المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفنن الجزار في إهراق الدماء وحكم المؤرخين عليه: - خطط الشام - جـ ٣

[محمد كرد علي]

فهرس الكتاب

- ‌العهد العثماني من سنة 1200 إلى 1247

- ‌الجند أداة الظلم والتدمير:

- ‌حوادث الجزار وفتن الإنكشارية وغيرها:

- ‌عهد سليم الثالث وفتن وكوائن:

- ‌مظالم الجزار واختلال الإدارة:

- ‌محاولة نابوليون فتح الشام واستيلاؤه على غزة

- ‌ويافا:

- ‌وقائع نابليون على عكا وفي مرج ابن عامر:

- ‌خطيئات نابليون في الشام:

- ‌حال الشام بعد رحيل نابليون عنه:

- ‌مساوئ أحكام الجزار:

- ‌تفنن الجزار في إهراق الدماء وحكم المؤرخين عليه:

- ‌المتغلبة على الأحكام بعد الجزار:

- ‌مقتل سليم الثالث ومصطفى الرابع وتولي محمود

- ‌الثاني:

- ‌فتنة كنج يوسف باشا:

- ‌سليمان باشا وأمراء راشيا وكوائن حلب:

- ‌وقعة المزة واستسلام الدولة لوالي عكا:

- ‌ الدولة

- ‌سياسة الأمير بشير في لبنان وتقاتل الولاة وارتباك

- ‌محاولة الدولة قتل النصارى وفتنة نابلس:

- ‌مقتل سليم باشا والي دمشق:

- ‌الحكم على الموقف السياسي في نصف قرن:

- ‌دور الحكومة المصرية

- ‌من سنة 1247 إلى 1256

- ‌حالة الدولة العثمانية عند إذلال جيش محمد علي

- ‌الكبير لها:

- ‌لماذا تراجعت الدولة العثمانية:

- ‌حملة محمد علي على الشام وهزيمة الأتراك:

- ‌تقدير مؤرخين وشاعر لغلبة محمد علي:

- ‌سقوط الأناضول وتضاؤل السلطان العثماني أمام

- ‌الجيش المصري:

- ‌أعمال إبراهيم باشا في إصلاح الشام:

- ‌فتوق وفتن وحصار الفلسطينيين لإبراهيم:

- ‌خطأ إداري لإبراهيم باشا ووقائعه في اللجاة ووادي

- ‌التيم:

- ‌سياسة الأتراك والدول مع محمد علي:

- ‌انفراط عقد الحكم المصري:

- ‌فضل حكم محمد علي:

- ‌رأي الغرباء في حكومة محمد علي:

- ‌حكمنا على أنفسنا وعلى غيرنا:

- ‌العهد العثماني من سنة 1256 إلى 1277

- ‌رجوع الشام إلى سالف بؤسها على العهد العثماني

- ‌وفتن الدروز والنصارى

- ‌فتن أهلية في الجبال والمدن:

- ‌حرب القريم منشؤها في الشام وكوائن درزية

- ‌ونصيرية:

- ‌مبدأ المذابح المعروفة بحادثة سنة الستين وحادثة

- ‌بيت مري ودير القمر:

- ‌مذابح حاصبيا وراشيا ورأي إنكليزيين في أصل

- ‌المذابح:

- ‌مذابح دمشق ورأي الغريب والوطني في تعليلها:

- ‌ضحايا مذابح دمشق وتخريبها:

- ‌عمل الدولة والدول عقبى الحوادث:

- ‌من المسؤول عن هذه الفتنة الشعواء:

- ‌سوء أثر حوادث الشام في الدولة ومنازعة الدول لهل

- ‌في سلطانها:

- ‌العهد العثماني من سنة 1277 إلى 1300

- ‌بعد فتنة سنة الستين:

- ‌السلطان عبد المجيد وخلفه عبد العزيز:

- ‌خلع عبد العزيز وتولية مراد الخامس:

- ‌عهد عبد الحميد الثاني:

- ‌انسيال الدروز على جبل حوران ووقائعهم:

- ‌المصلح مدحت باشا وطبقته من العمال:

- ‌العهد العثماني من سنة 1300 إلى سقوط عبد

- ‌الحميد الثاني

- ‌الحالة في مبدإ القرن الرابع عشر وإصلاح جبال

- ‌النصيرية والسبب في خرابها:

- ‌فتن درزية وفتن أرمنية:

- ‌الحملات على جبل الدروز وعلى الكرك:

- ‌رأي في دلال الدروز والنصيرية على الدولة:

- ‌العهد العثماني من سنة 1326 إلى 1336

- ‌الدستور العثماني وثورته:

- ‌إعادة الدستور وحال الدولة بعده:

- ‌عبد الحميد وسياسته وأخلاقه:

- ‌رأي مؤرخ تركي في عبد الحميد وذكر حسناته:

- ‌الأحداث في أيام محمد رشاد وحرب طرابلس

- ‌والبلقان وحزب الإصلاح:

- ‌الصهيونية ومنشؤها:

- ‌خلع شريف مكة طاعة العثمانيين وتأثيره في

- ‌الأتراك:

- ‌أماني الأتراك وخيبتهم وتخريبهم:

- ‌الوقائع المهمة في فلسطين وسقوط القدس وما إليها:

- ‌عمل الجيش العربي:

- ‌سقوط حوران ودمشق بيد الجيوش البريطانية:

- ‌سقوط بيروت والساحل والهدنة:

- ‌سبب سقوط الشام بأيدي الحلفاء:

- ‌رأي مؤرخ تركي في انقراض الدولة العثمانية:

- ‌العهد الحديث

- ‌من سنة 1336 1343

- ‌تجزئة الشام بين فرنسا وإنكلترا:

- ‌فتنة الأرمن واعتداؤهم على العرب:

- ‌أعمال الحكومة العربية وحكومة الصهيونيين:

- ‌المؤتمر السوري ومبايعته فيصلاً ملكاً على الشام:

- ‌العصابات بين الساحل والداخل:

- ‌الاستفتاء في الدولة المنتدبة:

- ‌أفكار فيصل والعبث بالسياسة:

- ‌حملة فرنسا على المدن الأربع:

- ‌تعريف الانتداب وسياسة الأتراك فيما يتعلق بالشام:

- ‌تأثر الحورانيين بعوامل الفيصليين ومقتل وزيرين

- ‌وقتل اليهود في فلسطين:

- ‌تقسيم الشام وخرابها واستقلال لبنان والعلويين

- ‌ومجلس فلسطين ودولة شرقي الأردن ودولة جبل

- ‌الدروز:

- ‌متاعب لبريطانيا وفرنسا واعتداءات:

- ‌توحيد حكومات سورية وعدم رضى الأهلين:

- ‌غزوة النجديين عبر الأردن واستيلاؤهم على مكة

- ‌وشؤون:

- ‌صاحب الوعد للصهيونيين ومطالب الفلسطينيين

- ‌والسوريين وكوائن:

- ‌تاريخ الصهيونية وعملها الأخير:

- ‌الأوضاع الصهيونية:

- ‌الصهيونية في الحرب:

- ‌الصهيونية بعد الحرب:

- ‌ثورتا القدس وثورة يافا:

- ‌المهاجرة:

- ‌المعارف والمصارف والصحافة والمشاريع

- ‌الاقتصادية:

- ‌نظرة في نجاح الصهيونية:

- ‌حوادث وغوائل:

- ‌التقاسيم الإدارية الحديثة

- ‌تقاسيم القدماء قبل الإسلام:

- ‌أجناد الشام وتقسيم العرب:

- ‌التقسيم في عصر الصليبيين والمماليك:

- ‌على عهد العثمانيين:

- ‌تقاسيم فلسطين:

- ‌تقاسيم الشرق العربي أي شرقي الأردن:

- ‌دولة سورية:

- ‌دولة جبل الدروز:

- ‌دولة لبنان الكبرى:

- ‌دولة العلويين:

- ‌العقود والعهود الأخيرة

- ‌الرسالة الأولى:

- ‌الرسالة الثانية:

