الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القدس
وبين شبه جزيرة طورسينا، وكان للصحف الوطنية المصرية حملات على بريطانيا بهذا الشأن.
رأي في دلال الدروز والنصيرية على الدولة:
وفي الحق أن مسألتين في هذا القطر شغلتا الأفكار خلال هذه الفترة: مسألة النصيرية في الساحل، ومسألة الدروز في الداخل. أما المسألة الأولى فمما يحدث له أمثال في كثير من الأقطار، وتنتهي كل ثورة بصلب بعض أرباب النفوذ والسيطرة وتخريب بيوت الثائرين والساكنين. ورابطة النصيرية وتعلقهم بمشايخهم أقل من رابطة الدروز وهي أقرب إلى الحل إذا انعقدت. ثم إنهم ليسوا من المعرفة بحيث يتطالون إلى تأييد سلطانهم، أو تحدثهم أنفسهم بالاستقلال عن الدولة، إذ لا ملجأ لهم من الأمم الغربية يرجعون إليه ويصدرون عنه، ولكن هل كان دروز حوران مثلهم يا ترى؟ بعد أن حاول إخوانهم غير مرة أن يقيموا لهم حكومة مستقلة في لبنان ثم انسالوا على جبل حوران يحاولون الاستقلال بربوعه، والابتعاد عن سيطرة عمال العثمانيين في هذا الجبل الذي ينتهي العمران به وتبدأ البادية المترامية الأطراف؟. إن ظواهر الحال تدل على أن الدروز في جبل حوران حاولوا منذ عهد إبراهيم باشا المصري أن ينزعوا أيديهم من أيدي حكام القطر ويستمتعوا بامتياز لهم خاص، لأنهم يثقل عليهم حكم غيرهم في الجملة، وبين عامتهم وعامة غيرهم فروق في الآداب العمومية والأخلاق والعادات، وإذا ثاروا يعرفون السبب في ثورتهم، لأن مشايخ العقل منهم يلقنون أجاويدهم، وأجاويدهم يلقنون عقالهم، وعقالهم يلقون عامتهم كل ما ينفع في شؤونهم العامة فكانوا يرضون عقيب كل فتنة أن يتفقوا مع الدولة على مال معين يؤدونه للسلطنة، ثم لا يلبثون أن يمتنعوا عن أدائه مع أن الجبل الذي تملكوه بالسيف أو بالشراء بأثمان زهيدة من جيرانهم المسلمين والنصارى هو من الخصب بحيث لا
يصعب عليهم أن يؤدوا الأعشار والأموال المطلوبة أو جزءاً من الضرائب التي يدفعها سائر الحورانيين، ولعلهم أو بعض مشايخهم كانوا يدلون على الدولة بما لهم من عطف بريطانيا عليهم فيتوهمون
أن ينشئوا لهم في صميم الشام دولة صغرى ناسين جميع الاعتبارات التي كانت تحول دون أمانيهم، وتهيب بالدولة إلى مناجزتهم القتال كلما حاولوا أن يرفعوا رؤوسهم.
وكانت الدولة هي التي ساعدت على تعاقب ثوراتهم وتسلسل شقاواتهم واستلذاذهم بالحروب، لأنها اتخذتهم آلة في لبنان ووادي التيم وحوران للانتقام من عدوها إبراهيم باشا واستخدمتهم آلات لها في مذابح سنة الستين. ودفعتهم في طريق الشقاوة والمقاومة بمالها وسلاحها فظنوا أنفسهم قوة مهمة لا تقف أمامها قوى دولة، وعرفوا أنهم إذا ظفروا كان لهم ما يريدون، وإذا غُلبوا يحسنون مداراة رجال الدولة، ولهم من بريطانيا العظمى على كل حال دولة تسأل عنهم وتعنى بمصالحهم، فلهم أن يدلوا على جيرانهم وعلى الحكومة.
وكان الشعب في معظم الأرجاء يستخف بعامة الدروز إذا اختلفوا إلى الحواضر، وإذا ذكروا يذكرونهم كما يذكرون النصيرية بالسخرية والمهانة، فيشق ذلك على جماعتهم خصوصاً والدروز لم يفقدوا أصولهم العربية ومن شأنها الشمم والإباء، فكانوا يصعب عليهم سماع ما يصمونهم به، وربما كذب الناس عليهم ونسبوا إليهم أموراً ليست من مذهبهم ولا من عاداتهم، كذبهم على النصيرية أيضاً، وكان لبعض المشايخ المتعصبين في الحواضر يد في إلقاء هذه الكراهة وهذه النفرة بين هاتين الشيعتين وبين الأكثرية من أهل السنة، الذين انشقوا منهم، ولعل الحكومة كانت تتعمد ذلك ولا يسوؤها فتغضي عما كان النصيرية والدروز يسامونه من الذل، وتفسح المجال للعامة والمشايخ البله أن يعاملوا مواطنيهم تلك المعاملة المؤلمة على النفوس الأبية، فيقابلها الدروز بمثلها يوم يكون لهم السلطان المطلق
في جبلهم وأرضهم.
ولو كانت الدولة بذلت شيئاً من العناية بهذين الشعبين الجبليين في الساحل والداخل، كأن تنشر بينهم التعليم الابتدائي، وتعطف على كورهم فتصلح طرقها، وتدخل عليها ما يمكن من أسباب النجاح لاستغنت هي والأمة عن مقابلتهما، وهم بعض أبنائها، بالسف والمدفع لتعيدهم كلما نشزوا إلى حظيرة
الطاعة، ولو دخلت المدنية على دروز جبل حوران ونصيرية جبل اللكام، كما دخلت مثلاً على دروز جبل لبنان، لكان من هذين الشعبين العربيين خَلقاً وخُلقاً قوة في الشام، ولما استحكم هذا النفور الذي كان من أثره ما ظهر في العهد الأخير يوم رضوا بأن ينزعوا أيديهم من أيدي جيرانهم، مع علمهم بأنهم شركاء متضامنون في هذا القطر المحبوب.