الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلع فطلب مقراضاً يقص به شعره فانتحر بقطع بعض عروق يديه وقيل بل قتل بيد أثيمة وهو غير صحيح. وقد ساعد سفير إنكلترا رجال الدولة القائمين بهذا العمل، بأن استدعى قسماً من الأسطول الإنكليزي إلى ميناء الأستانة ليلجئوا إليه إذا انكشفت مؤامرتهم قبل إتمامها. ولما تربع مراد في دست السلطنة تنازل عن ستين ألف كيس من مخصصات القصر وترك للمالية ريع المناجم والمعامل على حين كان يرسف في قيود ديونه التي تراكمت عليه منذ ولايته العهد، وقد أنافت على مليون ليرة وليس في الخزينة من المال ما يكفي إلا لسدها وبعض زيادة طفيفة، والجند والموظفون لم يتناولوا رواتبهم منذ أحد عشر شهراً. وكان مراد ليلة خلع عبد العزيز ارتاع فأصابه مسّ من الجنون لما بشروه بالبيعة له بالسلطنة، على صورة لم يكن يتوقعها واشتد خلله بعد أيام من توليته عندما بلغه مقتل حسين عوني باشا فلم يتلطف مبلغه بالأمر وقال له إن الوزراء قتلوا فقال الآن جاءت نوبتي في القتل وبدأ معه الجنون المطبق، فلم يسع أهل الحل والعقد إلا خلعه بعد أن سكتوا على ذلك شهرين، فخلعوه بإثبات جنونه المطبق ونصب مكانه السلطان
عبد الحميد الثاني يوم 16 شعبان سنة 1293، بعد أن تعهد لمدحت باشا بأن ينشر القانون الأساسي، ويؤسس في السلطنة حكومة دستورية.
عهد عبد الحميد الثاني:
تولى عبد الحميد زمام السلطنة وروسيا تهيج ممالك البلقان، والدولة مائلة إلى السقوط لإسراف عبد العزيز، فألغى جانباً كبيراً من نفقات المطبخ السلطاني وكانت نفقاته على عهد عبد العزيز أربعين ألف ليرة في الشهر فأنزل مبلغاً لا يستهان به، وقضى أن لا تخرج من المابين موائد الطعام بل أن يأكل فيه من له حق الأكل، وألغى الامتيازات التي كانت لوالدة السلطان، لأن والدته ماتت وهو صغير فتوفر بذلك 150 ألف ليرة نفقات سنوية، وأخذ يتولى بنفسه إدارة الشؤون ويتفنن في الجاسوسية ليطلع على الصغيرة والكبيرة. لكن روسيا أعلنت الحرب على الدولة فنزعت البوسنة والهرسك من أملاكها واستقلت الصرب والجبل الأسود، وانهزم العثمانيون أمام الروس وخرجوا من حربهم
وقد أضاعوا جزءاً مهماً من مملكتهم وما يربو على مائتي ألف كيلو متر مربع من الأراضي، وسبعة ملايين من الرعايا، وانسلخت جزيرة قبرص عن السلطنة وقضت معاهدة برلين 1294 أن لا تسلب من الدولة الإمارات التي كانت تابعة لها فقط، بل نصف أرضها في أوربا، وأن يتعهد السلطان بإصلاح مكدونية وكريت وأرمينية وتحملت السلطة غرامة باهظة. وأعلن السلطان القانون الأساسي في المملكة وسارع بتأليف مجلس نيابي ومجلس شيوخ واجتمع مجلس الأمة قبل أن يحضر نواب اليمن وبغداد والبصرة وطرابلس الغرب لبعد ولاياتهم واكتفوا بوجود ثلثي النواب، وانتهت معاملة أعضاء مجلس النواب بعد ثلاثة أشهر من نشر القانون السياسي، ولم يكن انتخاب النواب بالرأي العام بل بتعليمات مؤقتة بمعرفة مجالس الإدارة.
ولما تناقش النواب في مسألة الصلح مع روسيا لم يرتضوا بالشروط الصعبة التي
اقترحتها الدولة الظافرة وحدث في المجلس أخذ ورد، شق ذلك على عبد الحميد وربما بدرت بوادر من بعض النواب بحق السلطان فأمر بإقفال المجلس، وكان على حماة يرضى معها أن يتنازل عن ثلثي المملكة على أن يضمن له عرشه، فصدر أمره بتوقيف أعمال مجلس النواب إلى مدة غير معينة وأمر بإخراج عشرة من نواب الولايات في ثمان وأربعين ساعة من الإستانة، وكان منهم خمسة من ولايات الشام فأظهر بذلك أول صورة من صور استبداده خالف بها الأصول النيابية، ولم تتمتع الأمة بحرية الدستور سوى أربعة أشهر لأنه صعب على مانحه أن يسير على غير خطة الاستبداد، وندر أن يجيء من المستبد إلا مستبد، فزاد حنق الأحرار والغيورين على بقاء السلطة العثمانية، وأخذ هو يشتد خوفه على نفسه، ويقضي على من كان خلع عمه عبد العزيز على أيديهم من الوزراء، ولاسيما مدحت باشا الذي نقله إلى ولايات بغداد والشام وإزمير، ومنها إلى حبس الطائف فقتله هناك، وأخذ يستكثر من الجواسيس وأصبح ولا همّ له بعد سنين إلا اتخاذ الاحتياطات لذلك، وكثرت أوهامه وظنونه، وأنشأ يراقب المطبوعات مراقبة دقيقة مضحكة، ولا يسمح بنشر جريدة ولا كتاب على الأكثر إلا إذا طرز باسمه واختلقت له فيه الأماديج. وفي أول عهده 1881م أخذ الصهيونيون ينزلون فلسطين مئات كل سنة،