الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سيارته إلى رياق، وكان آخر قائد تركي خرج من عاصمة القطر، بعد أن ملكها الأتراك أربعمائة وأربع عشرة سنة.
وبعد يومين استدعى من فُوض إليهم الأمن في البلد من وجوهها الأمير فيصل بن الملك حسين قائد الجيش العربي، وكان مرابطاً في الجيدور فدخلها ونزل في دار آل البارودي في القنوات وهناك شرع بتأسيس الحكومة العربية. وكان البريطانيون عهدوا إلى اللواء علي رضا باشا الركابي من قواد الجيش التركي ومن أبناء دمشق بأن يكون حاكماً عسكرياً لمدن الداخلية دمشق وحلب وما إليهما بالنظر لما ثبت للبريطانيين من حسن بلائه في خدمتهم، ويقال: إنه كان أرسل إليهم مصوّر الحصون حوالي دمشق وكان وكل إليه الترك عملها، وأرسله القائد التركي قبيل سقوط دمشق ببضعة أيام ليجمع شمل المنهزمين من الجيش التركي في القنيطرة وأعطاه مبلغاً من المال، فادعى أن العربان سلبوه ماله وثيابه، وانضم إلى الجيش
الإنكليزي، وهكذا ذهب من دمشق قائداً تركياً وعاد إليها بعد أيام حاكماً عربياً بريطانياً.
وأطال بعض أهالي بعلبك أيديهم على المنهزمين من جند الترك، وأخذوا سلاحهم وسلبوهم ثيابهم وعتادهم وقتلوا نحو ثلاثين جندياً، وذل الأتراك هذا الملك العظيم، وخدم الاتحاديون الدولة بادئ بدء إذ حموا الدستور كما قال كامل باشا لكنهم بتدخلهم في السياسة وبسط سيطرتهم على السلطة الإجرائية أصبحوا حكومة في حكومة، وأضحوا خطراً على الدستور. بل صاروا بعد خطراً على المملكة كلها، ضاربوا بها في سوق السياسة الألمانية فخسروها.
سقوط بيروت والساحل والهدنة:
كانت الطيارات البريطانية يوم 29 أيلول أمطرت قنابلها على مستودعات محطة رياق نقطة اتصال الجنوب بالشمال ونهب ملحم قاسم أنابير رياق وحوش حالا في جماعة من رجاله، فنسف الألمان ما بقي من المؤن والعتاد في المستودعات والأنابير، وانهزموا في السكة الحديدية إلى الشمال، ولم يتركوا أحداً من الترك معهم نجوا باستعمال الشدة، وفي ذاك الحين قذف الألمان في بيروت المؤن
والمواد الحربية في البحر، وأصلاهم الحلفاء ناراً حامية خلال هزيمتهم، ولم تنفعهم وتنفع الأتراك خطوط الدفاع التي كانوا جعلوها في الجبل المطل على بيروت، كما لم تنفعهم والترك أيضاً الخطوط التي أنشئوها في جبل المانع والمزة وقاسيون المحيطة بدمشق من غربها وجنوبها وشمالها، وهكذا لم تصب دمشق وثغرها بيروت بأذى يوم الهزيمة على نحو ما كان العقلاء يحاذرون.
