الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأرجاء، ثم تغلب جهجاه على قاسم. وفي السنة التالية وقعت وقعة بين جهجاه وحاكم بعلبك إسماعيل فانهزم هذا وقتل من رجاله نحو مائتي رجل ولم يقتل من رجال جهجاه أحد. وفي سنة 1205 أحرقت عساكر الدولة وقيل عسكر الأمير بشير حاصبيا وأكثر القرى التي حولها.
مظالم الجزار واختلال الإدارة:
تولى أحمد باشا الجزار دمشق للمرة الثانية سنة 1205 وظل مقيماً في عكا وأرسل متسلمين منهم أُرفه أميني وكان كما قال مشاقة ظالماً قاسياً يشبه أُستاذه في إنشاء المظالم والحوادث الصعبة على المسلمين والنصارى واليهود. وكان
الجزار مغتاظاً من أهل دمشق لعرضهم على الدولة مساوئه مما أدى إلى تنحيته عن عمله سنة إحدى، فأراد الانتقام من الساعين به هذه المرة. وبالحقيقة أن مدة حكم الجزار في دمشق وهي خمس سنين لم يرتح فيها الناس شهراً واحداً من طلب الأموال ظلماً وطرح المعاملة المتصل التي حدثت بها خسائر عظيمة وطرح بضائع متنوعة، ينهبها من جهات ويطرحها بأسعار زائدة على أخرى، وليس هناك صغير ولا كبير إلا ويناله الظلم والقهر، ونزح كثير من السكان وتركوا أوطانهم وعيالهم. سلسلة من المظالم لا حد لها. وكان كل سنة يقتل في قلعة دمشق بدون تحقيق أُناساً وقد قتل في إحدى السنين مائة وستين رجلاً خنقاً وذلك في ثاني سنة من ولايته. وفي السنة الثالثة قتل نحو ستين وكان كلما جاء دمشق مرة في السنة وهو ذاهب ليحج بالناس أو آيب منه يعمل هذه الأعمال للإرهاب ولم يقف أمر المظالم عند حد أوامر الجزار المجنونة، بل كانت الفتن في جهات أخرى من الشام على عادتها في القرون الماضية، من ذلك أنه جرت سنة 1206 عدة وقائع كانت سجالاً بين الجبل وعسكر الدولة الذين كانوا مع الأمير بشير، وأحرقت عسكر الدولة غريفة وبست نساء وأولاداً. واشتد الخصام بين بشير قاسم وحيدر ملحم الشهابين على الإمارة في لبنان، وكان بشير تعهد للجزار بخمسة آلاف كيس على مثل ما تعهد به يوسف، فأخذ يصادر كل من مالأ الأمير يوسف،
ومال الناس إلى الأمير حيدر للتخلص من الضرائب التي سامهم الأمير بشير دفعها، وسادت الفتن في اللبنانين الغربي والشرقي، وهاجم والي دمشق بعلبك للانتقام من الأمير جهجاه لأنه لم يخلد إلى السكينة، وقتل عشرات من الناس في بعلبك وسغبين وقتل من المعسكر أكثر من ذلك.
وهجمت أهالي حلب على بطال آغا نوري ومحمد آغا وعلى عسكره وحصل بينهما مناوشة أدت إلى انهزامه خارج حلب، وتوجه إلى عينتاب وحاصرها خمسة
أشهر إلى أن قتل وحمل رأسه أربعة وعشرين من العصاة إلى الأستانة. قال جودت: وكان هؤلاء الخونة يقتربون إلى رجال الأستانة بالأمور الدنيئة فينصبونهم حكاماً في بعض المقاطعات فيفسدون في الأرض ويتسلطون على عباد الله حتى ترفع الرعية علم العصيان وتقاوم الحكومة ولا تبعة في ذلك إلا على رجال الدولة.
