أَن تكون الْوَاو للْحَال.)
وَقَالَ معمر بن المثنّى شَارِح ديوَان بشر وَهُوَ عِنْدِي بخطّه وَهُوَ خطٌّ كوفيٌّ: الْمَعْنى لَا يُصِيبنِي بعد هَذَا شيءٌ النَّاشِئ من بعْدهَا.
ويروى أَيْضا: وَلَيْسَ لسقمها أَي: السّقم الَّذِي حصل لي مِنْهَا. هَذَا كَلَامه وَلَيْسَ وَرَاء عبّادان قَرْيَة.
وروى شرّاح المفصّل المصراع الثَّانِي كَذَا: وَلَيْسَ لحبّها إِذْ طَال شافي
قَالَ شَارِح أبياته وَهُوَ بعض فضلاء الْعَجم: قَوْله: لحبّها مفعول شافي وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: وَرَوَاهُ المظفّريّ فِي شَرحه: ولَيْسَ بحبّها بالموحّدة وَقَالَ: أَي لَيْسَ حبّها شافياً إِذْ طَال يَعْنِي يحصل الشِّفَاء من وَصلهَا لَا بحبّها. وبشر بن أبي خازم بِكَسْر الموحّدة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وخازم بِالْخَاءِ وَالزَّاي المعجمتين.
قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: بشر بن أبي خازم هُوَ من بني أَسد جاهليّ قديم وَشهد حَرْب أَسد وطيّئ وَشهد هُوَ وَابْنه نوفلٌ الْحلف بَينهمَا.
قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: فحلان من فحول الجاهليّة كَانَا يقويان: بشر بن أبي خازم والنابغة الذبيانيّ: فأمّا النَّابِغَة فَدخل يثرب فغنّي بِشعرِهِ فَفطن فَلم يعد للإقواء. وَأما بشر فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ سوَادَة: إنّك لتقوي قَالَ: وَمَا الإقواء قَالَ: قَوْلك: الوافر
(ألم تَرَ أنّ طول الدّهر يسلي
…
وَيُنْسِي مثل مَا نسيت جذام)
ثمَّ قلت:
(وَكَانُوا قَومنَا فبغوا علينا
…
فسقناهم إِلَى الْبَلَد الشّآم)
فَلم يعد للإقواء. اه.
وَأوردهُ محمّد بن حبيب فِي كتاب أَسمَاء من قتل من الشُّعَرَاء فَقَالَ: وَمِنْهُم بشر بن أبي خازم الأسديّ وَكَانَ أغار فِي مقنبٍ من قومه على الْأَبْنَاء
من بني صعصعة بن مُعَاوِيَة وكلّ بني صعصعة إلاّ عَامر بن صعصعة يدعونَ الْأَبْنَاء وهم: وائله ومازن وسلول فَلَمَّا جالت الْخَيل مرّ بشرٌ بغلامٍ من بني وائلة فَقَالَ لَهُ بشر: استأسر.
فَقَالَ لَهُ الوائلي: لتذهبن أَو لأرشقنك بسهمٍ من كِنَانَتِي: فَأبى بشرٌ إلاّ أسره فَرَمَاهُ بِسَهْم على ثندوته فاعتنق بشرٌ فرسه وَأخذ الْغُلَام فأوثقه فلمّا كَانَ فِي اللَّيْل أطلقهُ بشرٌ من وثَاقه وخلّى)
سَبيله وَقَالَ: أعلم قَوْمك أنّك قتلت بشرا. وَهُوَ قَوْله: الوافر
(وإنّ الوائليّ أصَاب قلبِي
…
بسهمٍ لم يكن نكساً لغابا)
فِي شعر طَوِيل اه.
وَكَانَ بشر أوّلاً يهجو أَوْس بن حَارِثَة بن لأم وَكَانَ أوسٌ نذر لَئِن ظفر بِهِ ليحرّقنه فَلَمَّا تمكّن أطلقهُ وَأحسن إِلَيْهِ فمدحه. وَهَذِه القصيدة الفائيّة أول القصائد الَّتِي مدحه بهَا. وَلما لم يكن فِيهَا شَيْء من الشواهد سوى المطلع اكتفينا بِهِ وَمَا زِدْنَا عَلَيْهِ شَيْئا. وعدّتها اربعة وَعِشْرُونَ بَيْتا.
وأوسٌ هَذَا مّمن يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْكَرم والجود يُقَال لَهُ ابْن سعدى قَالَ جرير: الوافر
(وَمَا كَعْب بن مامة وَابْن سعدى
…
بأجود مِنْك يَا عمر الجودا)
وَسبب هجاء بش لأوس هُوَ مَا حَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاس المبّرد فِي الْكَامِل قَالَ: أَوْس بن حَارِثَة بن لأم الظائيّ كَانَ سيداً مقدّماً وَفد ههو وحاتم بن عبد الله الطَّائِي على عَمْرو بن هندٍ وَأَبوهُ الْمُنْذر بن الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء فَدَعَا أَوْسًا
فَقَالَ: أَأَنْت أفضل أم حَاتِم فَقَالَ: أَبيت اللّعن لَو ملكني حاتمٌ وَوَلَدي ولحمتي لوهبنا فِي غذاةٍ وَاحِدَة ثمَّ دَعَا حاتماً فَقَالَ: أَأَنْت أفضل أم أَوْس فَقَالَ: أَبيت اللّعن إنّما ذكرت بأوس ولأحد وَلَده أفضل منّي.
