الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. (وَكَانَ لَهُ الوليدج نديم صدقٍ
…
فنادم قَبره قبر الْوَلِيد)
وَأنْشد بعده: أَلا رجلٍ على أنّ رجلا مجرور بِمن المقدّرة. وَهُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ:
(أَلا رجلٍ جزاه الله خيرا
…
يدلّ على محصّلةٍ تبيت)
وَذكر الشَّارِح المحقّق هُنَاكَ أَن رجل يرْوى أَلا رجلا وبالرفع وبالجرّ.
وَأنْشد بعده وَهُوَ
3 -
(الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ)
الْكَامِل
(حنّت نوار ولات هنّا حنّت
…
وبدا الَّذِي كَانَت نوار أجنّت)
على أنّ هنّا فِي الأَصْل للمكان استعير للزمان وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة الفعلية وَهُوَ حنت.
يُرِيد أَن لات مَعَ هنّا عاملة عمل لَيْسَ أَيْضا لَا مُهْملَة وإلاّ لما احْتَاجَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيل فِي هنّا. وَاعْلَم أنّ هنّا بِفَتْح الْهَاء وَكسرهَا مَعَ تَشْدِيد النُّون ححاهما السيرافيّ وَقَالَ: الْكسر رَدِيء.
وَوهم العينيّ هُنَا فضبط الْهَاء بِالضَّمِّ وَتَبعهُ السيوطيّ فِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي. وَهِي عِنْد أهل اللُّغَة قاطبة اسْم إِشَارَة
للقريب وَعند ابْن مَالك للبعيد.
قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هنّا بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد مَعْنَاهُ هَاهُنَا وهنّاك أَي: هُنَاكَ. قَالَ: الرجز
(لمّا رَأَيْت محمليها هنّا
…
محدّرين كدت أَن أجنّا)
وَمِنْه قَوْلهم: تجمعُوا من هنّا وَمن هنّا أَي: من هَاهُنَا وَمن هَاهُنَا. انْتهى.
وَمن لَازم اسْم الْإِشَارَة التَّعْرِيف وَعدم إِضَافَته إِلَى شَيْء وَقد ورد فِي الشّعْر كثيرا لات هنّا فالتزم أَبُو عليّ الفارسيّ وَتَبعهُ ابْن مَالك إهمال لات لأنّها لَا يصحّ إعمالها فِي معرفَة وَمَكَان وَقَالا: إِذا دخلت لات على هنّا كَانَت مُهْملَة وَكَانَت هنّا مَنْصُوبَة على الظّرْف فِي مَوضِع رفع على الْخَبَر لمبتدأ بعْدهَا سَوَاء كَانَ اسْما نَحْو: الْخَفِيف لات هنّا ذكرى جبيرَة
وَأورد عَلَيْهِ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَفِي شرح شواهده أنّ فِيهِ الْجمع بَين معموليها وَإِخْرَاج هنّا)
عَن الظرفيّة وإعمال لات فِي معرفَة ظَاهِرَة وَفِي غير الزَّمَان وَهُوَ جملَة النائبة عَن الْمُضَاف وَحذف الْمُضَاف إِلَى جملَة. انْتهى.
وَذهب بعض شرّاح المفصّل إِلَى أنّ هنّا خبر لات وَاسْمهَا مَحْذُوف وأنّ هنّا بِمَعْنى الْحِين وَالتَّقْدِير لَيْسَ الْحِين حِين حنينها.
وَهَذَا مُرَاد الشَّارِح المحقّق: فَقَوله: إنّ هنّا فِي الأَصْل للمكان استعير للزمان قصد بِهِ الردّ على أبي عليّ وَمن تبعه بأنّ هنّا لَيست على أَصْلهَا
حتّى يلْزم الْمَحْذُور بل قد استعيرت للزمان فَهِيَ ظرف بِمَعْنى حِين وَكَانَ أَصْلهَا الْإِشَارَة للمكان فتوسّع فِيهَا فَجعلت مجرّدة للزمان.
