الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقبل تنفيذ الأحكام بالجوقة الثانية كان قائد الجيش الرابع ينفي من الشام إلى صميم الأناضول أسراً برمتها، وفيهم بيوت من صلب رجالهم بالتهم السياسية وممن جلاهم أناس من الغوغاء والقتلة القدماء، واشترك في هذه النكبة المسلمون والمسيحيون وغيرهم على السواء، خصوصاً من كان لهم صلة بدولة من دول التحالف فرنسا وبريطانيا وروسيا، ثم طمع الاتحاديون أن يتوسعوا في تأديبهم، وأعدوا في الأناضول ألوفاً من الدور ليجلوا النابهين من سكان الشام إلى تلك الأرجاء، وكان الاتحاديون قرروا في مؤتمرهم أن يجلوا العرب إلى أرض الترك، ويستعيضوا عنهم في الشام بأناس من شذاذ الآفاق، وأن يعاملوا مهاجرة الشام كما عاملوا الأرمن يوم جلوهم عن أقاليمهم أي أن يقتلوهم على بكرة أبيهم في الطرق، ويغتالوهم بالطرق التي اغتالوا بها أعداءهم الأرمن. وشرع الترك يقبضون على جوقة ثالثة من وجوه الأهلين ومنوريهم ويعذبونهم بتهم سياسية وجهوها إليهم منها أن لهم ضلعاً في إنشاء حكومة عربية ومفاوضة شريف مكة بذلك.
خلع شريف مكة طاعة العثمانيين وتأثيره في
الأتراك:
كانت البقية الباقية من منوري الشام تخاف سوء المغبة من عمل الاتحاديين خصوصاً بعد أن مرنوا على إزهاق النفوس، ورفعوا حجاب الوهم الذي كان مسدولاً فرفعوه وعرفوا ما تحته يوم جسروا على قتل كبراء الأمة ولم ينتطح عنزان. وكادت النوبة تصيب أهل الطبقات الثالثة والرابعة يوم أعلن الشريف حسين بن علي أمير مكة المكرمة استقلاله بملك الحجاز 9 شعبان 1334هـ حزيران 1916م وثار العرب على الترك في مكة، وقتلوا الحامية التركية وأسروا أكثرها، وحوصرت المدينة بعربه، وذلك بتدبير الحلفاء وأموالهم، فشغل الترك بهذه المصيبة التي لم يكونوا يتوقعونها، وأخذوا يستميلون إليهم رجالات الشام ويستبدلون اللين بالشدة، وإذا كانوا على عزم إنفاذ حكم القتل برجال من القافلة الثالثة بعث ملك الحجاز الجديد بواسطة جمهورية أميركا المتحدة، وكانت على الحياد، بأن كل منفي عربي أو مسجون إذا أصيب
بأدنى إهانة فهو مستعد أن يعمل أضعافه مع الأتراك الذين في أسره، فكفّ الاتحاديون عن القتل، وأطلقوا سراح السجناء مرغمين، بعد أن عذبوهم أنواع العذاب، فعدّ ذلك من حسنات الملك حسين، ولقد آلم الاتحاديون قلوب السوريين بقتل طبقة مهمة من الشبان والكهول والشيوخ، ونفي النساء والأطفال إلى الولايات التركية، ومع هذا لم تقصر الشام في تقديم أبنائها للحرب جنداً، ولا أموالها وعروضها لمعاونة الجيش، ولا أرزاقها وحيواناتها وذخائرها لخدمته، فحنق على الدولة من كان يريد انتصارها، وتأصلت العداوة بين الترك والعرب، وما كانت العداوة في الحقيقة إلا بين دعاة الاتحاديين والمستنيرين من العرب، حتى لا يبقى بعد الحرب رجال يستطيعون أن يرفعوا أصواتهم بمطالبة الدولة بشيء من الإصلاح.
ومنذ نادى الملك حسين باستقلال الحجاز أخذ الضباط العرب وغيرهم من العراقيين والشاميين واليمانيين ممن وقعوا في أسر دول الحلفاء، أو كانوا في خدمة الجيش التركي على مقربة من الحجاز أو في الجهات البعيدة كالقفقاس ينضمون إلى جيش الحجاز العربي فألفوا جيشاً لا بأس به يرجع إلى نظام في الجملة، وهذا الجيش هو الذي قاتل الترك في الشام، وأوقع الشغب في الفيالق التركية، وفت في عضد الدولة العثمانية في بوادي الحجاز، وساعده ما كان ينهال من الأموال الإنكليزية التي استمال بها ملك الحجاز والقواد أولاده الأربعة العربان في الشام والحجاز، وتسرب قسم منها إلى كبار الضباط من أبناء العرب، وكان لجمعية العهد يد طولى في التحاق ضباط العرب بصاحب الحجاز وهذه الجمعية كانت مؤلفة من ضباط العرب في الدولة كما كان مثل ذلك لجمعية الفتاة العربية التي ألفت في باريز قبل الحرب بنحو خمس سنين من المفكرين من أبناء العرب وخصوصاً الشاميين، وضمت إليها بعض الأعيان والمفكرين وفي مقدمتهم أنجال شريف مكة وأبلغوا والدهم قرارهم وامتدت دعوتهم إلى جبل الدروز.
وقدر بعض الواقفين عدد من انضم من البدو إلى الجيش العربي في جميع الجهات بما يناهز المائة ألف والعسكر النظامي لا يتجاوز الخمسة آلاف. وقال بعضهم: إن البدو لم يتجاوزوا السبعين ألفاً يكثرون ويقلون بحسب الحاجة،
والنظامي وهم من أبناء العرب الذين أسروا من الجيش التركي أو فروا منه خمسة آلاف والنظامي لم يتجاوزوا هذا القدر.
وكان شاعر الثورة الشيخ فؤاد الخطيب يحفز أرواح هذه الأمة بشعره ومما قاله في الثورة:
يا آل جنكيز إن تثقل مظالمكم
…
على الشعوب فقد كانت لهم نعما
فالظلم أيقظ منهم كل ذي سنة
…
ما كان ينهض لولا أنه ظُلما
أرهقتم الشعب ضرباً في مفاصله
…
حتى استفاق وسلّ السيف منتقما
فالشنق عن حنق منكم وموجدة
…
قد أرهف العزمات الشم والهمما
هيهات يصفح عنكم أو يصافحكم
…
حرّ ولو عبد الطاغوت والصنما
يا ابن النبي وأنت اليوم وارثه
…
قد عاد متصلاً ما كان منفصما
والتف حولك أبطال غطارفة
…
شم الأنوف يرون الموت مغتنما
فاصدم بهم حدثان الدهر مخترقاً
…
سداً من الترك إن تعرض له انهدما
يا من الحّ علينا في ملامته
…
بعض الملام وجرّب مثلنا الألما
لو كان من يسمع الشكوى كصاحبها
…
مضنى لما ضج بالزعم الذي زعما
ايه بني العَرب الأحرار إن لكم
…
فجراً أطلّ على الأكوان مبتسما
يستقبل الناس من أنفاسه أرج
…
ما هبّ في الشرق حتى أنشر الرمما
تلك الحياة التي كانت محجبة
…
في الغيب لا سأما تخشى ولا سقما
سارت مع الدهر من بدو ومن حضر
…
حتى استتبت فكانت نهضة عمما
من ذلك البيت من تلك البطاح على
…
تلك الطريق مشت أجدادنا قدما
لستم بنيهم ولستم من سلالتهم
…
إن لم يكن سعيكم من سعيهم أمما
إلى الشام إلى أرض العراق إلى
…
أقصى الجزيرة سيروا واحملوا العلما