الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
93 - المولد النبوي هل نحتفل
؟
لم تأت بدعة إلا وهُجِرَتْ أو أمِيتَتْ سُنَّةٌ:
اعلم أخي المسلم أنه لم تأت بدعة محدثة من البدع إلا وهُجِرَتْ أو أمِيتَتْ سُنَّةٌ من السُنن، وقد قال التابعي الجليل حسان بن عطية المحاربي رحمه الله:«ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سُنَّتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة» (رواه الدرامي، وقال الألباني: إسناده صحيح).
وقد استفاض العلم بأنه لا يجوز إحداث عيد يحتفل به المسلمون غير عيدي الأضحى والفطر، لأن الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك، قال تعالى:{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)} (الحج:67).
ولا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة - رضوان الله على الجميع - ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حُبًّا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومتابعةً لشرعه ممن بعدهم، وقد قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7) وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:3).
وإحداث مثل هذه الموالد يُفهَم منه أن الله سبحانه وتعالى لم يُكْمِل الدين لهذه الأمة ، وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به ، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به ، زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله ، وهذا بلا شك فيه خطر
عظيم، واعتراض على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، والله سبحانه وتعالى قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة.
والرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد بلغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقًا يوصل إلى الجنة، ويباعد من النار إلا بَيَّنَهُ للأمة ، كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ قَبْلِى إِلَاّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ» (رواه مسلم في صحيحه).
ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم ، وأكملهم بلاغًا ونُصحًا ، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه وتعالى لَبَيَّنَهُ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للأمة ، أو فَعَله في حياته ، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم ، فلما لم يقع شيء من ذلك عُلِمَ أنه ليس من الإسلام في شيء ، بل هو من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منها أمته.
ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار ، فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين ، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية.
ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد - مع كونها بدعة - لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى كاختلاط النساء بالرجال ، واستعمال الأغاني والمعازف ، وشرب المسكرات والمخدرات ، وغير ذلك من الشرور ، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك ، وهو الشرك الأكبر ، وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو غيره من الأولياء ودعائه والاستغاثة به ، وطلبه المدد ، واعتقاد أنه يعلم الغيب ، ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس، حين احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره ممن يسمونهم بالأولياء.
ومن العجائب والغرائب أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة ، ويدافع عنها ، ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجُمَع والجماعات ، ولا يرفع بذلك رأسًا ، ولا يرى أنه أتى منكرًا عظيمًا ، ولا شك أن ذلك
من ضعف الإيمان وقلة البصيرة ، وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي ، نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين.
ومن ذلك: أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحضر المولد ، ولهذا يقومون له محيّين ومرحبين ، وهذا من أعظم الباطل ، وأقبح الجهل ، فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يخرج من قبره، قبل يوم القيامة ، ولا يتصل بأحد من الناس ، ولا يحضر اجتماعهم ، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة ، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة.
قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)} (المؤمنون: 15 - 16).وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» (رواه مسلم) ، فهذه الآية الكريمة ، والحديث الشريف ، وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث ، كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره من الأموات ، إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة ، وهذا أمر مُجْمَعٌ عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم ، فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور، والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
كل بدعة ضلالة:
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «
…
إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» (1).
(1) رواه أبو داود، وصححه الألباني، وروى مسلم لفظة:«وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» .
«وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» : كناية عن شدة التمسك بها، و «النواجذ»: الأضراس.
الأصل في العبادات المنع:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «الأصل الذي بنى الإمام أحمد وغيره من الأئمة عليه مذاهبهم أن أعمال الخلق تنقسم إلى عبادات يتخذونها دينًا ينتفعون بها في الآخرة أو في الدنيا والآخرة، وإلى عادات ينتفعون بها في معايشهم.
فالأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله.
والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله» (1).
وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} (الأحقاف: 11)، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «أي قالوا عن المؤمنين بالقرآن لو كان القرآن خيرًا ما سبقنا هؤلاء إليه، يعنون بلالًا وعمارًا وصهيبًا وخبابًا رضي الله عنهم وأشباهم من المستضعفين والعبيد والإماء
…
وأما أهل السنة والجماعة فيقولون في كل فِعْلٍ وقوْل لم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم هو بدعة، لأنه لو كان خيرًا لسبقونا إليه؛ لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها» (2).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفِيتُم» (3).
وقال حذيفة رضي الله عنه: «كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا تتعبدوا بها؛ فإن الأول لم يدع للآخر مقالًا» (4).
(1) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2582)
(2)
تفسير القرآن العظيم (عند تفسير الآية 11 من سورة الأحقاف).
(3)
رواه الإمام الدارمي (175).
(4)
الأمر بالاتباع للسيوطي (ص62).
يستدل كثير من الناس بالنصوص العامة لتسويغ بدعهم، والتدليل على واقعهم! وهذا خطأ كبير:
ونرد عليهم بالموقف التالي وهو ما رواه نَافِعٌ أَنَّ رَجُلًا عطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ» . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «وَأَنَا أَقُولُ الْحَمْدُ لِلهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ الْحَمْدُ لِلهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» (رواه الإمام الترمذي، وحسنه الشيخ الألباني).
فقد أنكر ابن عمر رضي الله عنهما على هذا الرجل مع أن عموم قولِ الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} (الأحزاب: 56) تدخل فيه تلك الصلاة، ولكن ما هكذا فهمها الصحابة فمَن بعدهم وما هكذا طبقها السلف الصالح رضي الله عنهم، وفهمُهم أوْلى، ومرتبتهم أعلى.
هل في الدين بدعة حسنة؟
من قسم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة فهو مخطىء ومخالف لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة» (رواه مسلم).؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حكم على البدع كلها بأنها ضلالة، وهذا يقول ليس كل بدعة ضلالة، بل هناك بدعة حسنة.
وقال الإمام مالك رحمه الله: «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة:3)، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا» .
يلزم من القول بالبدع الحسنة لوازم سيئة جدًا:
أحدها: أن تكون هذه البدع المستحبة - حسب زعمهم - من الدين الذي أكمله الله لعباده ورضيه لهم.
وهذا معلوم البطلان بالضرورة؛ لأن الله تعالى لم يأمر عباده بتلك البدع، ولم يأمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يفعلها ولا فعلها أحد من الخلفاء الراشدين ولا غيرهم
من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وتابعيهم بإحسان، وعلى هذا فمن زعم أنه توجد بدع حسنة في الدين فقد قال على الله سبحانه وتعالى وعلى كتابه وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بغير علم.
الثاني: أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم قد تركوا العمل بسنن حسنة مباركة محمودة، وهذا مما يُنَزَّه عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم.
الثالث: أن يكون القائمون بالبدع الحسنة المزعومة قد حصل لهم العمل بسنة حسنة مباركة محمودة لم تحصل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا لأصحابه رضي الله عنهم.
قواعد عامة لمعرفة البدعة:
1 -
كل عبادة ليس لها مستندٌ إلَاّ حديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهي بدعة مثل صلاة الرغائب.
2 -
إذا ترك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فعل عبادة من العبادات مع كون موجبها وسببها المقتضي لها قائمًا ثابتًا، والمانع منتفيًا؛ فإنّ فِعْلَها بدعة، مثل التلفظ بالنية عند الدخول في الصلاة، والأذان لغير الصلوات الخمس، والصلاة عقب السعي بين الصفا والمروة.
3 -
كل تقرب إلى الله بفعل شيء من العادات أو المعاملات من وجه لم يعتبره الشارع فهو بدعة، مثل اتخاذ لبس الصوف عبادة وطريقة إلى الله، والتقرب إلى الله بالصمت الدائم، أو بالامتناع عن الخبز واللحم وشرب الماء البارد، أو بالقيام في الشمس وترك الاستظلال.
