الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولي هزّة نحو الوصال أو اللّقا
…
كهزة آبائي الكرام إلى الضيف
أفيض وفيض في الجفون وبالحشا
…
فأشكو بحالي في الشتاء وفي الصيف
لعمري لقد وفّى العلا حقّ مفخري
…
لو اني في الدنيا مرادي أستوفي
قال: واستحسن ذلك ووقع عليه كاتبه، يعني بذلك نفسه.
وفاته: عصر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين وستمائة، ابن خمس وعشرين سنة.
ومن الكتاب والشعراء
الفتح بن علي بن أحمد بن عبيد الله الكاتب المشهور
«1»
من قرية تعرف بصخرة «2» الواد من قرى قلعة يحصب، يكنى أبا نصر، ويعرف بابن خاقان.
حاله: كان «3» آية من آيات البلاغة، لا يشقّ غباره، ولا يدرك شأوه، عذب الألفاظ ناصعها، أصيل المعاني وثيقها، لعوبا بأطراف الكلام، معجزا في باب الحلى والصفات، إلّا أنه كان مجازفا، مقدورا عليه، لا يملّ من المعاقرة والقصف «4» ، حتى هان قدره، وابتذلت نفسه، وساء ذكره، ولم يدع بلدا من بلاد الأندلس إلّا دخله، مسترفدا أميره، وواغلا على عليته «5» . قال الأستاذ في «الصلة» «6» : وكان معاصرا للكاتب أبي عبد الله بن أبي الخصال، إلا أنّ بطالته أخلدت «7» به عن
مرتبته. وقال ابن عبد الملك «1» : دخل «2» يوما إلى مجلس قضاء أبي الفضل عياض «3» مخمرا، فتنسّم بعض حاضري «4» المجلس رائحة الخمر، فأعلم القاضي بذلك، فاستثبت «5» ، وحدّه حدّا تاما، وبعث إليه بعد أن أقام عليه الحدّ، بثمانية دنانير وعمامة. فقال الفتح حينئذ لبعض أصحابه: عزمت على إسقاط اسم القاضي أبي الفضل من كتابي الموسوم «6» ب «قلائد العقيان» قال: فقلت: لا تفعل، وهي نصيحة، فقال «7» : وكيف ذلك؟ فقلت «8» له: قصّتك معه من الجائز أن تنسى، وأنت تريد أن تتركها «9» مؤرخة، إذ كلّ من ينظر في كتابك يجدك قد ذكرت فيه من هو مثله ودونه في العلم والصيت، فيسأل عن ذلك، فيقال له، [اتّفق معك كيت وكيت]«10» فيتوارث العلم «11» عن الأكابر الأصاغر، قال: فتبين له ذلك، وعلم صحته وأقرّ اسمه «12» .
وحدّثني بعض الشيوخ أنّ سبب حقده على ابن باجة أبي بكر «13» ، آخر فلاسفة الإسلام بجزيرة الأندلس، ما كان من إزرائه به، وتكذيبه إياه في مجلس إقرائه، إذ جعل يكثر ذكر ما وصله به أمراء الأندلس، [ويذكر الفخر بذلك]«14» ، ووصف حليا، وكانت «15» تبدو من أنفه فضلة خضراء اللون. زعموا «16» ، فقال له: فمن تلك
الجواهر إذن الزمردة التي على شاربك؟ فثلبه في كتابه بما هو معروف في الكتاب «1» .
وعلى ذلك فأبو نصر نسيج وحده، غفر الله تعالى «2» له.
مشيخته: روى «3» عن أبوي بكر: ابن سليمان بن القصيرة، وابن عيسى ابن اللبّانة، وأبي جعفر بن سعدون الكاتب، وأبي الحسن بن سراج، وأبي خالد بن مستقور «4» ، وأبي الطيّب بن زرقون، وأبي عبد الله بن خلصة الكاتب، وأبي عبد الرحمن بن طاهر، وأبي عامر بن سرور، وأبي محمد بن عبدون، وأبي الوليد بن حجاج، وابن دريد الكاتب.
