المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌54 - البركة في المجتمع المسلم - دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ - جـ ٢

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌أحاديث ضعيفةوموضوعة ولا أصل لها

- ‌خطورة انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة بين الناس

- ‌أسباب انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة بين الناس:

- ‌من الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة:

- ‌1 - عدم تقبل الناس للأحاديث الصحيحة بعد سماعهم للأحاديث الضعيفة:

- ‌2 - إيقاع المسلم في الشرك الصريح:

- ‌3 - التشنيع على أهل الحديث:

- ‌4 - تعليم الناس ما لم يثبت:

- ‌5 - تأصيل أصول مخالفة للشريعة:

- ‌6 - إفساد الأخلاق:

- ‌7 - تغيير سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌8 - إلغاء قواعد في أصول الفقه:

- ‌9 - التفرقة بين المسلمين:

- ‌10 - تشويه سمعة الصحابة رضي الله عنهم

- ‌11 - إعانة المستهترين على الاجتراء على الله بالمعاصي:

- ‌12 - الابتداع في العبادة، ومخالفة السنة:

- ‌13 - مساواة المسلمين بأهل الذمة:

- ‌14 - الصد عن سبيل الله:

- ‌15 - إلقاء الشك والريبة بين المسلمين؛ ونشر الخرافة بينهم:

- ‌16 - التضييق على الناس في أمورٍ من المباحات:

- ‌17 - أحيانًا تؤدي الأحاديث الضعيفة والموضوعة إلى احتقار النساء:

- ‌نماذج منأثر الحديثالضعيف والموضوعفي تخريب العقائد

- ‌أولًا: في أسماء الله وصفاته وتوحيده:

- ‌ثانيا: في حقيقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌مَن أرادُوا شَيْنَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ثالثا: في العصبيات والأهواء:

- ‌رابعا: الأحاديث الموضوعة والخرافة:

- ‌خامسًا: الأحاديث الموضوعة في القرآن:

- ‌أحاديثضعيفة وموضوعة ولا أصل لها

- ‌تنبيهاتقبل قراءة الأحاديث

- ‌التنبيه الأول:

- ‌التنبيه الثاني:

- ‌التنبيه الثالث:

- ‌التنبيه الرابع:

- ‌التنبيه الخامس:

- ‌حرف الألف

- ‌حرف الباء

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الثاء

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاي

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف الطاء

- ‌حرف العَيْن

- ‌موضوعات عامة

- ‌52 - أقسام البركة

- ‌53 - من صور البركة

- ‌54 - البركة في المجتمع المسلم

- ‌55 - عندما ترد الأرض بركتها

- ‌56 - كيف نحصل على البركة

- ‌57 - من وسائل الحصول على البركة

- ‌58 - التبرك المشروع والتبرك الممنوع

- ‌59 - قصة أصحاب الأخدود

- ‌60 - استضعاف وثبات

- ‌61 - الثبات حتى الممات

- ‌63 - مفهوم الإصلاح في الإسلام

- ‌64 - خصائص الشريعة الإسلامية

- ‌65 - نظام الحكم في الإسلام

- ‌66 - دين اسمه العلمانية

- ‌67 - شريعة الله لا شريعةالبشر حتى لا تغرق السفينة

- ‌68 - الشريعة خيرٌ كلها

- ‌71 - الاختلاط بين الرجال والنساء

- ‌72 - الفرق بين الخلوة والاختلاط

- ‌74 - من الثمار المُرّة للاختلاط

- ‌75 - واجِبُنا نحو آل بيت النبي

- ‌76 - معاوية بن أبي سفيان

- ‌77 - من فضائل معاوية

- ‌78 - من صفات معاوية

- ‌82 - السبيل إلى سلامة الصدر

- ‌83 - السهر

- ‌84 - أضرار السهر

- ‌85 - أنواع الهموم

- ‌86 - علاج الهموم

- ‌88 - مَن ترك لله عوضه الله

- ‌90 - المسجد الأقصىفي قلب كل مسلم

- ‌91 - لا يضر السحابَ نبحُ الكلاب

- ‌92 - الله سبحانه وتعالىيدافع عن خليله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌93 - المولد النبوي هل نحتفل

