الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
96 - كشف
شبهات حول الاحتفال بالمولد
الشبهة الخامسة عشرة:
الاستدلال بأن جبريل عليه السلام أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الإسراء والمعراج أن يصلي ركعتين ببيت لحم مولد عيسى عليه السلام ثم قال: «أتدري أين صليتَ؟ صليتَ ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام» .
الجواب:
ورد في قصة الإسراء أن جبريل عليه السلام أمر محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، لكنه لا يصح فهو منكر كما قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لسورة الإسراء والألباني في تعليقه على سنن النسائي.
2 -
بيت لحم كنيسة من كنائس النصارى ليس في إتيانها فضيلة عند المسلمين سواء كان مولد عيسى عليه السلام أو لم يكن.
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 438).
الشبهة السادسة عشرة:
أن شعراء الصحابة كانوا يقولون قصائد المدح في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مثل كعب بن زهير وحسان بن ثابت؛ فكان يرضى عملهم؛ ويكافئهم على ذلك.
الجواب:
لم يُذْكَر عن أحد من شعراء الصحابة رضي الله عنهم أنه كان يتقرب إلى الله بإنشاد القصائد في ليلة مولده، وإنما كان إنشادهم في الغالب عند وقوع الفتوح والظفر بالأعداء، وعلى هذا فليس إنشاد كعب بن زهير وحسان بن ثابت وغيرهما من شعراء الصحابة رضي الله عنهم بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يتعلقون به في تأييد بدعة المولد.
الشبهة السابعة عشرة:
أن الموالد اجتماع ذكر وصدقة ومدح وتعظيم للجناب النبوي وهذه أمور مطلوبة شرعًا وممدوحة وجاءت الآثار الصحيحة بها وبالحث عليها.
الجواب:
1 -
الإنكار على إقامة المولد - وإن كان يحتوي على بعض الأمور المشروعة - يرجع إلى ذلك الاجتماع المخصوص بتلك الهيئة المخصوصة في الوقت المخصوص، وإلى اعتبار ذلك العمل من شعائر الإسلام التي لا تثبت إلا بنص الشارع بحيث يظن العوام والجاهلون بالسنن أن عمل المولد من أعمال القرب المطلوبة شرعًا.
وعمل المولد بهذه القيود بدعة سيئة وجناية على دين الله وزيادة فيه تعد من شرع ما لم يأذن به الله ومن الافتراء على الله والقول في دينه بغير علم.
2 -
نفس نية المولد في ذلك العمل بدعة؛ فالأعمال الصالحة لا تقبل إلا بشرطين كما قال أهل العلم: الإخلاص ومتابعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الشبهة الثامنة عشرة:
الاحتفال بالمولد النبوي أمر استحسنه العلماء وجرى به العمل في كل صقع فهو مطلوب شرعًا للقاعدة المأخوذة من أثر ابن مسعود رضي الله عنه: «ما رآه المسلمون حسنًا
فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح».
الجواب:
1 -
المقصود بقول ابن مسعود رضي الله عنه: الصحابة؛ لأنه قال هذا القول استدلالًا على إجماع الصحابة على اختيار أبى بكر الصديق رضي الله عنه للخلافة كما في رواية الحاكم وغيره.
ومن توسع في الاستدلال بهذا الأثر قصد به الإجماع، فقد بوب له جماعةٌ من أهل الحديث في باب (الإجماع)، واستدل به كثير من العلماء على الإجماع.
2 -
لم يحتفل الصحابة رضي الله عنهم بالمولد النبوي، فهذا الأثر دليل على عدم جواز الاحتفال به؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على عدم الاحتفال به، وهذا يدل على أنهم لم يروه حسنًا، بل رأوه سيئًا، وقد قال عبد الله بن مسعود:«ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح» .
فهذا يدل على أن الاحتفال بالمولد عند الله قبيح وليس حسنًا، ولو علم الصحابة رضي الله عنهم فيه خيرًا لسبقونا إليه.
