الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
84 - أضرار السهر
آثار السهر وأضراره:
إن للسهر أضرارا وله آثاره المدمرة على الفرد والأسرة .. بل على المجتمع ككل، ولذلك استُخْدِمَ التعذيب بالسهر في العصور الوسطى لإجبار السجناء على الاعتراف، وقد أسَرَتْ الصين أثناء الحرب الكورية مجموعة من الطيارين الأمريكيين وأخضعتهم للحرمان من النوم كنوع من غسيل المخ حتى انهارت مقاومتهم.
وهاهي بعض آثاره حتى يدرك المسلم فداحة المصيبة وعظيم الخطيئة، فمن أضراره:
أولًا: مخالفة هدْيِ النبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم:
فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ سدد خطاكم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم «كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا “ (رواه البخاري ومسلم). وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: “ جَدَبَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم السَّمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ “ قَالَ خَالِدٌ: «مَعْنَى جَدَبَ إِلَيْنَا، يَقُولُ: عَابَهُ، ذَمَّهُ» . (رواه الإمام أحمد في المسند، وابن ماجه وحسنه الأرنؤوط).
وخَالِدٌ هو خالد بنُ عبد الله الواسطي الطحان، وهو أحد رواة الحديث.
والحديث بعد العشاء يعني في الأمر المباح أما إذا كان الحديث في محرم فلا يجوز سواء كان بعد العشاء أو قبلها أو في أي وقت من ليل أو نهار.
ثانيًا: إضاعة صلاة الفجر وتفويتها:
إن السهر من أسباب النوم عن صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة، التي تعدل قيامَ الليل كله مع صلاة العشاء مع الجماعة؛ فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:«مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ» . (رواه مسلم).
وقد أفاد كثير من الشباب بذلك فيقول أحدهم: دائما ننصرف قبيل الفجر فننام ولا نصليها!!! ويحدث هذا أيضا في قصور الأفراح للنساء فتعود المرأة لبيتها في ساعة متأخرة من الليل وهي مرهقة متعبة ثم تلقي بنفسها في فراشها ولا تشعر بنفسها إلا والساعة قد بلغت العاشرة أو الحادية عشرة!!
حتى من قام الليل أو طلب العلم إذا خشي فوات هذه الصلاة فإنه لا يصح له ذلك، وقد أنكر عمر بن الخطاب سدد خطاكم على الذي أحيا الليل بالصلاة ثم غلبت عليه عينه ونام عن الصلاة المكتوبة؛ فعَنْ أبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أبِي حَثْمَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سدد خطاكم فَقَدَ سُلَيْمَانَ بْنَ أبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سدد خطاكم غَدَا إِلَى السُّوقِ - وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ – فَمَرَّ عَلَى الشِّفَاءِ أُمِّ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ لَهَا:«لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ» ، فَقَالَتْ:«إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ» . فَقَالَ عُمَرُ: «لأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً» . (رواه مالك في الموطأ، وصححه الألباني).
هذا يقال في من قام الليل فكيف بمن أسهر ليله على الأغاني والمعازف؟ كيف بمن أسهر ليله على الأفلام والمسلسلات؟! كيف بمن أسهر ليله في تصيد بنات المسلمين عبر الهاتف أو في الأسواق؟!!
وقد جاء الوعيد الشديد للذي ينام عن الصلاة المكتوبة ففي البخاري عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فِي الرُّؤْيَا قَالَ: “ أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ» (رواه البخاري). يُثْلَغُ: يُكْسَر ويُشَجّ.
وهذه الصلاة هي الفارقة بين أهل الإيمان وأهل النفاق فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سدد خطاكم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: “ إِنَّ أَثْقَلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» (رواه مسلم).
وقد يقول قائل: أليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا “ (رواه البخاري ومسلم). وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ سدد خطاكم قَالَ:
«ذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم نَوْمَهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: “ إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا “ (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
والجواب عن ذلك أن يقال:
1 -
أن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه في حق مَن فَعَل الأسباب مِن وَضْع منبه ونومٍ مبكر، ولكن غلبت عليه عينه فنام، فهنا نقول لا حرج وصَلّها إذا ذكَرْتَها كما حصل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في إحدى غزواته، فعن أَبِي قَتَادَةَ سدد خطاكم قَالَ:«سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم لَيْلَةً فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: «لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟» ، قَالَ:«أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلَاةِ» ، قَالَ بِلَالٌ:«أَنَا أُوقِظُكُمْ فَاضْطَجَعُوا» ، وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ:«يَا بِلَالُ، أَيْنَ مَا قُلْتَ؟» ، قَالَ:«مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ» ، قَالَ:«إِنَّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلَالُ، قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلَاةِ» ، فَتَوَضَّأَ فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ قَامَ فَصَلَّى» (رواه البخاري).
(لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللهِ) التَّعْرِيسُ نُزُولُ الْمُسَافِرِ لِغَيْرِ إِقَامَةٍ، وَأَصْلُهُ نُزُولٌ آخِرَ اللَّيْلِ، وَجَوَابُ (لَوْ) مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَكَانَ أَسْهَلَ عَلَيْنَا.
(فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ» .
(يَا بِلَالُ أَيْنَ مَا قُلْتَ) أَيْ أَيْنَ الْوَفَاءُ بِقَوْلِكَ أَنَا أُوقِظُكُمْ.
(قَالَ مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ) مِثْلُهَا أَيْ مِثْلُ النَّوْمَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ.
(إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ) هُوَ كَقَوْلِه تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} (الزمر:42)، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَبْضِ الرُّوحِ الْمَوْتُ فَالْمَوْتُ انْقِطَاعُ تَعَلُّقِ الرُّوحِ بِالْبَدَنِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالنَّوْمُ انْقِطَاعُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ فَقَطْ. (وَابْيَاضَّتْ) أَيْ صَفَتْ.
والشاهد من الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن ينام أمر بلالًا أن يوقظه للصلاة ففعل السبب ولكن غلبت عليه عينه فما قام إلا وقد طلعت الشمس.
ففرقٌ بين من يسهر في آخر الليل ولم يفعل الأسباب الشرعية للاستيقاظ، وبين من حصل له ظرف طارئ للسهر ولكن فعل الأسباب فوضع الساعة أو الجوال أو غيرها من الأسباب.
2 -
هل يا ترى يعذر من ينام كل يوم عن الحضور لوظيفته؟!! ويُتَسامَح معه، ويُتَغَاضى عنه أم أنه يحاسب على هذا التفريط والإضاعة؟ إذن فشتان بين من تغلبه عينه في الشهر مرة لمرض أو تعب أو أرق أو نحو ذلك؟!! وبين من اعتاد النوم عن الصلاة كل يوم!!
ثالثًا: إهمال المنزل وأهله:
يجلس الشاب في المقهى أو على الأرصفة أو في الاستراحات أو في غيرها، ويتلذذ بالسمر مع أصحابه إما بمشاهدة القنوات الفضائية أو بلعب الكرة، وينسى نفسه وأهله ووالديه وقضاء حوائجهما، وتزداد المصيبة إذا كان صاحب أسرة فهو مشغول عن متابعة أولاده ورعايتهم والنظر في مصالحهم وقضاء حوائجهم ومتابعة دروسهم. أما الزوجة فهي آخر ما يفكر فيها فتجلس المسكينة إلى ساعة متأخرة من الليل واضعة يدها على خدها تنتظر زوجها الذي لم تكن في باله، ولم تَرِدْ في خياله.
وهذا كله من التفريط الذي يحاسب عليه العبد يوم القيامة؛ فعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: “ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (رواه البخاري). فأعِدّ للسؤال جوابًا وللجواب صوابًا.
كما أن الاستمرار على هذه العادة قد يؤدي إلى الانفصال بين الزوجين؛ لأن المرأة مع كثرة الضغوط التي تواجهها والمصاعب التي تقابلها مِن جَرّاء تخَلِّي الزوج عن
المنزل والأولاد قد تنفجر بكثرة المشاكل، أو بطلب الفراق والطلاق!! ثم لك بعد ذلك أن تفكر في المفاسد المترتبة على الطلاق خاصة إذا كان بينهما أولاد.
رابعًا: التفريط في الأداء الوظيفي أو الحضور المدرسي:
فإذا كان الشاب يسهر إلى ساعات متأخرة من الليل فهل يمكن لهذا الشاب أن يحضر لمدرسته مبكرا؟! وهل يمكن لهذا الموظف أن يأتي لعمله في الوقت المحدد؟ وإذا أتى على سبيل الافتراض في الوقت المحدد، فهل سيكون حضوره له فعاليته ونشاطه المطلوب؟ أم يكون على حالة يُرْثَى لها؟!! فيكون وجوده كعدمه!! فجسم الإنسان لابد أن يأخذ قسطًا من الراحة حتى يستعيد قدراته ونشاطاته الفكرية والبدنية، وبدون هذه الراحة سيظل طيلة يومه متعبًا قلقًا.