- ‌94 - لماذا لانحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌95 - كشف شبهاتمن قال بجواز الاحتفال بالمولد

- ‌96 - كشفشبهات حول الاحتفال بالمولد

- ‌97 - رأس السنة هل نحتفل

- ‌98 - شم النسيم هل نحتفل

- ‌99 - حكمالاحتفال بشم النسيم

- ‌100 - عيد الأم هل نحتفل

الفصل: ‌54 - البركة في المجتمع المسلم

‌54 - البركة في المجتمع المسلم

البركة في تحية المسلمين:

تحيّة المسلمين بينهم عند اللّقاء طلبُ السّلام والرحمة والبركة.

قال الله عز وجل: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (النور: 61)

{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا} نكرة في سياق الشرط، يشمل بيت الإنسان وبيت غيره، سواء كان في البيت ساكن أم لا فإذا دخلها الإنسان {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أي: فليسلم بعضكم على بعض، لأن المسلمين كأنهم شخص واحد، من تواددهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، فالسلام مشروع لدخول سائر البيوت، من غير فرق بين بيت وبيت.

ثم مدح هذا السلام فقال: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} أي: سلامكم بقولكم: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) أو (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)(1) إذ تدخلون البيوت.

{تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي: قد شرعها لكم، وجعلها تحيتكم، {مُبَارَكَةً} لاشتمالها على السلامة من النقص، وحصول الرحمة والبركة والنماء والزيادة، ولأن فيها الدعاء واستجلاب مودة المسلم عليه {طَيِّبَةً} لأنها من الكلم الطيب المحبوب عند الله، الذي فيه طيب نفس للمُحَيَّا فإن سامعها يستطيبها، وفيها محبة وجلب مودة.

ص: 301

البركة في الأسرة المسلمة:

ولحرصِ الإسلام على الأسرةِ وحلولِ البركة فيها وعليها مِن أوّل نشأتها شُرع الدّعاء للزوجين بالبركة عند النكاح، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَسدد خطاكمأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ:«بَارَكَ اللهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ» (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

(كَانَ إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَان) أَيْ هَنَّأَهُ وَدَعَا لَهُ، وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِمْ لِلْمُتَزَوِّجِ أَنْ يَقُولُوا بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ، الرِّفَاء: الِالْتِئَام وَالِاتِّفَاق وَالْبَرَكَة وَالنَّمَاء. وَكَانَتْ هَذِهِ تَرْفِئَةَ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ ذَلِكَ، وَأَرْشَدَ إِلَى مَا فِي الحَدِيثِ. ونُهِيَ عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ عَادَاتِ الجَاهِلِيَّةِ حَيْثُ الدُّعَاءُ بِإِنْجَابِ البَنِينَ فَقَط لِبُغْضِهِمْ لِلْبَنَاتِ، وَلِهَذَا سُنَّ فِيهِ غَيْره.

فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا:«بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ» ، فَقَالَ:«مَهْ؛ لَا تَقُولُوا ذَلِكَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَدْ نَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: «قُولُوا: بَارَكَ اللهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَبَارَكَ لَكَ فِيهَا» (رواه الإمام أحمد، وصححه الأرنؤوط).

الزواجُ السعيد ما صاحبه اليسرُ والتسهيلُ:

وأوفرُ الزوجاتِ بركةً ما قلّت المؤونة في نكاحها، والزواجُ السعيد ما صاحبه اليسرُ والتسهيلُ؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: “ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَسْهِيلُ أمْرِهَا، وَقِلّةُ صَدَاقِهَا “ (رواه ابن حبان والحاكم، وصححه على شرط مسلم، وحسنه الألباني) واليُمْن: البركة.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرُ خِطْبَتِهَا وَتَيْسِيرُ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرُ رَحِمِهَا» . (رواه ابن حبان والحاكم وغيرهما، وحسنه الألباني).

(إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ) أي بركتها (تَيْسِيرُ خِطْبَتِهَا) بالكسر أي سهولة سؤال الخاطب أولياءها نكاحها واجابتهم بسهولة من غير توقف (وَتَيْسِيرُ صَدَاقِهَا) أي عدم التشديد في تكثير مهرها ووجدانه بيد الخاطب من غير كَدٍّ في تحصيله (وَتَيْسِيرُ رَحِمِهَا) أي للولادة بأن تكون سريعة الحمل كثيرة النسل.

ص: 302

والزوجةُ المبارَكة هي المطيعةُ لله القائمة بحقوق زوجها في غير معصيةِ الله. والولدُ المبارك هو الناشئ على طاعة ربِّه، المستمسِك بسُنّة نَبِيّه صلى الله عليه وآله وسلم، الصائنُ لنفسِه عن الذنوب والعِصيان.

وإذا دَخل ربُّ الأسرةِ دارَه شُرع إفشاءُ السلام على أهله رجاءَ البركة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ سدد خطاكم قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ؛ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ» (رواه الترمذي وحسنه الألباني).

(يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ) أَيْ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَيْ السَّلَامُ سَبَبَ زِيَادَةِ بَرَكَةٍ وَكَثْرَةِ خَيْرٍ وَرَحْمَةٍ.

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرْ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ» (رواه مسلم).

البركة في تطبيق شرع الله:

ما أَحْسَنَ الدِّيْنَ والدُّنْيا إذا اجْتَمَعَا

لا بَارَكَ اللِه في دُنْيَا بِلا دِين

لو كان باللُّبّ يَزْدادُ اللَّبِيْبُ غِنًى

لَكانَ كُلُّ لَبيبٍ مِثْلَ قارُون

لكِنَّما الرزْقُ بالميزانِ من حَكَمٍ

يُعطِي اللبيبَ ويُعطي كلَّ مأفون

ما تقولون في مطر يرسله الله على العباد والبلاد، فيسقي أرضهم وينبت الله به زرعهم، ويدر به ضرعهم، ويلطف به هواءهم، ويكثر ماؤهم، وتنشرح باخضرار الأرض صدورهم، وتقضى لهم حوائجهم؛ فهم في رغَد وسعد ونعمة ما بها نقمة ثم يدوم ذلك بهم أربعون صباحًا، إنها النعمة الكبرى تستحق من العباد إجمال الشكر لله عز وجل.

ص: 303

إن حدًا واحدًا يُعمَل به في الأرض خير من ذلك كله؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سدد خطاكم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا» (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

إن كل ما يمكن تصوره من رخاء وسعة عيش ورغد، كل ذلك لا يعدل في نظر المؤمن الحق تطبيق حد من حدود الله عز وجل.

إن من أصول العقيدة الإسلامية تطبيق حدود الله في أرض الله، والحكم بشرع الله في عباد الله؛ الخلق خلْقُه، والأرضُ أرضُه، والملْكُ مُلْكُه، والحُكْمُ حُكْمُه، والشرعُ شرعُه، فعباد الله في أرض الله يجب أن يُحكَموا بشرع الله مهما شغب المشاغبون أو لبس الملَبّسون.

إن الله عز وجل هو الذي خلقنا وهو الذي يعلم ما يصلحنا ويصلح لنا: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك: 14)، {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} (البقرة: 140)، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة: 216).

ادْعُ لأخيك ونفسك ومالك بالبركة فإن العين حق:

عن سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِهِ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقِيلَ لَهُ:«أَدْرِكْ سَهْلًا صَرِيعًا» . قَالَ: «مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ؟» .قَالُوا: «عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ» .

قَالَ: «عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ» . ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيَغْسِلْ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ. قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ: وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْفَأَ الْإِنَاءَ مِنْ خَلْفِهِ. (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).

ص: 304

ورواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَزَّارِ مِنْ الْجُحْفَةِ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ - وَكَانَ رَجُلًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ - فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ؛ فَلُبِطَ سَهْلٌ.

فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقِيلَ لَهُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ، وَاللهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ» .

قَالَ: «هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؟» . قَالُوا: «نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ» .

فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ: «عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ» . ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اغْتَسِلْ لَهُ» . فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ، يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ. فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. (صححه الألباني والأرنؤوط).

وفي رواية: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيُبَرِّكْهُ؛ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ» (رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني).

عامر بن ربيعة هو صحابي هاجر هجرتين وشهد بدرًا، وسهل بن حنيف هو الأنصاري شهد بدرًا وأحُدًا.

(لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ) المُخَبَّأَةٍ: الجارية التي في خدرها لم تتزوج بعدُ؛ لأن صيانتها أبلغ ممن قد تزوجت وجلدُها أنعم، أي لم أرَ جلد غير مخبأة كجلد رأيتُ اليوم ولا جلد مخبأة. يعني كان جلدُ سهلٍ لطيفًا.

(فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِهِ) أي صُرِعَ وسقط الى الأرض من تأثير عين عامر.

(فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ) أي ليَقُلْ له: «بارك الله عليك» حتى لا تؤثر فيه عينُه.

ص: 305

ونقل الإمام النووي في شرحه لحديث: (الْعَيْن حَقّ) من (صحيح مسلم) عن المازري قوله: «وَصِفَة وُضُوء الْعَائِن عِنْد الْعُلَمَاء أَنْ يُؤْتَى بِقَدَحِ مَاء، وَلَا يُوضَع الْقَدَح فِي الْأَرْض، فَيَأْخُذ مِنْهُ غَرْفَة فَيَتَمَضْمَض بِهَا، ثُمَّ يَمُجّهَا فِي الْقَدَح، ثُمَّ يَأْخُذ مِنْهُ مَاء يَغْسِل وَجْهه، ثُمَّ يَأْخُذ بِشِمَالِهِ مَاءً يَغْسِل بِهِ كَفّه الْيُمْنَى، ثُمَّ بِيَمِينِهِ مَاء يَغْسِل بِهِ مِرْفَقه الْأَيْسَر، وَلَا يَغْسِل مَا بَيْن الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يَغْسِل قَدَمَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ الْيُسْرَى عَلَى الصِّفَة الْمُتَقَدِّمَة، وَكُلّ ذَلِكَ فِي الْقَدَح، ثُمَّ دَاخِلَة إِزَاره، وَهُوَ الطَّرَف الْمُتَدَلِّي الَّذِي يَلِي حِقْوه الْأَيْمَن. وَقَدْ ظَنَّ بَعْضهمْ أَنَّ دَاخِلَة الْإِزَار كِنَايَة عَنْ الْفَرْج، وَجُمْهُور الْعُلَمَاء عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. فَإِذَا اِسْتَكْمَلَ هَذَا صَبَّهُ مِنْ خَلْفه عَلَى رَأْسه.

وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُمْكِن تَعْلِيله وَمَعْرِفَة وَجْهه، وَلَيْسَ فِي قُوَّة الْعَقْل الِاطِّلَاع عَلَى أَسْرَار جَمِيع الْمَعْلُومَات، فَلَا يُدْفَع هَذَا بِأَلَّا يُعْقَل مَعْنَاهُ.

قَالَ: وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْعَائِن هَلْ يُجْبَر عَلَى الْوُضُوء لِلْمَعِينِ أَمْ لَا؟ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي رِوَايَة مُسْلِم: «وَإِذَا اُسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» وَبِرِوَايَةِ الْمُوَطَّأ أَنَّهُ صلى الله عليه وآله وسلم أَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ، وَالْأَمْر لِلْوُجُوبِ.

