الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: "يهون موقف يوم القيامة على المؤمن، ويطول على الكافر حتى يلجمه العرق من شدّة كربه"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمن الأثران السابقان بيان هوان الموقف -بكل أهواله السابقة في المبحث المنصرم- على المؤمن، قال عبد الحق الإشبيلي -لما ذكر بعض أهوال يوم القيامة-:"فمن الناس من يخفف عليه اليوم حتى لا يجد فيه مشقة طول، ولا يرد له فيه رغبة ولا سؤل. . . فمن الناس من يطول مقامه وحبسه إلى آخر اليوم، ومنه من يكون انفصاله في ذلك اليوم في مقدار يوم من أيام الدنيا، وفي ساعة من ساعاته، أو فيما شاء اللَّه من ذلك، أو يكون رائحا في ظل كسبه وعرش ربه. . . فتفكر أيها الإنسان في طول ذلك اليوم، وفي طول ذلك القيام فيه مع ذلك الحال الأخطر، والفزع الأكبر، والهول الذي لا يكَيَّف ولا يقَدَّر، فاختر لنفسك كم تريد أن تقف فيه، وكيف تريد أن تكون فيه، ما دام النظر إليك، والاختيار بيديك، مع توفيق ربك عز وجل ومعونته إياك"
(2)
.
وهذا التخفيف الذي يحصل للمؤمن إنما يكون بقدر أعماله الصالحة، وليس على درجة واحدة للجميع، فالكامل للكُمَّل، ودونه لمن
(1)
إسناده ضعيف، فيه خليد بن دعلج ضعيف التقريب (1750)، الأهوال (131) رقم (104).
(2)
العاقبة (283).
دونهم، وكلٌّ بحسبه، ولا يظلم ربك أحدا، قال القرطبي: "ظاهر ما رواه ابن المبارك عن سلمان أن الشمس لا يضر حرها مؤمنا ولا مؤمنة العموم في المؤمنين، وليس كذلك لحديث المقداد المذكور بعده
(1)
، وإنما المراد لا يضر حرها مؤمنا كامل الإيمان، أو من استظل بظل عرش الرحمن. . . وكذلك ما جاء أن المرء في ظل صدقته، وكذلك الأعمال الصالحة أصحابها في ظلها إن شاء اللَّه، وكل ذلك من ظل العرش واللَّه أعلم، وأما غير هؤلاء فمتفاوتون في العرق"
(2)
، وقد نُقل عن ابن أبي حمرة كلاما حسنا في هذا حيث قال: "ظاهر الحديث تعميم الناس بذلك، ولكن دلت الأحاديث الأخرى على أنه مخصوص بالبعض وهم الأكثر، ويستثنى الأنبياء والشهداء ومن شاء اللَّه، فأشدهم في العرق الكفار، ثم أصحاب الكبائر، ثم من بعدهم، والمسلمون منهم قليل بالنسبة إلى الكفار كما تقدم تقريره في حديث بعث النار، قال: والظاهر أن المراد بالذراع في الحديث المتعارف، وقيل: هو الذراع الملكي، ومن تأمل الحالة المذكورة عرف عظم الهول فيها، وذلك أن النار تحف بأرض الموقف، وتدنى الشمس من الرءوس قدر ميل، فكيف تكون حرارة تلك الأرض؟ وماذا يرويها من العرق؟ حتى يبلغ منها سبعين ذراعا، مع أن كل واحد لا يجد إلا قدر موضع قدمه، فكيف تكون حالة هؤلاء في عرقهم؟ مع تنوعهم
(1)
وفيه: "فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق"، أخرجه مسلم برقم (2864).
(2)
التذكرة (269).
فيه؟ إن هذا لمما يبهر العقول، ويدل على عظيم القدرة، ويقتضي الإيمان بأمور الآخرة، أن ليس للعقل فيها مجال، ولا يعترض عليها بعقل ولا قياس ولا عادة، وإنما يؤخذ بالقبول، ويدخل تحت الإيمان بالغيب، ومن توقف في ذلك دل على خسرانه وحرمانه، وفائدة الإخبار بذلك أن يتنبه السامع، فيأخذ في الأسباب التي تخلصه من تلك الأهوال، ويبادر إلى التوبة من التبعات، ويلجأ إلى الكريم الوهاب في عونه على أسباب السلامة، ويتضرع إليه في سلامته من دار الهوان، وإدخاله دار الكرامة بمنه وكرمه"
(1)
.
(1)
فتح الباري (11/ 394).