تواليفه: ومصنفاته «5» شهيرة: منها «قلائد العقيان» ، و «مطمح الأنفس» ، و «المطمح» أيضا «6» . وترسيله مدوّن، وشعره وسط، وكتابته فائقة.
شعره: من شعره قوله، وثبت في قلائده، يخاطب أبا يحيى ابن الحجاج»
:
[الطويل]
أكعبة علياء وهضبة سؤدد
…
وروضة مجد بالمفاخر تمطر
هنيئا لملك «8» زان نورك أفقه
…
وفي صفحتيه من مضائك أسطر
وإني لخفّاق الجناحين كلّما
…
سرى لك ذكر أو نسيم معطّر
وقد كان واش هاجنا لتهاجر «9»
…
فبتّ وأحشائي جوى تتفطّر
فهل لك في ودّ ذوى لك ظاهرا
…
وباطنه يندى صفاء ويقطر
ولست بعلق بيع بخسا وإنني
…
لأرفع أعلاق الزمان وأخطر «10»
فروجع عنه بما ثبت أيضا في قلائده ممّا أوله «11» : [الطويل]
ثنيت، أبا نصر، عناني، وربّما
…
ثنت عزمة السّهم المصمّم أسطر
نثره: ونثره «1» شهير، وثبتّ «2» له من غير المتعارف من السّلطانيات ظهيرا كتبه عن بعض الأمراء لصاحب الشرطة، ولا خفاء بإدلاله وبراعته: كتاب تأكيد اعتناء، وتقليد ذي منّة وغناء، أمر بإنفاذه فلان، أيّده الله تعالى «3» ، لفلان ابن فلان صانه الله تعالى «4» ، ليتقدّم لولاية المدينة بفلانة «5» وجهاتها، ويصرخ «6» ما تكاثف من العدوان في جنباتها، تنويها أحظاه بعلائه، وكساه رائق ملائه، لما علمه من سنائه، وتوسّمه من غنائه، ورجاه من حسن منابه، وتحققّه من طهارة ساحته وجنابه، وتيقّن- أيّده الله تعالى «7» ! أنه مستحق لما ولّاه، مستقل «8» بما تولّاه، لا يعتريه الكسل، ولا يثنيه «9» عن إمضاء الصوارم والأسل، ولم يكل الأمر منه إلى وكل «10» ، ولا ناطه مناط «11» عجز ولا فشل، وأمره أن يراقب الله تعالى في أوامره ونواهيه، وليعلم أنه زاجره عن الجور وناهيه، وسائله عمّا حكم به وقضاه، وأنفذه وأمضاه، يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)
«12» فليتقدم لذلك «13» بحزم لا يحمد توقدّه، وعزم لا ينفد تفقّده، ونفس مع الخير ذاهبة، وعلى سنن «14» البرّ والتقوى راكبة، ويقدّم للاحتراس من عرف اجتهاده، وعلم أرقه في البحث وسهاده، وحمدت أعماله، وأمن تفريطه وإهماله، ويضمّ إليهم من يحذو حذوهم، ويقفو شأوهم، ممّن لا يستراب بمناحيه، ولا يصاب خلل في ناحية من نواحيه، وأن يذكي العيون على الجناة، وينفي عنها لذيذ السّنات «15» ، ويفحص عن مكامنهم، حتى يغصّ بالروع «16» نفس آمنهم، فلا يستقرّ بهم موضع، ولا يقرّ «17» منهم مخبّ ولا موضع، فإذا ظفر منهم بمن ظفر بحث عن باطنه، وبثّ السؤال في مواضع تصرفه ومواطنه، فإن لاحت شبهة أبداها الكشف والاستبراء، وتعدّاها البغي «18» والافتراء، نكّله بالعقوبة أشدّ نكال، وأوضح له منها ما كان ذا إشكال، بعد أن يبلغ أناه، ويقف على طرف «19» مداه، وحدّ له ألّا يكشف بشرة إلّا في حدّ يتعيّن، وإن جاءه فاسق أن يتبيّن، وأن لا يطمع في صاحب