الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
76 - معاوية بن أبي سفيان
رضي الله عنهما (1)
إن سلامة القلب تجاه الصحابة رضي الله عنهم والتأدب معهم من صميم اعتقاد أهل السنة والجماعة، وإن الطعن فيهم هو وسيلة للطعن في الدين الإسلامي فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم عدول ثقات، وهم الذين نقلوا لنا هذا الدين.
أولئك أصحابُ النبيِّ وحِزْبُه
…
ولولاهُمُ ما كانَ في الأرضِ مُسْلِمُ
ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما كاتب وحي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين الذي مكث عشرين سنة أميرًا على الشام في خلافة عمر وخلافة عثمان سدد خطاكم، ثم خليفةً للمسلمين مثلَها.
ولعله لم تَنَلْ شخصيةٌ في التاريخ من التشويه مثل شخصية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما خاصة من أهل الأهواء قديمًا للنزاعات السياسية والمذهبية، ثم وجد المستشرقون في رواياتهم مرتعًا خصبًا للنيل من الإسلام.
إن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما من الصحابة الأجلّة الكرام، الذين يجبُ الترضّي عن جميعهم، ولا يجوز الطعنُ فيهم، كما هو اعتقادُ الفرقة الناجية: أهلِ السُنَّة والجماعة، كيف وقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» (رواه البخاري ومسلم).
ومَعْنَى الْحَدِيث: لَا يَنَال أَحَدكُمْ بِإِنْفَاقِ مِثْل أُحُد ذَهَبًا مِنْ الْفَضْل وَالْأَجْر مَا يَنَال أَحَدهمْ بِإِنْفَاقِ مُدّ طَعَام أَوْ نَصِيفه.
(1) هذه الخطبة واللتان بعدها بتصرف واختصار من كتاب: (معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، أمير المؤمنين وكاتب وحي النبي الأمين صلى الله عليه وآله وسلم، دفع شبهات وردّ مفتريات) للمؤلف.
ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما هو أحد الصحابة الذين أكرمهم الله عز وجل بصحبة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكل كلام يقال في الصحابة فيما يتعلق بفضلهم عمومًا وما يجب لهم عمومًا، فإن معاوية سدد خطاكم يدخل في ذلك.
أما من تكلم فيهم بكلام لا ينبغي فهو في الحقيقة لم يضرَّهم إنما ضرَّ نفسه؛ وذلك أنهم رضي الله عنهم قدِموا على ما قدَّموا، وقد قدَّموا الخير الكثير، وقد قدَّموا الأعمال الجليلة التي قاموا بها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالذي يتكلم فيهم بما لا ينبغي هو في الحقيقة لا يضرهم وإنما يضرُّ نفسه.
بل إن ذلك يكون زيادة في حسناتهم، ورفعة في درجاتهم؛ لأنه إذا تكلم فيهم بغير حق أضيف إليهم من حسنات المتكلم فيهم إذا كان له حسنات، فيكون ذلك رِفْعةً في درجاتهم، وإن لم يكن له حسنات فإنه لا يضر السحاب نبح الكلاب - كما يقولون. وعن عائشة رضي الله عنها قالت:«أمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَسَبُّوهُمْ» (رواه مسلم).
قال الإمام النووي في (شرح صحيح مسلم):
فلا يجوز الطعنُ في آحادهم، فكيف بمن له فضائل ثابتة - خاصة وعامة - مثلَ معاوية رضي الله عنه؟
وما من شخصية في تاريخنا الإسلامي، من الرعيل الأول من الصحابة الذين تربَّوْا على يَدَيْ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نالها من التشويه والدَّسّ والافتراء والظلم، مثل ما ناله معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. حيث امتلأت معظم المصادر التاريخية بعشرات الروايات الضعيفة أو المكذوبة على هذا الصحابي الكريم سدد خطاكم.
وإن الشبهات التي قيلَتْ في ذم معاوية رضي الله عنه ليست بشيء! وهذه الشبهات التي ذكرت في معاوية رضي الله عنه إما أحاديث صحيحة ليس فيها ذم لمعاوية سدد خطاكم بل يُفْهَم منها المدح له. وإما أخبار ساقطة يرويها الأخباريون وأهل التاريخ بلا زمام ولا خطام، ويتولى كبر الترويج لها أهل البدع والأهواء.
ومنها من يكون رواتها من المتروكين كأبي مخنف لوط بن يحيى، والرافضي نصر بن مزاحم صاحب كتاب (صفين)، ومحمد بن السائب الكلبي، ومحمد بن عمر الواقدي متروك.
