الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
71 - الاختلاط بين الرجال والنساء
(1)
لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ:
الحمد لله العليم بخلقه، القائل في محكم كتابه:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} (الملك: 14)، الرحيم بهم، ومن رحمته أنزل شريعته ناصحة لهم، ومُصلحة لمفاسدهم، ومُقوّمة لاعوجاجهم، ومن ذلك ما شرع من التدابير الوقائية، والإجراءات العلاجية التي تقطع دابر الفتنة بين الرجال والنساء، وتُعين على اجتناب المُوبقات رحمةً بهم، وصيانة لأعراضهم، وحماية لهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
وبيَّن لهم أن غايةَ الشيطان في هذا الباب أن يُوقع النوعين في حضيض الفحشاء!! لكنه يسلك في تزيينها، والإغراء بها مسلك التدرج ، عن طريق خطوات يقود بعضها إلى بعض، وتُسلم الواحدة منها إلى الأخرى، وهي المعنيَّة بقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (النور: 21).
والصلاة والسلام على الصادق الأمين ، المبعوث رحمةً للعالمين ـ القائل:«مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» (رواه البخاري ومسلم).
والقائل: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِى النِّسَاءِ» (رواه البخاري ومسلم).
(1) بتصرف من كتاب (الاختلاط بين الرجال والنساء، أحكام وفتاوى، ثمار مرة وقصص مخزية، كشف 136 شبهة لدعاة الاختلاط) للمؤلف.
والذي حذرنا من خطوات الشيطان إلى إشاعة الفساد ، خصوصًا ما أضلَّ به كثيرًا من العباد من تزيين التبرج، وإشاعة الفاحشة، وإطلاق البصر إلى ما حرَّم الله، ومصافحة النساء الأجنبيات، وسفر المرأة بدون مَحرَم، وخروجها متطيبة متعطرة ، وخضوعها بالقول للرجال، وخلوتها بهم واختلاطها معهم.
قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)} . (النساء: 27).وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)} . (النور: 19).
قال الشاعر:
لا تَأْمَنَنَّ على النساءِ ولو أخًا
…
ما في الِرجالِ على النساءِ أمينُ
إنَّ الأمِينَ وإنْ تَعَفَّفَ جهْدَهُ
…
لابُدَّ أنْ بِنَظْرَةٍ سَيَخُونُ
الْقَبْرُ أوْفَي مَن وَثِقْتَ بعَهْدِهِ
…
ما للنساءِ سِوَى الْقُبُورِ حُصونُ
ويقول البروفيسور الألماني (يودفو ليفيلتز) كبير علماء الجنس في جامعة برلين في إحدى دراساته الجنسية بأنه درس علوم الجنس وأدوار الجنس وأدوية الجنس فلم يجد علاجًا أنجح ولا أنجع من قول الكتاب الذي نُزِّل على محمد: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} ، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 30 - 31).
فتاةُ اليومِ ضيَّعتِ الصوابَا
…
وألقَتْ عن مفاتِنِها الحجابَا
فلنْ تخشَى حياءً مِن رقيبٍ
…
ولم تخْشَ من الله الحسابَا
بِرَبِّكِ هلْ سألتِ العقلَ يومًا
…
أهذَا طبْعُ مَن رامَ الصوابَا
أهذَا طبْعُ طالبةٍ لعِلْمٍ إلَى
…
الإسلامِ تنتسِبُ انتِسابَا
ما كانَ التقدمُ صبْغُ وجْهٍ
…
وما كانَ السفورُ إليه بابَا
شبابُ اليومِ يا أختِي ذئابٌ
…
وطبعُ الحَملِِ أن يخشَ الذئابَا
قرار المرأة في بيتها هو الأصل:
إن قرار المرأة في بيتها هو الأصل، فهو عزيمة شرعية في حقهن، وخروجهن من البيوت رخصة لا تكون إلا لضرورة أو حاجة، بضوابط الخروج الشرعية؛ قال تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33).
فقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ليس مقصورًا على نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قول جمهور المفسرين منهم:
1 -
2 -
ابن كثير رحمه الله، قال في تفسيره لهذه الآية:«هذه آداب أمر الله - تعالى - بها نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونساء الأمة تبعٌ لهن في ذلك» (2).
3 -
العلامة الآلوسي البغدادي رحمه الله، قال:«والمراد - على جميع القراءات - أمرهن رضي الله عنهن بملازمة البيوت، وهو أمر مطلوب من معاشر النساء» (3).
(1) تفسير القرطبي (14/ 178).
(2)
تفسير ابن كثير (3/ 482).
