الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حازم بك على عدة أعضاء من الإصلاحيين فأغلقت المدينة حوانيتها أياماً فأخرجهم من السجن، وبعث الاتحاديون أناساً من قبلهم إلى باريز وغيرها، واسترضوا أعضاء الوفد وأطعموا بعضهم بالوظائف الكبرى، ووعدوهم أن تجري لهم الحكومة
الاتحادية من مطالب الإصلاح ما يمكنها القيام به، مثل تسليم الأعمال الإدارية إلى السلطات الوطنية طبقاً للقانون الخاص بإدارة الولايات، وأن يكون التعليم الثانوي والابتدائي في المدارس الوطنية بالعربية، وتستعمل اللغة العربية في بعض أعمال قانونية معينة، وأن تضاف الصيغة العربية على إعلانات الجلب إلى المحاكم كما تضاف إلى الأحكام المدنية والجنائية، وتكون العرائض المقدمة للسلطات الرسمية باللغة العربية، وأن يعين بعض العرب في مجلس الأعيان ومجلس شورى الدولة ومحكمة التمييز ومشيخة الإسلام ودار الفتوى.
وطبق الاتحاديون بعض هذه المواد فرأينا في بعض مراكز الألوية والولايات في الشام مدارس تجهيزية تدرس العلوم بالعربية، وإلى جانبها المدارس القديمة التركية في كل مظاهرها، ووضعت الصيغ العربية إلى جانب الصيغ التركية في أوراق الجلب إلى المحاكم، وأخذت الحكومة تقبل الشكاوي بالعربية من الأهلين، وعين بعض رجال الشام في وظائف كبرى في العاصمة، وكان نائب دمشق في مجلس النواب شكري العسلي أول من رفع صوته بهذا الطلب، طلب إعطاء العرب حقهم من الوظائف وقال: إن أربعة فقط من أبناء العرب موظفون في الإدارة المركزية في جملة بضع مئات من الأتراك، فنبه أفكار من لم يكن متنبهاً من أبناء العرب إلى غمط حقوقهم، وحنف بعض أقحاح الترك عليه وعلى من عاونه على بث هذه الفكرة وعدوها خروجاً على الجماعة.
الصهيونية ومنشؤها:
وكان شكري العسلي أيضاً أول من نبه أفكار مجلس النواب إلى الخطر الصهيوني في فلسطين وكان الاتحاديون وفيهم الإسرائيليون أو الصابئون من اليهودية الدونمة أمثال جاويد بك ناظر المالية ينوون أن يبيعوا نحو ثلاثة ملايين دونم من الأراضي في فلسطين وسورية من جمعيات الاستعمار الصهيوني
فبطل المشروع
لما ظهرت مضرته إلى عالم الوجود وقامت حول المشروع ضجة في الصحف فلم يسع الاتحاديين إلا أن يطووا دفتره. ولكن بالقتل أعضاء الديوان فيما قيل إن لم يحكموا على المتهمين السياسيين فوافق بعضهم على القتل اضطراراً لا اختياراً.
وقد ذكر الأمير شكيب أرسلان أن خطأ جمال باشا في رأيه وجنايته الكبرى على العرب والترك في فعله هما من الوجوه الآتية:
أولاً: إن فريقاً آخر من الذين قتلهم أبرياء من خيانة الدولة ولم يكن لهم
ذنب سوى وجودهم في الحزب المعارض لجمعية الاتحاد والترقي، والقانون العثماني لا يعرف الاتحاد والترقي بل السلطنة العثمانية.
ثانيا: إن فريقاً آخر منهم لم يوجد عليهم وثائق خطية ولا قرائن قطعية تذهب في جزائهم إلى درجة القتل، وقد برر جمال هذا العمل فيما بلغنا من نفس رئيس الديوان العرفي بأنه من باب القتل السياسي مع أنه كان الأولى بهؤلاء أن يتركوا إلى حكم القانون فيحكم عليهم بحبس أو نفي على حسب درجة جرمه.
ثالثاً: على فرض غير الواقع، وهو أن هؤلاء مجرمون أعداء للدولة، فلم يكن من باب السياسة ولا حسن الرأي، فتح هذه المسألة أثناء الحرب ومجازاة أناس قد عفي عنهم ونكء القروح التي كانت قد سكنت نوعاً، وإثارة عواطف العرب وحفائظهم وإظهار كون الترك يريدون الانتقام في هذه الفرصة التي سنحت لهم للبطش وتعزيز النزعة الأجنبية بهذه السياسة.
رابعاً: إن الألوف الذين نفاهم إلى الأناضول مع عيالهم وخرب بيوتهم، وأمات كثيرين منهم في الغربة لم يكن منهم مائة شخص يدرون ما هي السياسة، فضلاً أن يكونوا خائنين للدولة فكان تغريبهم عن أوطانهم مجرد عذاب وقهر، بدون أدنى فائدة، سوى النفور مع تكليف الدولة عليهم 150 ألف ليرة شهرياً فكان خطأ جمال أنه سلح أعداء السلطنة العثمانية، وأنصار الشقاق بين العرب والترك، ورواد
السياسة الأجنبية الكثيرين في الشرق، بسلاح من البراهين لم يكونوا يملكونه فيما لو كان الأتراك انصرفوا من بلاد العرب بدون أعمال جمال. اه.
وبعد فقد عمل جمال باشا ما عمل بقرار من جمعيته، وكان من ورائه أنور باشا يحثه على إهلاك هؤلاء الذين صلبوهم. وقد جاء هذا مرة إلى عاليه من لبنان فقال على صورة الاستنكار: أما قتلتم بعد هؤلاء الخونة؟. وكان أنور باشا نمراً مفترساً في صورة حمل وديع، والدم في نظره ونظر رفاقه طلعت ومدحت وناظم وشركائهم أحلى في المذاق من طيب الشراب خصوصاً إذا كان صاحبه غير تركي، ومساويه ومساوي أصحابه أكثر من أن تحصى، تجردوا من كل عاطفة ومن كل دين، وعاطفتهم دهان وتظاهرهم بالدين رياء.