الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1036 -
حدثنا حمدون بن سعد، حدثنا النضر بن إسماعيل، عن أبي طالب، عن عمار الدهني، عن أبي جعفر قال: سمع علي رضي الله عنه امرأة تقول: اللهم أدخلني في شفاعة محمد، قال:"إذًا تمسّكِ النار"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة إثبات الشفاعة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكما تضمن أثرا علي وحذيفة رضي الله عنهما أن اللَّه يغني المؤمنين عن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كرهوا سؤال اللَّه الشفاعة، معللين ذلك باستلزامها أن يكونوا مذنبين، أو دخولهم النار، فكأنهم حملو الشفاعة على نوع واحد فقط وهو الشفاعة فيمن دخل النار من عصاة الموحدين.
فأما ثبوت شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته فهو أمر مجمع
= (3/ 140)، والزبيدي في الإتحاف (7/ 575)، والنووي في الأذكار (330 - 331)، وانظر كشف الخفاء للعجلوني (2/ 15) ففيه ذكر عدة آثار وأحاديث تشهد لهذا المعنى، وانظر تصحيح أو تحسين ذلك في مجمع الزوائد (10/ 378)، الترغيب والترهيب (4/ 242)، المشكاة رقم (5600).
(1)
إسناده لين؛ فيه أبو طالب، ذكر في الكنى، برواية النضر بن إسماعيل عنه، ولم يُذكر فيه جرح ولا تعديل، انظر: الجرح والتعديل (4/ 2/ 397)، التاريخ الكبير قسم الكنى (9/ 46) رقم (394)، المقتنى (1/ 326) رقم (3275). كتاب الصمت وآداب اللسان (277 - 278) رقم (616)، وأورده الزبيدي في الإتحاف (7/ 575) وعزاه للمصنف.
عليه، وأحاديثه متواترة
(1)
، قال شيخ الإسلام:"مذهب سلف الأمة وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة، إثبات الشفاعة لأهل الكبائر، والقول بأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان"
(2)
، وقال:"إن أحاديث الشفاعة في أهل الكبائر ثابتة متواترة عن النبي، وقد اتفق عليها السلف من الصحابة، وتابعيهم بإحسان، وأئمة المسلمين، وإنما نازع في ذلك أهل البدع من الخوارج والمعتزلة ونحوهم"
(3)
، بل قال ابن عبد البر:". . . إثبات الشفاعة وهو ركن من أركان اعتقاد أهل السنة"
(4)
.
بل إن شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم ليست مختصة بهذه الشفاعة، وإنما أنواع كثيرة ذكره العلماء، عدها ابن القيم فقال: "أحدها: الشفاعة العامة التي يرغب فيها الناس إلى الأنبياء نبيا بعد نبي حتى ريحهم اللَّه من مقامهم.
النوع الثاني: الشفاعة في فتح الجنة لأهلها.
النوع الثالث: الشفاعة في دخول من لا حساب عليهم الجنة.
النوع الرابع: الشفاعة في إخراج قوم من أهل التوحيد من النار.
النوع الخامس: في تخفيف العذاب عن بعض أهل النار.
ويبقى نوعان يذكرهما كثير من الناس:
(1)
انظر نظم المتناثر (347).
(2)
مجموع الفتاوى (1/ 116) وانظر (1/ 153)، الرسائل والمسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة (2/ 211)، فصول من كتاب الانتصار لأهل الحديث للصنعاني (36).
(3)
مجموع الفتاوى (4/ 309).
(4)
الاستذكار (2/ 520).
أحدهما: في قوم استوجبوا النار فيشفع فيهم أن لا يدخلوها، وهذا النوع لم أقف إلى الآن على حديث يدل عليه
(1)
، وأكثر الأحاديث صريحة في أن الشفاعة في أهل التوحيد من أرباب الكبائر، إنما تكون بعد دخولهم النار، وأما أن يشفع فيهم قبل الدخول فلا يدخلون، فلم أظفر فيه بنص.
والنوع الثاني: شفاعته صلى الله عليه وسلم لقوم من المؤمنين في زيادة الثواب ورفعة الدرجات، وهذا قد يستدل عليه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة، وقوله:"اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين"
(2)
.
وأما أثرا حذيفة وعلي رضي الله عنهما في سؤال اللَّه الشفاعة وأنه يستلزم أن يكون العبد مذنبا، أو أنه يدخل النار، وترتيبهما على ذلك عدم سؤال اللَّه ذلك، فعلى ما فيهما من لين، فقد تعقبهم القاضي عياض فيما نقله عنه النووي في الأذكار بكلام متين فقال:"هذا خطأ، ولولا خوف الاغترار بهذا الغلط، وكونه قد ذكر في كتب مصنفة، لما تجاسرت على حكايته، فكم من حديث صحيح جاء في ترغيب المؤمنين الكاملين بوعدهم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "من قال مثل ما يقول المؤذن حلت له شفاعتي" وغير ذلك، وقد أحسن الإمام الحافظ الفقيه أبو الفضل
(1)
أورد الشيخ مقبل رحمه الله في كتابه الشفاعة فصل في شفاعته صلى الله عليه وسلم لأناس قد أمر بهم إلى النار، ذكر فيه حديثين صريحين وتعقبهما بالتضعيف.
(2)
حاشية ابن القيم على أبي داود (13/ 55)، وانظر شرح العقيدة الطحاوية (229)، فتح المجيد (200)، ولمزيد من الوقوف على الأحاديث والآيات في ذلك انظر: الشفاعة للوادعي.
عياض رحمه الله في قوله: قد عرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح رضي الله عنهم شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم ورغبتهم فيها، قال: وعلى هذا لا يلتفت إلى كراهة من كره ذلك لكونها لا تكون إلا للمذنبين؛ لأنه ثبت في الأحاديث في صحيح مسلم وغيره إثبات الشفاعة لأقوام في دخولهم في الجنة بغير حساب، ولقوم في زيادة درجاتهم في الجنة، قال: ثم كل عاقل معترف بالتقصير، محتاج إلى العفو، مشفق من كونه من الهالكين، ويلزم هذا القائل أن لا يدعو بالمغفرة والرحمة؛ لأنهما لأصحاب الذنوب، وكل هذا ما عرف من دعاء السلف والخلف"
(1)
، ولم أجد لغيره تنبيها على هذا وعدّه خطأً، قلت: ويؤيد كون هذا خطأ ما نقله ابن الجوزي في العلل المتناهية بعد إيراد حديث: "خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة لأنها أعم، أترونها للمؤمنين المتقين، لا ولكنها للمذنبين الخطائين" قال: "قال الدارقطني: ليس في الأحاديث شيء صحيح"
(2)
، وكذا في العلل للدارقطني
(3)
قوله بعد سرده طرق الحديث: "ليس فيها شيء صحيح"، فهذا يدل على أنه لا أصل لهذا القول في السنة المرفوعة؛ أي نفيها عن المؤمنين المتقين أما ثبوتها لأصحاب الكبائر فهو ثابت صحيح، وليس فيه الحصر وعدم دخول غيرهم فيها، واللَّه أعلم.
(1)
الأذكار (887)، وانظر تفسير القرطبي (10/ 267).
(2)
(2/ 920).
(3)
(7/ 226).