الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شعري ما يرجى من عناية دولة بأُمتها وهي تعطي الوزير ثلاثة أطواخ والأطواخ أذناب خيل فالذنب معلق من أسفله في رأس عصاً وطولها نحو ثلاثة أذرع وشعره مسدول عليها، فإذا سافر الوزير يرسل الطوخ الواحد قبل سفره بيوم إلى محل نزوله فيستعدون لاستقباله وتهيئة ما يلزمه من المآكل والعلف للدواب بلا ثمن. وأما الطوخان الباقيان فيحملان أمام الوزير في السفر. ومعنى الأطواخ أن الدولة تحكم البلاد بأذناب خيلها قاله مشاقة ونحن نقول: إن الدولة التي يبلغ من غرورها هذا المبلغ لا تنجح في الحكم بحال.
قال جودت في حوادث سنة ألف ومائتين: إن وظيفة جابي المال في حلب كانت منذ أربعين سنة مطمح أنظار الموظفين في الدولة لأنها تأتيهم بثروات إذا جاءوا بها إلى الأستانة ينالون بواسطتها رتبة الوزارة ورتبة ميرميران، وممن كان منه ذلك أحمد باشا فإنه أخذ العلم والطوخ واشتهر شهرة عظيمة، وما برحت هذه الوظيفة تباع وتشترى بالمزاد، وكثيراً ما كانت الدولة ترسل بمفتشين يشاركون المرتكبين من هؤلاء الجباة، وكثيرون ممن يتولون هذه الوظائف يرحلون بالأموال ينفقونها في شهواتهم حتى يهلكوا فقراً وقهراً، ولذلك كانت أموال الدولة تبدد ويسرف فيها.
حوادث الجزار وفتن الإنكشارية وغيرها:
بدأ القرن وأعظم وزير مسموع الكلمة في الأستانة قوي الشكيمة في ظلم الرعايا
بالشام، أحمد باشا الجزار، تولى دمشق بعد ولاية عكا، وذهب أميراً مع الحج فرفع الدمشقيون الشكاوى عليه إلى دار الملك فعزل وذهب إلى الأستانة فعينته الدولة وزيراً على صيدا، وأقام في عكا وحصنها وضبط أملاك بيت شهاب في بيروت ورفع أيديهم عن حكمها، وأنشأ للثغر أرتجة وسوراً فسُر المسلمون بذلك، ونُصب على دمشق إبراهيم دالاتي باشا سنة إحدى ومائتين وألف وكان جسوراً مهيباً فحدث بينه وبين الأهالي اختلاف وتعصبوا عليه وحدثت فتنة، فأغلق أحمد آغا الزعفرنجي شيخ الإنكشارية القلعة وقتل من عسكر الوالي ثلاثمائة رجل وأراد لأن يضرب الوزير، فخرج
هذا إلى حمص وحماة وجمع عسكراً كثيراً، وأوعزت الدولة إلى الجزار وإلى الأمير يوسف الشهابي أن يعاوناه بعسكرهما ففعلا، وعاد الوالي إلى دمشق فارتاع أهلها وأرسلوا النساء إلى الجامع الأموي فكلمه أعيان المدينة فاشترط عليهم أن يلتزم الرحمة إذا خرج الزعفرنجي من القلعة وتسلمها رجاله، ودخل البلد وقتل بعض الأردياء قيل: إنهم مائة وخمسون رجلاً من جماعة القلعة، وكان جاء الوالي في عسكره إلى باب الله واجتمع العسكران ووقع قتال فهلك فيه من الفريقين خلق. وملك الوالي الميدان، واستمر ذلك مدة والعسكر محيطة بالقلعة حتى سُلمت. وأقام هذا الوالي أربع سنين في دمشق، وذهب أمير القلعة إلى أمير عرب الموالي فارّاً منه فأوعز إلى متسلم حماة أن يقتص من عربه لفسادهم في تلك الأرجاء، فساق عليهم من حلب وحماة جيشاً قتل منهم نحو ألف إنسان وانهزم الباقون. وكان عرب الموالي ثاروا هذه السنة في ضواحي حمص وحماة فنهبوا القرى وفتكوا بأغوات الدنادشة حكام المدينتين منهم وقتلوا كلاً من شيخ الكلبيين وشيخ النصيرية وعاثوا في تلك الجهات وفتكوا بأعيانها. وفي سنة 1201 دخل عثمان باشا إلى إنطاكية ونزل عسكره على الحريم وفعل فيها أفعالاً قبيحة، وأتى إدلب وصادرها وخرب جميع القرى التي مر
عليها، وخرب الراموسة، واشتبك القتال بينه وبين أهل الشيخ سعيد عدة أيام فقتل من عسكره بالطاعون والسلاح عدد كبير، ونهب قرى في تلك الأرجاء، هذا والطاعون في حلب وأرجائها يفتك فتكاً ذريعاً. وخربت القرى وهلك الفقراء في فتنة الأمير جهجاه الحرفوش 1202 وكان قوي على إبراهيم باشا والي دمشق، وسرت شرارة فتنة الزعفرنجي إلى أهل دمشق حتى طلب الوالي عسكراً من جبلي نابلس والشوف ودقت طبول الوالي 1203 من دومة وفرق العساكر ثلاث فرق فدخل عمر آغا من الزفتية، وابنه على صفّ الجوز، والوزير على السلطاني، وأحرقوا القبيبات وحارة التركمان، وجرت الدماء من الصباح إلى العصر حتى أطاع أهل دمشق السلطان عبد الحميد الأول، وخرب الوالي القلعة وأهلك متوليها بمدافعه شرذمة قليلة من عسكر الوزير، وبقيت الحرب بين الفريقين ستة أيام بلياليها.
وفي أيام إبراهيم باشا الكردي 1203 انتشبت الحرب في وادي أبي