قَالَ الْمَازِرِيّ: «وَالصَّحِيح عِنْدِي الْوُجُوب، وَيَبْعُد الْخِلَاف فِيهِ إِذَا خَشِيَ عَلَى الْمَعِين الْهَلَاك، وَكَانَ وُضُوء الْعَائِن مِمَّا جَرَتْ الْعَادَة بِالْبُرْءِ بِهِ، أَوْ كَانَ الشَّرْع أَخْبَرَ بِهِ خَبَرًا عَامًّا، وَلَمْ يَكُنْ زَوَال الْهَلَاك إِلَّا بِوُضُوءِ الْعَائِن فَإِنَّهُ يَصِير مِنْ بَاب مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إِحْيَاء نَفْس مُشْرِفَة عَلَى الْهَلَاك، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُجْبَر عَلَى بَذْل الطَّعَام لِلْمُضْطَرِّ، فَهَذَا أَوْلَى، وَبِهَذَا التَّقْرِير يَرْتَفِع الْخِلَاف فِيهِ» . هَذَا آخِر كَلَام الْمَازِرِيّ.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاض بَعْد أَنْ ذَكَرَ قَوْل الْمَازِرِيّ الَّذِي حَكَيْته: «بَقِيَ مِنْ تَفْسِير هَذَا الْغُسْل عَلَى قَوْل الْجُمْهُور، وَمَا فَسَّرَهُ بِهِ الزُّهْرِيّ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْعُلَمَاء يَصِفُونَهُ، وَاسْتَحْسَنَهُ عُلَمَاؤُنَا، وَمَضَى بِهِ الْعَمَل أَنَّ غُسْل الْعَائِن وَجْهه إِنَّمَا هُوَ صَبّه، وَأَخْذه بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَكَذَلِكَ بَاقِي أَعْضَائِهِ إِنَّمَا هُوَ صَبُّهُ صَبَّةً عَلَى ذَلِكَ الْوُضُوء فِي الْقَدَح، لَيْسَ عَلَى صِفَة غَسْل الْأَعْضَاء فِي الْوُضُوء وَغَيْره، وَكَذَلِكَ غَسْل دَاخِلَة الْإِزَار إِنَّمَا هُوَ إِدْخَاله

ص: 306

وَغَمْسه فِي الْقَدَح، ثُمَّ يَقُوم الَّذِي فِي يَده الْقَدْح فَيَصُبّهُ عَلَى رَأْس الْمَعِين مِنْ وَرَائِهِ عَلَى جَمِيع جَسَده، ثُمَّ يَكْفَأ الْقَدَح وَرَاءَهُ عَلَى ظَهْر الْأَرْض.

وَقِيلَ: يَسْتَغْفِلهُ بِذَلِكَ عِنْد صَبّه عَلَيْهِ. هَذِهِ رِوَايَة اِبْن أَبِي ذِئْب.

وَقَدْ جَاءَ عَنْ اِبْن شِهَاب مِنْ رِوَايَة عُقَيْل مِثْل هَذَا، إِلَّا أَنَّ فِيهِ الِابْتِدَاء بِغَسْلِ الْوَجْه قَبْل الْمَضْمَضَة، وَفِيهِ فِي غَسْل الْقَدَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَغْسِل جَمِيعهَا، وَإِنَّمَا قَالَ: ثُمَّ يَفْعَل مِثْل ذَلِكَ فِي طَرَف قَدَمه الْيُمْنَى مِنْ عِنْد أُصُول أَصَابِعه، وَالْيُسْرَى كَذَلِكَ، وَدَاخِلَة الْإِزَار هُنَا الْمِئْزَر، وَالْمُرَاد بِدَاخِلَتِهِ مَا يَلِي الْجَسَد مِنْهُ، وَقِيلَ: الْمُرَاد مَوْضِعه مِنْ الْجَسَد، وَقِيلَ: الْمُرَاد مَذَاكِيره كَمَا يُقَال: عَفِيف الْإِزَار أَيْ الْفَرْج. وَقِيلَ: الْمُرَاد وَرِكه (1) إِذْ هُوَ مُعَقَّد الْإِزَار. وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيث سَهْل بْن حُنَيْف مِنْ رِوَايَة مَالِك فِي صِفَته أَنَّهُ قَالَ لِلْعَائِنِ: اِغْتَسِلْ لَهُ، فَغَسَلَ وَجْهه، وَيَدَيْهِ، وَمِرْفَقَيْهِ، وَرُكْبَتَيْهِ، وَأَطْرَاف رِجْلَيْهِ، وَدَاخِلَة إِزَاره. وَفِي رِوَايَة: فَغَسَلَ وَجْهه، وَظَاهِر كَفَّيْهِ، وَمِرْفَقَيْهِ، وَغَسَلَ صَدْره، وَدَاخِلَة إِزَاره، وَرُكْبَتَيْهِ، وَأَطْرَاف قَدَمَيْهِ. ظَاهِرهمَا فِي الْإِنَاء. قَالَ: وَحَسِبَتْهُ قَالَ: وَأَمَرَ فَحَسَا مِنْهُ حَسَوَات. وَاللهُ أَعْلَم».

