المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌94 - لماذا لانحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم - دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ - جـ ٢

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌أحاديث ضعيفةوموضوعة ولا أصل لها

- ‌خطورة انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة بين الناس

- ‌أسباب انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة بين الناس:

- ‌من الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة:

- ‌1 - عدم تقبل الناس للأحاديث الصحيحة بعد سماعهم للأحاديث الضعيفة:

- ‌2 - إيقاع المسلم في الشرك الصريح:

- ‌3 - التشنيع على أهل الحديث:

- ‌4 - تعليم الناس ما لم يثبت:

- ‌5 - تأصيل أصول مخالفة للشريعة:

- ‌6 - إفساد الأخلاق:

- ‌7 - تغيير سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌8 - إلغاء قواعد في أصول الفقه:

- ‌9 - التفرقة بين المسلمين:

- ‌10 - تشويه سمعة الصحابة رضي الله عنهم

- ‌11 - إعانة المستهترين على الاجتراء على الله بالمعاصي:

- ‌12 - الابتداع في العبادة، ومخالفة السنة:

- ‌13 - مساواة المسلمين بأهل الذمة:

- ‌14 - الصد عن سبيل الله:

- ‌15 - إلقاء الشك والريبة بين المسلمين؛ ونشر الخرافة بينهم:

- ‌16 - التضييق على الناس في أمورٍ من المباحات:

- ‌17 - أحيانًا تؤدي الأحاديث الضعيفة والموضوعة إلى احتقار النساء:

- ‌نماذج منأثر الحديثالضعيف والموضوعفي تخريب العقائد

- ‌أولًا: في أسماء الله وصفاته وتوحيده:

- ‌ثانيا: في حقيقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌مَن أرادُوا شَيْنَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ثالثا: في العصبيات والأهواء:

- ‌رابعا: الأحاديث الموضوعة والخرافة:

- ‌خامسًا: الأحاديث الموضوعة في القرآن:

- ‌أحاديثضعيفة وموضوعة ولا أصل لها

- ‌تنبيهاتقبل قراءة الأحاديث

- ‌التنبيه الأول:

- ‌التنبيه الثاني:

- ‌التنبيه الثالث:

- ‌التنبيه الرابع:

- ‌التنبيه الخامس:

- ‌حرف الألف

- ‌حرف الباء

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الثاء

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاي

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف الطاء

- ‌حرف العَيْن

- ‌موضوعات عامة

- ‌52 - أقسام البركة

- ‌53 - من صور البركة

- ‌54 - البركة في المجتمع المسلم

- ‌55 - عندما ترد الأرض بركتها

- ‌56 - كيف نحصل على البركة

- ‌57 - من وسائل الحصول على البركة

- ‌58 - التبرك المشروع والتبرك الممنوع

- ‌59 - قصة أصحاب الأخدود

- ‌60 - استضعاف وثبات

- ‌61 - الثبات حتى الممات

- ‌63 - مفهوم الإصلاح في الإسلام

- ‌64 - خصائص الشريعة الإسلامية

- ‌65 - نظام الحكم في الإسلام

- ‌66 - دين اسمه العلمانية

- ‌67 - شريعة الله لا شريعةالبشر حتى لا تغرق السفينة

- ‌68 - الشريعة خيرٌ كلها

- ‌71 - الاختلاط بين الرجال والنساء

- ‌72 - الفرق بين الخلوة والاختلاط

- ‌74 - من الثمار المُرّة للاختلاط

- ‌75 - واجِبُنا نحو آل بيت النبي

- ‌76 - معاوية بن أبي سفيان

- ‌77 - من فضائل معاوية

- ‌78 - من صفات معاوية

- ‌82 - السبيل إلى سلامة الصدر

- ‌83 - السهر

- ‌84 - أضرار السهر

- ‌85 - أنواع الهموم

- ‌86 - علاج الهموم

- ‌88 - مَن ترك لله عوضه الله

- ‌90 - المسجد الأقصىفي قلب كل مسلم

- ‌91 - لا يضر السحابَ نبحُ الكلاب

- ‌92 - الله سبحانه وتعالىيدافع عن خليله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌93 - المولد النبوي هل نحتفل

- ‌94 - لماذا لانحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌95 - كشف شبهاتمن قال بجواز الاحتفال بالمولد

- ‌96 - كشفشبهات حول الاحتفال بالمولد

- ‌97 - رأس السنة هل نحتفل

- ‌98 - شم النسيم هل نحتفل

- ‌99 - حكمالاحتفال بشم النسيم

- ‌100 - عيد الأم هل نحتفل

الفصل: ‌94 - لماذا لانحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

‌94 - لماذا لا

نحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

-

يظهر فساد القول بجوازه ومشرعية من خلال الأوجه التالية:

الوجه الأول:

أن هذا الفعل لم يفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا أمَر به ولا فعله صحابته رضي الله عنهم ولا أحد من التابعين ولا تابعيهم، ولا فَعَله أحد من أهل الإسلام خلال القرون المفضلة الأولى، وإنما ظهر - كما تقدم - على ايدي أناس هم أقرب إلى الكفر منهم إلى الإيمان وهم الباطنيون.

إذا تقرر هذا فالذي يفعل هذا الأمر داخل ضمن الوعيد الذي توعد الله عز وجل صاحبه وفاعله بقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} (النساء: 115)، والذي يفعل ما يسمى بالمولد لا شك أنه مُتَّبِعٌ لغير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وتابعيهم رضي الله عنهم.

الوجه الثاني:

أن الذي يمارس هذا الفعل واقع فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من إحداث البدع.

الوجه الثالث:

أن فاعل هذه البدعة غير مأجور على فِعْله بل مردود على صاحبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» وفي رواية «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (رواه البخاري ومسلم).

«فَهُوَ رَدٌّ» أي: مردود على صاحبه.

ولا يكفي حسن النية بل لابد من متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 740

الوجه الرابع:

قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:3). والذي يقول إن المولد عبادة نتعبد لله تعالى بها ما موقفه من هذه الآية؟ إن قال إنه مصدق بها لزمه:

- إما أن يقول إن المولد ليس بعبادة ويكون أقرب إلى العبث واللعب منه إلى ما يقرب الى الله ?.

- أو أنه مستدرك على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم لم يدُلّونا على هذه العبادة التي تقرب إلى الله.

فإن قال: أنا لا أقول أنها عبادة ولا أستدرك على الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ومؤمن بهذه الآية لزمه الرجوع إلى القول الحق وأنها بدعة محدثة.

الوجه الخامس:

أن الممارس لهذا الأمر - أي بدعة المولد - كأنه يتهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالخيانة وعدم الأمانة - والعياذ بالله -؛ لأنه كتم على الأمة ولم يدلها على هذه العبادة العظيمة التي تقربها إلى الله.

وقد قال الإمام مالك رحمه الله: «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة:3)، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا» .

الوجه السادس:

أن فاعل المولد معاند للشرع ومشاق له لأن الشارع قد عين لمطالب العبد طرقًا خاصة على وجوه وكيفيات خاصة وقصر الخلق عليها بالأوامر والنواهي وأخبر أن الخير فيها والشر في مجاوزتها وتركها؛ لأن الله أعلم بما يصلح عباده وما أرسل الرسل ولا أنزل الكتب إلا ليعبدوه وفق ما يريد سبحانه.

ص: 741

والذي يبتدع هذه البدعة رادٌّ لهذا كلِّه زاعمٌ أن هناك طرقًا أخرى للعبادة وأن ما حصره الشارع أو قصره على أمور معينة ليس بلازم له، فكأنه يقول بلسان حاله إن الشارع يعلم وهو أيضًا يعلم، بل ربما يفهم أن يعلم أمرًا لم يعلمه الشارع، سبحانك هذا بهتان عظيم وجرم خطير وإثم مبين وضلال كبير.

الوجه السابع:

أن في إقامة هذه البدعة تحريف لأصل من أصول الشريعة وهي محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتباعه ظاهرًا وباطنًا واختزالها في هذا المفهوم البِدْعِيّ الضيق الذي لايتفق مع مقاصد الشرع المطهر إلى دروشة ورقص وطرب وهَزّ للرؤوس؛ لأن الذين يمارسون هذه البدعة يقولون إن هذا من الدلائل الظاهرة على محبته ومن لم يفعلها فهو مبغض للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذا لاشك تحريف لمعنى محبة الله عز وجل ومحبة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن محبة الله والرسول تكون باتباع سنته ظاهرًا وباطنًا كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)} (آل عمران:31).

الوجه الثامن:

أن هذا المولد فيه مشابهة واضحة لدين النصارى الذين يحتفلون بعيد ميلاد المسيح وقد نهينا عن التشبه بهم كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ َتَشَّبَه بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» . (رواه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني).

الوجه التاسع:

أن فيه قدحا في من سبقنا من الصحابة ومن أتى بعدهم بأننا أكثر محبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم، وأنهم لم يوفوه حقه من المحبة والاحترام لأن فاعلي المولد يقولون عن الذين لا يشاركونهم إنهم لا يحبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه التهمة منصرفة إلى أصحابه الأطهار الذين فدَوْه بأرواحهم وبآبآءهم وأمهاتهم رضي الله عنهم.

ص: 742

الوجه العاشر:

أن فاعل هذا المولد واقع فيما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمته صراحة فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» . (رواه البخاري).

فقد نهى عن تجاوز الحد في إطرائه ومدحه وذكر أن هذا مما وقع فيه النصارى وكان سبب انحرافهم.

وما يفعل الآن من الموالد من أبرز مظاهر الإطراء وإذا لم يكن في الموالد - التي تنفق فيها الأموال الطائلة وتنشد فيها المدائح النبوية التي تشتمل على أعظم أنواع الغلو فيه صلى الله عليه وآله وسلم من إعطائه خصائص الربوبية - إطراء ففي ماذا يكون الإطراء؟

الوجه الحادي عشر:

بدعة المولد النبوي مجاوزة في الحد المشروع في ما أمِرْنَا به مِن محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومجاوزة للحد المشروع في إقامة الأعياد ففي شرع المسلمين عيدان فقط، ومن أتى بثالث فهو متجاوز للحد المشروع، بل إنهم قد فضلوا الاحتفال المبتدع على عيدَي الفطر والأضحى كما نسمع طوال شهر ربيع الأول في إذاعة القرآن الكريم المصرية من تواشيح طه الفشني التي يقول فيها:

ميلادُ طهَ أكرمُ الأعيادِ

وبشيرُ كلِّ الخيرِ والإسعادِ

ومن ذلك تواشيح النقشبندي التي يقول فيها:

وأتى ربيع فمرحبًا بهلاله

قد أقبل الإسعاد في إقباله

شهر به سَعِدَ الزمانُ فحقُّه

أنْ يزدهي شرفًا على أقرانِه

ما ازدانَت الأعيادُ إلا أنها

جمعتْ لزينتِها بديعَ جمالِه

الوجه الثاني عشر:

أن فعل المولد غلُوٌّ مذموم في شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن أعظم الذرائع المؤدية

ص: 743

للشرك الأكبر وهو الكفر المخرج من الملة لأن الغلو في الصالحين كان سبب وقوع الأمم السابقة في الشرك وعبادة غير الله عز وجل.

وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع الموصلة للشرك.

وقد حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمته من ذلك فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِى الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِى الدِّينِ» . (رواه ابن ماجه، ن وصححه الألباني)، وهذا عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال.

ومعلوم أن سبب الشرك الذي وقع في بني آدم هو مجاوزة الحد والغلو في تعظيم الصالحين؛ فقد قال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (نوح: 23):

«صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِى كَانَتْ فِى قَوْمِ نُوحٍ فِى الْعَرَبِ بَعْدُ، أَمَّا وُدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِى غُطَيْفٍ بِالْجُرُفِ عِنْدَ سَبَا، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ، لآلِ ذِى الْكَلَاعِ. أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِى كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ» . (رواه البخاري).

وقارن بما حصل عند قوم نوح مع أنهم لم يصرفوا شيئًا من العبادة في أول الأمر حتى وقعوا في الشرك والسبب هذه التماثيل وهي مظهر من مظاهر الغلو وانظر ما حصل ويحصل في الموالد فهو ليس من ذرائع الشرك فحسب؛ بل يحصل الشرك بعينه من دعاءٍ لغير الله عز وجل وإعطائه صلى الله عليه وآله وسلم بعض خصائص الرب سبحانه وتعالى كالتصرف في الكون وعلم الغيب، ففي هذه الموالد يترنمون بالمدائح النبوية وعلى رأسها بردة البوصيري الذي يقول:

يا أكرمَ الخلقِ مَا لي مَن ألوذُ بِه

سواكَ عندَ حُلولِ الحادثِ العمِمِ

فإنّ مِن جودِكَ الدُنيا وضُرتُها

ومِن علومِك عِلْمُ اللوحِ والقلمِ

ص: 744

فماذا بقي لرب العباد سبحانه وتعالى؛ إن هذا ليس شركًا في الألوهية بل هو شرك في الربوبية وهو أعظم من شرك كفار قريش - والعياذ بالله -؛ لأن كفار قريش كانوا يعتقدون أن المتصرف في الكون هو الله عز وجل لا أصنامُهم، وهؤلاء يزعمون أن المتصرف في الكون الذي بيده الدنيا والآخرة هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وانظر إلى قوله: «يا أكرمَ الخلقِ مَا لي مَن ألوذُ بِه» فهو يعتبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الملاذ وهو الذي يستغاث به ويدعوه عند الملمات، وهذا هو عين شرك كفار قريش الذين كانوا يعبدون الأوثان، فهل هم أحسن حالًا منه؟! فهم عند الشدائد يخلصون الدعاء والعبادة، والبوصيري عند الشدائد والملمات يدعو غير الله.

والموالد لا يمكن أن تقوم بغير أبيات البردة فهي الشعيرة والركيزة الأساسية في هذه الموالد البدعية، ولو لم يكن فيها إلا هذه المفسدة لكفى بها مبررًا لتحريمها والتحذير منها.

وإن زعم شخص أنه سوف يخليه مما تقدم قلنا له المولد بحد ذاته هو مظهر من مظاهر الغلو المذموم فضلًا عما يحتويه من طوام عظيمة وبدعة في الدين محدثة لم يشرعها ولم يأذن بها الله.

الوجه الثالث عشر:

أن الفرح بهذا اليوم والنفقه فيه وإظهار الفرح والسرور فيه قَدْحٌ في محبة العبد لنبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ هذا اليوم - بالإجماع - هو اليوم الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يفرح فيه؟ وأما يوم مولده فمختلف فيه، فكيف تكون عبادة عظيمة تقرب إلى الله واليوم الذي يحتفل فيه غير مجزوم به.

وقد قال ابن الحاج في كلامه على عمل المولد: «العجب العجيب كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور لأجل مولده صلى الله عليه وآله وسلم، في هذا الشهر الكريم وهو صلى الله عليه وآله وسلم فيه انتقل إلى كرامة ربه عز وجل وفجعت الأمة وأصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك

ص: 745

غيرها من المصائب أبدًا، فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير وانفراد كل إنسان بنفسه لِمَا أصِيبَ به، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«لِيُعَزِّ الْمُسْلِمِينَ فِى مَصَائِبِهِمُ الْمُصِيبَةُ بِى» (1)، فلما ذكر صلى الله عليه وآله وسلم المصيبة به ذهبت كل المصائب التي تصيب المرء في جميع أحواله وبقيت لا خطر لها.

فانظر في هذا الشهر الكريم - والحالة هذه - كيف يلعبون فيه ويرقصون ولا يبكون ولا يحزنون، ولو فعلوا ذلك لكان أقرب إلى الحال، مع أنهم لو فعلوا ذلك والتزموه لكان أيضًا بدعة، وإن كان الحزن عليه صلى الله عليه وآله وسلم واجبًا على كل مسلم دائمًا لكن لا يكون على سبيل الاجتماع لذلك والتباكي وإظهار التحزن بل ذلك - أعني: الحزن - في القلوب، فإن دمعت العين فيا حبذا وإلا فلا حرج إذا كان القلب عامرًا بالحزن والتأسف، إذ هو المقصود بذلك كله، وإنما وقع الذكر لهذا الفصل؛ لكونهم فعلوا الطرب الذي للنفوس فيه راحة وهو اللعب والرقص والدف والشبابة وغير ذلك مما تقدم بخلاف البكاء والحزن إذ أنه ليس للنفس فيه راحة، بل الكمد وحبس النفوس عن شهواتها وملاذها.

ولو قال قائل:

أنا أعمل المولد للفرح والسرور لولادته صلى الله عليه وآله وسلم ثم أعمل يومًا آخر للمآتم والحزن والبكاء عليه.

فالجواب: أنه قد تقدم أن من عمل طعامًا بنية المولد ليس إلا، وجمع له الإخوان، فإن ذلك بدعة، هذا وهو فعل واحد ظاهره البر والتقرب ليس إلا، فكيف بهذا الذي جمع بدعًا جملة في مرة واحدة، فكيف إذا كرر ذلك مرتين مرة للفرح ومرة

(1) رواه الإمام مالك في الموطأ، وصححه الألباني، وقي رواية:«إِذَا أُصِيبَ أَحَدُكُمْ بِمُصِيبَةٍ، فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي، فَإِنَّهَا أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ عِنْدَهُ» . (رواه الدارمي، وعبد الرزاق في المصنف، والطبراني في المعجم الكبير، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/ 97) برقم 1106).

ص: 746

للحزن، فتزيد به البدع ويكثر اللوم عليه من جهة الشرع؟!» (1).

الوجه الرابع عشر:

اشتمال هذه الموالد على كثير من كبائر وعظائم الأمور والتي يرتع فيها أصحاب الشهوات ويجدون فيها بغيتهم مثل: الطرب والغناء واختلاط الرجال بالنساء، ويصل الأمر في بعض البلدان التي يكثر فيها الجهل أن يشرب فيها الخمر، وكذلك إظهار ألوان من الشعوذة والسحر، ومن يحضر هذه الأماكن بغير نية القربة فهو آثم مأزور غير مأجور، فكيف إذا انضم إليه فعل هذه المنكرات على أنها قربة إلى الله عز وجل، فأي تحريف لشعائر الدين أعظم من هذا التحريف.

الوجه الخامس عشر:

اشتماله على أنواع عظيمة من البذخ والتبذير وإضاعة الأموال وإنفاقها على غير أهلها.

الوجه السادس عشر:

أن في هذه الموالد استنفاد الطاقات والجهود والأموال وإشغال الأوقات وصرف للناس عن ما يُكادُ لهم من قِبَلِ أعدائهم فتصبح كل أيامهم رقص وطرب وموالد، فمتى يتفرغون لتعلم دينهم ومعرفة ما يخطط لهم من قبل أعدائهم.

ولهذا لما جاء المستعمرون للبلاد الإسلامية حاولوا القضاء على كل معالم الإسلام وصرف الناس عن دينهم ومحاولة إشاعة الرذيلة بينهم، وما كان من تصرفات المسلمين فيه مصلحة لهم وفَتٌّ في عضد المسلمين وإضعاف لشأنهم فإنهم باركوه وشجعوه مثل الملاهي والمحرمات ونحوها، ومن ذلك البدع المحدثة التي تصرف الناس عن معالم الإسلام الحقيقية مثل بدعة المولد وغيرها من الموالد.

(1) المدخل لابن الحاج (2/ 16 - 17) باختصار.

ص: 747

نابليون بونابرت يُحْيِي المولد ويدعمه:

ذكر المؤرخ المصري الجبرتي أن المستعمرين الفرنسيين عندما احتلوا مصر بقيادة نابليون بونابرت انكمش الصوفية وأصحاب الموالد فقام نابليون وأمرهم بإحيائها ودعمها، فقد ذكر الجبرتي أن نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي، وأمره بتعليق الزينات، بل وحضر الحفل بنفسه من أوله إلى آخره (1).

ما هدفهم من تأييد ودعم مثل هذه البدع وهذه الموالد؟

يقول المؤرخ الجبرتي المعاصر لهم: «ورخص الفرنساوية ذلك للناس لِمَا رأوا فيه من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفِعْل المحرمات» (2).

ويعلق عبد الرحمن الرافعي قائلًا: «فنابليون قد استعمل سياسة الحفلات ليجذب إليه قلوب المصريين من جهة، وليعلن عن نفسه في العالم الإسلامي بأنه صديق الإسلام والمسلمين» (3).

الأمريكيون يحتفلون بالموالد:

حضر توماس رايلي السفير الأمريكي في المغرب يوم 14 أبريل 2006 عيد المولد النبوي الشريف الذي أحيته الطريقة القادرية.

وشارك السفير الأمريكي في مصر فرانسيس ريتشارد دوني أهالي مدينة طنطا احتفالاتهم بمولد السيد البدوي، اتباعًا لعادة استَنَّها منذ وصوله إلي مصر، بل إنه حرص علي لقاء شيخ مشايخ الطرق الصوفية الشيخ حسن الشناوي في أحد سرادقات

(1) انظر كتابيه عجائب الآثار (2/ 201، 249) ومظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس (ص47).

