الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلا مسمى، ما يريده لا يكون إذا لم يرده المابين، وما يريده المابين ينفذ في الحال بدون مناقشة ولا حوار.
إعادة الدستور وحال الدولة بعده:
أعيد الدستور إلى العمل بدون إهراق دماء، لأن جواسيس السلطان عبد الحميد هوّلوا له في قوة النزاع إلى الثورة من فيالق جيشه، وكانوا قتلوا بعض رجاله في سلانيك ممن أرسلهم للبحث عن قضية الثورة، كما بالغوا في تقدير قوة الأحرار وسريان أفكارهم في الولايات، فلم يسعه وهو محكوم لأوهامه وظنونه إلا أن يرد ما اغتصبه من حقوق الأمة العثمانية، ونجحت سياسة الأحرار وفشلت سياسة أعوانه الذين كانوا يتملقونه ويقولون له: إن أوربا إذا اتفقت على الدولة لا تستطيع أن تفلت من يديها، وما زال دولها متخالفات فلا يخشى على السلطنة العثمانية، أما الرعية فهي من ضعف الجانب بحيث تستطيع الدولة أبداً أن تقضي على كل ثورة تحدث في أرجاء ولاياتها، ثم إن الرعايا همج يسبحون بحمد آل عثمان في كل أوان، ولا تدرك عقولهم معنى الحرية، والحرية لا يتطلبها إلا بعض الشبان ومن لفّ لفهم من المحرومين والناقمين الذين فسدت نياتهم بما لقنوه من تعاليم أوربا المضرة.
وأخذ الناس في الشام يقدسون جمعية الاتحاد والترقي التي كانت سبب هذا الانقلاب الذي أنعش الأمة بعض الشيء وكثرت الآمال والأماني في إصلاح الحال، وطردت الشام ولاتها وعمالها الذين عرفوا بالجاسوسية لعبد الحميد والنيل من رعيته، وكفّ أهل النفوذ في القاصية عن الضغط على الفلاحين، إذ عرف هؤلاء من يلهم على رفع شكاويهم للمراجع، وأهين بعض من اشتهر عنهم أنهم من أنصار عبد الحميد الغارقين في رواتبه ومراتبه حتى اضطروا أن يندمجوا في الأحرار ويقدسوا شبانهم، ولطالما امتهنوهم وسعوا بهم إلى الحكام في عهد
الحكومة المطلقة، وبدئ بانتخاب أعضاء مجلس النواب، فحاولت جمعية الاتحاد والترقي أن يكون نواب الشام ممن تركن إليهم، أو ممن عرفوا بميلهم إلى الحرية وبعدهم عن السياسة الحميدية، ولكنها سعت لتقليل عددهم
في الشام سعيها لذلك في سائر الولايات العربية، لئلا تتألف منهم أكثرية في المجلس، إذا انضموا إلى بعض العناصر الأخرى فيصبح الأتراك أقلية، لأن الاتحاديين لا يريدون إلا دستوراً ينتعش به الأتراك، وينال الخير بالعرض سائر العناصر على صورة لا تضر بكيان الترك، ويسعون إلى تتريك العناصر لتؤلف جمعية الاتحاد أمة واحدة متجانسة بلغتها إذ لم يمكن تجانسها بدينها، ويقوم أحرار العثمانيين من الأتراك في القرن العشرين بما عجز عن عمله محمد الفاتح وسليم ياوز من الفاتحين.
وبينا أحرار الأتراك دعاة القومية التركية الشديدة يفكرون في وضع خطط الإصلاح، ويحيون كل ما هو تركي، ويحاذرون كل ما هو عربي، والناس في فرح وجذل لأنهم أخذوا على الأقل يقولون ما يريدون ويستمتعون بحرياتهم، أعلنت اليونان ضمها لجزيرة كريت كما أعلنت النمسا إلحاق ولايتي البوسنة والهرسك، ورفض أمير بلغاريا السيادة العثمانية وأعلن استقلاله، وعاد مجلس النواب إلى عمله 1326هـ ولم يمض إلا أشهر قليلة حتى ندم السلطان عبد الحميد على ما وهب طوعاً أو كرهاً من تنفيس خناق العثمانيين، وأحب أن يقوم بعمل ارتجاعي يعيد به الناس إلى الضغط والفناء فيه وفي أعوانه، فيعملوا أحراراً من دون ممانع أو مناقش، فنهض جماعته من جواسيس وعمال ومن طردوا من الضباط من الجيش لقلة اقتدارهم وغيرهم من العوام الذين تخدعهم ألفاظ الشرع ويتبعون كل ناعق، وألفوا حزباً باسم الدين سموه الحزب المحمدي وأنصار هذا الحزب كثيرون لأنه اسم تحبه أكثرية الأمة، فدخل الناس فيه أفواجاً عن سلامة نية، حتى قيل إن من وقعوا على محضر الرضى بالدخول في سلكه بلغوا سبعين
ألفاً في دمشق وحدها، واختار السلطان لبث دعوته الولايات التي لم تتأثر أعصابها كثيراً بدعوة الأحرار وثورة الجند كالشام مثلاً، وأخذوا يهيجون العامة باسم الدين ويرتبطون بالسلطان بأيدي أناس كان للمال الذي بذله تأثير عظيم في نفوسهم ونفوس الغوغاء.
فعصا السواد الأعظم من جنود الأستانة بما بذله السلطان لهم من الذهب الوهاج، ولم ير أعوانه الذين هيجوا الأجناد واسطة لإضاعة رويتهم أحسن من إسكارهم، فأسكروهم ليلة الفتنة، وفرقوا عليهم الذهب الكثير ليقوموا