وَالْمعْنَى فِي جَمِيع مَا ورد شَاهد لَهُ فتيقى لات على مَا عهد لَهَا من الْعَمَل عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَمن وَقَوله: وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة أَرَادَ بِهِ الردّ على ابْن عُصْفُور: بأنّ هنّا خبر لات لَا اسْمهَا وأنّها مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة بعْدهَا لَا أنّ الْجُمْلَة خبر لات بِتَقْدِير مُضَاف.
وَالشَّارِح المحقّق قد أَخذ كَلَامه هَذَا من الْإِيضَاح لِابْنِ الْحَاجِب فإنّه قَالَ فِي فصل إِضَافَة أَسمَاء الزَّمَان إِلَى الْجمل: هنّا فِي قَوْله: لولات هنّا حنّت الْبَيْت مَحْمُول على الزَّمَان لأمور: أَحدهَا: أنّ لَا الَّتِي لنفي الْجِنْس المكسوعة بالتّاء لَا تدخل إلاّ على الأحيان.
وَالثَّانِي: أنّ الْمَعْنى إِنْكَار الحنين بعد الْكبر وَذَلِكَ إنّما ينحقّق بِالزَّمَانِ لَا بِالْمَكَانِ.
وَالثَّالِث: أنّه لَو جعل للمكان لم يصحّ إِضَافَته إِلَى الْفِعْل إِذْ لم يضف من أَسمَاء الْمَكَان إِلَى الْأَفْعَال إلاّ الظروف غير المتمكنة كحيث. انْتهى.
وَقد ذهب ابْن الخبّاز أَيْضا فِي النِّهَايَة إِلَى هنّا مضافةٌ إِلَى الْجُمْلَة بعْدهَا.
نَقله عَنهُ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده وردّه بِأَن اسْم الْإِشَارَة لَا يُضَاف. وَهَذَا الردّ غير متّجه فإنّ من يَجْعَلهَا مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة كالزمخشري
فِي المفصّل لم يقل
إنّها اسْم إِشَارَة مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة إِذْ من الْقَوَاعِد أنّ أَسمَاء الْإِشَارَة لَا تصحّ إضافتها إِلَى شَيْء وإنّما هِيَ عِنْده مجردّة لِمَعْنى الْحِين.
وَبِمَا ذكرنَا يسْقط أَيْضا توقّف الدّمامينيّ فِي شرح التسهيل عِنْدَمَا نقل كَلَام الشَّارِح هُنَاكَ وَقَالَ: قَوْله: وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة إِن كَانَ مَعَ الْتِزَام أَنه اسْم إِشَارَة فمشكل لِأَنَّهُ لَا يُضَاف وَإِن كَانَ مَعَ ادّعاء التجرّد عَنْهَا فَيحْتَاج إِلَى نقل هـ.
وَمِنْه تعلم فَسَاد كَلَام الشاطبيّ أَيْضا وَجعله هنّا اسْم إِشَارَة للزمان مَعَ إِعْمَال لات فإنّه قَالَ:)
فَإِن قيل من شَرط لات عَملهَا فِي زمَان منكّر.
وَقَوْلهمْ ولات هنّا حنّت وَنَحْوه هنّا فِيهِ معرفَة وَهِي إِشَارَة للمكان. . فَالْجَوَاب أنّ هنّا لَا تختصّ بِالْإِشَارَةِ إِلَى الْمَكَان بل قد يُرَاد بهَا الزَّمَان وَمن ذَلِك هَذِه الْمَوَاضِع فإنّ مَعْنَاهَا الْإِشَارَة إِلَى الزَّمَان أَي: ذكرى جبيرَة لَيْسَ فِي هَذَا الزَّمَان وحنينها لَيْسَ فِي هَذَا الْوَقْت. وأمّا عَملهَا فِي الْمعرفَة فإنّها عِنْد ابْن مَالك غير عاملة فِي هَذِه الْمَوَاضِع هـ.
