الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حساباً، فكان قتله على غير رضى العقلاء من الأعيان، وكان هلاكه مخيفاً لمن يأتي بعده من الولاة.
الحكم على الموقف السياسي في نصف قرن:
ويجوز لنا بعد نقل حوادث نصف قرن أن نلخصها ونستنتج منها على الصورة التالية اً كان الظلم يقع على المسلمين والمسيحيين والإسرائيليين على السواء، ولما كان المسلمون هم السواد اعظم من السكان كان تأثير الظلم في مجموعهم أقل من تأثيره في مجموع الإسرائيليين مثلاً. 2ً أوغل أرباب الإقطاعات في الظلم فقلّم الجزار من أظافرهم ليستأثر وحده بالظلم والقتل، فحالفه التوفيق بطول المدة إلى الضرب على أيديهم بعض الشيء، فلما هلك عادت الحالة الأولى إلى سابق تعاستها من ظلم المستضعفين والفلاحين. 3ً مرَّت حملة نابليون بونابرت على
جنوبي الشام كالسحابة، وكان من الجزار أن ضمّ قوى الأقاليم برأي انكلترا التي تولت حربه بحراً بأسطولها، وساعد أن حكومة الدير كتوار في باريز استدعت نابوليون فعاد أدراجه مسرعاً لا يلوي على شيء كما رجع ريشاردس قلب الأسد ملك انكلترا في الحروب الصليبية بعد أن عقد مع صلاح الدين يوسف ميثاقاً أنقذ به الصليبيين ومحاربيهم من القتل والقتال. 4ً الظلم الواقع على النصيرية وإرادتهم على تغيير معتقداتهم واتخاذ مقتل رجل غريب يمتُّ بنسبة إلى دولة أجنبية قوية ذريعة إلى تخريب جبالهم وقتل زعمائهم بدون تحقيق، على حين كان زعماء الأرجاء الأخرى من القطر يفعلون فعلهم وزيادة، ولا من يردعهم أو يقوى على نزع سلطانهم وتخفيف وطأتهم، مثل محمد باشا أبو مرق الذي عجت الأرض إلى السماء في فلسطين من مظالمه حتى أخذ الناس يبيعون أولادهم كما تباع الجواري والإماء فراراً من ظلمه وقياماً بما يفرضه عليهم من المغارم. 5ً قيام مصطفى بربر متسلم طرابلس واستعانته بكافل عكا على كافل دمشق وظلمه الرعية ومحاولة الدولة غير مرة أن تستريح من تسلطه فلم تستطع ذلك إلى أن أهلك حتف أنفه. 6ً انقضاء دولة بني العظم بهلاك عبد الله باشا آخر من ولي
منهم سنة 1223 ولم يقم بعده أحد من ذريتهم لتولي الأحكام. 7ً اشتغال الدولة بالغوائل التي أصابتها ولا سيما استقلال اليونان ومحاولتها لما نال اليونان ما أرادوا أن تنتقم ممن يدينون بدينهم في الشام، فرد حزم الحازمين إرادة المختلين من ولاة الأمر الظالمين بحجة دينية أيضاً. 8ً عدم توفيق سليم الثالث في تطبيق خطط الإصلاح وكذلك مصطفى الرابع حتى تولى السلطنة محمود الثاني فبدأ في إنفاذ إصلاحه بمقياس واسع، كان أوله مقتل جيش الإنكشارية في العاصمة والولايات، فعدّ مصلح عصره الذي أدخل دولته في المدنية الغربية طوعاً وكرهاً، وجعل لها مقاماً بين الدول لم يكن لها من قبل على اتساع أقاليمها، وخروج أكثر
القاصية من حكمها فتبين لها أن عظمة الممالك بحسن إرادتها وكثرة مدنيتها لا بعظم رقعتها وخصب بقعتها، وأن دولة غناماها في عنفوانها وبذخها كما هي في ضعفها وشيخوختها، تُوَلّي رقاب الأمة ولو بالصورة الظاهرة، وجبوة خراجها ولو بالتغاضي عن بعضه للجباة لا للرعية لا تصلح ويصلح أهلها.