4 -
كل تقرب إلى الله بفعل ما نَهى عنه سبحانه وتعالى فهو بدعة، مثل التقرب إلى الله تعالى بالغناء.
5 -
قال الشيخ ابن عثيمين: الاتباع لا يتحقق إلا إذا كان العمل موافقًا للشرع في ستة أمور، هي:
1 -
السبب: فإذا تعبد الإنسان لله - تعالى - بعبادة مقرونة بسبب ليس شرعيًا فهي بدعة مردودة على صاحبها، مثل إحياء ليلة السابع والعشرين من رجب بالتهجد
يدّعون أنها ليلة الإسراء والمعراج، فالتهجد في أصله عبادة، لكن لما قرن بهذا السبب كان بدعة، لكونه بُنِيَ على سبب لم يثبت شرعًا.
2 -
الجنس: فإذا تعبد الإنسان لله - تعالى - بعبادة لم يُشرع جنسها فهي غير مقبولة، كالتضحية بفرس، لأن الأضاحي لا تكون إلا من جنس بهيمة الأنعام وهي الإبل - البقر - الغنم.
3 -
القَدْر: فلو أراد إنسان أن يزيد صلاة على أنها فريضة أو ركعة في فريضة، فعمله ذلك بدعة مردودة، لأنها مخالفة للشرع في المقدار أو العدد.
4 -
الكيفية: فلو نكس إنسان الصلاة لما صحت صلاته؛ لأن عمله مخالف للشرع في الكيفية.
5 -
الزمان: فلو ضحى إنسان في رجب، أو صام رمضان في شوال، أو وقف بعرفات في التاسع من ذي القعدة لما صح ذلك منه، لمخالفته للشرع في الزمان.
6 -
المكان: فلو اعتكف إنسان في منزله لا في المسجد أو وقف يوم التاسع من ذي الحجة بمزدلفة لما صح ذلك منه لمخالفته للشرع في المكان (1).
متى وُلِدَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
يقام الاحتفال بالمولد النبوي في الثاني عشر من ربيع الثاني باعتبار أنه يوم ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن إذا ما بحثنا عن حقيقة هذا التاريخ نجد أنه لا يوجد نَصٌّ نبوي يدل على هذا التاريخ، فلم يتكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم البتة عن تاريخ ميلاده بل الذي ورد أنه ولد في يوم اثنين، أما ما وراء ذلك من التحديدات فلا تصح.
ثم إذا ما فتشنا كتب السيرة النبوية محاولين معرفة تاريخ مولده سنجد أن أهل التاريخ والسِّيَر يختلفون حوله إلى أقول:
(1) انظر الإبداع في بيان كمال الشرع وخطر الابتداع للشيخ ابن عثيمين (ص21 - 22).
أولًا: اختلفوا في سنة ولادته صلى الله عليه وآله وسلم:
الأكثرون على أن ولادته صلى الله عليه وآله وسلم كانت في عام الفيل، قيل بعد حادثة الفيل بخمسين يومًا، وقيل بخمس وخمسين يومًا، وقيل بشهر، وقيل بأربعين يومًا، وقيل بعد الفيل بعشر سنين، وقيل: قبل الفيل بخمس عشرة سنة، وقيل: غيره.
ثانيًا: اختلفوا في الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وآله وسلم:
فقيل: في شهر صفر، وقيل: في ربيع الآخر، وقيل: في رجب، وقيل: في رمضان.
ثالثًا: اختلفوا في يوم ولادته صلى الله عليه وآله وسلم: فقيل: غير معين، وقيل: في ربيع الأول، من غير تعيين اليوم، وقيل: لِلَيْلتين مضتا من ربيع الأول، وقيل: لثماني ليال مضَيْنَ منه، وقيل لتسع خلَوْن منه، وقيل: لعشر مضين منه، وقيل لاثنتي عشرة مضت منه، وقيل: لسبع عشرة مضت منه، وقيل: لثماني عشرة مضين منه، وقيل: لثمان بقين منه.