لم يجر استيلاء الحلفاء على بيروت إلا يوم 7 تشرين الأول أي بعد سقوط عاصمة الشام بثمانية أيام، فأرسلت الحكومة العربية في دمشق برقية إلى رئيس بلدية بيروت بأمر الأمير فيصل غداة وصوله إلى دمشق تأمره فيه برفع العلم
العربي، ووصل إلى بيروت من دمشق اللواء شكري باشا الأيوبي تحف به شرذمة من الفرسان، واحتل دار الحكومة، وبعد أربعة أيام وصل القائد الإنكليزي وأمر اللواء العربي بالعودة إلى دمشق، وأنزلت الراية العربية وعين الكولونيل بياباب الفرنسي حاكماً على بيروت، وأخرج الفرنسيون جنداً إلى البر بين تصفيق الأهالي ولا سيما أبناء الطوائف الغربية، ثم صدر أمر القائد اللنبي إلى الأمير فيصل أن يحتل جيشه حمص وحماة وحلب، وكانت الجنود الإنكليزية والأسترالية تتقدمه أولاً، ففتحت حمص يوم 14 تشرين الأول، وحماة يوم 16 ودخل الجيش العربي حلب يوم 25 منه مساء بعد مقاومة خفيفة ومناوشة الفرسان البريطانيين والأستراليين لبقايا الجيش التركي الذي دافع لإشغال الجيش المهاجم حتى يتسنى له الانسحاب من حلب بانتظام وسلام خشية الأسر، ويتم له نقل الموظفين وعيالهم والنقود والأوراق والسجلات، وطلب الشريف ناصر بن علي قائد الحملة العربية إلى قائد الفرقة البريطانية الجنرال مكاندرو أن يمده بسرية من جيشه ليضمها إلى فصيلة عربية يمدّ بها السرية التي كان أنفذها لاحتلال حلب فرفض الجنرال طلبه، وبعد الإلحاح عليه صرح بأن القائد العام أمره أن لا تطأ قدم جندي واحد من الجيش الإنكليزي مدينة حلب إلا بعد دخول الجيش العربي ورسوخ قدمه بها، وهكذا لم يدخل الجيش البريطاني حلب إلا بعد دخول الجيش العربي بأربع وعشرين ساعة وتأليف الحكومة العربية المؤقتة وكان آخر ما سقط من الديار الشامية ميناء الإسكندرية احتلته البحارة الفرنسية يوم 18 تشرين الثاني 1918.
وصرح القائد مكاندرو في خطاب له في إحدى المآدب بحضور المستر مارك سايكس والمسيو جورج بيكو بعد أن أثنى على شمم العرب وذكائهم ونبوغهم وشجاعتهم بقوله: ومما يلفت النظر أنهم بفرط بسالتهم وإقدامهم سبقونا إلى حلب بيوم كامل أربعاً وعشرين ساعة.
احتل العرب قلعة حلب ودار حكومتها، وقد فقدوا أربعة وخمسين جندياً، وأحصوا أربعمائة قتيل تركي في الشوارع. وذعر الترك لأنهم أصبحوا بين عدوين الجيش المهاجم والأهالي وانقض زعماء بادية حلب على الجيش التركي، عندما كان يدافع على سلامته على أبواب حلب، للسلب والنهب. وفي 26 تشرين الأول بدأ الجيش العربي بمهاجمة الأتراك في القسم الشمالي الذي كانوا فيه من المدينة فأجلوهم وتبعهم فرسان البريطانيين في اليوم التالي فواصلوا الزحف شمالاً إلى أن بلغوا المكان الذي تتقاطع فيه سكة حديد بغداد وسكة حديد سورية، وقد وقعت في قطمة معركة شديدة بين الأتراك والبريطانيين قتل فيها كثير من الفريقين وانتهت بانهزام الأتراك إلى الشمال والجيوش البريطانية تتأثرهم، والأتراك يرتكبون الفظائع في القرى المستضعف أهلها، ووقف البريطانيون على كيلو مترات قليلة من شمالي حلب، فأبلغت إنكلترا قائد جيوشها بعقد الحلفاء الهدنة مع الأتراك يوم 31 تشرين الأول، وكان الأتراك يتذرعون بالهدنة منذ بدء الهزيمة الكبيرة في فلسطين، ولكن بريطانيا العظمى سوفت في الأمر ريثما أخرجت الترك من الشام كله بالقوة على ما يظهر، وبعد الهدنة ظلت شراذم من الجيش التركي في حارم وإنطاكية وبيلان وإسكندرونة لم تستطع اللحاق بالجيش المنهزم، فتفسخت وتخللتها الفوضى، وانقلبت إلى شبه عصابات تسلب وتنهب وتؤذي الأهلين، إلا أنها لم تلبث أن انضمت إلى المنهزمين وراء جبال طوروس أو دخلت في الطاعة واستسلمت.
ومن شروط الهدنة مع الأتراك تسليم حامية الحجاز وعسير واليمن والشام وما بين النهرين وانسحاب الجيوش من قلقية عدا من يحافظون على الأمن، وكان الفريق فخري باشا محاصراً في المدينة المنورة في خمسة عشر ألف جندي، ولم يسلم إلا عندما جاءه الأمر من حكومته في الأستانة أي في كانون الأول. وبينا كان الأمير فيصل لأول الاحتلال العربي في حلب وردت عليه برقية من