3 -
مَن أول من استحسن المولد من العلماء؟!
هل هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
قطعًا: لا.
هل هم التابعون؟
قطعًا: لا.
هل هم تابعو التابعين؟
قطعًا: لا.
هل هم قادة الفاطميين والرافضة بمختلف طوائفهم ونحلهم؟
اللهم: نعم.
هل هم أهل الطرق الصوفية؟
اللهم: نعم.
فهل نقبل أمرًا أتى به الفاطميون وغيرهم، ممن يشهد التاريخ الإسلامي بتدنيسهم مُحَيَّا الإسلام، ونترك ما عليه أصحاب القرون الثلاثة المفضلة، من صحابة وتابعين وعلماء أجلاء، لهم فضلهم في العلم والتقى، والصلاح والاستقامة وسلامة المعتقد، ودقة النظر وصدق الاتباع والاقتداء بمن أمرنا الله تعالى أن نجعله أسوة لنا وقدوة لمسالكنا وهو رسولنا وحبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
الشبهة التاسعة عشرة:
إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيدًا أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر.
الجواب:
1 -
لا شك أن الاحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيدًا مبني على التشبه بالنصارى في اتخاذهم مولد المسيح عيدًا.
وهذا مصداق ما ثبت عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ» . قُلْنَا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟» ، قَالَ:«فَمَنْ؟» . (رواه البخاري ومسلم).
وإذا عُلم أن عيد المولد مبني على التشبه بالنصارى فليُعلم أيضًا أن التشبه بالنصارى وغيرهم من المشركين حرام شديد التحريم لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَشَبّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
الشبهة العشرون:
قياس الاحتفال بالمولد النبوي على ما يقام للرؤساء من الاحتفالات إحياءً للذكرى.
الجواب:
1 -
الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان بطريق القياس على الاحتفالات بالرؤساء صار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملحقًا بغيره وهذا ما لا يرضاه عاقل.
2 -
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال الله في حقه: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} (الشرح: 4)، فذِكْرُه صلى الله عليه وآله وسلم مرفوع في الأذان والإقامة والخطب والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وفي قراءة الحديث واتباع ماجاء به، فهو أجَلُّ مِن أن تكون ذكراه سنوية فقط.
الشبهة الحادية والعشرون:
إن الاحتفال بالمولد إحياء لذكرى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وذلك مشروع عندنا في الإسلام، فأنت ترى أن أكثر أعمال الحج إنما هي إحياء لذكريات مشهودة ومواقف محمودة.
الجواب:
1 -
ما زعموه من أن الاجتماع في المولد لإحياء ذكرى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أمر مشروع في الإسلام هو من التقوّل على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإن الله تعالى لم يشرع الاجتماع لإحياء ذكرى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لا في يوم المولد ولا في غيره من الأيام، ولم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا بقوله ولا بفعله.
2 -
إذا كان الأمر كما يزعمون فلماذا لم يفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا صحابته الكرام رضي الله عنهم شيئًا من ذلك، أم أنهم أوسع منهم علمًا وفهمًا لدين الله عز وجل.
الشبهة الثانية والعشرون:
عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِى كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا» . قَالَ: «أَىُّ آيَةٍ» . قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} . قَالَ عُمَرُ: «قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِى نَزَلَتْ فِيهِ
عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ» (رواه البخاري).
الجواب:
1 -
في هذا اتباع لليهودي الذي ذكر طبعهم مِن كونهم يحتفلون بالوقائع والحوادث والذي يريد منا المستدلون بهذا الدليل أن نتبعهم فيه.