- ‌الرسالة الثالثة:

- ‌نسخة مختصرة

- ‌المحاكم الملكية والشرعية

- ‌بعض مواد عامة

- ‌المعاهدة البريطانية الفرنسية

- ‌صك الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان

- ‌صك الانتداب على فلسطين

- ‌صك الانتداب على شرقي الأردن

- ‌مذكرة العضو البريطاني

- ‌عهد أنقرة

الفصل: ‌تفنن الجزار في إهراق الدماء وحكم المؤرخين عليه:

أخرى فيقبض بنفسه على عنق الواحدة ويطرحها في النار على وجهها، ويدوس على ظهرها ويضغط على رأسها، حتى يتم شيّها في النار وتهلك فيرفعها ويحضر غيرها، وعلى هذه الصورة الشنعاء أهلك الجزار سبعاً وثلاثين امرأة ولم تنج غير فتاة في الثامنة من عمرها.

كان الجزار يقتل الكبير والصغير من وزراء وأفندية وعلماء وأغواتن ويرضي السلطان بالمال ويداريه فيتغاضى عنه، وكان إذا عامل أحد المغضوب عليهم

بالرفق وعزف عن قتله يجذم أنفه، ثم يصلم أذنه اليمنى ثم يقلع عينه اليمنى ولو كان من خواص خدامه. وكم من بيت خربه بسلب ماله ظلماً، وكم من رجل قتله بعد أن صادره، وكان لا ذمة له ولا ذمام، خدمه رجال من بيوت معروفة فلما بدا له قتلهم وصادرهم واختلق لهم ذنوباً والقاهم في البحر. ولقد أكرمه الأمير يوسف الشهابي حاكم لبنان لما كان الجزار صعلوكاً متشرداً لأول أمره وعاونه لما أصبح والياً، فكانت النتيجة أن شنقه وألقاه ثلاثة أيام معلقاً، ولطالما أخذ النوتية والركاب في مراكب كانت قادمة من مصر قبل مجيء الفرنسيين إليها، وقتل جميع من فيها من أبناء مصر أو الشام وصادر جميع ما يحملون من البضائع.

‌تفنن الجزار في إهراق الدماء وحكم المؤرخين عليه:

وكان من عادة الجزار بعد أن يصادر المصادرين أن يقتلهم كما فعل سنة 1205 فقبض في دمشق على أولاد عبيد وأخذ منهم ستين ألف قرش ففروا إلى حلب ثم قبض على ثلاثين من أتباعه وسجنهم في القلعة ففدوا أنفسهم بمائتين وخمسين ألف قرش ثم قتلهم ليلاً، وقبض على خازن أمواله وأسبابه ونفاه إلى مصر، وقبض على مفتي عكا وإمامها وعلى رئيس مينائها فقتلهم صبراً. وظلم جميع أكابر دمشق وسلب أموالهم.

وخرج ذات يوم في عكا قبل الشمس إلى باب السراي وأمر بإغلاق أبواب المدينة وقبض على كثيرين من العمال والكتاب والأهالي فسجنهم، وكانوا مائتين وثلاثين إنساناً وقبض على النواب وسجنهم، وكان كلما تقدم إليه

ص: 21

إنسان يكشف رأسه وينظر في وجهه فالذي يقول فيه نيشان يرجعونه إلى السجن، والذي يقول ما فيه نيشان يطلق، ثم أنه أحضر الفعلة أيضاً وصنع بهم كذلك وقبض منهم جملة وأحضر التجار وأرباب الصنائع والحمالين وعلى هذا المنوال عامل الجميع فامتلأت السجون، ومن الغد أحضر المغاربة وأمر أن يخرجوا السجناء كلهم

خارج البلد ويقتلوهم ففعلوا ما أمرهم به؛ قال مدوّن وقائعه: وكان يوماً عصيباً لم تكن تسمع فيه إلاّ صراخ المقتولين ظلماً وعويلهم وأنينهم، وبقي القتلى كالغم مطروحين خارج البلد، ثم أمر أن ينادي المنادي في شوارع عكا ليخرج أهل القتلى لدفن موتاهم، وأشار إلى أن كل امرأة ترفع صوتها تُقتل حالاً، فخرج الناس ودفنوا القتلى. ثم ابتدأ يرسل جنوده يقبضون على الفلاحين ومشايخ القرى وأصحاب المقاطعات فمنهم من يقتله ومنهم من يصم أُذنه ويجدع أنفه ويطلقهم.