يظهر لنا مما سبق:
1 -
أن هذا الخلاف بين علماء السيرة يدل على عدم وجود دليل صحيح صريح في هذه المسألة بحيث يتفقون على يوم محدد.
2 -
لم يثبت نص في تحديد تاريخ مولده صلى الله عليه وآله وسلم.
3 -
أن الصحابة رضي الله عنهم لم يسألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما يدل أن معرفة تاريخ مولده صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يعني لهم شيئًا كبيرًا.
4 -
أن الاحتفال ليس من الشرع إذ لو كان كذلك لَذُكِر التاريخ فما مِن أمر فيه خير إلا ودلنا عليه.
عَلَامَ يدل ذلك؟
إنه يدل على أنَّ المسلم ليس مطلوبًا منه الاهتمام بتاريخ المولد، ولا العناية بضبطه، إنَّما الواجب عليه أن ينظر كيف هو في حبه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومتابعته في
شريعته، واقتدائه بسنته واهتدائه بهديه، وحرصه على التخلق بِخُلُقِهِ.
فأين نحن مما فرض الله علينا تجاه نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ هذا هو الذي ينبغي على كل مسلم أن ينظر كيف هو فيه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
إن ليلة المولد لم يكن السلف الصالح - وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتابعون لهم بإحسان - يجتمعون فيها للعبادة ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يُعَظَّم إلا بالوجه الذي شرع به تعظيمه، وتعظيمه من أعظم القرب إلى الله لكن يتقرب إلى الله عز وجل بما شرع.
وإن يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس، وأفضل ما يُفعل في اليوم الفاضل صومه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن إفراد يوم الجمعة بالصيام مع عظيم فضله، فدل هذا على أنه لا تحدث عبادة في زمان ولا في مكان إلا إن شرعت، وما لم يشرع لا يفعل، إذ لا يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما أتى به أولها، ولو فتح هذا الباب لجاء قوم فقالوا: يوم هجرته إلى المدينة يوم أعز الله فيه الإسلام فيجتمع فيه ويتعبد، ويقول آخرون: الليلة التي أسري به فيها حصل له فيها من الشرف ما لا يقدر قدره فتحدث فيها عبادة فلا يقف ذلك عند حد.
والخير كله في اتباع السلف الصالح الذين اختارهم الله له فما فعلوا فعلناه وما تركوا تركناه.
حكم الاحتفال بالمولد النبوي
لا يجوز الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين، ويرجع ذلك إلى ذلك الاجتماع المخصوص بتلك الهيئة المخصوصة في الوقت المخصوص وإلى اعتبار ذلك العمل من شعائر الإسلام التي لا تثبت إلا بنص شرعي بحيث يظن العوام والجاهلون بالسنة أن عمل المولد من أعمال القرب المطلوبة شرعًا، وعمل المولد بهذه القيود بدعة سيئة وجناية على دين الله تعالى وزيادة فيه تُعَد مِن شرْع ما لم يأذن به الله ومن الافتراء على الله والقول في دينه بغير علم.
وبدعة المولد النبوي إنما حدثت بعد القرون الثلاثة المفضلة كما قال الحافظ ابن حجر، والحافظ السخاوي وغيرهما.
وأول من احتفل بالموالد هم بنو عبيد القداح المتسمون بالفاطميين، ومعلوم ما يُكِنّه العبيديون لأهل الإسلام من كراهية وحقد، وما يبطنونه من عقائد فاسدة يسترونها بإظهار محبة آل البيت والولاء لهم.
والاحتفال بالمولد مخالف لأمر الله سبحانه وتعالى بطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ومخالف لأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، وفيه وقوع في المحدثات التي حذر منها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيّنَ أنها طريق إلى النار.
والاحتفال بالمولد فيه مشابهة للنصارى في احتفالهم بميلاد المسيح عليه السلام.