2 -
لم ينتبه هؤلاء المحتفلون إلى أن عمر رضي الله عنه رغم معرفته بزمان ومكان نزول الآية لم يكترث لقول اليهودي ولم يدفعه هذا لأن يحتفل بذلك اليوم ولا غيره، فهل نتبع هدي الخلفاء الراشدين أم مقولات اليهود، أم أن اليهودي كان أفقه من عمر وصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
الشبهة الثالثة والعشرون:
قال الحافظ ابن كثير أن أول من أحدث ذلك من الملوك صاحب إربل، وكان شهمًا شجاعًا عاقلًا عادلًا.
الجواب:
1 -
لم أجد في (البداية والنهاية) أنه أول من أحدث ذلك، بل ذكر ابن كثير أنه كان يعمل المولد فقال: «أَمَّا صَاحِبُ إِرْبِلَ فَهُوَ: الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ، أَبُو سَعِيدٍ كُوكُبُرِي بْنُ زَيْنِ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ بُكْتِكِينَ أَحَدُ الْأَجْوَادِ وَالسَّادَاتِ الْكُبَرَاءِ وَالْمُلُوكِ الْأَمْجَادِ، لَهُ آثَارٌ حَسَنَةٌ،
…
وَكَانَ يَعْمَلُ الْمَوْلِدَ الشَّرِيفَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَيَحْتَفِلُ بِهِ احْتِفَالًا هَائِلًا. وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ شَهْمًا شُجَاعًا بَطَلًا عَاقِلًا عَالِمًا عَادِلًا، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى» (1).
2 -
على فرض أنه أول من أحدث ذلك فالبدعة في الدين لا تُقْبَل من أي أحد كان، وعدالته لا توجب عصمته (2)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «عادة بعض البلاد
(1) البداية والنهاية (17/ 204 - 205).
(2)
القول الفصل (ص87 - 88) عن رسالة للشيخ محمد بن إبراهيم في حكم الاحتفال بالمولد النبوى (ص77).
أو أكثرها، وقول كثير من العلماء أو العباد، أو أكثرهم ونحو ذلك ليس يصلح أن يكون معارضًا لكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يعارض به» (1).
وأبو بكر ومَن بعده من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم لم يحتفلوا وسنتهم أولى بالاتباع من صاحب إربل.
3 -
الإمام ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، إنما ينقل التاريخ، ولا يعني نقله لحدث تاريخي، أنه يقرّ ما فيه، وأما ثناؤه على صفات الملك الحميدة، فلا يتناقض مع كون المولد بدعة، فالشخص قد يجمع بين الصواب والخطأ، والسنة والبدعة.
وهذا الملك (كوكبري) كانت لديه بدع أخرى أيضًا، كما قال ابن كثير أنه كان يَعْمَلُ لِلصُّوفِيَّةِ سَمَاعًا مِنَ الظُّهْرِ إِلَى الْفَجْرِ، وَيَرْقُصُ بِنَفْسِهِ مَعَهُمْ (2).
4 -
حتى لو فُرِضَ أن الإمام ابن كثير أثنى على الملك الذي احتفل بالمولد، فثناؤه كان على حسن قصد الملك، لا على بدعة المولد.
الشبهة الرابعة والعشرون:
الاحتفال بالمولد النبوي تذكير بأهمية صاحب الذكرى الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وأمر الجميع باتباعه، ومن أجل ذلك، ولأن العهد بين زمنهم وزمنه بعيد فإنهم يتخذون من هذا الاحتفال تذكيرًا به وبما جاء به من الحق والخير، الذي سعدت به البشرية حيث أخرجها من ظلمات الشرك والجهل إلى نور التوحيد والعدل، ودفعًا للصبية الصغار وغيرهم من العامة إلى استشعار محبة صاحب هذه الرسالة والالتفاف حول دعوته، ولتذكير الجميع بها على أساس قوله تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (الذاريات: 55).
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (ص245).
(2)
البداية والنهاية (17/ 205).
الجواب:
قال الشيخ عطية سالم في تفسير سورة الإنسان من (تتمة أضواء البيان): «من المسلمين من يقول: نعلم أن المولد ليس سنة نبوية ولا طريقًا سلفيًا ولا عمل القرون المشهود لها بالخير، وإنما نريد مقابلة الفكرة بالفكرة والذكريات بالذكرى، لنجمع شباب المسلمين على سيرة سيد المرسلين.