وَكَانَ النُّعْمَان بن الْمُنْذر دَعَا بحلّةٍ وَعِنْده وُفُود الْعَرَب من كلّ حيّ فَقَالَ: احضروا فِي غدٍ فإي ملبسٌ هَذِه الحلّة أكْرمكُم. فَحَضَرَ الْقَوْم جَمِيعًا إلاّ أَوْسًا فَقيل لَهُ: لم تتخلّف فَقَالَ: إِن كَانَ المُرَاد غَيْرِي فأجمل الْأَشْيَاء أَلا أكون حَاضرا وإ كنت المُرَاد فسأطلب وَيعرف مَكَاني فَلَمَّا جلس النُّعْمَان لم ير أَوْسًا فَقَالَ: اذْهَبُوا إِلَى أَوْس فَقولُوا لَهُ: احضر آمنا مِمَّا خفت. فَحَضَرَ فألبسه الحلّة فحسده قومٌ من أَهله فَقَالُوا للحطيئة: اهجه وَلَك ثلثمِائة نَاقَة. فَقَالَ الحطيئة: كَيفَ أهجو رجلا لَا أرى فِي بَيْتِي أثاثاً وَلَا مَالا إلاّ من عِنْده ثمَّ قَالَ: الْبَسِيط
(كَيفَ الهجاء وَمَا تنفكّ صالحةٌ
…
من آلأ لأم بِظهْر الْغَيْب تَأتِينِي)
فَقَالَ لَهُ بشر بن أبي خازم أحد بني أَسد بن خُزَيْمَة: أَنا أهجو
لكم. فَأخذ الأغبل وَفعل فَأَغَارَ أَوْس عَلَيْهَا فاكتسحها فَجعل لَا يستجير حيّاً إلاّ قَالَ قد أجرتك إلآّ من أَوْس.
وَكَانَ فِي هجائه قد ذكر أمّه فَأتي بِهِ فَدخل أوسٌ على أمّه فَقَالَ: قد أَتَيْنَا ببشرٍ
الهاجي لَك ولي فَمَا تَرين فِيهِ قَالَت: أَو تطيعني فِيهِ قَالَ: نعم. قَالَت: أرى أَن تردّ عَلَيْهِ مَاله وَتَعْفُو عَنهُ وتحبوه وأفعل مثل ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يغسل هجاءه إلاّ مدحه فَخرج فَقَالَ: إنّ أمّي سعدى الَّتِي)
كنت تهجوها قد أمرت فِيك بِكَذَا وَكَذَا فَقَالَ: لَا جرم وَالله لَا مدحت حتّى أَمُوت أحدا غَيْرك. فَفِيهِ يَقُول: الوافر
(إِلَى أَوْس بن حَارِثَة بن لأمٍ
…
ليقضي حَاجَتي فِيمَن قَضَاهَا)
(فَمَا وطئ الثّرى مثل ابْن سعدى
…
وَلَا لبس النّعال وَلَا احتذاها)
هَذَا مَا أروده المبّرد وَلم يذكر كَيفَ تمكّن مِنْهُ أَوْس.
وَقد حَكَاهُ معمر بن المثنّى فِي شَرحه قَالَ: إنّ بشر بن أبي خازم غزا طيئاً ثمَّ بني نَبهَان فجرح فأثقل جراحه وَهُوَ يَوْمئِذٍ بحمى أحدٍ أَصْحَابه وإنّما كَانَ فِي بني والبة فأسرته بَنو نَبهَان فخبؤوه كَرَاهِيَة أَن يبلغ أَوْسًا فَسمع أوسٌ أَنه عِنْدهم فَقَالَ: وَالله لَا يكون بيني وَبينهمْ خير أبدا أَو يَدْفَعُوهُ ثمَّ أَعْطَاهُم مِائَتي بعير وَأَخذه مِنْهُم فجَاء بِهِ وأوقد لَهُ نَارا ليحرّقه وَقَالَ بعض بني أَسد: لم تكن نَار ولكنّه أدخلهُ فِي جلد بعير حِين سلخه وَيُقَال جلد كَبْش ثمَّ تَركه حتّى جفّ عَلَيْهِ فَصَارَ فِيهِ كَأَنَّهُ العصفور فَبلغ ذَلِك سعدى بنت حُصَيْن الطائيّة وَهِي سيّدة فَخرجت إِلَيْهِ فَقَالَت: