الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التنبيه الثالث:
كَوْن الحديث ضعيفًا أو موضوعًا ليس معناه بالضرورة أن ما دَلَّ عليه غير صحيح؛ فقد يشير دليل آخر - آية أو حديث صحيح - إلى صحة ما دل عليه.
وإليك هذه الأمثلة:
1 -
حديث: «من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمه جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله» .
مع ضعف هذا الحديث فلا شك أن الإعانة على قتل المسلم بغير حق من الكبائر. وقد تصل الإعانة على قتل المسلم في بعض الأحوال إلى الكفر. فقد ذكر أهل العلم أن من نواقض الإسلام: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين.
وهذه المسألة ليست من المعاصي العادية أو الصغائر بل إنها مسألة متعلقة بأصل العقيدة والتوحيد وموالاة المسلم لدين الله وبراءته من أعداء الله هكذا نص الأئمة في كتبهم على هذا.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: «وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم، كما قال الله سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} (المائدة: 51)(1).
2 -
حديث «النظرة سهم من سهام إبليس من تركها خوفًا من الله آتاه الله إيمانًا يجد حلاوته في قلبه» . حديث ضعيف، وليس معنى ذلك أن المؤمن غير مأمور بغض بصره؛ بل قد قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ
(1) مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/ 274).
فُرُوجَهُنَّ} (النور: 30 - 31)، وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لِعَلِيٍّ سدد خطاكم:«يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ» (رواه أبو داود، وحسنه الألباني). وعَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَقَالَ: «اصْرِفْ بَصَرَكَ» (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
3 -
حديث «أيُّمَا امرَأةٍ مَاتَتْ وَزَوجُها رَاضٍ عَنهَا، دَخَلَتِ الجَنَّةَ» .
وليس معنى ذلك أن طاعة المرأة لزوجها ليست سببًا لدخول الجنة؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال:«إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» (رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني).
4 -
«جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة الحج والعمرة» (ضعيف).
وليس معنى ذلك أن الحج ليس من الجهاد؛ فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أَفَلَا نُجَاهِدُ؟»
قَالَ: «لَا، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ» . (رواه البخاري).
5 -
وليس معنى ذلك أن الدعاء ليس من العبادة؛ فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» ، ثُمَّ قَرَأَ:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} » (1)(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
(1) غافر: 60.
6 -
وليس معنى ذلك أن المسلم لا يتقي مواضع التهم، فعَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَىٍّ رضي الله عنها قَالَتْ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ فَقَامَ مَعِىَ لِيَقْلِبَنِى ـ وَكَانَ مَسْكَنُهَا في دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ـ فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أَسْرَعَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ» . فَقَالَا: «سُبْحَانَ اللهِ، يَا رَسُولَ الله» . قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّى خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ في قُلُوبِكُمَا شَرًّا» . أَوْ قَالَ: «شَيْئًا» . (رواه البخاري ومسلم).
7 -
وليس معنى ذلك أن من أسباب عدم إجابة الدعاء التوسع في الحرام: أكلًا، وشربًا، ولبسًا، وتغذية؛ فعَنْ أبي هُرَيرة سدد خطاكم قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَاّ طيِّبًا، وإنَّ الله تعالى أمرَ المُؤْمِنينَ بما أمرَ به المُرسَلين، فقال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} (المؤمنون: 51)، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (البقرة: 172)، ثمَّ ذكَرَ الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفرَ: أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يمُدُّ يدَيهِ إلى السَّماءِ: يا رَب يا رب، وَمَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، وَمَلْبَسُهُ حرامٌ، وَغُذِّيَ بالحَرَامِ، فأنَّى يُستَجَابُ لِذلكَ؟» . (رواهُ مُسلمٌ).