وهنا يمكن أن يقال: إن كان المراد إحياء الذكرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن الله تعالى قد تولى ذلك بأوسع نطاق حيث قرن ذكره صلى الله عليه وآله وسلم مع ذكره تعالى في الشهادتين، مع كل أذان على كل منارة من كل مسجد، وفي كل إقامة لأداء صلاة، وفي كل تشهد في فرض أو نفل مما يزيد على الثلاثين مرة جهرًا وسرًا، جهرًا يملأ الأفق، وسرًا يملأ القلب والحس.
ثم تأتي الذكرى العملية في كل صغيرة وكبيرة في المأكل باليمين؛ لأنه السُنّة، وفي الملبس في التيامن لأنه السُنّة، وفي المضجع على الشق الأيمن لأنه السُنّة، وفي إفشاء السلام وفي كل حركات العبد وسكناته إذا راعى فيها أنها السُنّة عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وإن كان المراد التعبير عن المحبة، والمحبة هي عنوان الإيمان الحقيقي، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (1)؛ فإن حقيقة المحبة طاعة من تحب، وفعل ما يحبه وترك ما لا يرضاه أو لا يحبه.
وإن كان المراد مقابلة فكرة بفكرة. فالواقع أنه لا مناسبة بين السببين ولا موجب للربط بين الجانبين لبعد ما بينهما، كبعد الحق عن الباطل والظلمة عن النور.
ومع ذلك، فإن كان ولا بد فلا مُوجِب للتقييد بزمن معين بل العام كله لإقامة الدراسات في السيرة وتعريف المسلمين الناشئة منهم والعوام وغيرهم بما تريده من
(1) رواه الإمام البخاري.
دراسة للسيرة النبوية».
الشبهة الخامسة والعشرون:
شيخ الإسلام ابن تيمية استحسن الاحتفال بالمولد النبوي وقال: قد يثاب بعض الناس على فعل المولد.
الجواب:
1 -
هذا عين الكذب فشيخ الإسلام ابن تيمية ممن ينكر ذلك ويقول إنه بدعة وهذا نَصُّ كلامه رحمه الله: «أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي شهر رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال: عيد الأبرار - فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها» (1).
2 -
يتعلق أهل البدع بكلام له رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم، ويبترونه، وهذا نَصّ المقصود منه: «ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتعظيمًا، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد - لا على البدع - من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عيدًا، مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا، ولو كان هذا خيرًا محضًا، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص.
وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وأكثر هؤلاء
(1) الفتاوى الكبرى (4/ 414) ط دار المعرفة، بيروت، تحقيق: الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي مصر الأسبق.
الذين تجدهم حُرَّاصًا على أمثال هذه البدع، مع ما لهم من حُسن القصد، والاجتهاد الذي يُرجَى لهم بهما المثوبة، تجدهم فاترين في أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، عما أُمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه، وبمنزلة من يزخرف المسجد، ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلًا، وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع، ويصحبها من الرياء والكبر، والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها.
واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير، لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضًا شر، من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل خيرًا بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من أنواع المشروع وشرًّا بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من الإعراض عن الدين بالكلية كحال المنافقين والفاسقين، وهذا قد ابتلى به أكثر الأمة في الأزمان المتأخرة، فعليك هنا بأدبين:
أحدهما: أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطنًا وظاهرًا، في خاصتك وخاصة من يطيعك. وأَعْرِف المعروف وأَنْكِر المنكر.
الثاني: أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان فإذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدعو إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه، ولكن إذا كان في البدعة من الخير، فعوِّض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان، إذ النفوس لا تترك شيئًا إلا بشيء، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيرًا إلا إلى مثله أو إلى خير منه
…
فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعيظمه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما قدمته لك أنه يحسُن مِن بعض الناس ما يُستَقْبَح مِن المؤمن المسدد، ولهذا قيل للامام أحمد عن بعض الأمراء إنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك فقال:«دَعْهُ فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب» ، أو كما قال مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة.
وقد تأول بعض الأصحاب أنه أنفقها في تجديد الورق والخط، وليس مقصود
أحمد هذا وإنما قصده أن هذا العمل فيه مصلحة وفيه أيضا مفسدة كره لأجلها، فهؤلاء إن لم يفعلوا هذا وإلا اعتاضوا الفساد الذي لا صلاح فيه، مثل أن ينفقها في كتاب من كتب الفجور ككتب الأسماء أو الأشعار أو حكمة فارس والروم.
فتفَطّنْ لحقيقةِ الدين وانْظُرْ ما اشتملتْ عليه الأفعال من المصالح الشرعية والمفاسد بحيث تعرف ما ينبغي من مراتب المعروف ومراتب المنكر حتى تقدم أهمها عند المزاحمة، فإن هذا حقيقة العمل بما جاءت به الرسل.
فإن التمييز بين جنس المعروف وجنس المنكر وجنس الدليل وغير الدليل يتيسر كثيرًا، فأما مراتب المعروف والمنكر ومراتب الدليل بحيث تُقّدَّم عند التزاحم أعْرَفَ المعروفَيْن فتدعو إليه، وتنكر أَنْكَرَ المنكرَيْن، وترجح أقوى الدليلين فإنه هو خاصة العلماء بهذا الدين، فالمراتب ثلاث:
أحدها: العمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه.
والثانية: العمل الصالح من بعض وجوهه أو أكثرها إما لحسن القصد أو لاشتماله مع ذلك على أنواع من المشروع.
الثالثة: ما ليس فيه صلاح أصلًا إما لكونه تركًا للعمل مطلقًا أو لكونه عملًا فاسدًا محضًا.
فأما الأول فهو سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باطنُها وظاهرُها، قولها وعملها، في الأمور العلمية والعملية مطلقًا، فهذا هو الذي يجب تَعَلّمُه وتعليمه والأمر به وفعله على حسب مقتضى الشريعة من إيجاب واستحباب.
والغالب على هذا الضرب (1) هو أعمال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
(1) الضرب: النوع.
وأما المرتبة الثانية فهي كثيرة جدًا في طرق المتأخرين من المنتسبين إلى علم أو عبادة ومن العامة أيضًا، وهؤلاء خيرٌ ممَّنْ لا يعمل عملًا صالحًا مشروعًا ولا غير مشروع، أو من يكون عمله من جنس المحرم كالكفر والكذب والخيانة والجهل ويندرج في هذا أنواع كثيرة.
فمن تعبَّدَ ببعض هذه العبادات المشتملة على نوع من الكراهة كالوصال في الصيام وترك جنس الشهوات ونحو ذلك، أو قصد إحياء ليال لا خصوص لها كأول ليلة من رجب ونحو ذلك، قد يكون حاله خيرًا من حال البطال الذي ليس فيه حرصٌ على عبادة الله وطاعته.
النوع الثالث: ما هو معظم في الشريعة كيوم عاشوراء ويوم عرفة ويومي العيدين والعشر الأواخر من شهر رمضان والعشر الأول من ذي الحجة وليلة الجمعة ويومها والعشر الأول من المحرم ونحو ذلك من الأوقات الفاضلة.
فهذا الضَّرْب قد يحدث فيه ما يعتقد أن له فضيلة وتوابع ذلك ما يصير منكرًا ينهى عنه، مثل ما أحدث بعض أهل الأهواء (1) في يوم عاشوراء من التعطش والتحزن والتجمع وغير ذلك من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أحد من السلف، لا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا من غيرهم.
