الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولّي الوزارة ولده على عهد سادس الأمراء من بني نصر «1» ؛ استقدمه في ربيع الثاني من عام تسعة وعشرين وسبعمائة، فقدم شيخا قد استثنى أديمه واحقوقب، ومسحة الظّرف واللوذعية تتعلق منه بطلل بائد. ثم اقتضى تقلّص ظل الولاية عن ولده انصراف جميعهم إلى العدوة، فكان ذلك في رجب أو أول شعبان من العام، وبها هلك.
وفاته: توفي بمدينة فاس رابع محرم عام ثلاثين وسبعمائة. وكان كثيرا ما يتمثل بقول الشاعر: [الطويل]
نصحت فلم أفلح وخانوا فأفلحوا
…
فأنزلني نصحي بدار هوان
فإن عشت لم أنصح وإن متّ فالعنوا
…
دون النصح من بعدي بكل لسان
أخبرني بذلك شيخنا أبو الحسن بن الجياب وغيره.
عمر بن يحيى بن محلّى البطّوي
يكنى أبا علي.
حاله: كان يمتّ إلى السلطان ملك المغرب، رحمه الله، بالخؤولة، وله جرأة وجرم واضطلاع بالمهمة، إلى نكراء وخفوف إلى الفتنة واستسهال العظيمة. ولمّا تصيرت مالقة «2» إلى إيالة السلطان أمير المسلمين أبي يوسف بن عبد الحق من قبل رؤسائها من بني إشقيلولة، استظهر عليها من عمر هذا بحجاج رجاله، وقدّمه بقصبتها، وجعل لنظره جيشا أخشن يقوده رجل من كبار وصفائه. وداخل السلطان ثاني «3» الملوك من آل نصر عمر بن محلّى هذا بوساطة أخيه طلحة السابق إلى إيالته، فأحكم بينهما صرف مالقة إليه، وانتقال عمر إلى خدمته، معوّضا عن ذلك بمال له بال، مسلّما إليه حصن شلوبانية، ولأخيه طلحة مدينة المنكب، على أرزاق مقررة، وأحوال مرتبة مقدرة، فتمّ ذلك، وتحمل ثقات السلطان بقصبة مالقة ليلا مع عمر، واستدعي للغداة قائد الجيش ومثله من الوجوه، موريا بمعارضتهم، فسقط الغشاء بهم
على سرحان، وأخذهم اعتقاله رهينة استخلص بها من كان من عياله بالعدوة، وجاء بها جلواة عارية أعربت عن لؤمه وخبث أمانته، وانتقل له موفى له بعهده، فحل بحصن شلوبانية منتصف عام سبعة وستين وسبعمائة، حسبما كتب لي بعض الشّيوخ من مسنّي بقية أهله، واحتلّ أخوه طلحة بمدينة المنكب، ولم يلبث أن خرج عنها للسلطان معوضا بالمال، وأعمل الانصراف إلى الحج. وأقام عمر بشلوبانية وما يليها من العمالة، مظهرا للطاعة تمام العام المذكور، وفسد ما بينه وبين السلطان المذكور، وظهر الخلاف وأخيفت الطرق، وتحرك السلطان إلى منازلته لأشهر ثلاثة من خلافه، وحاصره أياما شدّ فيها مخنقه، فلمّا رأى عزمه، خاطب سلطانه الذي نزع عنه أمير المسلمين أبا يوسف، وعرض الحصن عليه، فبادر إليه بالأسطول، فلمّا احتل بمرسى حصنه واتصلت به يده ونشرت عنده بنوده، أفرج عنه السلطان، وانبت طمعه فيه، وصرف وجهه إلى حضرته، وبدا لعمر في أمره، فصرف الأسطول متعلّلا ببعض الأعذار، وأقام على سبيله، واتصل ذلك بالسلطان، فرتب عليه الحصن، وضيق السّبل، وتحرك في صائفة العام إلى منازلته في عدّة عظيمة، وحاصره ورماه بالمجانيق، وتتبع بها مجاثمه، فأعياه الصبر، وأعمل الحيلة بإظهار الإنابة، وعرض على السلطان التخلّي عن الحصن، وطلب منه أن يوجه لقبضه وزيره، وأحظى الرؤساء لديه، وصاحب بنده، فوجههم السلطان في طائفة من حاشيتهم، وقد أكمن لهم عمر بمعرجات الطريق، بين يدي باب القلعة، فلمّا توسطوا الكمناء، وبرز عمر ليسلم عليهم، ثار بهم رجاله الأساودة وغيرهم، وقبضوا عليهم بمرأى من السلطان، وأدخلوهم الحصن، وعاد السلطان إلى قتاله، فتوعد بقتلهم، وجعلهم بأعلى السور، ورمى عليه بحجر، فطرح أحدهم الحين، وعلا صراخهم يسترحمون السلطان، فكفّ عنه، وانصرف مكظوما. ولأيام وقعت المهادنة على تخلّيه عن شلوبانية في جملة شروط صعبة، منها العقد له على بنت السلطان المسماة بشمس، وانتقاله إلى مدينة المنكب، فتمّ ذلك في وسط ثمانية وستين بعده، وتمادت المهادنة شهورا أربعة، ثم ثاب خلافه، وضيقت عليه الحصص المرتّبة، وخرج للسلطان عن منكّب على مال وعهد، وصرف بعد وجهه إلى سلطانه، وتطارح عليه، وهو بجزيرة طريف، بعد أن أخذ أمانه، زعموا، وقد كان أخوه طلحة سبق إليه، فاعتقل يسيرا. ثم حلّ اعتقاله إيثارا للعفّة، ورعيا للمتات. ولمّا توفي السلطان أبو يوسف، اضطره حاله، وآل أمره إلى العود إلى الأندلس، وبها الأشياخ من بني عبد الله بن عبد الحق، مطالبو أبيه بدم عمّهم، سبقوا مقدمه على السلطان بإيعاز منه، وقد نزل بقرية أرملة «1» على وادي