ولمعاوية رضي الله عنه فضائل كثيرة وبسبب ثبوت هذه الفضائل وغيرها عن السلف، فقد نهَوْا نهيًا شديدًا عن التكلم في معاوية رضي الله عنه وبقية الصحابة رضي الله عنهم، وعَدّوا ذلك من الكبائر. وكان بعض السلف يجعل حب معاوية سدد خطاكم ميزانًا للسنة.
قال الربيع بن نافع: «معاوية بن أبي سفيان ستر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا كَشَفَ الرجلُ السِّتْرَ اجترأ على ما وراءه» .
وسُئِلَ أبو عبد الرحمن النسائي عن معاويةَ بن أبي سفيان رضي الله عنهما صاحبِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال:«إنما الإسلام كدارٍ لها بابٌ، فبابُ الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابةَ إنما أرادَ الإسلام، كمن نَقرَ البابَ إنما يريدُ دخولَ الدار. فمن أراد معاويةَ فإنما أراد الصحابة» .
قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: «معاوية عندنا مِحْنة، فمن رأيناه ينظر إليه شزَرًا اتهمناه على القوم» ، يعني الصحابة.
وقد صَدَقُوا في ذلك، فإنه ما من رجل يتجرأ ويطعن في معاوية رضي الله عنه إلا تجرأ على غيره من الصحابة رضي الله عنهم. والسبب في ذلك أن من تجرأ على معاوية رضي الله عنه فإنه يكون قد أزال هيبة الصحابة رضي الله عنهم من قلبه فيقع فيهم.
وقال الميموني: «سمعْتُ أحمد يقول: «ما لهم ولمعاوية؟ نسأل الله العافية» . وقال لي: «يا أبا الحسن، إذا رأيتَ أحدًا يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسوء فاتهمه على الاسلام» .
وسُئِلَ الإمام أحمد رحمه الله عن رجل انتقص معاوية وعمرو بن العاص أيُقَالُ له رافضي؟ فقال: «إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء، ما انتقص أحدٌ أحدًا من أصحاب رسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا له داخلة سُوء؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِى» (رواه البخاري ومسلم).
وما ضر معاوية سدد خطاكم شتم من شتمه؛ فإنه «ما ضر المسك عطره، أن مات من شمه الجُعْل”. الجُعْل: دُوَيْبَّة سَوْدَاء تُدِير الْخِرَاء بِأَنْفِهَا. وَمِنْ شَأْنِه جَمْع النَّجَاسَة وَادِّخَارهَا. وَمِنْ عَجِيب أَمْره أَنَّهُ يَمُوت مِنْ رِيح الْوَرْد وَرِيح الطِّيب فَإِذَا أُعِيدَ إِلَى الرَّوْث عَاشَ. وَمِنْ عَادَته أَنْ يَحْرُس النِّيَام فَمَنْ قَامَ لِقَضَاءِ حَاجَته تَبِعَهُ وَذَلِكَ مِنْ شَهْوَته لِلْغَائِطِ لِأَنَّهُ قُوتُه.
و «لا يضر السحابَ نبحُ الكلاب، ولن يضير السماء نقيق الضفادع» .
يا نَاطِحَ الجَبَلَ العالي ليَكْلِمَه
…
أَشفِقْ على الرّأسِ لا تُشْفِقْ عل الجَبَلِ
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في سطور:
هو خال المؤمنين (1)، وكاتب وحي رسول الله رب العالمين صلى الله عليه وآله وسلم، أمير المؤمنين ملك الإسلام، أبو عبد الرحمن مُعاوية بن أبي سُفيان - صَخْر بن حَرْب - بن أُمَيَّة بن عبد شَمْس بن عبد مَناف بن قُصي بن كِلاب القرشي الأمويُ المكي، يلتقي نسبُه مع النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم في عبدِ مَناف.
وأٌمُّه: هِند بنت عُتبة بن رَبيعة بن عبد شمس رضي الله عنها.
وُلد معاوية رضي الله عنه قبل البعثة بخمس سنين على الأشهر، وقيل بسبع، وقيل بثلاث عشرة.
وكان معاوية رضي الله عنه رجلًا طويلًا أبيضَ جميلًا مهيبًا أجلح (2).
ومعاوية رضي الله عنه لم يُعْرَف عنه قبل الإسْلام أذىً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا بيد، ولا بلسان. وبعد إسلام أبيه أبي سفيانسدد خطاكم: انتقلَ وأهله إلى المدينة، وآخَى رسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين معاوية والحُتات بن يزيد المُجاشِعي، وتوفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو عن معاوية راضٍ.