(3)
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (22/ 6).
4 -
الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية السابق، وعضو جماعة كبار العلماء بالأزهر الشريف رحمه الله، قال في تفسيره لقوله عز وجل:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} : «الزمنها! فلا تخرجن لغير حاجة مشروعة، ومثلهن في ذلك سائر نساء المؤمنين» (1).
ومن نظر في آيات القرآن الكريم، وجد أن البيوت مضافة إلى النساء في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى، مع أن البيوت للأزواج أو لأوليائهن، وإنما حصلت هذه الإضافة - والله أعلم - مراعاةً لاستمرار لزوم النساء للبيوت، فهي إضافة إسكان ولزوم للمسكن والتصاق به، لا إضافة تمليك، قال الله تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ، وقال سبحانه:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (الأحزاب: 34)، وقال عز شأنه:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} (الطلاق: 1).
ومع ذلك قد تقتضي الحاجة خروج النساء، وعندها فلا حرج في خروجهن إذا أمِنَتْ الفتنة، وكان خروجها منضبطًا بضوابط الشريعة، فلا تخرج متطيبة ولا متزينة، أو متبرجة ولا سافرة، ولاتزاحم الرجال في وسط الطرقات، بل تلتزم حافتها، وإذا احتاجت إلى الكلام مع الأجانب فلا تخضع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، فمتى انقضت الحاجة أو ارتفعت الضرورة عاد كلٌ إلى أصله.
أما إذا لم تكن هناك حاجة فقد قال الله عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ، ومع هذا الأمر بالقرار وحذرًا من مغبة الاختلاط منع من الدخول على النساء، وكل ذلك لعِظَمِ فتنة النساء؛ قال تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)} (آل عمران: 14)، فجعلهن مِن عين الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع، إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك».
(1) صفوة البيان لمعاني القرآن» (ص 531).
ومما سبق نخلص إلى أن الأصل أمْر النساء بلزوم البيوت ونهيهن عن الخروج منها، أما عند الحاجة فيجوز لها أن تخرج ومن ذلك خروجها للعبادة، كالصلاة في المسجد رغم أن صلاتها في بيتها خير لها من صلاتها في المسجد، وكصلاة العيدين، ويجوز للمرأة أن تخرج للحج على أن تكون مع محرم، ويجوز لها الخروج لزيارة الآباء ، والأمهات ، وذوي المحارم ، وشهود مَوْت مَن ذُكِر ، وحضور عُرسه وقضاء حاجة لا غَناء للمرأة عنها ولا تجد من يقوم بها، كل ذلك مع مراعاة الضوابط الشرعية.
والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «قَدْ أَذِنَ اللهُ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ» (رواه البخاري ومسلم).
فللمرأة أن تخرج من بيتها، ويكون هذا الخروج ممثلًا لحركة طارئة من حيث الأصل، ومنضبطًا بالشرع من حيث الممارسة، وبما لا يخل بقاعدة «القرار» ، ومن ذلك:
1 -
أن تكون المرأة غير مخشية الفتنة ، أما التي يخشى الافتتان بها فلا تخرج أصلًا.
2 -
أن تكون الطريق مأمونة من تَوَقُّعِ المفسدة وإلا حَرُمَ خروجُها.
3 -
أن يكون خروجها في زمن أمن الرجال، ولا يفضي إلى خلوتها أو اختلاطها بهم؛ لأن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر.
4 -
الالتزام بالحجاب فيكون خروجها في تستر تام، لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} (الأحزاب: 59).
5 -
عدم التبرج: لقوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33).
6 -
أن يكون الخروج بإذن الزوج ، فلا يجوز لها الخروج إلا بإذنه.
6 ـ أن لا يؤدي خروجها إلى خلل في أداء واجباتها الأصلية في مقرها وهو المنزل.
7 ـ الالتزام بغض البصر؛ قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 31).
8 ـ عدم التعطر أو إصابة البخور؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ بِقَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ» (رواه الإمام أحمد والنسائي، وحسنه الألباني).
9 -
عدم الخضوع بالقول إذا كان هناك حاجة إلى مخاطبة الرجال.
معنى الخضوع بالقول:
قال تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)} (الأحزاب: 32). قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونساء الأمة تبعٌ لهن في ذلك، فقال مخاطبًا لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنهن إذا اتقين الله كما أمرهن، فإنه لا يشبههن أحد من النساء، ولا يلحقهن في الفضيلة والمنزلة» .
