الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البحر المتوسط لتضرب أسطول محمد علي منذ أقلع من الموانئ المصرية إلى السواحل الشامية. قال المؤرخون: ولما كانت الجيوش المصرية تحاصر عبد الله باشا في عكا جاءه من نابلس ستمائة رجل واخترقوا صفوف العسكر المصري ودخلوا عكا لمساعدة وزيرها شاهرين سلاحهم ضاربين من عارضهم.
وبعد فترة قليلة تمكنت الدولة من تجنيد عشرين ألف مقاتل بقيادة عثمان باشا والي حلب، فترك إبراهيم باشا قسماً من الجيش على عكا، والتقى في ضواحي حمص مع القسم الآخر بالجيش العثماني الذي كان كأخلاط الزمر لا نظام له ولا دربة، وأبلى المصريون بلاء حسناً حتى أوصلوا العثمانيين إلى العاصي وغرق كثير منهم فيه، واختفى عثمان باشا في حماة، ثم احتل إبراهيم باشا بعلبك وعاد إلى عكا وشدد الحصار عليها ففتحها بمعاونة العرب والدروز والموارنة الذين أتوه بأنفسهم طوعاً بعد أن ظهر على الأتراك في أرض حمص، وأتاه بشير الشهابي إلى المعسكر يريد الدخول في طاعته. فتحت عكا بضرب المدافع ثلاث ثغرات من سورها واستمر القتال بالسلاح الأبيض فاستسلمت الحامية، وأخذ عبد الله باشا واليها أسيراً وحمل إلى مصر مكرماً، ثم فتح الأسطول المصري سواحل الشام كاللاذقية وطرابلس وبيروت وصيدا وصور. وبعد أن فتح إبراهيم باشا عكا قصد دمشق ومعه الأمير بشير وأمراء حاصبيا وراشيا فجمع علي باشا والي المدينة عسكراً من الأكراد وأحداث البلد قدّر بعشرة آلاف، وكشف إبراهيم باشا بمنظاره خيول الأكراد ومقاتلة الدماشقة فوجه خيل الهنادي لمقاتلة الأكراد، ونبه على العسكر النظامي أن يقاتلوا الدمشقيين ولا يؤذوهم، بل يطلقون البنادق في الفضاء، فلما سمع الدمشقيون أصوات النار تهاربوا وقاتل الأكراد جهدهم حتى غلبوا، وفي إثرهم خيل الهنادي تقتل من تلحقه منهم.
تقدير مؤرخين وشاعر لغلبة محمد علي:
يؤخذ مما قاله البيطار أن إبراهيم باشا قد ساعده الأمير بشير الشهابي ورؤساء جبل نابلس، لأن عبد الله باشا والي عكا كان حاصر قلعة صانور وهدمها
وحصل منه ضرر لأهل نابلس وكان ذلك من أسباب الغلاء الذي وقع في الديار الشامية، وأن إبراهيم باشا بينا كان جيشه على عكا يقاسي الأهوال ويتجدل منه الرجال إثر
الرجال جاء عباس باشا حفيد محمد علي باشا إلى البقاع وحصن بعض القلاع هناك ليقطع الطريق على العساكر العثمانية الآتية لقتالهم، وافترق أهل جبل لبنان وتلك النواحي فرقتين، فتابع النصارى منهم الأمير بشيراً المتفق مع إبراهيم باشا، وخالفهم الدروز وأظهروا الطاعة للسلطان، ثم قصد إبراهيم باشا إلى طرابلس وحمص ودخلهما بلا قتال.
قال: وتوجه إبراهيم باشا إلى بعلبك وجاءه المدد من العساكر والذخائر وعاونه أهل الجبل من المسيحيين والدروز، وكان قبل ذلك وقعت بين هاتين الطائفتين فتن فرجع إليهم إبراهيم باشا وكسر شوكتهم فأطاعوه، ثم دخل عسكر إبراهيم باشا عكا من الأبراج على السلالم. وذكر بعضهم أن من جملة من قتل من عسكر إبراهيم باشا اثنا عشر ألفاً ومن عساكر عكا نحو خمسة آلاف. قال: وفي ثالث المحرم 1248 أرسل إبراهيم باشا إلى دمشق يطلب منهم أن يمكنوه من الدخول إليها فلم يرسلوا إليه جواباً ثم طلب ثانياً فأرسلوا إليه إنا لا نمكنك من الدخول أصلاً، وفي رابع عشر المحرم وصل بعض جيوشه إلى قرب قرية داريا فخرج إلى لقائهم خلق كثير من أهل دمشق فقاتلوهم قتالاً يسيراً، ولم يقصد كل من الفريقين إضرارا الآخر، وقتل من كل فريق رجل أو رجلان، ثم دخل إبراهيم باشا دمشق وقد فر منها واليها علي باشا وعسكره والقاضي والمفتي والنقيب ومحمد شوربجي الداراني وجميع أبناء الترك الموظفين وغالب أعيان دمشق، ثم عزم على قتال حمص فحصل بينه وبين العسكر السلطاني قتال قتل منهم نحو خمسة آلاف وأُسر نحو أربعة آلاف وفر باقي العسكر والباشوات وكانوا نحو ثلاثين ألفاً وغنم أموالهم وعتادهم وسار بعد ذلك إلى حماة فحلب فملكهما، ثم جاء إنطاكية وعينتاب واللاذقية واستولى على حصن الإسكندرونة وعلى حصن بيلان وكان فيه حسين باشا فحدثت بينهما مقتلة عظيمة.
