الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزارة خارجية
بريطانيا العظمى بواسطة المستر اللنبي تطلب حضوره إلى باريز ليشهد مؤتمر الصلح للدفاع عن قضيته، وعينه والده وكيلاً عنه في مؤتمر فرسال، إذ لم تكن له صفة رسمية ثابتة تخوله حضور جلسات المؤتمر بصفة قانونية، فقدم للمؤتمر مذكرة قال فيها إننا نعتقد أن سورية هذه المقاطعة الصناعية الزراعية التي يقطنها عدد وافر من السكان من طبقات مقيمة هي بلاد متقدمة تقدماً كافياً من الوجهة السياسية يمكنها معه أن تقوم بأعباء أمورها الداخلية، ونرى أيضاً أن الاستشارة والمعاونة الأجنبية ستكون عاملاً ثميناً جداً لنمونا القومي، ونحن مستعدون لصرف ما يلزم من النقود مقابل هذه المعاونة، ولا يسعنا أن نفادي مقابلها بجزء من الحرية التي أخذناها قبلاً بأنفسنا وبقوة سلاحنا.
سبب سقوط الشام بأيدي الحلفاء:
عجب العارفون لسرعة سقوط الشام في أيدي الجيش البريطاني، وكيف كان تقدم الجيش المهاجم على مقدار سير خيول الفرسان، ولا عجب فالجيش مهما بلغ عدده إذا كسرت معنوياته ورأى الأفراد قادتهم يفرون ويختبئون ويرتعدون يدب فيه الفشل، ولم يكن الجيش التركي في الشام والحجاز أكثر من مائة وعشرين ألفاً، بقي في المدة الأخيرة منه مع ليمان ساندرس الألماني خمسون ألف جندي على حين كان يلزمه مائتا ألف، وجميع مدافع الترك على اختلاف العيارات لم تتجاوز الثلاثمائة، ومعظم ما يستندون عليه المدافع النمساوية ثم البطاريات الألمانية، أما الأعتاد الحربية والقنابل منها بوجه خاص فكانت قليلة جداً عند العثمانيين، لا يبيحون استعمالها إلا عند الضرورة الماسة، على حين كان البريطانيون يسرفون لا يبالون في إطلاق القنابر. وقد ألقى ليمان ساندرس التبعة على جمال باشا الكبير فقال في تقرير له إلى وكيل القائد العام: إن كل ما في سورية من إنسان وجماد وحيوان قد تسمم من سوء إدارة جمال باشا وإن الثبات فيها لا يمكن أبداً.
وفي الحق أن سوء الإدارة قضى بأن يجوع الجند المحارب ولدى الدولة أنابير الأطعمة الكثيرة لم ينتفع بها. وما كان يظن أن الجند التركي، وبه يضرب
المثل بالطاعة والشجاعة، أن يبدأ بالهرب، منذ بدت أمارات الفشل والبؤس، كانوا يهربون زرافات في الجبال إلى آسيا الصغرى وهم لا يعرفون الطريق وأهل القرى يطعمونهم ويلبسونهم ويهدونهم السبل. على أن الثبات أمام الجيش البريطاني لم يعد فيه أدنى فائدة ما دام حلفاؤهم البلغار قد طلبوا الصلح، وأمارات الانهزام بدت بجميع أعراضها في الساحة الغربية في أوربا.
وقصارى القول أن هذه الحرب كانت على الشام من أشأم الحروب لأنها حاربت وهي تحب السلم، فكان حربها تبعاً للدولة، وفقدت أبناءها وأموالها وخرب عمرانها. فقد منها نحو عشر سكانها في المعارك والجوع والأمراض أي نحو ثلاثمائة ألف رجل على أقل تعديل وخسرت من حيوانها وشجرها وذخائرها وبيوتها وجسورها ما يساوي الملايين من الدنانير، ويصعب تعويضه إلا في السنين الطويلة، هذا ما عدا من قتل من السوريين في الحرب مع الحلفاء فقد تطوع من الشاميين من غير المسلمين مع الحلفاء أكثر من عشرين ألفاً منهم خمسة عشر ألفاً كانوا في الجيش الأميركاني.
قبض الاتحاديون على زمام السلطنة العثمانية من سنة 1326 1908 إلى سنة 1336 1918 ولم تتخللها إلا أشهر معدودة خرج الحكم فيها عن يدهم إلى الأحزاب الأخرى، وكان من عملهم الأول إعطاء الحرية لأمة لم تشترك في طلبها بل تولدت من فكرة بعض الأحرار والضباط، ثم قضوا على تلك السلطنة العظيمة، وجنوا جنوناً عظيماً بسياسة تتريك العناصر، حتى خرجوا عن طور العقل، ولم يحبوا أن يسمعوا بالعرب والعربية وحقوق العرب، فضلاً عن مراعاتهم وهم نصف سكان المملكة، وفي أرضهم أشرف معاهدها التي كان
سلاطين العثمانيين يبسطون بواسطتها نفوذهم المعنوي على العالم الإسلامي. قامر أنور وطلعت وجمال بالمملكة العثمانية كأنها سلعة في السوق فخسروا رأس المال، وكانوا يعللون آمالهم أن يضيفوا إليه أضعافاً مضاعفة، وبشقوطهم دب الفشل في الدولة العثمانية نفسها، وكيف لا يدب وقد خرجت رازحة بديونها فلقدة أكثر من نصف مملكتها.