وفي سنة 1206هـ 1791م أخرج الجزار الفرنج من بيروت وبنى السور بحجارة أبنية الشهابية التي دكها ودك كنائسهم وجعلها إسطبلات. وفي هذه السنة قتل رجل من أهل بيروت خارج البلد فأغلقوا الأبواب وقبضوا على كل من وجدوه من أهل الجبل وكانوا نحو ستين رجلاً فقتلوهم جميعاً. وحدثني الثقة من أهل بيروت عن أبيه عن جده أن حكام بيروت المسيحيين اشتدت مظالمهم وعتوهم على المسلمين فكان الأمير يمر في شهر رمضان في المدينة يحملون أمامه الغليون للتدخين فينتصب المسلمون على الأقدام يحيونه فلا يتنازل أن يجيبهم بل يقول الخادم من ورائه: سلّم الأمير. فضاقت الحال بالمسلمين فشكوا أمرهم إلى قائد الأسطول العثماني وكان يأتي كل سنة ليحمل الأموال المقررة فقال لهم: الخطب سهل وهو أن تغلقوا أبواب المدينة متى رأيتمونا أقلعنا بسفننا وتذبحوا النصارى وبذلك ترتاحون منهم ففعل غوغاء المسلمين وقتل بهذا التدبير الجائر كثير من الأبرياء، وبذلك تبين أن الدولة لم تكن تهتم إلا لجبايتها، فإذا استوفتها فسواء لديها تقاتل رعاياها أم تصالحوا، والغالب أنها تحبهم أن يكونوا على خصام أبداً حتى يخلو لها الجو، وقاعدة فرق تسد من أهم قواعد حكمها.
وفي سنة 1207 وهب الشهابيون الهرمل للأمير جهجاه الحرفوش فلم
يذعن له سكانها فحاربهم وقتل منهم نحو أربعين رجلاً وحرق البلدة وفي سنة 1208 قامت الفتن بين الأشراف والإنكشارية في حلب دامت عشرين يوماً قتل فيها بعض أهل
اليسار والشرف ثم انكسر الأشراف وحصرهم الإنكشارية في جامع الأطروش وجرى من القبائح ألوان وأشكال.
وفي سنة 1209 صدر أمر الجزار بمصادرة بعض صيارف دمشق من الإسرائيليين وقتل بعضهم وأدخل الرعب على أبناء نحلتهم، ونال مثل ذلك بعض أغنياء الأهالي على اختلاف مذاهبهم، وبدأ القتل والصلب وقطع الأنوف وحبس خلق وجرم الأبرياء وهام الناس على وجوههم، وفي هذه السنة غزا عسكر دمشق بعلبك فهرب الأمير جهجاه إلى رأس بعلبك فأحرق بعض بيوتها وكان رجال الدولة يحاذرون من شيء يقع على الشام بعد أن اعتصمهم الظاهر عمر بروسيا فقد ذكر شاني زاده أن والي صيدا عبد الله باشا كتب إلى الدولة بأن كنيستي عكا والناصرة وقلعة حيفا كلها مستحكمة البناء لا تخلو من محذور فاستفتى السلطان فأفتى بأن تهدم الكنيسة القديمة والجديدة معاً لثبوت مضرتها ونفذ الحكم. وكثيراً ما كان الولاة في العهد العثماني يوجسون خيفة من الديارات والبيع إذا كانت مستحكمة البناء فقد أخرج السلطان سليمان النصارى من ديرهم في سفح جبل بالقرب من قرية البعنة في صفد وكان قديماً يعرف بدير الخضر وأمر أحمد بن أسد البقاعي من الصوفية بالإقامة فيه مع أولاده. وفي سنة 1210 تولى دمشق عبد الله باشا العظم والقطر في حالة مزعجة وقد دام في ولايته هذه ثلاث سنين وبقي الجزار في عكا وفي هذه السنة وقع القتال بين عسكر أولاد الأمير يوسف في جبيل وبين الذين كانوا في قلعتها من عسكر الأمير بشير وكسروهم. وفي سنة 1211 أرسل عبد الله باشا العظم عسكراً إلى البقاع فأرسل الأمير بشير والجزار والي عكا عسكراً فالتقاهم الجزار، ووقع القتال في مندرة من قرى البقاع، فانكسر عسكر دمشق كسرة عظيمة وقتل منه جماعة. ولم يزل عسكر لبنان والهوارة مجداً في آثارهم إلى وادي المجدل وغنموا خيلهم وسلاحهم وذهب بعض اللبنانيين
وأحرقوا البترونة قرب الزبداني. وفي سنة 1212 توجه والي دمشق إلى التفتيش كالعادة فلقي الطريق ممسوكة منافذها من عسكر الجزار فساءت حال رجاله ثم توجه إلى جنين