الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بألفي جندي، فحاصره الولاة المذكورون تسعة أشهر فلم يستطيعوا الاستيلاء على عكا مع أنهم كانوا في ستة عشر ألف جندي. ولما عجزت
الدولة
عن أخذ هذا الثغر من عبد الله باشا وأصبح في يده معظم القطر الشامي حقيقة رتبت عليه خمسة وعشرين ألف كيس وهي تساوي نحو نصف مليون ليرة، وذلك بدل نفقات عسكرها في حصار عكا، وكان عبد الله باشا يوقع كتاباته هكذا أمير الحاج السيد عبد الله والي الشام وصيدا وطرابلس ومتصرف ألوية غزة ويافا ونابلس وسنجاق القدس الشريف حالاً.
سياسة الأمير بشير في لبنان وتقاتل الولاة وارتباك
الدولة:
تولى دمشق مصطفى باشا 1237 وفي أيامه حدثت فتنة بين الأمير بشير وابن جنبلاط وعلي العماد كتبت النصرة فيها للأمير، وهرب المشايخ المذكورون إلى حوران فأمسكوا وقتلوا، واضطر الأمير بشير الشهابي بعد ذلك إلى التغيب في دمشق وحوران، ثم عاد بعد مدة إلى لبنان وتسلم زمام الأمر وطلب الأموال المتأخرة من اللبنانيين فثاروا عليه في اثني عشر ألف فارس وقيل في ثلاثة عشر ألف مقاتل وليس معه فيما قيل سوى ثلاثمائة. فقتل منهم على قلة عديده وأخضعهم لسلطانه، وعاونه الشيخ بشير جنبلاط على كبح جماحهم وكذلك والي عكا أرسل إليه عساكر الأرناؤد والهوارة والمغاربة والأكراد فنشب القتال بين الفريقين فقتل من جماعة الأمير بشير 15 رجلاً وأحضروا 29 رأساً من رؤوس محاربيهم. ثم قلب الأمير الشهابي ظهر المجن للشيخ جنبلاط وسعى بقتله، كما قتل أناساً من أهله وحاشيته وسمل عيونهم ليأمن شرّهم بزعمه، وذلك لأن ابن جنبلاط قويت شوكته وأثرى وكثر مشايعوه، فما كان من أمير الجبل إلا أن سعى بإهلاكه وألقى الفتنة بين الحزب اليزبكي والجنبلاطي ليخلو له الجوّ وسلم معظم لبنان لأناس من مشايخ الموارنة يحكمونه ويأتونه بالجزية والخراج ليدفع هو المقررعليه لوالي صيدا أو عكا، ويأمن جانب الدولة فتصفو الولايةله. وكان من سياسته أن يظاهر صاحب الظهور والقوة شأن الأمراء اللبنانيين في معظم أدوار تاريخهم.
وكثر الخلاف بين والي طرابلس ووالي دمشق ووالي صيدا ووالي عكا، والناس يقتلون بسبب هذا الاختلاف بينهم، وحاكم دمشق يحاصر حاكم عكا، والدولة ترضى عن هذا وتغضب على ذاك، وتسلب ولاية زيد لتعطيها لعمرو، تلاحظ في
ذلك التوازن بين القوات، وتتحاشى رجوع الذين يعصون أمرها من الولاة. وأعقل الولاة وأدهاهم من كانت تدوم ولايته سنتين وكانت الوظائف الحسابية في هذا الدور بيد الإسرائيليين والكتابية بيد المسيحيين، وكان الولاة يصادرون بعض الإسرائيليين ويحبسونهم وربما يقتلونهم لاستحصال المال فيحتال هؤلاء لتمشية أمورهم، وحدث أن معظم الحامية والموظفين في دمشق كانوا مرة من أهل بغداد والموصل وكركوك فغضب الوالي عليهم فأمر بترحيلهم فهلك بعضهم في الطرق.
كانت الشام تتخبّط بأيدي الولاة وأرباب الإقطاعات، والدولة غير مستريحة في داخليتها وخارجيتها، فاستقلت اليونان 1830 م بعد حرب هائلة فقدت فيها الدولة أسطولها وذهب قسم من الأسطول المصري، وكان الأسطول اليوناني ضرب بيروت 1241 1825، وتوسعت اختصاصات إمارتي الأفلاق والبغدان رومانيا حتى بلغتا الاستقلال أو كادتا، وفتحت روسيا لها طريق البحر الأسود، وما زالت حال الدولة على ذلك حتى نشأت ثورة الإنكشارية في الأستانة 1242 وكانت الدولة أخذت تنظم جنداً جديداً على الأصول الحديثة، فاستراحت بعض الشيء بعد إهلاك الإنكشارية، وكذلك حال الأمة المسكينة التي قاست الأهوال من اعتداءاتهم، وكان الفضل الأكبر في ذلك لمصلح الدولة السلطان محمود الثاني الذي أظهر من الثبات وقوة الإرادة في هذا الشأن ما لم يعرف به أجداده الذين قتلوا بأيدي الإنكشارية، واستناموا لما يأمرون به مخافة أن تزهق أرواحهم. وقضى أيضاً على أهل الطريقة البكداشية في الأستانة وما إليها مما ذكره له التاريخ بالإعجاب، وعاب بعضهم عليه شدته وأعجب بأعماله معاصروه من الأعاظم. فقد قال سفير روسيا في الأستانة بعد سنتين من قرض جيش الإنكشارية: إن السلطان محموداً بقضائه على هذا الجند المختل الذي تصعب إدارته قد ظفر بنور من النبوغ