الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يخفى أن هذا الحديث يفتح باب الشرك على مصراعيه لأنه يجعل ميزان الاعتقاد هو النفع بل الاعتقاد نفسه، فكل من اعتقد في شيء وظنه نافعًا حتى لو كان حجرًا جعله الله كذلك، وكل مَن أتاه نفعٌ مِن عقيدةٍ ما كان هذا اعتقادًا صحيحًا.
وهكذا أصبحت هذه الأحاديث الباطلة التي لا أصل لها سندًا ومُتكَّئًا لشرك الألوهية الذي جاءت الرسل للتحذير منه.
ثانيا: في حقيقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
-:
وأما بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن الوضاعين والكذابين قد ألفوا من الأحاديث ما حرف العقيدة الخالصة في الرسول فقد زعموا أنه أول خلق الله ظهورًا في الوجود وأنه مخلوق من نور الله وأنه ما خلق سماء ولا أرضًا ولا جنة ولا نارًا إلا من أجله صلى الله عليه وآله وسلم.
وجعلوه داعيًا للناس إلى دعائه والتوسل به إلى الله، وأن من حج ولم يزر قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد جفاه، بل جعلوه هو الله المستوي فوق العرش وأنه الذي أنزل القرآن!!
وقِسم آخر من الوضاعين افتروا عليه أحاديث في الطعم والشراب والجماع والطب أرادوا بذلك عيب النبي وشينه وتحقير أمره وبالتالي إسقاط رسالته ووحيه.
وإليك بعضًا مما فعل هؤلاء وهؤلاء:
والحديث المنسوب إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأنبياء، قال: «يا جابر أن الله تعالى خلق قبل الأنبياء نور نبيك من نوره، فجعل هذا النور يدور بالقدرة حيث يشاء الله تعالى، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار، ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر.
فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الجزء الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الجزء الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول السموات، ومن الجزء الثاني الأراضين، ومن الجزء الثالث الجنة والنار.
وقسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم - وهي المعرفة بالله - ومن الثالث نور أنْسِهم وهو التوحيد: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ثم نظر إليه فترشح النور عرقًا فتقطرت منه مائتا ألف قطرة وعشرين ألفًا وأربعة آلاف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول.
ثم تنفست روح أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم أرواح الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة، فالعرش من نوري والعقل والعلم والتوفيق من نوري، والكروبيون من نوري والعقل والعلم والتوفيق من نوري، وأرواح الأنبياء والرسل من نوري، والسعداء والصالحون من نائح نوري.
ثم خلق الله آدم من الأرض وركب فيه النور وهو الجزء الرابع، ثم انتقل منه شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أنْ وصل إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب، ومنه إلى وجه أمي آمنة ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين، وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين».
وهذا الحديث هو عمدة الصوفية فيما زعموه واعتقدوه ونشروه أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو قبة الكون، وهو أول الوجود، وأنه جزء من نور الله، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا، وأن كل المخلوقات خلقت بأجزاء منه.
وحديث جابر المكذوب هذا هو الذي جاء متأخرو المتصوفة وبنَوا عليه أنّ القرآن أنزله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مِن فوق سبع سماوات وأن محمدًا هو الذي أعطاه جبريل في السماء واستلمه في الأرض!!
يقول محمد عثمان عبده البرهاني في كتابه (تبرئة الذمة في نصح الأمة): «ولما رأى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم استغراب سيدنا جبريل عليه السلام مما قاله لجابر: «أن أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر» ، سأل الرسول جبريل قائلًا:«يا جبريل كم عَمّرت من السنين؟» ، فقال جبريل:«يا رسول الله لسْتُ أعلمُ غير أنه في الحجاب الرابع نجمٌ يطلع في كل سبعين ألف سنة مرة ورأيته سبعين ألف مرة (1)، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «وعزة ربي أنا ذلك الكوكب» .
ثم سأل الرسول جبريل عن المكان الذي يأتي منه الوحي؟ فقال: «حينما أكون في أقطار السموات والأرض أسمع صلصلة جرس فأسْرِعُ إلى البيت المعمور فأتلقى الوحي فأحمله إلى الرسول أو النبي فقال الرسول له: «اذهب إلى البيت المعمور الآن واتْلُ نسبي» ، فذهب جبريل مسرعًا إلى البيت المعمور وتلا نسب النبي قائلا: «محمد بن عبد الله بن عبد المطلب
…
»، فانفتح البيت المعمور ولم يسبق أنْ فُتِحَ مِن قبل ذلك فرأى جبريل النبي بداخله!! فتعجب فعاد مسرعًا إلى الأرض فوجد الرسول في مكانه كما تركه مع جابر فعاد بسرعة خارقة إلى البيت المعمور فوجده صلى الله عليه وآله وسلم هنالك، ثم عاد مسرعًا إلى الأرض فوجده مازال جالسًا مع جابر فسأل جبريل عليه السلام جابرًا قائلًا:«هل ترك رسول الله مجلسه هذا؟» ، فقال جابر:«كلا يا أخا العرب؛ فإننا لم ننته بعدُ من الحديث الذي تركْتَنا فيه» ، فقال جبريل للنبي:«إذا كان الأمر منك وإليك فلماذا تَعَبِي؟» فرد عليه صلى الله عليه وآله وسلم قائلًا: «للتشريع يا أخي جبريل» ، وتلا قوله تعالى:{وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه: 114).
(1) وكأن جبريل عليه السلام لا يستطيع أن يحسب عمره بضَرْب عدد مرات رؤيته للنجم في عدد السنين التي يظهر فيها النجم كل مرة: (سبعين ألف مرة × سبعين ألف سنة).