ولم يذكر المؤرخون علة استرسال الجزار في قتل الناس على هذه الصورة من غير سبب ولعله أُصيب بمسٍ من الجنون أو أن جنونه أطبق هذه المرة فأزهق الأرواح، وإن امتاز في أدوار حياته بالفك والفتك. وذكر المؤرخون أن الجزار قبيل وفاته أمر أن يغرقوا من كان في سجنه في البحر فنفذ أمره. وفي التاريخ العام أن الجزار أوقد جذوة التعصب بين المسلمين في بيروت وأغراهم بقتل الموارنة حتى يضمن حكمه على بيروت. ولم يكن يُعرف فيما إذا كان الجزار خادماً مخلصاً للسلطان أو عاصياً وقحاً. وكان كثيراً ما تجيئه رسل جاويشية من الأستانة تحمل أبيه بعض الأوامر فيجز رأس القادم ويبعث به إلى ديوان الأستانة، وهناك يغدق الذهب على الوزراء والخصيان ونساء الحرم السلطاني. وكثيراً ما كان يقول وهو في حال السكر للمسيو دي توليس: السلطان كالبنات يعطي نفسه لمن يعطيه أكثر، فإذا حاول أن يقاومني فأنا أرده إلى الصواب بأن أهيج عليه مصر والشام وآسيا الصغرى، وأزحف على الأستانة في جيش القابسز وأكون قادراً مثل لويس الكبير إمبراطور فرنسا.

وقد وصف كشاقة الجزار وصفاً معقولاً قال فيه: إنه كان داهية ذا بأس وحنكة واسعة، سلمت إليه الدولة إدارة شؤون إيالتها وعولت عليه في

ص: 22

إخضاع الشام وضمه تحت جناحها، على طريقة الغدر والخداع وإلقاء الفتن والحروب الأهلية

بين الأمراء والمشايخ الذي كانوا يحكمون الرعية بالجور والعسف ويسومونهم الذل أنواعاً والظلم أشكالاً، وشريعة الرجل منهم إرادته السخيفة، والحاكم يشنق ويقتل ويشوه أخلاق الشعب، وكأن الحال قيضت لهم رجلاً كالجزار ينتقم منهم، وكان هؤلاء العتاة لاهين بالمنازعات العائلية والحروب الأهلية يكرهون العدل ويعشقون الظلم، لا يرحمون ضعيفاً ولا قريباً، ولم تكن معاملة الجزار للأمير يوسف أقسى من معاملة هذا الأمير لأنسبائه وإن ما لحقه من الجزار هو مما يستحقه. وقس على الأمير بقية المشايخ والأمراء الذين كانوا يستبيحون أموال الرعية وأعراضهم في سبيل أهوائهم. قال أن الجزار ظلم ولكنه خدم الدولة والشعب، وعادت خدماته على الدولة بالنفع فأخضع القطر لشوكتها فأطاع، ورد عنها بثباته أمام نابوليون خطراً كان يهددها يوم حصار عكا، وأفاد الرعية بأن أزال عنهم ضغط المشايخ والأمراء المستبدين فكان جوره بالنسبة لجور الأمراء والمشايخ قبله أقل وطأة. ولما جاءهم وضع حداً لظلمهم وزعزع سلطتهم وأرغم أنوفهم وأطلق الفلاح من عقالهم. وعلى الجملة فأنه عمل بما يوافق عصره وينطبق على أبنائه، فبموته سُرِّي عمن كان غضبه يهددهم ويوشك أن يوقع بهم. وقال أن الجزار على قبح أعماله حفظ المساواة بين الرعية مع تفرق مذاهبها، فيحبس علماء المسلمين وقسوس النصارى وحاخامي اليهود وعقال الدروز سوية، وهكذا في إجراء العذابات الجهنمية عليهم لا يفرق بينهم، وأكبر ما يحصى عليهم من الذنوب التوقف عن أداء الأموال التي يطلبها منهم وربما نشأ تلكؤهم من عجزهم.