خامسًا: تفويت بركة البكور:
إن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم دعا لأمته بالبركةِ في البكور، فَعَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَدِيدٍ عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ سدد خطاكم عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ:«اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» ، قَالَ:«وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا، وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ» . (رواه أصحاب السنن وصححه الألباني).
(فِي بُكُورهَا): أَيْ صَبَاحهَا وَأَوَّل نَهَارهَا. (قَالَ: وَكَانَ) أَيْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم. (إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا) السَّرِيَّةُ طَائِفَةٌ مِنْ الْجَيْشِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعَمِائَةٍ تُبْعَثُ إِلَى الْعَدُوِّ جَمْعُهَا السَّرَايَا. (وَكَانَ يَبْعَث تِجَارَته): أَيْ مَالهَا. (فَأَثْرَى): أَيْ صَارَ ذَا ثَرْوَة أَيْ مَال كَثِير. (وَكَثُرَ مَاله): عَطْف تَفْسِير.
والنومُ بين صلاة الصبحِ وشروقِ الشمس تفويتٌ لزهرة اليوم. فالبركة في التبكير وليعلم أولئك الذين ينامون إلى نصف النهار أنهم قد حرموا أنفسهم بركة ذلك اليوم. وإن من سهروا الليل على ما لا يرضي الله، وناموا النهار عن طاعته، قد كسلوا عن السعي في الأرض لطلب رزقه والأكل مما أحله. فأين مِن البركة مَن نام في وقت البركة؟! أين مِن البركة مَن نام عن صلاة الفجر مع الجماعة؟!
سادسًا: السهر مخالفة للسنة الإلهية:
قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} (الفرقان:47) ويقول سبحانه وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} (غافر: 61) فالله عز وجل جعل الليل سكنًا ولباسًا يغشى العالم فتسكن فيه الحركات، وتأوي الحيوانات إلى بيوتها، والطير إلى أوكارها، وتستجم فيه النفوس وتستريح من كدِّ السعي والتعب، حتى إذا أخذت منه النفوس راحتها وسباتها وتطلعت إلى معايشها وتصرفها، جاء فالق الإصباح سبحانه وتعالى بالنهار؛ فانتشر الحيوان وتصرف في معاشه ومصالحه وخرجت الطيور من أوكارها.
فلماذا أنت أيها المسلم تخالف هذه السنة الربانية والحكمة الإلهية؟!
سابعًا: السهر وأضراره على صحة الإنسان:
وأضرار السهر متنوعة فمنها:
1 -
سوء التغذية: فمع تغير مواعيد النوم يصحو الإنسان مبكرًا أو متأخرًا، وتتغير مواعيد وجباته الغذائية، خاصة لدى صغار السن والشباب، وهذا بدوره يؤدي إلى البنية الهزيلة، وضعف المقاومة ويعرض الجسم لمختلف الأمراض بسهولة.
2 -
أضرار نفسية: فإذا استمر - أي على السهر - وأصبح عادةً لديه فقد يصبح ذلك التأثير دائمًا وتصطبغ به شخصية الفرد وسلوكياته فيبدو متعكر المزاج، سريع الاستثارة بعض الشيء غير قادر على تحمل المهام التي تتطلب الجهد والتركيز.
وكثيرًا ما يراجع العيادات النفسية أشخاص لديهم مشكلات نفسية وبدنية ناتجة عن اضطرابات في النوم وأهم ذلك: الكآبة والحزن - تعكر المزاج وسرعة الانفعال - القلق والتوتر - ضعف التركيز - سرعة النسيان - الكسل - الفتور - سرعة الاجهاد.
3 -
أضراره على ذاكرة الإنسان والجهاز العصبي: أكدت الدراسات والبحوث أن السهر من أقوى العوامل المؤثرة على الجهاز المناعي والمثبطة لنشاط ذاكرة الجسم
المناعية وحركة خلايا الجهاز المناعي. وقد ثبت أيضًا أن السهر يعوق طرفيات الجهاز العصبي وخلايا الإحساس من أداء عملها بشكل فعال. وللسهر تأثير سلبي حاد على الجهاز العصبي والمخ. ويتسبب السهر في فقدان التركيز وضعف الذاكرة وبُطْء الاستجابة العصبية.
وينصح من يريد الإبداع والإنتاج وزيادة القدرة العقلية والجسدية بالنوم مبكرًا والاستيقاظ مبكرًا لكي تنتظم حياته وتستقر صحته.
وفي بريطانيا أكد د. جيمس هور - مدير معامل أبحاث النوم بجامعة لوبرا ببريطانيا - أن عدم النوم ولو لليلة واحدة يضيع على الإنسان مقدرة الابتكار والإتيان بأفكار جديدة، وقد توصل إلى هذه النتيجة بعد تجربة أجراها على طلاب جامعيين بعد أن قضوا ليلة لم يذوقوا فيها طعم النوم، وجرى توجيه أسئلة إليهم، فكانت إجاباتهم عنها تفتقر إلى الفورية والنشاط الذهني.