وفي البهجة التوفيقية أن الدولة جيشت جيشاً آخر بلغ عدده ستين ألف مقاتل بقيادة حسين باشا فالتقى الجيشان أمام حمص وانهزم الجيش التركي
وبلغ عدد القتلى من الترك 2000 والأسرى 3000 وتقهقر الجيش التركي إلى حلب، وحاول حسين باشا دخولها فمنعه أهلها خوفاً من انتقام إبراهيم باشا فتقهقر إلى بيلان فتقدم الجيش المصري ودخل حلب وتأثر الجيش التركي فهزمه وغنم منه خمسة وعشرين مدفعاً وكان غنم منه أولاً اثني عشر مدفعاً ثم غنم أربعة عشر مدفعاً آخر وقتل من العثمانيين أربعة آلاف ومن المصريين خمسمائة وخمسون، ووقع في يد إبراهيم باشا ألفان من العساكر النظامية أسرى من الأرناؤد والهوارة فأعطاهم الأمان وأدخلهم في جملة جنده، واختفى حسين باشا ولم يعرف له أثر، واجتاز إبراهيم باشا جبال طوروس وكان السلطان في هذه المدة جيش ستين ألف مقاتل آخر وفي رواية أُخرى مائة وخمسين ألف عسكري بالمدافع والمهمات ولم يكن مع إبراهيم باشا سوى ثلاثين ألفاً فالتقى الجيشان في سهول قونية ووقع القائد رشيد باشا أسيراً في أيدي المصريين وانهزم الأتراك وغنم المصريون منهم في هذه الوقعة نيفاً ومائة مدفع وكثيراً من الذخائر وأسروا عشرة آلاف عسكري بينهم كثير من الضباط والقواد وقتل منهم ثلاثون ألفاً.
ويقول مشاقة: إن جيش حسين باشا لم يكن سوى أربعين ألفاً من الترك، على حين لم يكن مع إبراهيم باشا سوى اثني عشر ألفاً وكان أبقى من عسكره جانباً للمحافظة في الأقاليم المفتتحة وهلك الآخر في الحرب أو الوباء فغَلب، وهذا أقرب إلى المعقول. وقد استغرب كامل باشا لِمَ لم تستطع الدولة أن تجيش في الحال نحو عشرين إلى ثلاثين ألف جندي من حلب ودمشق وترسل أسطولاً إلى عكا يصد عنها أُسطول محمد علي أو يقيم العثرات في سبيله، كما أنه استغرب كيف أن العثمانيين لم يحفظوا خط رجعتهم ولم يقفوا موقفاً يردون به عادية أعدائهم،
وانهزموا تحت نيرانهم إلى الإسكندرونة تاركين خمسة وعشرين مدفعاً وألقي أسير على حين لم يفقد من المصريين سوى عشرين جندياً. وقد وصف الشيخ أمين الجندي فعال الأتراك وهنأ عزيز مصر وولده إبراهيم وحفيده عباساً بفتح الشام فقال من قصيدة:
والله غيَّر ما بهم من نعمة
…
لما تغير حالهم وتبدلا
وقد استباحوا المنكرات فلا تسل
…
عما توقع منهم وتحصلا
وقضاتهم للسحت قد أكلوا فهل
…
أبصرت حياً من مضرتهم خلا
نبذوا الشريعة من وراء ظهورهم
…
وطغوا وزادوا في الضلال توغلا
وتمسكوا بالبدعة السوداء لا
…
بالسنة الغراء فارتدوا على
ومشايخ الإسلام أصبح علمهم
…
جهلاً فلم تر قط منهم أجهلا
وقال في وصف وقائع المصريين من الأتراك:
فترى الكماة مبددين على الثرى
…
والخيل من وقع القنابر جُفَّلا
أضحت طعاماً للطيور لحومهم
…
ودماؤهم للمشرفية منهلا
واختل عقد نظامهم رعباً وقد
…
غطوا الرؤوس ولم يغطوا الأسفلا
وقال:
وأتى بهم للرستن المشهور إذ
…
بين المقابر قد تستر واختلا
حيث الجهاديون حل وزيرهم
…
في باب حمص وقد أبى أن يدخلا
قامت بخدمته وطاعة أمره
…
حمص إذ امتثلت ولم تبد القلا
لما رأى السيف الإله أحدَّ من
…
كل السيوف مدى الزمان وأطولا
ألقى السلاح تأدباً وتواضعاً
…
عند المزار وللضريح استقبلا
حتى إذا نفدت ذخائره وما
…
ألفى بحمص للعساكر مأكلا
أمضى إلى أرض القصير ركابه
…
يبغي العساكر أن تقوم وترحلا
وهناك حاربهم وفرّق جمعهم
…
في صولة والبر بالقتلى امتلا
وقال:
هل يغلب الأسد المجرب ثعلب
…
مهما استعان بمكره وتحيلا
وإلى حماة الشام سار وبعدها
…
لمعرة النعمان يخترق الفلا
حتى إذا اقتحم المضيق ببأسه
…
وعلى الجبال سما وأشرف واعتلى
تركوا الذخائر والخيام وكلها
…
يخشون منه لدى الفرار تثقلا
من يخبر الأتراك أن جيوشهم
…
كسرت وأن حسينهم ولّى إلى
والعز بالعرب استنار مناره
…
ببزوغ شمس مراحم لن تأفلا