(2)

تاريخ عجائب الآثار (2/ 306).

(3)

تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم لعبد الرحمن الرافعي (ص 258 - 261).

ص: 748

الطرق الصوفية، قبل أن يذهب برفقة محافظ الغربية مترجِّلًا وسط الجموع، إلي سرادق مشيخة عموم السادة الجازولية الحسينية، حيث حضر إحدي حلقات الذكر ليشارك الحضور أذكارهم علي نغمات الدف ومع التهليل وهو جالس علي الأرض. ولاحظ المراقبون إصرار السفير علي حضور معظم احتفالات المولد (1).

الصوم بمناسبة المولد النبوى:

جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة (1/ 899) للشيخ عبد الرحمن الجزيري - عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ـ: «ويكره أيضًا صوم يوم المولد النبوي» .

وسُئل الشيخ عطية صقر رحمه الله هذا السؤال: «ما هو اليوم الذى نصومه بمناسبة المولد النبوى الشريف، وهل إذا صادف يوم جمعة يكون صومه حلالًا؟» .

فأجاب: «صيام التطوع مندوبُ لا يختص بزمان ولا مكان، ما دام بعيدًا عن الأيام التى يحرُم صيامها، وهى العيدان وأيام التشريق ويوم الشك على اختلاف للعلماء فيه، والتى يكره صيامها كيوم الجمعة وحده، ويوم السبت وحده.

وهناك بعض الأيام يستحب الصيام فيها كأيام شهر المحرم، والأشهر الحرم، وعرفة وعاشوراء، وكيوم الاثنين ويوم الخميس من كل أسبوع، والثلاثة البيض من كل شهر وهى الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وستة من شهر شوال، وكثير من شهر شعبان، كما كان يفعل النبى صلى الله عليه وآله وسلم وليس من هذه الأيام يوم ذكرى مولد النبى صلى الله عليه وآله وسلم، والذى اعتاد الناس أن يحتفلوا بها فى اليوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول، فلا يندب صومه بهذا العنوان وهذه الصفة، وذلك لأمرين:

أولهما: أن هذا اليوم لم يتفق على أنه يوم ميلاده صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قيل إنه ولد يوم التاسع من شهر ربيع الأول وقيل غير ذلك.

(1) توظيف أتباع ابن عربي في الحرب علي أتباع بن لادن، بقلم: منتصر حمادة، مجلة الراصد، العدد 62.

ص: 749

وثانيهما: أن هذا اليوم قد يصادف يومًا يُكْرَه إفراده بالصيام كيوم الجمعة فقد صح فى البخارى ومسلم النهى عنه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، إِلّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ» .

هذا بخصوص صوم يوم الميلاد النبوى فى كل عام، أما صيام يوم الاثنين من كل أسبوع فكان يحرص عليه النبى صلى الله عليه وآله وسلم، لأمرين:

أولهما: أنه قال إن الأعمال تعرض على الله فيه وفى يوم الخميس، وهو يحب أن يعرض عمله وهو صائم، كما رواه الترمذى وحسَّنه.

وثانيهما: أنه هو اليوم الذى ولد فيه وبعث فيه كما صح فى رواية مسلم، فكان يصومه أيضًا شكرًا لله على نعمة الولادة والرسالة.

فمن أراد أن يشكر الله على نعمة ولادة النبى صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته فليشكره بأية طاعة تكون، بصلاة أو صدقة أو صيام ونحوها، وليس لذلك يوم معين فى السنة، وإن كان يوم الاثنين من كل أسبوع أفضل، للاتباع على الأقل، فالخلاصة أن يوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول ليس فيه عبادة خاصة بهذه المناسبة، وليس للصوم فيه فضل على الصوم فى أى يوم آخر، والعبادة أساسها الاتباع، وحبُّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يكون باتباع ما جاء به كما قال فيما رواه البخارى ومسلم:«مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» (1).

(1) فتاوى الأزهر، نسخة إلكترونية على موقع وزارة الأوقاف المصرية www.islamic-council.com ، تاريخ الفتوى: مايو 1997.

ص: 750