فغن قلت: كَيفَ الْتزم الشَّارِح المحقّق أَن يُضَاف هنّا إِلَى الْجُمْلَة وَقد وَقع بعْدهَا الْمُفْرد فِي قَول الْأَعْشَى: الْخَفِيف
(لات هنّا ذكرى جبيرَة أم من
…
جَاءَ مِنْهَا بطائف الْأَهْوَال)
وَفِي قَول الطّرمّاح: الْخَفِيف
(لات هنّا ذكرى بلهنية الدّه
…
ر وأنّي لذِي السّنين المواضي)
قلت: ذكرى مفعول مُطلق عَامله مَحْذُوف أَي: لات هنّا أذكر ذكرى جبيرَة فالجملة محذوفة والحنين: الشوق ونراع النَّفس إِلَى الشَّيْء. وَالتَّاء من حنّت وأجنّت مَكْسُورَة
للوزن. ونوار: فَاعل حنّت مبنيّ على الْكسر فِي لُغَة الْجُمْهُور وَعند تَمِيم مُعرب لَا ينْصَرف وَهُوَ من أَسمَاء النِّسَاء مَأْخُوذ من نارت الْمَرْأَة تنور: إِذا نفرت من الرِّيبَة وَجمع نوار بِالضَّمِّ. وَجُمْلَة ولات هنّا حنّت حَال من نوار.
قَالَ ابْن هِشَام: وَتَكون حَالا إِذا وَقعت بعد الْوَاو. وبدا بِمَعْنى ظهر. ونوار الثَّانِي قد وضع مَوضِع الضَّمِير. وأجنّت بِالْجِيم: أخفت وسترت.
وَبعد هَذَا الْبَيْت بَيت ثانٍ لَا ثَالِث لَهُ وَهُوَ: الْكَامِل
(لما رَأَتْ مَاء السّلى مشروباً
…
والفرث يعصر فِي الْإِنَاء أرنّت)
والسّلى بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَالْقصر هِيَ الْجلْدَة الرقيقة الَّتِي يكون الْوَلَد فِيهَا من الْمَوَاشِي وَهِي المشميمة لَهُ. والفرث بِالْفَتْح: السّرجين مَا دَامَ فِي الكرش. وأرنّت من الرّنّة وَهُوَ الصَّوْت يُقَال: رنّت ترنّ رنيناً وأرنّت إرناناً: إِذا صاحت. وإنّما صاحت نوار وبكت لأنّها تيقنت فِي تِلْكَ الْمَفَازَة الْهَلَاك حَيْثُ لَا مَاء إلاّ مَا يعصر من فرث الْإِبِل وَمَا يخرج من المشيمة من بطونها.
وَهَذَانِ البيتان اخْتلف فِي قائلهما:)
فَقيل: شبيب بن جعيل التغلبيّ وَهُوَ جاهليّ. وَإِلَيْهِ ذهب الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف قَالَ: وشبيب هَذَا كَانَ بَنو قُتَيْبَة الباهليّون
أسروه فِي حَرْب كَانَت بَينهم وَبَين بني تغلب فَقَالَ شبيب هذَيْن الْبَيْتَيْنِ لما رأى أمّه نوار أرنّت وَهِي بنت عَمْرو بن كُلْثُوم.
وَقيل: هُوَ حجل بن نَضْلَة وَهُوَ جاهليّ أَيْضا. وَهُوَ قَول أبي عبيد وَتَبعهُ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء وَأَبُو عليّ فِي الْمسَائِل البصرية قَالُوا: قالهما فِي نوار بنت عَمْرو بن كُلْثُوم لما أسرها يَوْم طلح فَركب بهَا الفلاة خوفًا من أَن يلْحق. وَالله أعلم.
وَمِنْه تعرف أنّه لَا وَجه لقَوْل ابْن الْحَاجِب المتقدّم هنّا: إنّ معنى الْبَيْت إِنْكَار الحنين بعد الْكبر وَذَلِكَ إنّما يتحقّق بِالزَّمَانِ لَا بِالْمَكَانِ.
قَالَ ابْن قُتَيْبَة والآمدي: قد نقص حرف من فاضلة الْبَيْت الثَّانِي وَبَعض النَّاس يسمّون هَذَا إقواء لأنّه نقص من عروضه قوّة وَكَانَ يَسْتَوِي الْبَيْت بِأَن يَقُول متشرّباً.
يُقَال أقوى فلَان الْحَبل: إِذا جعل إِحْدَى قواه أغْلظ من الْأُخْرَى. وَالْمَشْهُور أنّ الأغقواء كَمَا قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء وَهُوَ اخْتِلَاف الْإِعْرَاب فِي القوافي: وَذَلِكَ أَن تكون قافية مَرْفُوعَة واخرى مجرورة. وَبَعض النَّاس يسمّي هَذَا الِاخْتِلَاف الإكفاء هـ.