لكن لما أكرم الله فيه سبط نبيه (2) أحد سيدي شباب أهل الجنة وطائفة من أهل بيته بأيدي الفجرة الذين أهانهم الله، وكانت هذه مصيبة عند المسلمين يجب أن تتلقى به أمثالها من المصائب من الاسترجاع المشروع، فأحدث بعض أهل البدع في مثل هذا اليوم خلاف ما أمر الله به عند المصائب وضمُّوا إلى ذلك مِن الكذب والوقيعة في
(1) يقصد الشيعة.
(2)
أي الحسين بن علي بن أبي طالب ب.
الصحابة البرآء من فتنة الحسين وغيرها أمورًا أخرى مما يكرهها الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم» (1).
3 -
إن ما قاله دعاة الاحتفال بالمولد سببه سوء فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وسيرته فكلامه رحمه الله إنما هو في حق من فعله جاهلًا كما أشار إلى ذلك الشيخ ابن باز رحمه الله (2).
4 -
أما قول شيخ الإسلام: «وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حُرَّاصًا على أمثال هذه البدع، مع ما لهم من حُسن القصد، والاجتهاد الذي يُرجَى لهم بهما المثوبة
…
»، فليس فيه إقرار المولد، ومن ينقل عنه من أهل البدع يبتر كلامه ولا ينقل ما قبله ولا ما بعده.
فقول شيخ الإسلام ليس فيه إلا الإثابة على حسن القصد، وهي لا تستلزم مشروعية العمل الناشئ عنه؛ ولذلك ذكر شيخ الإسلام أن هذا العمل - أي الاحتفال بالمولد - يستقبح من المؤمن المسدد، وذكر أن اتخاذ المولد عيدًا لو كان خيرًا محضًا أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ لأنهم أشد محبة وتعظيمًا لرسول الله منا.
5 -
شيخ الإسلام صرح في أول تلك العبارة: بأن الداعي للاحتفال بالمولد النبوي قد يكون مضاهاة للنصارى في مولد عيسى عليه السلام، أي: فيكون غير مشروع لتلك المضاهاة.
وقد يكون الداعي إليه محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيثاب المحتفل في هذه الحالة على محبته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم التي دعته إلى ذلك الاحتفال، لا على بدعة الاحتفال.
6 -
كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ليس فيه إقرارٌ لبدعة المولد، بل كلامه عن فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (ص404 - 405).
(2)
انظر مجموع فتاوى ابن باز (9/ 211 - 212).
فإنه فَرَّقَ في تلك العبارة بين مَن يعمل المولد ولا يتركه إلا إلى شر منه، وبين المؤمن المسدّد الذي ليس كذلك، فذكر أن الذي يعمل المولد ولا يتركه إلا إلى شر منه لا يُدعَى إلى تركه؛ لما يترتب على ذلك من ارتكاب ما هو شر منه، وأن المؤمن المسدّد يُسْتَقْبَح منه الاحتفال بالمولد ويجب عليه الحرص على التمسك بالسنة ظاهرًا وباطنًا في خاصته وخاصة من يطيعه.
7 -
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ما في المواسم المبتدعة - من موالد وغيرها - من مفاسد راجحة على ما فيها من المنفعة، فقال:
«منها - مع ما تقدم من المفسدة الاعتقادية والحالية - أن القلوب تستعذبها وتستغني بها عن كثير من السنن، حتى تجد كثيرًا من العامة يحافظ عليها ما لا يحافظ على التراويح والصلوات الخمس.
ومنها: أن الخاصة والعامة تنقص بسببها عنايتهم بالفرائض والسنن وتفتر رغبتهم فيها، فتجد الرجل يجتهد فيها ويخلص وينيب ويفعل فيها ما لا يفعل في الفرائض والسنن، حتى كأنه يفعل هذه البدعة عبادة، ويفعل الفرائض والسنن عادة ووظيفة، وهذا عكس الدين، فيفوته بذلك ما في الفرائض والسنن من المغفرة والرحمة، والرقة والطهارة والخشوع، وإجابة الدعوة، وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك من الفوائد، وإن لم يفته هذا كله فلا بد أن يفوته كماله.
ومنها: ما في ذلك من مصير المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وما يترتب على ذلك من جهالة أكثر الناس بدين المرسلين، وانتشار زرع الجاهلية.
ومنها: مسارقة الطبع إلى الانحلال من ربقة الاتباع وفوات سلوك الصراط المستقيم، وذلك أن النفس فيها نوع من الكبر فتحب أن تخرج من العبودية والاتباع بحسب الإمكان، كما قال أبو عثمان النيسابوري رحمه الله:«ما ترك أحد شيئًا من السنة إلا لكبر في نفسه» ، ثم هذا مظنة لغيره فينسلخ القلب عن حقيقة الاتباع للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويصير فيه من الكبر وضعف الإيمان ما يفسد عليه دينه أو يكاد، وهم يحسبون أنهم
يحسنون صنعًا.
ومنها: ما تقدم التنبيه عليه في أعياد أهل الكتاب من المفاسد التي توجد في كلا النوعين المحدثين: النوع الذي فيه مشابهة، والنوع الذي لا مشابهة فيه» (1).
الشبهة السادسة والعشرون:
بالنسبة للمولد النبوي: أنتم تقولون على أنه بدعة، ولكن البدعة تكون بالعبادة، وليست بالعادة وهذه قاعدة شرعية، وأما بالنسبة للذين يرقصون ويحدث عندهم اختلاط أو تبرج وسفور ومهرجانات، هذا حرام بلا شك.
ولكن إذا أحضر الشخص حلوى ووزعها على أهله فما المشكلة؟ وأيضًا إذا الشخص أخذ الاحتفال بالمولد النبوي عبادة فهذا لا يجوز، أما من أخذها عادة يعني الواحد تعوَّد على أنه ليلة المولد يوزع حلوى فما المشكلة فيها؟
ثم كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أي أن البدعة تؤدي إلى النار، فهل الفرح بذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتمييز هذا اليوم عن غيره بالفرح لا بالعبادة يؤدي إلى جهنم والعياذ بالله!!! وأيضا إذا الشخص أنجبت زوجته يحضر حلوى بمناسبة الفرح ويطعم الناس فكيف بذكرى ولادة أفضل الخلق سيدهم وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!
الجواب:
1 -
الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس مجرد عادة، بل إنه أصبح عبادة عند كثير ممن يفعله، لأن الذين يحتفلون بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقصدون بذلك القربة، وإن الله تعالى لا يُتَقَرَّبُ إليه إلا بما شرع، وإن التعظيم الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو في الوقوف عند ما جاء به وعدم الزيادة عليه أو الاستدراك على شريعته.
2 -
وبما أنهم يحتفلون بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنويًا فقد أصبح الاحتفال عندهم عيدًا، لأنه يعود ويتكرر كل عام، والأعياد من شعائر الإسلام وهي شريعة من
(1) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (ص: 291).
الشرائع فيجب فيها الاتباع وعدم الابتداع.
3 -
اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية وتعظيمه والتوسعة فيه في المأكل والمشرب وإظهار الزينة هو من البدع ومن الإحداث في الدين، وقد نهانا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم عن الابتداع والإحداث في الدين أشد النهي، وفاعل هذه البدعة غير مأجور على فعله بل مردود على صاحبه لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» وفي رواية «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (رواه البخاري ومسلم). «فَهُوَ رَدٌّ» أي: أي مردود على صاحبه وغير مقبول منه.
4 -
الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس من شريعة الإسلام ولم يفعله الصحابة، لا من أهل البيت ولا من غيرهم، مع قيام المقتضي وعدم المانع منه، ولو كان ذلك خيرًا لسبقونا إليه فإنهم كانوا على الخير أحرص، وكانوا أشد محبة وتعظيمًا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
5 -
قد كانت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أيام متعددة، كيوم بدر والخندق وفتح مكة ويوم حنين ويوم هجرته ويوم دخوله المدينة ونحو ذلك، ثم لم يتخذ صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا من أهل بيته ولا من غيرهم - تلك الأيام أعيادًا، وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون حوادث نبي الله عيسى عليه السلام مواسم وأعيادًا (1).
