الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يرشيهم ويرشي زوجاتهم بطرق مختلفة يتففن فيها. ولم يكد يسلم من هداياه ورشاويه إلا سفير بريطانيا العظمى على ما يقال. فكان إذا أهداه السلطان هدية يقدم له من الغد مثلها أو أحسن منها، حتى لقد قالت امرأة هذا السفير يوماً: لقد أعجزنا أمر عبد الحميد يريد أن يرمينا في شبكته بالجواهر والحليّ كما رمى نساء السفراء قبلي. وكان كثيراً ما يلقي الشغب بين السفراء أنفسهم. وكانت له طرق وله ديوان خاص لإعطاء الصحف الأجنبية مالاً حتى تسكت عن خلل الدولة. وبهاتين القوتين قوة السفراء وقوة الصحافيين استطاع يوم ثورة الأرمن في العاصمة وأرمينية وقتل الأتراك والأكراد نحو مائة ألف من الثائرين، أن يسكت ساسة أوربا عن عمله وعمل عماله، ومع هذا لم يمنع الحذر من القدر فطوي بساطه وبساط أسرته بما عليه جملة والله وارث الأرض ومن عليها.
الأحداث في أيام محمد رشاد وحرب طرابلس
والبلقان وحزب الإصلاح:
تولى محمد رشاد الخامس بعد السلطان عبد الحميد الذي قضى في شهر ذي القعدة 1333هـ 1915م وهو ضعيف المدارك لأن أخاه ضيق عليه مدة حكمه الطويل حتى تبلد عقله وكان كأخيه عبد الحميد قليل المعلومات لم يدرس من اللغات الأجنبية شيئاً، بل درس الآداب الفارسية وبرع فيها. وزاد تسلط الاتحاديين عقيب أن ظفروا بمن أوقدوا فتنة 31 آذار وقضوا على الارتجاع وغيروا بعض خططهم
التي كانت ترمي إلى تفوق الترك على سائر العناصر وخاصة العرب، فدعت الحال إلى تأسيس حزب الأحرار المعتدلين 1329 الذي ظهر بعد ذلك باسم حزب الحرية والائتلاف في العاصمة والولايات، ولم ير الاتحاديون للخلاص من مخالفيهم أحسن من الاعتماد على القوة فاغتالوا بضعة رجال في الأستانة وحاولوا أن يغتالوا في الشام بعض أعدائهم الأشداء من أرباب القلم فلم يفلحوا، وأقصوا من الخدمة كل من لم يسر على رغائبهم، وتقاتل الحزبان فكانت الغلبة تكتب أكثر السنين للاتحاديين لأنهم دعاة الحرية الأول وترتيباتهم تامة من أكثر وجوهها، تشبه ترتيبات جمعية الماسون، ولا سيما فيما كان من قبضتهم على قياد الأعمال وأخذهم بمخنق جميع العمال.
وثارت اليمن سنة 1329 فأرسلت الدولة جيشاً عظيماً على صنعاء والعسير قتل في حربها من أبناء الشام ألوف. كما كانت كل مرة تدفن ألوفاً من أبنائها في تلك الولاية القاصية. حدثني عظيم من الأتراك وكان أكبر رجال الشورى العسكرية في الفيلق الخامس بدمشق أن الدولة بحسب إحصاء الجيش كانت تدفن كل سنة من أبناء الشام في اليمن نحو عشرة آلاف جندي يهلكون بالأمراض والفتن والقلة وتغير الهواء، دامت على ذلك نحو خمسين سنة حتى عقد الصلح بين إمام اليمن يحيى بن محمد حميد الدين وبين قائد الحملة اليمانية عزت باشا، وبهذا العقد لم يبق للدولة هناك غير سلطان قليل في صنعاء وتَعِزِ وما إليهما من السهول والجبال، وانتقلت جل الإحكام إلى الإمام وذلك في سنة 1329هـ. وظهرت أيضاً فتن أُخرى في كردستان وألبانيا وأذنة، فلم ترتح المملكة سوى أشهر معدودة بعد إعلان القانون الأساسي. ومنشأ كل فتنة داخلية العمال على الغالب، ثم تمتد وتنتشر فيصيب الأمة شرها، ويتولى الأمر الجهلاء ثم يتعذر على العقلاء حل العقد التي يعقدونها، وكم من مجنون رمى في بئر حجراً فصعب على مائة عاقل
