الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1016 -
حدثني محمد قال: حدثني أبو حفص الحبطي قال: حدثنا زرعة الأعشى، عن وهب بن منبه قال:"البكاء من خشية اللَّه تعالى مثاقيل برّ، ليس ثوابه وزنا، إنما يعطى الباكي من خشية اللَّه والصابر على طاعة اللَّه أجرهم بغير حساب"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة إثبات وزن الأعمال، وتأكيد ذلك بأن بعض تلك الأعمال لا توزن لعظم شأنها، بل يتولى اللَّه سبحانه مكافأة أصحابها بدون حساب، كالصبر والبكاء من خشية اللَّه، وفي أثر عمر رضي الله عنه الأول بيان أن الموزون هم العباد أنفسهم.
والإيمان بالميزان من عقائد أهل السنة والجماعة، قال أبو إسحاق الزجاج:"أجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان، وأن أعمال العباد توزن يوم القيامة، وأن الميزان له لسان وكفتان، ويميل بالأعمال"
(2)
وقال السفاريني: "الإيمان بالميزان كأخذ الصحف، ثابت بالكتاب والسنة
= (11)، ويروى مرفوعا عن حازم رضي الله عنه أخرجه الإمام أحمد في الزهد (27)، وذكره السيوطي منسوبا إليه في الدر (5/ 347)، وذكره القرطبي في تفسيره (17/ 108).
(1)
فيه الحبطي والأعشى لم أجدهما، الرقة والبكاء (46) رقم (12)، وورد برقم (14) مرفوعا، وانظر في معنى مثاقيل رقم (28)، ورقم (43) عن أبي عمران الجوني، وذكر نحوه الترمذي في نواد الأصول (2/ 202)، عن يزيد بن أبي هارون، وكذا ابن كثير نحوه عن الحسن البصري في البداية والنهاية (9/ 270).
(2)
ذكره عنه ابن حجر في الفتح (13/ 538).
والإجماع. . . دلت الآثار على أنه ميزان حقيقي، ذو كفّتين ولسان. . . وقد بلغت أحاديثه مبلغ التواتر، وانعقد إجماع أهل الحق من المسلمين عليه"
(1)
، وقال ابن أبي العز:"الذي دلت عليه السنة: أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان مشاهدتان. . . فعلينا الإيمان بالغيب كما أخبرنا الصادق صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان، ويا خيبة من ينفي وضع الموازين القسط ليوم القيامة كما أخبر الشارع لخفاء الحكمة عليه، ويقدح في النصوص بقوله: لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفَوَّال! ! ، وما أحراه بأن يكون من الذين لا يقيم اللَّه لهم يوم القيامة وزنا، ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده؛ فإنه لا أحد أحب إليه العذر من اللَّه؛ من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين فكيف وَوَرَاءَ ذلك من الحكم ما لا اطلاع لنا عليه"
(2)
.
أما أثر عمر رضي الله عنه الذي يفيد أن العباد يوزنون ففيه بحث حيث إن العلماء ذكروا في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
(1)
لوامع الأنوار (184، 185)، وانظر أصول السنة للإمام أحمد (25)، والرسائل والمسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة (2/ 203)، الشريعة للآجري (1/ 391)، الاعتقاد للبيهقي (211)، التعرف لمذهب التصوف (55)، شرح السنة للبربهاري (25)، مجموع الفتاوى (4/ 302)، شرح العقيدة الطحاوية (404)، التذكرة للقرطبي (360)، قطف الثمر (124)، العقائد الإسلامية لابن باديس (99).
(2)
شرح العقيدة الطحاوية (404)، وانظر تفسير ابن جرير فقد أطال النفس في مناقشة ذلك (5/ 432)، وتفسير القرطبي (7/ 147).
القول الأول: أن الذي يوزن هو العامل مع عمله، كما هو أثر عمر رضي الله عنه.
القول الثاني: أن الذي يوزن هو الصحائف تكتب فيها أعمال العباد.
القول الثالث: أن الذي يوازن هو العمل نفسه.
وقد ذكر العلماء لكل واحد من هذه الأقوال أدلة صريحة وصحيحة وبعضها من القرآن، لكن بعضهم أورد شبهة وهي أن الأعمال أعراض، بمعنى أنها لا تقوم بأنفسها فكيف توزن، وقد أجاب غير واحد من العلماء على هذه الشبهة فقال ابن أبي العز الحنفي:"وردت الأحاديث أيضًا بوزن الأعمال أنفسها. . . فلا يلتفت إلى ملحد معاند يقول: الأعمال أعراض لا تقبل الوزن، وإنما يقبل الوزن الأجسام! ! ، فإن اللَّه يقلب الأعراض أجساما"
(1)
.
وليس بين هذه الأقوال الثلاثة تعارض ما دام قد ثبت بها الدليل الشرعي وهي أمور غيبية، فيجيب إلإيمان بكل ثبت، ولذلك فقد جمع بينها ابن أبي العز فقال: "فثبت وزن الأعمال، والعامل، وصحائف الأعمال، وثبت أن الميزان له كفتان، واللَّه تعالى أعلم بما وراء ذلك من
(1)
شرح العقيدة الطحاوية (404)، وانظر التذكرة للقرطبي (360)، وفتح الباري (13/ 538)، تفسير البغوي (1/ 214)، وابن الجوزي في زاد المسير (3/ 170)، وصنيعه يشير إلى أن سبب هذا الترجيح فيه نوع مجاراة للمعتزلة وتسليم لهم في شبهة الأعراض، ويؤيده واللَّه أعلم أن المعتزلة يجيبون عن شبهة الأعراض بوزن الصحائف انظر الكشاف (1/ 783).
الكيفيات"
(1)
، وكذا ابن كثير رحمه الله فقال: "يمكن الجمع بين هذه الآثار -بعد ذكره للأقوال الثلاثة وأدلتها- بأن يكون ذلك كله صحيحا، فتارة توزن الأعمال، وتارة توزن محالها
(2)
، وتارة يوزن فاعلها واللَّه أعلم"
(3)
.
(1)
شرح العقيدة الطحاوية (404).
(2)
وهي الصحف؛ أي المحل الذي كتبت فيه.
(3)
تفسير ابن كثير (2/ 270)، وهذا أولى من الترجيح الذي ذهب إليه السفاريني ونسبه لابن عبد البر والقرطبي ومرعي الحنبلي أن الموزون هو الصحائف فقط، فإن الجمع ما أمكن أولى من الترجيح وقد أمكن ولا يوجد ما يحيله، انظر لوامع الأنوار (2/ 187)، تفسير القرطبي (7/ 147).