6 -
الشخص إذا أنجبت زوجته وأحضر حلوى بمناسبة الفرح وأطعم الناس هذه عادة وليست عبادة، أما إذا كررها كل عام في نفس الموعد فقد أدخلها في جملة الأعياد التي لا يجوز إحداث شيء منها إلا بدليل من القرآن أو السنة الصحيحة.
أما ذكرى ولادة أفضل الخلق سيدهم وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيكفينا فيها أن أصحابه رضي الله عنهم الذين هم أكثر الناس حبًّا له ومعرفةً لفضله لم يحتفلوا هذا الاحتفال المبتدع.
(1) بتصرف من فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف الدكتورعبد الله الفقيه، رقم الفتوى 62785.
الشبهة السابعة والعشرون:
ليلة المولد أعظم من ليلة القدر لأن لولاها ما كانت هناك ليلة قدر.
الجواب:
هذا القول لا دليل عليه لا من الكتاب ولا من السنة، ولا نعلم أن أحدًا من الأئمة قال به، بل الثابت أن ليلة القدر هي خير ليالي العام لأن العبادة فيها تعدل عبادة ألف شهر، بل أكثر!!
ومن ادعى غير ذلك فليأتنا بالدليل.
الشبهة الثامنة والعشرون:
إذا كان المولد النبوي الشريف بدعة محرّمة كسائر البدع؛ لِمَ سكت عنها العلماء وتركوها حتى ذاعت وشاعت، وأصبحت كجزء من عقائد المسلمين، أليس من الواجب عليهم أن ينكروها قبل استفحال أمرها وتأصلها؟ ولمَ لمْ يفعلوا؟
الجواب:
لقد أنكر هذه البدعة العلماء من يوم ظهورها، وكتبوا في ردها الرسائل، ومن قدر له الإطلاع على كتاب المدخل لابن الحاج عرف ذلك وتحققه.
ومن بين الردود القيمة رسالة الشيح تاج الدين عمر بن علي اللخمي الإسكندري الفقيه المالكي، صاحب شرح الفاكهاني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، وله رسالة سماها (المورد في الكلام على المولد).
ومما قاله في مقدمة هذه الرسالة: «لا أعلم لهذا المولد أصلًا في كتاب ولاسنة، ولم يُنقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها المبطلون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون» اهـ.
ولكن الأمم في عصور انحطاطها تضعف عن الاستجابة لداعي الخير والإصلاح بقدر قوتها على الاستجابة لداعي الشر والفساد، لأن الجسم المريض يؤثر
فيه أدنى أذى يصيبه، والجسم الصحيح لا يؤثر فيه إلا أكبر أذى وأقواه.
ومن الأمثلة المحسوسة أن الجدار الصحيح القوي تعجز عن هدمه المعاول والفؤوس، والجدار المتداعي للسقوط يسقط بهبة ريح أو ركلة رِجْل؛ ولذا فلا يدل بقاء هذه البدعة وتأصلها في المجتمع الإسلامي على عدم إنكار العلماء لها.
الشبهة التاسعة والعشرون:
لماذا صار الاحتفال بالمولد بدعة؛ لأنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع أن تنقيط المصحف أيضا لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكن بدعة؟
الجواب:
بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، محدثة على غير هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأما تنقيط المصحف فوسيلة لتعليم القراءة الصحيحة، ولم تُفْعل في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم لعدم الحاجة إليها، وليس لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تركها قاصدا ذلك، تعبدا لله تعالى بتركها كما فعل صلى الله عليه وآله وسلم في تَرْكِه الاحتفال بيوم مولده.