وقال إن الجزار كان يتأخر عن دفع الأموال الواجب عليه أداؤها للسلطنة ويعتذر عن الدفع بأنه محتاج إلى العساكر لإدخال لبنان في الطاعة، فسئمت الدولة من تعللاته الطويلة وكتبوا له أن المدة طالت ويظهر أنك غير قادر على تمهيده، فلذلك

صممت الدولة على إرسال وزير مقتدر بعساكر كافية لإخضاع لبنان لسطوتها فكان جوابها أنني بعد أيام قليلة إن شاء الله أبشركم بفتحه لأنه ظهر عليهم الضعف عن المقاومة، وقد منعنا وصول الذخائر إليهم من البقاع والسواحل وهم لا يقدرون على العيش بدونها، لأن أراضي الجبل قليلة بالنسبة

ص: 23

لسكانه. وبعد مدة وجيزة بشر الدولة بشارة كاذبة مع الساعي فادعى أنه فتح الجبل وأنه وجد فيه من السكان النصارى مائة وعشرين ألف رجل ومن الدروز ستين ألفاً ومن الشيعة ثلاثين ألفاً ومثلهم من السنة، فأتحفته الدولة بسيف مجوهر ومدحته على همته، وأرسلت إليه بعد مدة أوراق جزية النصارى المعتادة وزادوا عليها مائة وعشرين ألف ورقة برسم نصارى لبنان، فسقط في يد الجزار واستدعى المعلم حاييم فارحي مدير خزانته واستطلعه طلع رأيه في هذه القضية فأجابه يجب الآن دفع هذه القيمة من خزانتك لما عرضته الدولة عن فتح الجبل وعن عدد النصارى فيه. ثم ننظر في هذه الزيادة فدفع ثمن هذه الأوراق. وبعد أشهر أرسل بشارة للدولة بأن نصارى الجبل دخلوا في الإسلام. ولما دخلت السنة الثانية أرسلت الدولة للجزار أوراق جزية لبنان كالسنة الماضية فأرجع الزيادة بقوله: إن نصارى لبنان تقدم العرض عن دخولهم في الإسلام وارتفعت عنهم الجزية شرعاً. قال: وهكذا كانت أمور الدولة في ذاك العهد تجري بلا تحقيق في صحة ما يعرضه عليها مأمورها.

ولما هلك الجزار أرسلت الدولة راغب أفندي الذي صار والياً على حلب بعد ذلك لضبط متروكاته، وكانت قوانين الدولة يومئذ تقضي بأن يؤخذ كل ما يخلفه مستخدموها من أملاك وأموال وعروض، فحررت التركة مع سندات الأموال التي كان يحررها على الأمراء والمشايخ عدا الأموال الأميرية، فحسبت هذه الديون الظالمة من حقوق الدولة، ولما رأوا أنها وافرة وأنه من المتعذر تحصيلها جعلوها

مقسطة على رعايا أُولئك الأمراء والمشايخ على عدة سنين، فكان لبنان يدفع المال مضاعفاً، فالمال الواحد يبلغ أربعمائة كيس وكان يجبى من لبنان مال الجوالي على النصارى ومال فريضة على الدروز، فكان القسط الواجب على اللبنانيين أداؤه من مطلوبات الجزار يبلغ مقدار ستة أموال أميرية وصار الأهالي يدفعون كل سنة مالين. ولم يعلم ما خلف الجزار من الأموال بعد حكم تسع وعشرين سنة ولكن الذي قاله المؤرخون أن أحد رجاله الشيخ طه الكردي أخذ ألف كيس وأرسلت الدولة رجلين من الأستانة للبحث عن موجوده، فما رأوه شيئاً مهماً غير ما كان أرسله إسماعيل باشا للدولة مع القبطان باشي في أول الأمر من مال

ص: 24