الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وافتروا على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إن لله تعالى ديكا براثنه في الأرض السفلي وعرفه تحت العرش ويصرخ عند مواقيت الصلاة، وتصرخ له ديكة السماء وديكة الأرض: سبوح قدوس رب الملائكة والروح» .
وجعلوا المجرة لعاب حية تحت العرش فزعموا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يا معاذ أني مرسلك إلى قوم أهل كتاب فإذا سُئلتَ عن المجرة التي في السماء فقل لهم هي لعاب حية تحت العرش» .
ونسبوا كذلك له صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «وكل بالشمس تسعة ملائكة يرمونها بالثلج كل يوم، ولولا ذلك ما أتت على شيء إلا أحرقته» .
وأن الأرض على الماء، والماء على صخرة، والصخرة على ظهر حوت يلتقي طرفاه بالعرش، والحوت على كاهل ملك قدماه في الهواء.
وأن العنكبوت مسخ.
وأن النخلة من فضل طينة آدم.
وأن الله خلق جبلا يقال له «قاف» محيط بالعالم وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض فإذا أراد الله أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فحرك العرق الذي يلي القرية فيزلزلها ويحركها ثم تتحرك القرية دون القرية.
وأن الأرض على صخرة، والصخرة على قرن ثور فإذا حرك الثور رأسه تحركت الأرض.
والموضوع في هذا الباب لا يكاد يحصى كثرة وكلها تصب عند مصب واحد وهو تخريب العقائد وتشويه الإسلام، وشَيْن رسول الأنام صلى الله عليه وآله وسلم.
خامسًا: الأحاديث الموضوعة في القرآن:
لعل أخطر ما دمرته الأحاديث الواهية من العقائد هو تشويه القرآن، وهو ما ابتغاه أهل الأهواء من صرف الناس عن كتاب الله وتفسيره بالخرافات والخزعبلات
والأهواء، وتصوير القرآن أنه كتاب خرافات وأساطير وليس كتابًا منزلا من الحكيم الحميد سبحانه.
وإليك بعضا من افتراء هؤلاء الوضاعون على القرآن، وللأسف عليه يعتمد أهل التفسير حتى لا يكاد يخلو تفسير واحد أن يناله شيء من ذلك.
فمن ذلك على سبيل المثال: ما ذكره بعض المفسرين عمن سماه عوج بن عنق الطويل وفي هذا الحديث «أن طوله كان ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثين ذراع» ، وأن نوحًا لما خوفه الغرق قال له:«أتحملني في قصعتك هذه» ، وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته، وأنه خاض البحر فوصل إلى حجزته فقط، وأنه كان يأخذ الحوت من عمق البحر فيشويه في عين الشمس، وأنه قلع صخرة عظيمة على قدر عسكر موسى، وأراد أن يرضخهم بها فوضعها الله في عنقه مثل الطوق».
وكذلك في تفسيرهم لقوله تعالى: {قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22)} (المائدة: 22 (، أنهم العماليق وأن سبعين رجلًا من قوم موسى استظلوا في قحف رجل واحد منهم، وأن موسى لما نزل قريبًا من أريحا في فلسطين بعث اثني عشر رجلًا من بني إسرائيل ليتعرف خبرهم فهالهم ما رأوه من هيئتهم وجسمهم وأنهم دخلوا في بستان أحد العماليق فجاء فتتبع أثارهم ثم حملهم في كمه مع الفاكهة وذهب إلى ملكهم ونثرهم مع الفاكهة أمامه».
ومن ذلك نسبتهم الشرك إلى آدم وحواء في تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)} (الأعراف: 190).
وتفسيرهم لقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (الإسراء: 79)، قالوا: يجلسه على العرش.
ومن خرافاتهم ما رووه أن سفينة نوح قد طافت بالبيت سبعًا وصلَّتْ خلف المقام ركعتين.
وتفسيرهم قوله تعالى: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} (القمر: 13)، قالوا: الدسر خمس مسامير: مسمار باسم الرسول، والثاني باسم علي، والثالث باسم فاطمة، ورابع باسم الحسن، وخامس باسم الحسين، وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال:«الألواح خشب السفينة ونحن الدسر لولانا ما سارت السفينة بأهلها» .
وأن إبراهيم لما وضع في النار لم يسأل الله وقال: «علمه بحالي يغني عن سؤالي» .
وأن النملة التي كلمت سليمان كانت في حجم الذئب، ولم يَعِ هؤلاء أن الله سبحانه وتعالى قد قال عن تلك النملة:{لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} (النمل: 18)؛ فكيف لا يشعر سليمان وجنوده أنهم يقتلون نملا في حجم الذئاب!!
وتفسيرهم قوله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} (الكهف: 50) أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذكر إبليس فقال: «رأيته الساعة فإنه أدخل ذنَبَه في دُبُره فأخرج سبع بيضات، فأولدها سبع أولاد: فأولهم وأكبرهم المذهب وهو الموكل بفقهاء الناس وعلمائهم فينسيهم الذكر ويعيقهم بالحصا ويولعهم بكثرة الوضوء. والثاني هو الموكل بالنعاس في المساجد يأتي الرجل فيلقى عليه النعاس فينيمه فيقال يا فلان قد نمت فيقول لا فيعاد عليه فيحلف يمينا كاذبة أنه لم ينم. والثالث اسمه ثوبان وهو الموكل بالأسواق فينصب فيها راية بنقص الكيل والميزان حتى لا يؤتون ما يوفون فيها حتى يغلوا. والرابع لغو وهو الموكل بالويل والعويل وشق الجيوب ونتف الشعور ولطم الخدود ونعيق الران وسائر ذلك من الصياح على الميت.
والخامس مشوان وهو الموكل بأعجاز النساء وأحللة الرجال حتى يجمع بين الفاجرين على فجورهما. والسادس مشوط وهو الموكل بالهمز واللمز والنميمة
والكذب والغش. والسابع غرور وهو الموكل بقتل النفوس وسفك الدماء وانتهاك المحارم يأتي الرجل فيقول له: أنت أحوج أم فلان كان أحوج منك ارتكب كذا وكذا من المحارم صنع كذا وكذا فحسن حاله فدلاه بغرور.
فتلك ذريته التي ذكر الله في كتابه {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} ، فتلك ذريته الباقية معه إلى اليوم الذي وقت لهم لا يموتون ولا ينتهون عن حديد الأرض، لعنة الله عليه وعلى ذريته».
والحاصل أن كتب التفسير قد شحنت بالأحاديث الضعيفة والموضوعة والروايات الواهية، ولا شك أن هذه الروايات الواهية قد أعدمت نفع القرآن وهدايته عند من يحسن الظن بها، بل جعلت القرآن كتاب خرافة بدلا من أن يكون كتاب هداية وتبصير، بل زادوا على ذلك بأن جعلوا القرآن لكل شيء إلا الهداية فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:«خذوا من القرآن ما شئتم لما شئتم» . وهو حديث لا أصل له مطلقًا.
ولذلك عمد المتصوفة ومَن على دربهم لجعل كل آية من القرآن لشفاء مرض من الأمراض فلوجع الرأس يقرأ: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} (الأنعام: 13)، وللأورام يقرأ:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} (طه: 105)، وللحبلى المتعسرة في ولادتها يقرأ:{وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} (الحج: 2)، ونحو هذا يُجْعَل في كتب ويقال إن هذا أمر مجرب ويزعمون أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال:«خذوا من القرآن ما شئتم لما شئتم» .
ولا شك أن ارتباط الآيات القرآنية الحكيمة بمثل هذه الأمور يصرفها عن معانيها التي أنزلت من أجلها ويحول القرآن من كتاب هداية وتربية وتبصير إلى كتاب عبث ولعب واستهزاء وأكل لأموال الناس بالباطل، ولا شك أن كل ذلك تشويه للمعتقد.