ثم قال: «{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} قال السُّدِّي وغيره: «يعني بذلك: ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال» ؛ ولهذا قال: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي: دَغَل، {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} قال ابن زيد:«قولًا حسنًا جميلًا معروفًا في الخير» .
ومعنى هذا: أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي: لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها» (1).
(1) تفسير ابن كثير (3/ 482).
قال البغوي: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} لَا تَلِنَّ بِالْقَوْلِ لِلرِّجَالِ وَلَا تُرَقِّقْنَ الْكَلَامَ؛ {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أَيْ: فُجُورٌ وَشَهْوَةٌ، وَقِيلَ: نِفَاقٌ، وَالْمَعْنَى: لَا تَقُلْنَ قَوْلًا يَجِدُ مُنَافِقٌ أَوْ فَاجِرٌ بِهِ سَبِيلًا إِلَى الطَّمَعِ فِيكُنَّ.
وَالْمَرْأَةُ مَنْدُوبَةٌ إِلَى الْغِلْظَةِ فِي الْمَقَالَةِ إِذَا خَاطَبَتِ الْأَجَانِبَ لِقَطْعِ الْأَطْمَاعِ» (1).
وقال القرطبي: «أَمَرَهُنَّ اللهُ أَنْ يَكُون قَوْلهنَّ جَزْلًا وَكَلَامهنَّ فَصْلًا ، وَلَا يَكُون عَلَى وَجْه يُظْهِر فِي الْقَلْب عَلَاقَة بِمَا يَظْهَر عَلَيْهِ مِنْ اللِّين ، كَمَا كَانَتْ الْحَال عَلَيْهِ فِي نِسَاء الْعَرَب مِنْ مُكَالَمَة الرِّجَال بِتَرْخِيمِ الصَّوْت وَلِينه ، مِثْل كَلَام الْمُرِيبَات وَالْمُومِسَات. فَنَهَاهُنَّ عَنْ مِثْل هَذَا.
{مَرَضٌ} أَيْ شَكّ وَنِفَاق ، عَنْ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ. وَقِيلَ: تَشَوُّف الْفُجُور ، وَهُوَ الْفِسْق وَالْغَزَل ، قَالَهُ عِكْرِمَة. وَهَذَا أَصْوَبُ ، وَلَيْسَ لِلنِّفَاقِ مَدْخَل فِي هَذِهِ الْآيَة.
وَالْمَرْأَة تُنْدَب إِذَا خَاطَبَتْ الْأَجَانِب وَكَذَا الْمُحَرَّمَات عَلَيْهَا بِالْمُصَاهَرَةِ إِلَى الْغِلْظَة فِي الْقَوْل ، مِنْ غَيْر رَفْع صَوْت ، فَإِنَّ الْمَرْأَة مَأْمُورَة بِخَفْضِ الْكَلَام.
وَعَلَى الْجُمْلَة فَالْقَوْل الْمَعْرُوف: هُوَ الصَّوَاب الَّذِي لَا تُنْكِرهُ الشَّرِيعَة وَلَا النُّفُوس» (2).
وخضوع المرأة بالقول يفتح باب زنا الأذن، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ:«كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ» . (رواه مسلم).
(1) تفسير البغوي (6/ 348).
(2)
تفسير القرطبي (14/ 177 - 178).
وقد يفتح باب العشق وإن لم يرها الرجل كما أنشد أعمى:
يا قومِ أذْنِي لبعضِ الحيِّ عاشقةٌ
…
والأذْنُ تعشقُ قبلَ العينِ أحيانَا
كُلُّ الحوادثِ مبدؤُها مِن النظرِ:
كُلُّ الحوادثِ مبدؤُها مِن النظرِ
…
ومعظمُ النارِ مِن مُستصغَرِ الشرر
كمْ نظرةٌ بلغتْ في قلبِ صاحبِها
…
كمَبلَغِ السهمِ بينَ القوسِ والوتر
والعبدُ ما دامَ ذا طرْفٍ يقلّبُهُ
…
في أعيُنِ الْغِيْدِ مَوْقُوفٌ عَلْى الْخَطَر
يَسُرُّ مُقْلَتَهُ ما ضَرَّ مُهْجَتَهُ
…
لا مرحبًا بسرورٍ عادَ بالضررِ (1)
اتِّفَقَ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ الْمَرْأَةِ بِشَهْوَةٍ.
والشَّهْوَةُ لُغَةً: اشْتِيَاقُ النَّفْسِ إِلَى الشَّيْءِ، وَالْجَمْعُ: شَهَوَاتٌ. وَاشْتَهَاهُ وَتَشَهَّاهُ: أَحَبَّهُ وَرَغِبَ فِيهِ. وَفِي الاِصْطِلَاحِ: تَوَقَانُ النَّفْسِ إِلَى الْمُسْتَلَذَّاتِ.
