الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة بيان أمر البعث، وقدرة اللَّه عز وجل عليه، وأنه لا يعجزه شيء، وكل شيء أمام قدرته تعالى هين، مهما تعاظمه الخلق، وأنه يحصل بأمر حسي وهو نزول ماء من تحت العرش، فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء كما تنبت الأرض من الثرى، ثم يحصل فزع الناس عند هذا القيام، ويشتد على بعضهم حتى إن أهل الضلالة يتسكعون في الظلمات.
قال ابن أبي العز: "الإيمان بالمعاد مما دل عليه الكتاب، والسنة، والعقل، والفطرة السليمة؛ فأخبر اللَّه سبحانه عنه في كتابه العزيز، وأقام الدليل عليه، وردَّ على منكريه في غالب سور القرآن، وذلك: أن الأنبياء عليهم السلام كلهم متفقون على الإيمان باللَّه؛ فإن الإقرار بالرب عام في بني آدم، وهو فطري كلهم يقر بالرب إلا من عاند كفرعون، بخلاف الإيمان باليوم الآخر؛ فإن منكريه كثيرون ومحمد صلى الله عليه وسلم لما كان خاتم الأنبياء، وكان قد بعث هو والساعة كهاتين، وكان هو الحاشر المقفي، بَيَّن تفصيل الآخرة بيانا لا يوجد في شيء لمن كتب الأنبياء"
(1)
، قال ابن كثير: "قد علمتم أن اللَّه أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا؛ فخلقكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، فهلا تتذكرون وتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة وهي البداءة، قادر على النشأة الأخرى وهي الإعادة
(1)
شرح العقيدة الطحاوية (404).
بطريق الأولى والأحرى"
(1)
، وهذا أسلوب من أساليب القرآن في إثبات المعاد قال شيخ الإسلام: "من المعلوم ببداهة العقول أن خلق السماوات والأرض أعظم من خلق أمثال بني آدم، والقدرة عليه أبلغ وأن هذا الأيسر أولى بالإمكان والقدرة من ذلك، وكذلك استدلاله على ذلك بالنشاة الأولى في مثل قوله {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} ، ولهذا قال بعد ذلك:{وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
(2)
"
(3)
، وتفصيل هذا أن:"الإنسان يعلم الإمكان الخارجي، تارة بعلمه بوجود الشيء، وتارة بعلمه بوجود نظيره، وتارة بعلمه بوجود ما هو أبلغ منه؛ فإن وجود الشيء دليل على أن ما هو دونه أولى بالإمكان منه، ثم إنه إذا بُيِّن كون الشيء ممكنا فلا بد من بيان قدرة الرب عليه، وإلا فمجرد العلم بإمكانه لا يكفي في إمكان وقوعه إن لم تعلم قدرة الرب على ذلك فبين سبحانه هذا كله"
(4)
.
ومن ذلك ذكره للطريقة التي يحصل بها البعث بإنزال ماء من تحت العرش، قال ابن كثير عند قوله تعالى:{كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} : "كما أحيينا هذه الأرض بعد موتها كذلك نحيي الأجساد بعد صيرورتها رميما يوم
(1)
تفسير ابن كثير (4/ 378).
(2)
سورة الروم، الآية (27).
(3)
درء التعارض (1/ 21).
(4)
مجموع الفتاوى (3/ 299).
القيامة ينزل اللَّه سبحانه وتعالى ماء من السماء فتمطر الأرض أربعين يوما فتنبت منه الأجساد في قبورها كما ينبت الحب في الأرض وهذا المعنى كثير في القرآن يضرب اللَّه مثلا ليوم القيامة بإحياء الأرض بعد موتها"
(1)
.
(1)
تفسير ابن كثير (2/ 223).