الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتحف، يقال إنها بلغت ثمانية آلاف كيس بيد أن إسماعيل باشا صرف أموالاً كثيرة على العساكر والأغوات، وعلى كل فهي قليلة بالنسبة لطول عهده، والغالب أنه كان معتدلاً في أخذ المال غير اعتداله في سفك دماء الرجال، أو أنه ادخر كميات من الذهب غير ما عثر عليه منها فضاعت عند وكلائه وخواصه.
قاعدة المبالغة في الثروة والفقر، والظلم والعدل، والعلم والجهل، والقبح والجمال تناولت أعمال الجزار أيضاً، ولو كان في قلبه بعض الرحمة وعزوف عن سفك الدم الحرام إلا بما تقضي به الشريعة لعد مصلح عصره قياساً مع الصفات التي أوردها مشاقة. لا جرم أن التبعة في بعض أعماله تعود على عماله ورجاله، وأكثرهم من أبناء الديار.
المتغلبة على الأحكام بعد الجزار:
خرج الشام بعد هلاك الجزار مقلَّم الأظفار، معروق العظام، بل مقطع الأوصال، سيئ الحال، وأحدث موته فراغاً ففقدت به الدولة أعظم قوة تمثلها ونُفّس بهلاكه خناق أرباب المقاطعات المتغلبين من الأعيان، وكان في سجن الجزار في عكا رجل يقال له إسماعيل باشا أرناؤطي الأصل، وأصله من جملة عساكر الوزير
الأعظم حين حضر إلى مصر لاستخلاصها من الفرنسيين. ولما قام الفرنج على المسلمين وأخرجوهم من مصر وتشتت العساكر في تلك الأقطار قصد إسماعيل باشا أحمد باشا الجزار، فدعاه إلى فتح يافا فظهرت منه خيانة مع محمد باشا أبو المرق فقبض عليه الجزار وسجنه وعذبه، كما كان يفعل بمن يقبض عليه وبقي في سجن الجزار إلى أن هلك هذا، فخرج إسماعيل باشا من حبسه وجعل مكان الجزار فاستولى على متروكاته حتى اضطرت الدولة إلى قتاله لعصيانه في قلعة عكا وأرسلت عليه حملة ودام الحصار أربعة أشهر حتى أُخذ وقتل فاستراحت الأمة من أحمد الجزار ومن خلفه.
وعصا أهل وادي التيم فأرسل عليهم إسماعيل باشا جنداً كبس القرى وقتلوا زهاء مائتي قتيل وأخذوا مائتي أسير، وكبس الأمير بشير جنبلاط
بعساكر الدروز بعض قرى عكا وقتل من عساكر إبراهيم باشا جماعة، وإبراهيم باشا هو إبراهيم باشا الحلبي الذي نصبته الدولة مرة ثانية على دمشق وكان والياً على حلب. وكان حدث بموت الجزار اضطراب وخلت دمشق من الأحكام، فمهد الأمور وعهدت إليه الدولة مع ولاية دمشق بصيدا وطرابلس وأوعزت إلى الأمير بشير الشهابي حاكم الجبل أن يكون في طاعة إبراهيم باشا وعوناً له على إصلاح حال صيدا والساحل، فصدع والي الجبل بالأمر لأنه كان داهية يراعي الدولة ولا يتأخر عن قضاء لبانتها، ولا سيما الخراج والجزية يؤديهما في أوقاتهما.
حاولت الدولة غير مرة القبض على مصطفى بربر متسلم طرابلس وظل في منصبه يسوم الناس مظالمه، وما لبد خصمه اللدود عبد الله باشا العظم أن تولى دمشق للمرة الثالثة بعد أن كانت الدولة غضبت عليه بوشايات الجزار وشردته في البادية ولكنه دعاها إلى الرضا عنه وداواها بما تداوى به في العادة بأكياس بينه وبين الوهابيين أمور عظيمة، وكانوا قد استولوا على الحجاز وتقدموا إلى الشام
فهلك غالب عسكره وانتهب الحاج.
عين سليمان باشا الكرجي من مماليك الجزار والياً على عكا فأقام حاكماً على يافا وعلى غزة محمد آغا أبو نبوت أحد مماليك الجزار، وبقي حاكمها إلى أن طمع بالاستقلال فيها، وعندما تحقق سليمان باشا ذلك ركب عليه بالعسكر فهرب إلى مصر ثم إلى الأستانة وشفع فيه الشافعون فنال رتبة الوزارة. وسليمان باشا هو الذي أراد أن يرفع بعض المظالم عن الرعايا ويحملها على الأجانب في عكا كأن يبيع الغلات والقطن والزيت من الأجانب فقط، تبتاع الحكومة ما يفضل عن عوز الأهلين وتخزنه في مخازن لها تبيعه من التجار الأجانب القادمين في مراكبهم بالأسعار التي تريدها.
ومن الأحداث في سنة 1221 ما حدث من فتنة بين العسكر الوطنيين وجند الحرس في دمشق، فحاصرت القلعة وأغلقت المدينة كلها، ووضعت المتاريس داخل المدينة، وجرت بين العسكرين حرب المتاريس في الأزقة والشوارع والسطوح والمآذن فغلب الوطنيون الحرس وكسروهم