وصحب معاويةُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكتب الوحي بين يديه مع الكُتَّاب، ورَوَى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من السنن والمسانيد، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين.
رُوِيَ له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مائة حديث وثلاث وستون حديثًا، رَوَى عنه من الصحابة ابنُ عباس وابنُ عمر وابنُ الزبير وأبو الدرداء وجرير البجلي والنعمان بن بشير وغيرهم، ومن التابعين ابنُ المسيَّب وحميد بن عبد الرحمن وغيرهما.
(1) فأخته أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(2)
من انْحَسَرَ الشَّعرُ عن مقَدَّم رأسِه فهو أَجْلَحُ.
مكث معاوية سدد خطاكم عشرين سنة أميرًا على الشام في خلافة عمر وخلافة عثمان رضي الله عنهما، ثم خليفةً للمسلمين مثلَها.
فتح معاوية قيسارية (1) سنة تسع عشرة في خلافة عمر بن الخطاب سدد خطاكم. وافتتح في سنة سبع وعشرين جزيرة قبرص. ولم تزل الفتوحات والجهاد قائما على ساقه في أيامه في بلاد الروم والفرنج وغيرها.
ثم كان ما كان بينه وبين علي بعد قتل عثمان، على سبيل الاجتهاد والرأي، فجرى بينهما قتال عظيم، وكان الحق والصواب مع علي سدد خطاكم، ومعاوية سدد خطاكم معذور عند جمهور العلماء سلفًا وخلفًا. وقد شهدت الأحاديث الصحيحة بالإسلام للفريقين من الطرفين - أهل العراق وأهل الشام - (2).
ولما كان من أمره وأمر أمير المؤمنين علي رضي الله عنهما ما كان، لم يقع في تلك الأيام فتح بالكلية، لا على يديه ولا على يدي عليسدد خطاكم، وطمع في معاويةَ ملكُ الروم بعد أن كان قد أخشاه وأذله، وقهر جنده، فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب علي رضي الله عنهما تدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيه، فكتب معاوية إليه:«والله لئِنْ لم تَنْتَهِ وترجع إلى بلادك يا لعين، لأصْطَلِحَنَّ أنا وابنُ عمي عليك، ولأخْرِجَنَّكَ من جميع بلادك، ولأضَيِّقَنَّ عليْكَ الأرضَ بما رحُبَتْ» .
(1) قيسارية وتلفظ أيضا (قيسرية أو قيصرية)، مدينة كانت من أهم المدن في دولة سلاجقة الروم، تقع جنوبي مدينة سيواس إلى الشرق. وهناك مدينة بهذا الاسم في فلسطين تقع على ساحل البحر المتوسط في منتصف الطريق بين مدينتي حيفا ويافا.
(2)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَكُونُ فِي أُمَّتِي فِرْقَتَانِ فَتَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهِمَا مَارِقَةٌ يَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَاهُمْ بِالْحَقِّ» (رواه مسلم).
قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «هَذِهِ الرِّوَايَات صَرِيحَة فِي أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ هُوَ الْمُصِيبَ الْمُحِقَّ، وَالطَّائِفَة الْأُخْرَى أَصْحَاب مُعَاوِيَة رضي الله عنه كَانُوا بُغَاة مُتَأَوِّلِينَ، وَفِيهِ التَّصْرِيح بِأَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ مُؤْمِنُونَ لَا يَخْرُجُونَ بِالْقِتَالِ عَنْ الْإِيمَان وَلَا يَفْسُقُونَ» .
فعند ذلك خاف ملكُ الروم وانْكَفّ، وبعث يطلب الهدنة.
ثم كان من أمر التحكيم ما كان، وكذلك ما بعده إلى وقت اصطلاحه مع الحسن بن علي رضي الله عنهما فانعقدت الكلمة على معاوية، وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين للهجرة، فلم يزل مستقلًا بالأمر في هذه المدة إلى السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية، والغنائم تَرِدُ إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو.
وكان يغزو الروم في كل سنة مرتين، مرة في الصيف ومرة في الشتاء، ويأمر رجلًا من قومه فيحج بالناس، وحج هو سنة خمسين، وحج ابنه يزيد سنة إحدى وخمسين. وفيها - أو في التي بعدها - غزا ابنُه يزيد بلاد الروم فسار معه خلق كثير من كبراء الصحابة حتى حاصر القسطنطينية، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِى يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ» . (رواه البخاري).