4 -
أضراره في نمو الإنسان وتكامل بنيته:
لقد أثبتت الأبحاث العلمية ذلك وأوضحت أن الكثير من الهرمونات التي تفرزها ساعات النوم ومنها - على سيبل المثال لا الحصر - هرمون النمو وهو مسؤول عن إكساب الجسم المزيد من القوة العضلية والقوة الذهنية، ومع طول السهر يُحْرَم الإنسان من إفراز الهرمونات بالصورة الطبيعية.
ولوحظ كذلك زيادة إفراز هرمون الميلاتونين أثناء النوم ليلًا وهو المسؤول عن إعطاء الجسم المزيد من الحيوية والنشاط وإكسابه المزيد من المناعة ضد الإصابة بالأمراض المختلفة بما فيها الأورام الخبيثة؛ ولذلك نلاحظ أن الذين يدمنون سهر الليالي يعانون من الكسل والهزال وضعف البنية الجسدية.
وفي تقرير آخر ذُكِرَ أن سهر الأطفال يؤدي إلى التأخير في نموهم أو حتى توقفه، وذلك لعدم إفراز هرمون النمو بكمية كافية، وهذه الهرمونات تنشط البروتينات التي تساعد على بناء خلايا الجسم التي يموت منها عشرات الآلاف يوميًّا
وتقوي العظام وتعطي الطاقة للعضلات، كما أن هرمون النوم الذي تقوم بإفرازه الغدة النخامية، ينظم نشاط الهرمونات التي تساعد على التئام كسور العظام وتقلل نسبة الكوليسترول في الدم، إضافة إلى أن المعادن التي يحتاج إليها الجسم لا تثبت إلا ليلًا.
وثبت علميًّا أن النوم مهم جدًّا لنضج مخ الطفل، كما أن النوم يمنزلة المأوى والهرب من المشكلات ويساعدنا على مواجهة ضغوط الحياة.
هذه الحقائق دعت فريقا من الباحثين وعلماء النفس بجامعة فلوريدا الأمريكية إلى دعوة الآباء والأمهات والمعلمين إلى ضرورة تعليم الأطفال نظام النوم منذ الصغر بنفس طريقة تلقينهم آداب المائدة والمحادثة.
وأجريت دراسة على ألف طفل في نيويورك، من أولئك الأطفال الذين يشخص الأطباء حالتهم على أنها نوع من الضعف الذهني، وهم في الواقع أصحاء نفسيا وذهنيا، ولكنهم يعانون اضطرابا في النوم يشتت أذهانهم وقدراتهم على التركيز والتذكر والتعليم. وأظهرت الدراسة أن 40% من الأطفال لا يحصلون على قسط كاف من النوم، وأن 17% يشكون دائما من الإرهاق، وأكثر من 11 % يشكون من صعوبات في النوم.
5 -
أضراره على العين: من أضرار العين بسبب السهر إصابة العين باحمرار ونقص في حدة الأبصار وذلك بسبب نقص إفراز مادة أرووبسين التي تفرز بكثرة أثناء النوم ليلًا.
6 -
يفوت نوم الليل المفيد:
هل تعلم أن سهرك بالليل معناه تفويت لجسمك من الاستفادة من نوم الليل الذي أثبت الطب الحديث فائدته وأن نوم النهار لا يُغْنِي عنه وأن قليلًا من نوم الليل يكفي عن كثير من نوم النهار.
وهناك دراسات أثبتت أن نوم الإنسان ليلًا هو الطريقة المثلى لإعطاء الجسم كفايته من الراحة وإعادة الحيوية والنشاط لأعضاء الجسم الأخرى. أما الذين يسهرون
في الليل وينامون في النهار فإنهم يفتقدون لتلك العملية الحيوية المهمة للجسم؛ لأن نوم النهار لا يعوِّض ولا يعتبر بديلًا عن نوم الليل؛ وذلك بسبب اختلاف الجاذبية وطبيعة السكون وعوامل فيزيائية كثيرة وصدق الله العظيم حينما قال: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)} (النبأ: 10 - 11). ولا يمكن تغيير هذه الطبيعية الفيزيائية ولا تغيير طباع الإنسان لكي يتعايش معها. فالليل هو السكن وهو وقت الراحة.