ومن النظر بشهوة تكرار النظر وإمعانه وهذا لا يجوز؛ فالمسلم ليس له إلا النظرة الأولى ـ وهي نظرة الفجأة ـ فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِى أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِى» (رواه مسلم)، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعليِّ ابن أبي طالب رضي الله عنه:«يَا عَلِىُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ» . (رواه الترمذي، وحسنه الألباني). وقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (النور: 30)، وَِقال صلى الله عليه وآله وسلم:«إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ: فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ» (رواه البخاري ومسلم).
(1) امرأة غَيْداءُ وغادَةٌ، أي ناعمةٌ بيِّنة الغَيَدِ: أي النُعومة.
والْوَجْهُ والكَفَّانِ مِنْ عَوْرَةِ المرْأةِ، فَيَحْرُمُ نَظَرُ الرَّجُل بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا كَسَائِرِ أَعْضَائِهَا، سَوَاءٌ أَخَافَ الْفِتْنَةَ مِنَ النَّظَرِ أَمْ لَمْ يَخَفْ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ: قَوْلُهِ تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (الأحزاب: 53).
فَلَوْ كَانَ النَّظَرُ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مُبَاحًا لَمَا أَمَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَسْأَلُوا نِسَاءَ النَبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَلأَبَاحَ لَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوهُنَّ مُوَاجَهَةً، قَال الْقُرْطُبِيُّ:«فِي هَذِهِ الآْيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَذِنَ فِي مَسْأَلَتِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فِي حَاجَةٍ تَعْرِضُ، أَوْ مَسْأَلَةٍ يُسْتَفْتِينَ بِهَا، وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ جَمِيعُ النِّسَاءِ بِالْمَعْنَى، وَبِمَا تَضَمَّنَتْهُ أُصُول الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ، بَدَنَهَا وَصَوْتَهَا، فَلَا يَجُوزُ كَشْفُ ذَلِكَ إِلَاّ لِحَاجَةٍ كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا أَوْ دَاءٍ يَكُونُ بِبَدَنِهَا، أَوْ سُؤَالِهَا عَمَّا يَعْرِضُ وَتَعَيَّنَ عِنْدَهَ» (1).
والأَخْبَارُ الَّتِي جَاءَتْ تَنْهَى عَنِ النَّظَرِ الْمُتَعَمَّدِ، وَالزِّيَادَةِ عَلَى النَّظْرَةِ الْأُولَى - وَهِيَ نَظَرُ الْفُجَاءَةِ - قَدْ جَاءَتْ عَامَّةً تَشْمَل جَمِيعَ بَدَنِ الْمَرْأَةِ، وَكُل مَا وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأْخْبَارِ مِنْ جَوَازِ النَّظَرِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ حَالَةُ الضَّرُورَةِ أَوِ الْحَاجَةِ.
وإِنَّ إِبَاحَةَ نَظَرِ الْخَاطِبِ إِلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَخْطُبَهَا يَدُل عَلَى التَّحْرِيمِ عِنْدَ عَدَمِ إِرَادَةِ خِطْبَتِهَا، إِذْ لَوْ كَانَ مُبَاحًا عَلَى الإِْطْلَاقِ، فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ (2).
إنَّ الرجالَ الناظرينَ إلى النِّسَا
…
مِثْلُ السباعِ تطوفُ باللحمان
إنْ لم تَصُنْ تلكَ اللحومَ أسُودُها
…
أُكِلَتْ بِلا عِوَضٍ ولا أثمان
(1) تفسير القرطبي (14/ 227).
(2)
الحاوي الكبير (9/ 35)، ونهاية المحتاج (6/ 187)، والمغني (7/ 460).
نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُل الأَجْنَبِيِّ:
نَظَرَ الْمَرْأَةِ إِلَى أَيِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الرَّجُل الأَجْنَبِيِّ يَكُونُ حَرَامًا إِذَا قَصَدَتْ بِهِ التَّلَذُّذَ أَوْ عَلِمَتْ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا وُقُوعُ الشَّهْوَةِ أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ احْتِمَال حُدُوثِ الشَّهْوَةِ وَعَدَمِ حُدُوثِهَا مُتَسَاوِيَيْنِ، لأَنَّ النَّظَرَ بِشَهْوَةٍ إِلَى مَنْ لَا يَحِل بِزَوْجِيَّةٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ نَوْعُ زِنًا، وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الأَْجْنَبِيِّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ يَقِينًا فالرَّاجِحُ أنَّه لَا يجُوز أيضًا أَنْ تَنْظُرَ إلى أَيَّ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِه، وهو قول جمهور العلماء وأكثر الصحابة لِقَوْلِهِ تعالى:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (النور: 31)، وَلِأَنَّ النِّسَاءَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْآدَمِيِّينَ فَحُرِّمَ عَلَيْهِنَّ النَّظَرُ إلَى النَّوْعِ الْآخَرِ قِيَاسًا عَلَى الرِّجَالِ وَيُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُحَرِّمَ لِلنَّظَرِ هُوَ خَوْفُ الْفِتْنَةِ، وَهَذَا فِي الْمَرْأَةِ أَبْلَغُ فَإِنَّهَا أَشَدُّ شَهْوَةً وَأَقَلُّ عَقْلًا، فَتُسَارِعُ إلَيْهَا الْفِتْنَةُ أَكْثَرَ مِنْ الرَّجُلِ.
وَممَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أيْضًا حَدِيث نَبْهَان مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة أَنَّهَا كَانَتْ هِيَ وَمَيْمُونَة عِنْد النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم فَدَخَلَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «اِحْتَجِبَا مِنْهُ» ، فَقَالَتَا:«إِنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِر» ، فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم:«أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا فَلَيْسَ تُبْصِرَانِهِ؟» (1).
(1) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا، قَالَ التِّرْمِذِيّ:«هُوَ حَدِيث حَسَن» ، وقال النووي:«وَلَا يُلْتَفَت إِلَى قَدْح مِنْ قَدَح فِيهِ بِغَيْرِ حُجَّة مُعْتَمَدَة» [شرح صحيح مسلم (10/ 77)]. وقد اختلف قول الحافظ ابن حجر فيه فقال في (الفتح 1/ 550): «وَهُوَ حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ» ، وقال في موضع آخر (9/ 337):«إِسْنَاده قَوِيّ، وَأَكْثَر مَا عَلَّلَ بِهِ اِنْفِرَاد الزُّهْرِيِّ بِالرِّوَايَةِ عَنْ نَبْهَان وَلَيْسَتْ بِعِلَّةٍ قَادِحَة، فَإِنَّ مَنْ يَعْرِفهُ الزُّهْرِيُّ وَيَصِفهُ بِأَنَّهُ مُكَاتَب أُمّ سَلَمَة وَلَمْ يُجَرِّحهُ أَحَد لَا تُرَدّ رِوَايَته» . وقال في (التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: «لَيْسَ فِي إسْنَادِهِ سِوَى نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ شَيْخِ الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ وُثِّقَ، وَعِنْدَ مَالِكٍ: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا احْتَجَبَتْ مِنْ أَعْمَى، فَقِيلَ لَهَا: إنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَيْك، قَالَتْ: لَكِنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ» اهـ. وقال العينى: وهو حديث صحَّحه الأئمة بإسناد قوى. ومِمَّن صحَّحه: التركمانى في الجوهر النقى، والشوكانى في نيل الأوطار.
…
=
= وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد: «إسناده صالح» . والحديث قد ضعفه الألباني، والأرنؤوط، ومصطفى العدوي.
نظر النساء إلى الرجال على شاشات التلفاز والحاسوب:
لا فرق بين نظر المرأة إلى الرجل في الحقيقة وبين نظرها إليه على الشاشة لِمَا في النظر إلى صورهم من خشية الفتنة؛ فينبغي على النسوة المسلمات اجتناب صور المشايخ فى دروس أقراص الحاسوب المدمجة (أي ما يُسمى بالكمبيوتر)، وما يشابهها بالفيديو والقنوات الفضائية، وأن يُكتفى بسماع الصوت.
وقد وقع من بعض النسوة ما ينْدَى له الحبين، فواحدة تقول: يا محْلَى الشيخ، يا عيون الشيخ، يا جمال الشيخ»، وأخرى تقول:«الشيخ الفلاني أجمل» ، وثالثة تقول:«عيون الشيخ الفلانى لونها كذا» ، ورابعة تقول:«يد الشيخ الفلانى بيضاء للغاية» ، بل قد صارت بعض النسوة ترى أن الأجمل من المشايخ هو الأكثر علمًا، وهذا رجل يجلس مع زوجته فظهر الشيخ على الشاشة فقالت زوجته:«ها هم الرجال لا غيرهم» قالت هذه الجملة بالعامية، كل هذه الأخبار عن ثقة سواء كانت أقوال الرجال أو النساء.