وكان معاوية سدد خطاكم من الموصوفين بالدهاء والحِلم. وكان يُضرَب بحِلمه المثل. وكان معاوية سدد خطاكم أول من اتخذ ديوان الخاتم وختم الكتب، وديوان الخاتم شبيه بدائرة السجلات أو الأرشيف العام في الوقت الحاضر. وقد عين معاوية موظفين مشرفين على هذا الديوان.
توفي معاوية رضي الله عنه بدمشق في رجب سنة ستين. أغمي عليه ثم أفاق فقال لأهله: «اتقوا الله؛ فإن الله تعالى يَقِي مَن اتقاه، ولا يَقِي مَن لا يتقي، ثم مات رحمه الله.
وقد وَرَدَ من غير وجه أنه أوصى أن يكفن في ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي كساه إياه، وكان مُدَّخَرًا عنده لهذا اليوم.
ومن أشهر أولاده يزيد.
وعاش معاوية ثمانية وسبعين عامًا، وقيل غيرُ ذلك، رضي الله عنه.
أبو سفيان بن حرب والد معاوية رضي الله عنهما:
كان أبو سفيان سدد خطاكم من سادات قريش ومن عُتاة الجاهلية الذين حاربوا الإسلام، إلا أن الله عز وجل أراد الهداية له؛ فأسلم قبل فتح مكة بقليل، وقد حسن إسلامه وقَدَّم خدمات جليلة للإسلام، فقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حُنَيْن، وشارك في حصار الطائف وفقد إحدى عينيه فيها، وفي اليرموك فقد الثانية، وبعد ثقيف أرسله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع المغيرة بن شعبة لهَدْم اللات - صنم ثقيف -، وقد كانت اللات مُعَظّمَةً عند قريش كذلك، وكانوا يحلفون بها.
ورُوي عن سعيد بن المسَيَّب عن أبيه قال: فُقِدَت الأصوات يوم اليرموك إلا صوت رجل واحد يقول: «يا نصر الله اقتَرِبْ» ، والمسلمون يقتتلون هم والروم، فذهبتُ أنظر فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد.
ورُوي أنه كان يوم اليرموك يقف على الكراديس: فيقول للناس: «اللهَ اللهَ؛ إنكم ذادَةُ العرب وأنصار الإسلام، وإنهم ذادَةُ الروم وأنصار الشرك، اللهمَّ هذا يومٌ من أيامك، اللهمَّ أنزل نصرك على عبادك» .
هند بنت عتبة بن ربيعة أم معاوية رضي الله عنهما:
أسلمت رضي الله عنها يوم الفتح، بعد إسلام زوجها أبي سفيان سدد خطاكم، ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بيعة الرِّجال، بايع النساء، وفيهنَّ هند بنت عتبة، وقد بايعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غير مصافحة، فقد كان لا يصافح النساء، ولا يمس يد امرأة إلا امرأة أحلّها الله له، أو ذات محرم منه.
ولما أسلمت هند وبايعت عادت إلى بيتها فجعلت تكسر صنمًا كان عندها وهي تقول: «كنتُ منك في غرور» .
موقف في الجاهلية:
وكان لهند في جاهليتها موقف مع زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كانت بمكة مع زوجها أبي العاص بن الربيع وأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من يأتيه بها إلى المدينة، وكان ذلك بعد (غزوة بدر) ولم تجف دماء قريش بعد، وكانت هند قد أصيبت بأبيها وأخيها وعمها، وكانت تطوف على مجالس قريش وأنديتها تُذكي نار الثأر، وتؤجج أوار الحرب.
وفي الطريق لقِيَتْ زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان قد تسرَّب خبر استعدادها للخروج لأبيها فقالت هند:«أي بنت محمد: بلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك، أي ابنة عمي، إن كانت لك حاجة بمتاع مما يعينك في سفرك، أو بمال تبلغين به إلي أبيك، فعندي حاجتك فلا تستحي مني، فإنه لا يدخل بين النساء ما يكون بين الرجال» .
تروي زينب رضي الله عنها ذلك، وتقول:«ووالله ما أراها قالت إلا لتفعل» .
ثم يوم خروج زينب يتعرض لها رجال من قريش، يريدون إرجاعها، فتسقط مِن على ناقتها وكانت حاملًا، فتنزف، وتسمع هند، فتخرج مسرعة، وتقول لقومها:«أين كانت شجاعتكم يوم بدر؟» .
وتحول بينهم وبين زينب وتضمها إليها وتمسح عنها ما بها، وتصلح شأنها، حتى استأنفت الخروج إلى أبيها في أمن وأمان».