ثامنًا: السهر سبب من أسباب الحوادث:
أعرب خبراء بريطانيون عن قلقهم من أن السهر وقلة النوم مشكلة كانت سببًا في كثرة الحوادث العالمية كانفجار تشيرنوبل، وكارثة مكوك الفضاء الأمريكي تشالينجر وغيرها من الحوادث، وضع فيها اللوم على العمال الذين غلبهم النعاس، أو الذين يشكون من التعب الشديد ولم يتمكنوا من القيام بعملهم على أكمل وجه، كما أثبتت دراسة أمريكية أن 90% من الحوادث الصناعية و (200) ألف حادث مروري كل عام سببها قلة النوم!!.
تاسعًا: السهر نزيف اقتصادي:
فعلى سبيل المثال: تصرف الولايات المتحدة الأمريكية 16 بليون دولار للتعامل مع المشاكل الناجمة عن اضطراب النوم، كما يصرف الأطباء 215 ألف وصفة طبية في بريطانيا كل عام لمرضى يعانون اضطراب النوم، فلو حسبنا تكلفة ذلك سواء قيمة الأدوية أو تكلفة العمالة الصحية لوَصَلَتْ بلايين!!
السهر في رمضان:
تزداد مصيبة السهر إذا كان ذلك في ليالي رمضان المباركة، ويجل الخطب، وتعظم المصيبة، إذا كان في العشر الأواخر من رمضان!! فبينما المشمرون في صلاة ودعاء وتضرع والتجاء، إذا بفريق من الناس قد استعدوا في تجهيز ملاعب الطائرة والكرة أو الجلوس على الأرصفة إلى الفجر أو ما بعد الفجر، ثم النوم حتى صلاة المغرب!!
وأما من جهة النساء فالأمر أطم، فما تحلو الأسواق إلا في العشر الأواخر من رمضان!! في كل يوم سوق!! وفي كل ليلة مجمع تجاري!! تمضي الساعات وهي في غاية السعادة!! وما تحلو الزيارات هنا أو هناك إلا في الأيام المباركات!! فسبحان الله، مواسم عظمية تضيع؟!! ومواسم جليلة يفرط فيها؟!! فرطوا في الثلث الأخير من الليل؟!! وضيعوا الصلوات المكتوبات في النهار!!
أما عَلِمْتَ أن من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليله؟! أما علِمْتَ أن في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؟!! ليلة القدر التي مَن قامها إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه!! فلماذا إذن التفريط والإضاعة؟ لماذا التكاسل والتهاون في العبادة؟ عجبًا لأمرك كيف تُضَيِّع هذا الموسم العظيم وتلك الأوقات الثمينة بمثل لعب الورق (الكوتشينة) ومشاهدة القنوات الفضائية!!
يا ساهيًا لاهيًا عَمَّا يُرادُ بهِ
…
آنَ الرحيلُ وما قدمْتَ مِن زاد
ترجُو البقاءَ صحيحًا سالمًا أبدًا
…
هيهاتَ أنتَ غدًا فيمنْ غدَا غادِي
ما الحل؟
عرفنا جميعا الداء الذي يعاني منه فئام من الناس .. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: أنا الآن أدركْتُ خطورة السهر ومضاره الدينية والصحية والاجتماعية وغيرها فماذا أفعل؟ وماذا أصنع؟ فالجواب: هناك عدة أمور منها:
أولًا: شعورك بالخطأ؛ هذا بحد ذاته مكسب يجعلك تفكر في محاولة إصلاح نفسك من جديد.
ثانيًا: تذكر عواقب السهر وأضراره الدينية والدنيوية والاجتماعية.
ثالثًا: تذكر ثمرات النوم المبكر وما يعيشه صاحبه من نشاط وحيوية.
رابعًا: تذكر هدي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأنه كان ينام مبكرًا إلا من حاجة، وهو قدوتك وحبيبك {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} (الأحزاب: 21).
خامسًا: الزواج؛ لأن الزوجة تجعلك تضبط نفسك في السهر خارج المنزل.
سادسًا: تجنب النوم نهارًا، وتكتفي بالقيلولة بشرط أن تكون أقل من ساعة.
سابعًا: مجاهدة النفس في النوم مبكرًا على حد قول القائل:
النفْسُ كالطفْلِ إنْ شَبَّ علَى
…
حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطُمْهُ يَنْفَطِمِ
ثامنًا: الحد بقدر المستطاع من قبول الدعوة ليلًا.
تاسعًا: التعود على الاستيقاظ المبكر حتى يأخذ الجسم كفايته ويكون للنوم طريق عليه في الليل.
عاشرًا: الابتعاد عن الأسباب الجالبة للسهر كالقنوات الفضائية والأصدقاء والتلفاز وغيرها.