إخراجه. ثم نشبت حرب طرابلس بين العثمانية وإيطاليا، وجاءت إيطاليا بأسطولها إلى سواحل طرابلس وبرقة بدون مسوغ، وضربت سفينتين عثمانيتين كانتا راسيتين في ميناء بيروت فهلك من أهل المدينة والجند زهاء مائتي نسمة، وأرسلت الشام جنداً ومعاونات نقدية إلى طرابلس، آخر ما بقي من للعثمانيين من الولايات في برّ إفريقية. ولم يعد الصلح في أُوشي من سويسرا بين العثمانية والإيطالية حتى أعلنت دول البلقان المتحدة بلغاريا والصرب والجبل اسود واليونان الحرب على الدولة العثمانية فغلبتها، وجاء جيش البلقانيين إلى جتالجة من ضواحي الأستانة، وعقدت الهدنة يوم الثالث من كانون الأول 1912 بين العثمانيين والبلقانيين، وعقد مؤتمر في لندرا لإصلاح ذات البين بين الفريقين فلم يفلح، وعاد المتحاربون إلى النزاع بعد الأزمة الوزارية التي انتهت بسقوط الصدر كامل باشا وقتل ناظم باشا ناظر الحربية بيد أنور بك من ضباط الاتحاديين ودعاة الدستور في الروم ايلي، وأخذ الاتحاديون بعد هذه الفاجعة يستولون على أزمة الأمر وظهر أنور بك بمظهر جديد فقبض على عنان الحكومة، واستؤنفت الحرب بين المتحدين من البلقانيين
الذين انفرط عقد اجتماعهم فزحف العثمانيون على أدرنة فاستعادوها إلى الملك العثماني، ولم يبق للدولة في أرض أوربا غير ولاية أدرنة وما إليها من ضواحي الإستانة، وانسلخت عنها هذه المرة ولايات قوصوة وإشقودرة ويانيا ومناستر وسلانيك وعادت الحرب فنشبت بين العثمانيين والبلقانيين في 17 تشرين الأول 1912 وعقد الصلح في 29 أيلول 1913 وقد فقدت العثمانية في هذه الحرب مائة ألف جندي بين قتيل وجريح وثمانين مليون ليرة ثمن ذخائر وسلاح، وخرجت من الروم ايلي وكانت صرفت في فتحه خمسين سنة وحكمته خمسمائة سنة ولم توفق إلى نشر لغتها ودينها فيه على ما يجب.
وفي سنة 1913 اتحد جماعة من السوريين بينهم اللبنانيون النصارى والمسلمون على مطالبة الدولة بإصلاح الشام. وكتب والي بيروت أدهم بك إلى الصدر كامل باشا كتاباً قال فيه: كانون الأول 1912 تتجاذب القطر عوامل مختلفة، ولقد ولى قسم عظيم من الأهالي وجهه شطر إنكلترا أو فرنسا لإصلاح الحالة التعسة التي هم فيها فإذا نحن لم نأخذ بالإصلاح الحقيقي يخرج من يدنا لا محالة 1هـ. فأرسل الصدر إلى الوالي يريد الأهلين على عرض مطالبهم، فاجتمع المجلس العام في بيروت وانتخب 90 عضواً عقدوا جلستهم الأولى في 12 كانون الثاني سنة 1913 واختارت من أعضائها خمسة وعشرين مفوضاً سمتهم اللجنة الدائمة، وقدمت هذه بياناً بالإصلاحات المنشودة، واتفق على ذلك أعيان المسلمين والمسيحيين فوضعت اللجنة في بيروت لائحة أهم ما فيها توسيع سلطة المجالس العمومية وتعيين مستشارين أجانب. وفي أوائل الصيف ذهب وفد من البيروتيين وغيرهم إلى باريز وعقدوا هناك مؤتمراً قرر يوم 21 حزيران سنة 1913 أن تضمن للعرب حقوقهم السياسية، وذلك بأن يشتركوا في الإدارة المركزية للمملكة اشتراكاً فعلياً، وأن تنشأ في كل ولاية عربية إدارة مركزية تنظر في حاجاتها وعاداتها، وان تنفذ لائحة الإصلاحات التي نظمت في بيروت القائلة بتوسيع سلطة المجالس العمومية وتعيين مستشارين أجانب، وأن تعتبر اللغة العربية في مجلس النواب العثماني، وتكون لغة رسمية في الولايات العربية، وأن تجعل الخدمة العسكرية محلية في الولايات العربية.
فخاف الاتحاديون العاقبة وبعثوا أُناساً من قبلهم وقبض واليهم في بيروت