الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِمَّا تَعُدُّونَ (47)} قال: وفي البيت شيخ، فقلت: من كتب هذا الكتاب؟ فقال الشيخ: أو ما دخلت هذا البيت على علم؟ قال: قلت: لا، قال: بيت كان ينزله عبد اللَّه بن عمرو، قلت: هو كتب هذا؟ قال: نعم، قلت لطارق: تُرى هذا الشيخ أدركه؟ قال: نعم"
(1)
.
1258 -
حدثنا أبو عمرو القرشي قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن خليد بن دعلج، عن قتادة قال:"ما زال أهل النار يأملون الخروج لقول اللَّه: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)} حتى نزلت {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} فهم في مزيد أبدا"
(2)
.
التحليل والتعليق
تضنمت الآثار السابقة ذكر أبدية النار، وأنها لا تفنى، وذلك واضح في الاستغاثات التي يستيغثها أهل النار بالخزنة في جهنم ثم بمالك ثم برب
(1)
إسناده حسن؛ طارق بن عبد الرحمن هو الأحمسي البجلي صدوق له أوهام التقريب (3020)، صفة النار (84 - 85) رقم (119)، وذكر هذا القول عن عبد اللَّه بن عمرو ابن كثير (4/ 464) ونسبه لابن أبي حاتم.
(2)
إسناده ضعيف؛ وأصله ثابت عن قتادة، فيه الوليد بن مسلم وتدليسه تدليس التسوية كما سبق (21)، صفة النار (85) رقم (120)، وابن جرير عنه بمعناه (30/ 11) بسند صحيح كله يمانيون إلى قتادة فقال:"أحقابا: وهو ما لا انقطاع له كلما مضى حقب جاء حقب بعده".
العزة، وآخر جواب رب العالمين لهم:{اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)}
(1)
، فينقطع الدعاء والرجاء منهم، وييأسون من كل خير، وهي أشد ساعات أهل النار عليهم، ولذلك لما فسّر السلف الأحقاب التي يمكثها الكفار في النار قالوا بأنه لا يدرى كم هي، وإنما فسروا الحقب الواحد، على اختلاف بينهم في تقديره، بل فسره بعضهم بأنه الذي لا ينقطع، فهو لا ينقطع أبدا كلما مضى حقب أعقبه آخر.
قال ابن حزم الأندلسي رحمه الله في مراتب الإجماع: "وأن النار حق، وأنها دار عذاب أبدا لا تفنى، ولا يفنى أهلها بلا نهاية"
(2)
، ولم يتعقبه شيخ الإسلام ابن تيمية بل نص في موضع على ما يؤديه صراحة فقال:"اتفق سلف الأمة، وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة، على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية؛ كالجنة، والنار، والعرش وغير ذلك، ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين؛ كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب اللَّه، وسنة رسوله، وإجماع سلف الأمة وأئمتها، كما في ذلك من الدلالة على بقاء الجنة وأهلها، وبقاء غير ذلك مما لا يتسع هذه الورقة لذكره"
(3)
وقال ابن القيم: "لما كان الناس على ثلاث طبقات:
(1)
سورة المؤمنون، من الآية (107).
(2)
(ص 173)، وانظر الفصل (4/ 69).
(3)
مجموع الفتاوى (18/ 307).
طيب لا يشينه خبيث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب، كانت دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب، وهي الدار التي تفنى، وهي دار العصاة"
(1)
وقال صديق حسن خان: "ثبت بما ذكر من الآيات الصريحة، والأخبار الصحيحة خلود أهل الدارين خلودا مؤبدا، كلٌّ بما هو فيه من نعيم وعذاب أليم، وعلى هذا إجماع أهل السنة والجماعة، فأجمعوا على أن عذاب الكفار لا ينقطع، كما أن نعيم أهل الجنة لا ينقطع، ودليل ذلك الكتاب والسنة"
(2)
.
وقد فصّل ابن القيم رحمه الله استدلالات هذه المسألة فقال: "الذين قطعوا بدوام النار لهم ست طرق:
أحدها: اعتقاد الإجماع؛ فكثير من الناس يعتقدون أن هذا مجمع عليه بين الصحابة والتابعين لا يختلفون فيه، وأن الاختلاف فيه حادث، وهو من أقوال أهل البدع.
(1)
الوابل الصيب (24)، وانظر ما نظمه في الكافية الشافية (1/ 97)، والورع للإمام أحمد (203)، وعنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (21/ 312)، والرسائل والمسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة (2/ 225)، وعقيدة السلف (264)، وشعار أصحاب الحديث (34)، والشريعة (1/ 397)، وشرح السنة للبربهاري (27)، لمعة الاعتقاد (134)، والتعرف لمذهب التصوف (56)، والتمهيد لابن عبد البر (5/ 10 - 11)، وشرح العقيدة الطحاوية (420)، والشرح الميسر على الفقهين الأبسط والأكبر (63)، والعين والأثر في عقائد أهل الأثر (46).
(2)
يقظة أولي الاعتبار (41).
الطريق الثاني: أن القرآن دل على ذلك دلالة قطعية؛ فإنه سبحانه وتعالى أخبر أنه عذاب مقيم، وأنه لا يفتر عنهم، وأنه لن يزيدهم إلا عذابا، وأنهم خالدون فيها أبدا، وما هم بخارجين منها أي من النار، وما هم منها بمخرجين، وأن اللَّه حرم الجنة على الكافرين، وأنهم لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط، وأنهم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها، وأن عذابها كان غراما أي مقيما لازما، قالوا: وهذا يفيد القطع بدوامه واستمراره.
الطريق الثالث: أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان دون الكفار، وأحاديث الشفاعة من أولها إلى آخرها صريحة بخروج عصاة الموحدين من النار، وأن هذا حكم مختص بهم، فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم، ولم يختص الخروج بأهل الإيمان.
الطريق الرابع: أن الرسول وقفنا على ذلك، وعلمناه من دينه بالضرورة من غير حاجة بنا إلى نقل معين، كما علمنا من دينه دوام الجنة وعدم فنائها.
الطريق الخامس: أن عقائد السلف وأهل السنة مصرحة بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما لا يفنيان، بل هما دائمتان، وإنما يذكرون فناءهما عن أهل البدع.
الطريق السادس: أن العقل يقضي بخلود الكفار في النار"
(1)
.
(1)
حادي الأرواح (249).