الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العهد العثماني من سنة 1256 إلى 1277
رجوع الشام إلى سالف بؤسها على العهد العثماني
وفتن الدروز والنصارى
أشبه الشام بعد الحكومة المصرية حال من كان في محنة مستديمة وشظف عيش، ثم حسنت حالته بان عُلّم النظام والسكون، ومتّع ببعض الراحة، وغذي بالأطايب، فتغيرت طبيعته، وتبدلت نفسيته، وبمحاولة إرجاعه إلى سابق مألوفه، عُدّ من يحاول ذلك جانياً عليه. وما كان يحلم أولاً بأن يستمتع بغير ما كان له، وبرجوعه سيرته الأولى تجلى له الفرق وتنغص عيشه.
تبين الفرق بين الإدارتين المصرية والعثمانية ولو طال عهد المصريين أكثر - وكانوا في صدد الفتح يتخوفون بادرة العثمانيين كل حين - لسعد القطر حقيقة وأيقن حتى من كانوا ينعمون من دماء الأمة على العهد العثماني أن طريقة المصريين في المساواة بين الطبقات والمذاهب المختلفة، والشدة في إنفاذ القوانين، وتقليد الغرب في كل أمر جوهري أفضل طريقة لراحة السكان، وكان يرجى أن يألفوا في مدة قصيرة ما تأصل في فطرهم على توالي القرون، وتعودوه من حكم أرباب الإقطاعات الذين صدهم المصريون عن تجارتهم الشائنة التي ألفوها زمن العثمانيين، وهي الاتجار بالجباية يجبونها أضعافاً، ويسلبون الباقي من الأمة بمرأى من الحكومة ومسمع.
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها
…
فكيف إذا الرعاة لها ذئاب
لم تكد تخلي الجنود المصرية أرض الشام حتى رجعت إلى حالتها القديمة وثارت العداوات في الصدور، وزادت الدسائس الأجنبية، وأخذت فرنسا
تساعد الموارنة، وبريطانيا تعاون الدروز، فتعدى هؤلاء على الموارنة في سنة 1257 ودخلوا دير القمر وارتكبوا فيه الفظائع المنكرة، وزحفوا على زحلة بثمانية آلاف، وانتسب
القتال بينهم وبين أهلها، ومعهم أهل بعلبك، فانهزم الدروز شر هزيمة، ولولا تدخل الجيوش بشدة لامتدت الثورة. وانجلت حادثة دير القمر عن مائة وتسعة قتلى من النصارى وعدد كبير من الدروز قدره مشاقة بأكثر من خمسمائة لأنهم كانوا مهاجمين قال: ولما ظهر للنصارى غدر مشايخ الدروز بهم في هذه الحادثة نفروا منهم نفوراً تاماً، وطلبوا من الوزير حاكماً عليهم ورفع سلطة المشايخ عنهم فأجابهم إلى ذلك، لأن هذا ما كان يرغب فيه، ولولاه لما كان الأتراك يختمون عروض المحاضر طعناً على أمراء الجبل ويحضون أهله على الفتن.
عاملت الدولة العثمانية بعد عودتها إلى القطر كل من ساعدها على مقاصدها وخدمها أو تظاهر بخدمتها وتجسس لها زمن الحكومة المصرية المعاملة التي ترضيه، فرجع أرباب النفوذ والإقطاعات إلى سالف مجدهم، المبني على تقطيع أوصال الشعب والتغذي بلحمه. وأقامت بدلاً من الأمير بشير الشهابي الأمير بشير قاسم الشهابي حاكماً على لبنان. وكان دون سلفه إدارة ومعرفة، وأقصت الأمراء الشهابيين عن وادي التيم، وأقامت شبلي العريان متسلماً لها لأنه خدم أتراك في حرب المصريين، نزع من النصارى سلاحهم وقدم للدروز باروداً وذخائر، وكان يرى سلب القرى المسيحية وإحراقها من عوامل الخدمة لطائفته ودولته.
ولم يكن من مصلحة الدولة أن تسود الألفة بين الطوائف، وأن يتعامل أهل الوطن الواحد بالحسنى، فكان أكثر رجالها يوقدون جذوة التعصب الديني ويساعدون الدروز على النصارى في لبنان، حتى يتيسر للدولة أن تنزع الحكم من أرباب الإقطاعات وتقيم له والياً كما لطرابلس وصيدا والقدس وحلب ودمشق، ولذلك كثرت الفتن والمناوشات بين النصارى والدروز، فأثار الأمير قاسم الشهابي الدروز على الموارنة 1841م فقتلوهم ونهبوهم فتدخلت الدولة وعزلت الأمير قاسماً الشهابي لتقيم مكانه والياً عثمانياً، نصبت عمر باشا النمساوي ثم عزلته،
وجعل الجبل قائم مقاميتين الأولى نصرانية والثانية