الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه ما من ميت إلا وروحه بيد ملك الموت، فهم يغسلونه ويكفنونه، وهو يرى ما يصنع أهله، فلو أنه يقدر على الكلام لنهاهم عن الرَّنَّة والعَوِيل
(1)
"
(2)
.
1000 -
حدثني محمد بن عثمان العقيلي قال: سمعت يحيى الحماني قال: دخل حماد بن مغيث على ابن السماك يعوده في مرضه، فقال: سمعت سفيان يقول: "إنه ليعرف كل شيء -يعني الميت
(3)
- حتى إنه ليناشد غاسله باللَّه إلا خففت غسلي"
(4)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة إثبات تلاقي الأرواح بعد موت الإنسان، حيث تتلاقى وتتزاور فيما بينهما، كما تتلقى من يموت حديثا وتستخبره عن أحوال من تعرفه من أهل الدنيا، فتسر بحسناتهم، وتحزن لقبيح فعالهم، وقد اعتنى العلماء بهذه المسألة وعقدوا لها أبوابا مستقلة في كتبهم حتى
= (106 هـ)، التقريب (743).
(1)
الرنة هي الصياح، والعويل رفع الصوت بالبكاء، مختار الصحاح (467).
(2)
إسناده حسن إلى بكر، المنامات (15 - 16) رقم (10)، وذكره ابن رجب (298)، والسيوطي (95).
(3)
في الأصل الموت، والتصويب من طبعة عبد القادر عطا.
(4)
إسناده حسن؛ فيه يحيى الحماني وقد سبق (718)، المنامات (16) رقم (11)، وذكره ابن رجب (299)، والسيوطي (95).
وصفها ابن القيم بأنها: "مسألة شريفة كبيرة القدر"
(1)
، وقد غلب على هذه الآثار الضعف حتى ظن بعض العلماء أنه لم يصح منها شيء، قال ابن عبد البر:"قد قالت العلماء بما وصفنا، واللَّه أعلم بالصحيح من ذلك، وما احتج به القوم فليس حجة واضحة، ولا هو مما يقطع بصحته؛ لأنه ليس فيه خبر صحيح يقطع العذر، ويوجب الحجة، ولا هو مما يدرك بقياس ولا استنباط، بل العقول تنحسر وتعجز عن علم ذلك"
(2)
، ولما أجاب الآلوسي على هذه المسألة أحال على كتاب الروح لابن القيم فتعقبه الألباني رحمه الله بقوله:"وقد ساق لها أدلة كثيرة من الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة والتابعين، لكن الأحاديث التي أوردها ليس فيها ما يحتج به من قبل إسناده، وقد فاته حديث أبي هريرة وفيه: ". . . وإن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض. . " الحديث. وسنده حسن وصححه السيوطي وقد خرجته في "الصحيحة"
(3)
.
وهذا التلاقي والتزاور يتضمن أن الأرواح لا تفنى بعد الموت، ولا تموت اللهم إلا إن سُمِّي مفارقتها للجسد موتا، فهو اصطلاحي، أما أنها
(1)
الروح (17)، وممن أفردها بالبحث ابن رجب في أهوال القبور (128)، القرطبي في التذكرة (61)، والألوسي في الآيات البينات (91).
(2)
التمهيد (5/ 245).
(3)
الآيات البينات (102)، وانظر الصحيحة رقم (2628).
تعدم ولا تبقى بعد مفارقتها الجسد فذلك قول الفلاسفة الذين اعتبروها عرضا من أعراض الجسم، وهذا كذلك ما تضمنته بقية الآثار السابقة في أن الروح بعد مفارقة البدن تبقى في قبضة يد مَلَك من الملائكة، حتى إنها لتعلم كل ما يفعله الغاسل، ومن حولها من الناس، وورودها مع البدن حتى تدخل القبر، فتعاد ليسأل الميت في قبره، ولخطورة القول بفناء الروح وموتها لم يعده العلماء من أقوال أهل الإسلام بل عدوه قولا شاذا؛ لأنه يؤدي إلى إنكار عذاب القبر ونعيمه، بل إلى إنكار معادها، قال شيخ الإسلام:"مذهب سلف الأمة وأئمتها أن العذاب أو النعيم لروح الميت وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأيضا تتصل بالبدن أحيانا فيحصل له معها النعيم أو العذاب"
(1)
وقال: "الذي عليه الأنبياء وأتباعهم، وجمهور العقلاء أن الروح تفارق البدن، وتبقى بعد فراق البدن، ومن قال من متكلمة أهل الملل أنه لا يبقى بعد البدن روح تفارقه، وأن الروح جزء من البدن، أو عرض من أعراض البدن، فقوله مع أنه خطأ في العقل الصريح هو أيضًا مخالف لكتب اللَّه المنزلة ولرسله ولمن اتبعهم من جميع أهل الملل"
(2)
وقال ابن رجب عند مناقشته استدلالتهم ومنها قوله تعالى: " {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}
(3)
إنما أراد كل مخلوق فيه
(1)
الفتاوى الكبرى (5/ 359)، وانظر الصفدية (2/ 267).
(2)
الجواب الصحيح (3/ 286).
(3)
سورة آل عمران، من الآية (185)، ووردت في الأنبياء (35)، والعنكبوت (57).
حياة؛ فإنه يذوق الموت وتفارق روحُه بدنَه، فإن أراد أنها تعدم وتتلاشى فليس بحق، وقد اشتد نكير العلماء لهذه المقالة، حتى قال سحنون بن سعيد وغيره: هذا قول أهل البدع، والنصوص الكثيرة الدالة على بقاء الأرواح بعد مفارقتها الأبدان ترد ذلك وتبطله"
(1)
.
(1)
أهوال القبور (187).