الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سكراته يتقلّب"
(1)
.
983 -
حدثني أبو الحسن البصري، حدثني رباح شيخ كان ينزل بالعدوية، عن جار له قال:"مررت بالمقابر فتركت عليهم فهتف هاتف: نعم فترحم عليهم، فإن فيه المهموم والمحزون"
(2)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة إثبات عذاب القبر، ووجه إثباته فيها هو ما ورد عن بعض السلف من رؤيتهم لأنواع منه، كرؤية الحية التي تملأ لحد الغاش في طعامه، أو نهيق الرجل الذي كان يعصي أمه فدعت عليه بأن يحول حمارا، أو اشتعال القبر نارا على التي كانت تؤخر الصلاة عن وقتها، وتتجسس على جيرانها، بل أكثر وضوحا منها ما رآه بعضهم من تعذيب أشخاص بأعيانهم بالنار كما في قصة الحويرث بن الرباب الذي رأى إنسانا يلتهب وجهه ورأسه نارا. . .، وقد استعظم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الخبر فجمع له بعض أشياخ أدركوا الجاهلية فأخبروه أنهم يعرفونه وكان من أهل الجاهلية الذين لا يرون للضيف حقا، ثم
(1)
إسناده إلى صاحب القصة حسن، كتاب الهواتف (42 - 43) رقم (46)، وانظر: أهوال القبور لابن رجب (464)، شرح الصدور للسيوطي (217) فقد عزياه للمصنف.
(2)
إسناده ضعيف؛ فيه جهالة رباح، وشيخ المصنف لعله البصري الأدمي وهو ثقة كما في التقريب (5209)، كتاب الهواتف (44) رقم (49)، وانظر أهوال القبور لابن رجب (215).
حدث هذا لابنه عبد اللَّه الذي رأى رجلا خرج من القبر يتأجّج نارا، أو سماع بعض الأصوات التي يظن أنها لأصحاب القبر، أو شهادتهم بأن تحت القبور دواهي وغموم، وأن أصحابها بين منعم في نعيمه، ومعذب في عذابه، مهموم ومحزون.
وهذا من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة كما قال الإمام أحمد: "أصول السنة عندنا. . . الإيمان بعذاب القبرا"
(1)
، وهو داخل في الإيمان باليوم الآخر قال شيخ الإسلام:"ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت؛ فيؤمن بفتنة القبر وبعذاب القبر ونعيمه"
(2)
، ولما ذكر الإسفراييني إنكار المعتزلة لعذاب القبر قال:"وفي عذاب القبر قد بلغت الأخبار حد التواتر في المعنى، وإن كان كل واحد منها لم يبلغ حد التواتر في اللفظ"
(3)
، وكذا شيخ الإسلام لما ذكر إنكار الجهمية له قال:"وجحدوا عذاب القبر وأن الكفار في قبورهم يعذبون، وقد أجمع على ذلك الصحابة والتابعون"
(4)
.
(1)
أصول السنة (30)، وانظر: الإبانة للأشعري (247)، واعتقاد أئمة الحديث (69)، الإيمان لابن منده (2/ 962)، وشعار أصحاب الحديث (32)، وشرح السنة للبربهاري (25)، وشرح العقيدة الطحاوية (50)، وألف البيهقي رحمه الله كتاب إثبات عذاب القبر أورد عدة أحاديث وآثار في الموضوع، كما أفرد له بابا في كتابه الاعتقاد (219).
(2)
العقيدة الواسطية (20).
(3)
التبصير في الدين (67)، وانظر كذلك مجموع الفتاوى (4/ 285).
(4)
بيان تلبيس الجهمية (1/ 420).
وأما الروايات التي وردت في هذه الآثار من رؤية بعض السلف لشيء من عذاب القبر، لا سيما ما صح السند إلى أصحابه وهم ثقات عدول، فإنه لا ينافي عقيدة أهل السنة، ولا يوجد شيء يستدعي استنكاره أو التشكيك فيه، وإن كان ذلك قد وقع لا سيما عند من لم يكن عنده خبرة بالآثار وأقوال السلف، وقد فصّل ابن القيم رحمه الله ذلك فقال:"النار التي في القبر والخضرة ليست من نار الدنيا، ولا من زروع الدنيا فيشاهده من شاهد نار الدنيا وخضرها، وإنما هي من نار الآخرة وخضرها، وهي أشد من نار الدنيا فلا يحس به أهل الدنيا. . . وقدرة الرب تعالى أوسع وأعجب من ذلك، وقد أرانا اللَّه من آيات قدرته في هذه الدار ما هو أعجب من ذلك بكثير، ولكن النفوس مولعة بالتكذيب بما لم تحط به علما إلا من وفقه اللَّه وعصمه. . . فإذا شاء اللَّه سبحانه أن يطلع على ذلك بعض عبيدة أطلعه، وغَيَّبَه عن غيره؛ إذ لو طلع العباد كلهم لزالت كلمة التكليف، والإيمان بالغيب، ولما تدافن الناس. . . فرؤية هذه النار في القبر كرؤية الملائكة والجن تقع أحيانا لمن شاء اللَّه أن يريه ذلك -ثم ذكر آثارا كثيرة في هذا المعنى عن ابن أبي الدنيا وغيره- وهذه الأخبار وأضعافها وأضعاف أضعافها مما لا يتسع لها الكتاب مما أراه اللَّه سبحانه لبعض عباده من عذاب القبر ونعيمه عيانا"
(1)
.
(1)
الروح (67 - 71).