وجعيل بِضَم الْجِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة. والتّغلبيّ بِالْمُثَنَّاةِ من فَوق بعْدهَا غين مُعْجمَة. وعَمْرو بن كُلْثُوم هُوَ صَاحب الْمُعَلقَة إِحْدَى المعلقات السَّبع وَقد تقدّمت تَرْجَمته.
وحجل بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم. ونَضْلَة بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة. تَتِمَّة قَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح شَوَاهِد المفصّل عِنْد شرح هَذَا الْبَيْت: نوار اسْم لابنَة عبد شمس وَكَانَت قد عشقت ملكا فهمّ الْملك بِأَن يُوقع بِعَبْد شمس فشعرت نوار بذلك وآذنت أَبَاهَا فَقَالَ رجل من أقربائها: حنّت نوار أَي: اشتاقت إِلَى من تحبه وَلَيْسَ الْوَقْت وَقت الحنين والاشتياق إِلَيْهِ لظُهُور الْعَدَاوَة بَيْننَا وَظهر الَّذِي كَانَت هَذِه الْمَرْأَة أجنّته وسترته من الاشتياق.
هَذَا كَلَامه وَهُوَ خطأ فَاحش وَمَا قَالَه شرحٌ لمثل: وَهُوَ حنّت ولات هنت وإنّي لَك مقروع.
وَقد خبط خبط عشواء أَيْضا فِي بَيَانه كَمَا يعلم وَجهه مِمَّا سَيَأْتِي.
وَهَذَا الْمثل أوردهُ الجوهريّ فِي مَادَّة لَيْت وَفِي مَادَّة هنن وَزعم أَنه شعر وَلَيْسَ كَذَلِك وَغنما)
هُوَ نثر. قَالَ: يُقَال: هنّ يهنّ هنيناً أَي: حنّ.
وَذكره أَبُو عبيد فِي مِثَاله وَالرِّوَايَة عِنْده حنّت ولات هنّت إِلَى آخِره قَالَ: يضْرب مثلا لمن يتهم فِي حَدِيثه وَلَا يصدق.
وأوّل من قَالَه مَازِن بن مَالك بن عَمْرو بن تَمِيم لابنَة اخيه الهيجمانة بنت العنبر ابْن عَمْرو بن تَمِيم حِين أخْبرت أَبَاهَا أنّ عبد شمس بن سعد بن زيد مَنَاة يُرِيد أَن يُغير عَلَيْهِم فاتّهمها مَازِن لِأَن عبد شمس كَانَ يهواها وَكَانَت تهواه فَقَالَ مَازِن هَذِه الْمقَالة. انْتهى كَلَامه.
وَأوردهُ صَاحب اللّبَاب للردّ على أبي عبيد فِي زَعمه أنّ تَاء لَا تحين من الْحِين. قَالَ شَارِحه الفالي: وَجه الِاسْتِدْلَال أنّ التَّاء دخلت مَعَ لَا على هنّت فَلَيْسَ جُزْءا من الْحِين وهنّت بِمَعْنى حنّت ومقروع: لقب عبد شمس بن سعد وَفِيه
يَقُول مَازِن بن مَالك فِي الهيجمانة بنت العنبر بن تَمِيم.
حنّت ولات هنّت وأنّي لَك مقروع وَهُوَ مثل وَأَصله أنّ الهيجمانة بنت الهنبر كَانَت تعشق عبد شمس وَكَانَ يلقّب بمقروع فَأَرَادَ أَن يُغير على قَبيلَة الهيجمانة وَعلمت بذلك فَأخْبرت أَبَاهَا فَقَالَ مَازِن: حنّت ولات هنّت أَي: اشتاقت وَلَيْسَ وَقت اشتياقها. ثمّ رَجَعَ من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب فَقَالَ: وأنّي لَك مقروع أَي: من أَيْن تظفرين بِهِ. يضْرب لمن يحنّ إِلَى مَطْلُوبه قبل أَوَانه. انْتهى.