الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي كل خيمة ألف حورية، وعلى كل حورية ألف حلة من ذهب!! وفي المقابل أحاديث العذاب: من فعل كذا وكذا وكذا وضع في تنورٍ من نار فيه ألف فرن، في كل فرن ألف أفعى، في كل أفعى ألف لسان، في كل لسان ألف نوعٍ من أنواع السم يقرصه صباحًا ويلدغه مساءً وهكذا!
مع استمرار الكلام في هذه الأشياء وطَرْق مثل هذه الأحاديث الخيالية يتعود الناس على المبالغة مما يعكس أثرًا سيئًا وهو أنهم لا يتقبلون أحاديث صحيحة كحديث - على سبيل المثال -: «ويلٌ لمن فعل كذا» لأن كلمة ويل صارت بالنسبة للأحاديث التي فيها ألف ألف كذا وكذا شيئًا قليلًا، فصاروا لا يتأثرون، فلابد أن تأتي بحديث فيه ألف ألف كذا، وعشرة آلاف كذا، ومائة ألف كذا حتى يتأثر، وهذه من إحدى السلبيات لانتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
2 - إيقاع المسلم في الشرك الصريح:
من الآثار السيئة لهذه الأحاديث: إيقاع المسلم في الشرك الصريح، والكفر المخرج عن الملة، والردة عن الدين، والعياذ بالله مثل حديث:«إن اعتقد أحدكم بحجرٍ لَنفَعه» لو اعتقدت أن هذا حجر يضر وينفع لنفعك، لا يوجد حجر ينفع! إن في هذا إرجاعًا للمسلمين إلى الجاهلية الأولى، إلى عبادة الأحجار، والأوثان.
وفيه صرف للناس عن التوسل المشروع إلى التوسل غير المشروع. فبدلًا من أن يقول الشخص مثلًا: يا الله! إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام! ويسأل الله، يأتيه هذا الحديث، مثلًا:«توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم» ونأتي نقول: نسألك بحق الأنبياء، نسألك بجاه محمد، نسألك بكذا وكذا، وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توسلاتٍ مشروعة، ولكن هذه الأحاديث لا تدع الناس يكملون التوسل المشروع بل تصرفهم إلى الشيء غير المشروع.
بل إنها قد تُوقِعُ الناس في الكفر، فمن جهة ترك الصلاة - مثلًا - حديث:«من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، أو لم يزْدَدْ من الله إلا بعدًا» بعض الناس يقع في الفواحش؛ قد يشرب الخمر، قد يزني قد يسرق، قد يرتشي، فعندما يسمع هذا الحديث:«من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له» يقول في نفسه أنا لم أستطع أن أتخلص من الزنا إذًا: ليس لي صلاة، فلماذا أصلي؟!
أعْرِفُ (1) رجلًا قال لي بلسانه ـ وكان رجلًا ضالًا ثم مَنَّ الله عليه فاهتدى ـ: «كنت وأنا ضال في البداية أصلي، مع أني أسافر وأفجر وأفسق لكني كنت أصلي، ثم سمعتُ هذا الحديث: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له» ، فقال: قلت في نفسي: إذًا لماذا أصلي إذا كان ليس لي صلاة وأنا مصمم على المعصية مُصِرٌّ عليها، إذًا: ليس لي حاجة لِأَنْ أصلي، وكلما أردت أن أصلي بَرَزَ أمام عيني هذا الحديث فتركْتُ الصلاة!».
لماذا ترك الصلاة؟ لهذا الحديث الموضوع المكذوب المنكر (2).
(1) القائل هو الشيخ محمد المنجد.
(2)
وأما متن الحديث فإنه لا يصح، لأن ظاهره يشمل من صلى صلاة بشروطها وأركانها بحيث أن الشرع يحكم عليها بالصحة وإن كان هذا المصلي لا يزال يرتكب بعض المعاصي، فكيف يكون بسببها لا يزداد بهذه الصلاة إلا بعدا؟! هذا مما لا يعقل ولا تشهد له الشريعة، فالمراد في الحديث الصلاة الصحيحة التي لم تثمر ثمرتها التي ذكرها الله تعالى في قوله:{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت: 45).
وأكدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: «إِنَّ فُلَانًا يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ» ، قَالَ:«إِنَّهُ سَيَنْهَاهُ مَا تَقُولُ» . (رواه الإمام أحمد في المسند، وقال الأرنؤوط: «إسناده صحيح»، وصححه الألباني).
فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أن هذا الرجل سينتهي عن السرقة بسبب صلاته - إذا كانت على الوجه الأكمل طبعًا كالخشوع فيها والتدبر في قراءتها - ولم يقل: إنه «لا يزداد بها إلا بُعْدًا» مع أنه لمّا ينته عن السرقة.
فالمصلي على الحقيقة المحافظ على صلاته الملازم لها تنهاه صلاته عن ارتكاب المحارم والوقوع في المحارم.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الصلاة مكفرة للذنوب، فكيف تكون مكفرة ويزداد بها بعدا؟! هذا مما لا يعقل!
ومعنى قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت: 45) أَنَّهَا تَنْهَى عَنْ أَضْدَادِهَا إِذْ كَانَ أَهْلُهَا يَأْتُونَهَا عَلَى الْأَحْوَالِ الَّتِي أُمِرُوا أَنْ يَأْتُوا بِهَا عَلَيْهَا ، مِنَ الطَّهَارَةِ لَهَا ، وَمِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ عِنْدَهَا ، وَمِنَ الْخُشُوعِ لَهَا ، وَتَوْفِيَتِهَا مَا يَجِبُ أَنْ تُوَفَّاهُ ، وَاللهُ عز وجل قَدْ وَعَدَ أَهْلَهَا بِمَا فِي الْآيَةِ ، فَكَانَتِ السَّرِقَةُ ضِدًّا لَهَا ، وَهِيَ تَنْهَى عَنْ أَضْدَادِهَا ، وَيَرُدُّ اللهُ عز وجل أَهْلَهَا إِلَيْهَا ، وَيَنْفِي عَنْهُمْ أَضْدَادَهَا حَتَّى يُوَفِّيَهُمْ ثَوَابَهَا ، وَحَتَّى يُنْزِلَهُمُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي يُنْزِلُهَا أَهْلَهَا. وَفِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عز وجل بِمَنِّهِ وَلُطْفِهِ وَسِعَةِ رَحْمَتِهِ يُبَرِّئُ ذَلِكَ السَّارِقَ مِمَّا كَانَ سَرَقَ ، وَيَرُدُّهُ إِلَى أَهْلِهِ حَتَّى يَلْقَاهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ ، لَا تَبِعَةَ قَبْلَهُ تَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ جَنَّتِهِ بِمَنِّهِ وَقُدْرَتِهِ.
فحديث «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، أو لم يزدد من الله إلا بعدًا» ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما ذكر الله في كتابه، وبكل حال فالصلاة لا تزيد صاحبها بعدًا، بل الذي يصلي خير من الذي لا يصلي وأقرب إلى الله منه وإن كان فاسقًا.
[انظر: شرح مشكل الآثار للطحاوي (5/ 300 - 301)، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة للألباني (1/ 57 - 59)].
مثلًا: إيقاع الناس في قضايا تنافي التوحيد مثل: التشاؤم بالأزمان والتطير بها: «لا تسافر والقمر في العقرب» إذا صار القمر في برج العقرب فلا تسافروا فهذا السفر سيء، ولا تسافروا لأن نتائجه سيئة. أو حديث:«من بشرني بخروج صَفَر بشّرْتُه بالجنة» ؛ لأنهم يتشاءمون بشهر صَفَر، فهي أحاديث مكذوبة توقع الناس في قضايا تنافي التوحيد.
وقد تؤدي هذه الأحاديث الموضوعة أو الضعيفة أيضًا إلى إنكار أشياء من العقيدة مثل حديث: «لا مهدي إلا عيسى» فماذا تكون النتيجة؟ إنكار أمر من أمور العقيدة وهو: المهدي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أنه سيخرج في آخر الزمان عندما تمتلئ الأرض جورًا وظلمًا.