قَالَ الْقَاضِي: «فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفِقْه مَا قَالَهُ بَعْض الْعُلَمَاء أَنَّهُ يَنْبَغِي إِذَا عُرِفَ أَحَد بِالْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ أَنْ يُجْتَنَب وَيُتَحَرَّز مِنْهُ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مَنْعه مِنْ مُدَاخَلَة النَّاس، وَيَأْمُرهُ بِلُزُومِ بَيْته. فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَزَقَهُ مَا يَكْفِيه، وَيَكُفّ أَذَاهُ عَنْ النَّاس، فَضَرَره أَشَدّ مِنْ ضَرَر آكِل الثُّوم وَالْبَصَل الَّذِي مَنَعَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم دُخُول الْمَسْجِد لِئَلَّا يُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ ضَرَر الْمَجْذُوم الَّذِي مَنَعَهُ عُمَر رضي الله عنه وَالْعُلَمَاء بَعْده الِاخْتِلَاط بِالنَّاسِ، وَمِنْ ضَرَر الْمُؤْذِيَات مِنْ الْمَوَاشِي الَّتِي يُؤْمَر بِتَغْرِيبِهَا إِلَى حَيْثُ لَا يَتَأَذَّى بِهِ أَحَد. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِل صَحِيح مُتَعَيِّن، وَلَا يُعْرَف عَنْ غَيْره تَصْرِيح بِخِلَافِهِ. (انتهى باختصار من شرح صحيح مسلم للنووي).

(1) وَرْك، وَرِك، وِرْك: ما فوق الفَخِذ، والجمع أوراك.

ص: 307

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» (رواه مسلم).

(العَيْن) إصابة العائن غيره بعينه بقدر الله.

(لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ) أَيْ لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَسْبِقَ شَيْءٌ الْقَدَرَ فِي إِفْنَاءِ شَيْءٍ وَزَوَالِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ (لَسَبَقَتْهُ) أَيْ الْقَدَرَ (الْعَيْنُ) لَكِنَّهَا لَا تَسْبِقُ الْقَدَرَ، فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدَّرَ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ الْخَلْقِ.

وَالْأَشْيَاء كُلّهَا بِقَدَرِ اللهِ تَعَالَى، وَلَا تَقَع إِلَّا عَلَى حَسَب مَا قَدَّرَهَا اللهُ تَعَالَى، وَسَبَقَ بِهَا عِلْمه، فَلَا يَقَع ضَرَر الْعَيْن وَلَا غَيْره مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ إِلَّا بِقَدَرِ اللهِ تَعَالَى.

قَالَ الْحَافِظُ: جَرَى الْحَدِيثُ مَجْرَى الْمُبَالَغَةِ فِي إِثْبَاتِ الْعَيْنِ لَا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَرُدَّ الْقَدَرَ شَيْءٌ، إِذْ الْقَدَرُ عِبَارَةٌ عَنْ سَابِقِ عِلْمِ اللهِ وَهُوَ لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ. وَحَاصِلُهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ شَيْئًا لَهُ قُوَّةٌ بِحَيْثُ يَسْبِقُ الْقَدَرَ لَكَانَ الْعَيْنَ لَكِنَّهَا لَا تَسْبِقُ فَكَيْفَ غَيْرُهَا.

(وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ إِذَا طُلِبْتُمْ لِلِاغْتِسَالِ.

(فَاغْسِلُوا) أَطْرَافَكُمْ عِنْدَ طَلَبِ الْمَعْيُونِ ذَلِكَ مِنْ الْعَائِنِ، وَهَذَا كَانَ أَمْرًا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَمْتَنِعُوا مِنْهُ إِذَا أُرِيدَ مِنْهُمْ، وَأَدْنَى مَا فِي ذَلِكَ رَفْعُ الْوَهْمِ الْحَاصِلِ فِي ذَلِكَ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ.

ص: 308