يمكن أن نقسم الموالد إلى قسمين:
1 -
مولد صاحبَتْه الخرافات والمخالفات كالاختلاط بين الرجال والنساء وسماع الموسيقى، والغلو في النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
2 -
مولد يكون مقتصرًا على سماع درس أو محاضرة مثلا.
فالنوع الأول لا شك في تحريمه لما يصاحبه من الضلالات والمخالفات.
وأما النوع الثاني فإذا جعلناه من باب العبادات فهو بلا شك لا يجوز لأن إحداث عمل تعبدي زائد لا يجوز.
وإذا جعلناه من باب العادات والتي نجد فيه فرصة لتعليم سيرة النبي ونحوها فلا يمكن أن يقال بالجواز للأسباب التالية:
1 -
أن تاريخ مولده صلى الله عليه وآله وسلم ليس متفقا عليه.
2 -
أنه قد يفتح بابًا لما لا يجوز شرعًا كأن تدخله بعض البدع.
3 -
قد يعتقد الناس مندوبيته واستحبابه الشرعي في حين أن الأمر ليس كذلك.
4 -
سيفتح هذا بابًا لأن يقال إن هناك أيامًا مهمة في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالبعثة والتي فيها بُشِّرَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة وأُمِرَ بالإنذار فهي كذلك تستحق الاحتفال، والهجرة والانتصارات في حياته وأيام نجاته من المؤامرات وغيرها مما لن ينتهي.
5 -
أن فيه مشابهة للنصارى، وقد علم من نصوص الشرع طلب مخالفتهم، إلا ما نَصّ الشارع على مشروعيته فنحن نتبع الشرع سواء وافق النصارى أو غيرهم أم لا، أما ما لم يرد به الشرع وفيه المشابهة فالمطلوب فيه المخالفة.
وبناء على ما سبق فيحرم الاحتفال سواء كان بدون مخالفات أو معها، وكلما زادت البدع كلما قوي التحريم.
وبناء عليه يحرم:
1 -
إقامة المولد والتعاون على ذلك.
2 -
الإنفاق عليه وفيه، لأنه ليس من أوجه البر التي يؤجر عليها المسلم.
3 -
كل ما من شأنه إحياؤه واستمراره ودوامه كالوقف عليه وغيره.
الاحتفال بالمولد النبوي من البدع التي لم يفعلها السلف الصالح:
اتفق أهل العلم من لا يرى منهم عمل المولد ومن يراه على أن الاحتفال بالمولد النبوي لم يفعله السلف الصالح، فلم يحتفلوا بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل تركوه، وما تركوه لا يمكن أن يكون ترْكُهُم إياه إلا لكَوْنه لا خير فيه؛ فإن ما حدث بعد السلف رضي الله عنهم لا يخلو:
- إما أن يكونوا عَلِمُوه وعَلِمُوا أنه موافق للشريعة ولم يعملوا به، ومعاذ الله أن يكون ذلك؛ إذ أنه يلزم منه تنقيصهم وتفضيل من بعدهم عليهم، ومعلوم أنهم من أكمل الناس في كل شيء وأشدهم اتباعًا.
- وإما أن يكونوا عَلِمُوه وتركوا العمل به، ولم يتركوه إلا لموجب أوجب
تركه فكيف يمكن فعله؟!
- وإما أن يكونوا لم يعْلَموه فيكون من ادعى علمه بعدهم أعلم منهم وأفضل وأعرف بوجوه البر وأحرص عليها ولو كان ذلك خيرًا لعلموه ولظهر لهم، ومعلوم أنهم أعقل الناس وأعلمهم.
فما تركه السلف الصالح لا بد أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ترَكَه، وتَرْكُه سُنّة، كما أن فِعْلَه سنة، فمن استحب فعل ما تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان كمن استحب ترك ما فعله ولا فرق.
ومما يدل على أن السلف الصالح لم يحتفلوا بيوم المولد النبوي اختلافهم في تحديد اليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما سبق بيانه.