الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علي بن بدر الدين بن موسى بن رحّو بن عبد الله ابن عبد الحق
«1»
يكنى أبا الحسن.
حاله: هذا الرجل نسيج وحده في الفضل والتخلّق، والوفاء، ونصح الجيب، وسلامة الصدر، وحسن الخلق، راجح العقل، سريّ الهمّة، جميل اللقاء، رفيع البزّة، كريم الخصال، يكتب ويشعر، ويحفظ ويطالع غرائب الفنون، صادق الموقف، معروف البسالة، ملوكيّ الصّلات، غزل، كثير الفكاهة، على تيقور وحشمة، قدّمه السلطان شيخ الغزاة بمدينة وادي آش، فلما وقعت به المحنة، وركب الليل مفلتا إليها، اتّفق لقاؤه إياه صباحا على أميال منها، وجاء به، وأدخله المدينة على حين غفلة من أهلها، فاستقرّ بقصبتها وما كاد، وأخذ له صفقة أهلها، وشمّر في الذبّ عنه تشميرا نبا فيه سمعه عن المصانعة، ودهيه عن الجملة، وكفّه عن قبول الأعواض، فلم يلف فيه العدوّ مغمزا، ولا المكيدة معجما، ولا استأثر عنه بشيء ممّا لديه، إلى أن كان انتقال السلطان عنها إلى المغرب، فتبعه مشيّعا إلى مأمنه، فتركها غريبة في الوفاء، شاع خبرها وتعوطي حديثها، على حين نكر المعروف، وجحدت الحقوق، وأخوت بروق الأمل. ثم قلق المتغلّب على الدولة بمكانه، فصرفه إلى العدوة الغربية، فاستقرّت به الدار هنالك، في أوائل عام ثلاثة وستين أو أواخر العام قبله.
وخاطبته من مدينة سلا لمكان الودّ الذي بيني وبينه بما نصّه «2» : [مخلع البسيط]
يا جملة الفضل والوفاء
…
ما بمعاليك من خفاء
عندي بالودّ فيك عقد
…
صحّفه «3» الدّهر باكتفاء
ما كنت أقضي علاك «4» حقّا
…
لو جئت مدحا بكلّ فاء
فأول وجه القبول عذري
…
وجنّب «5» الشّكّ في صفاء
سيدي «1» ، الذي هو فضل «2» جنسه، ومزيّة يومه على أمسه، فإن افتخر الدين من الله «3» ببدره افتخر منه بشمسه، رحلت عن «4» المنشإ والقرارة «5» ، ومحلّ الصّبوة والغرارة «6» ، فلم تتعلّق نفسي بذخيرة، ولا عهد حيرة «7» خيرة، كتعلّقها بتلك الذات التي لطفت لطافة الرّاح، واشتملت بالمجد الصّراح، شفقة أن تصيبها معرّة «8» والله تعالى «9» يقيها، ويحفظها ويبقيها، إذ الفضائل في الأزمان الرّذلة غوائل «10» ، والضّدّ منحرف بالطبع ومائل. فلمّا تعرّفت خلاص سيدي من ذلك الوطن، وإلقاءه «11» وراء الفرضة بالعطن، لم تبق لي تعلّة «12» ، ولا أجرضتني «13» علّة، ولا أوتي جمعي من قلّة، فكتبت أهنىء نفسي الثانية بعد هناء نفسي الأولى، وأعترف للزمن «14» باليد الطولى. فالحمد لله الذي جمع الشّمل بعد شتاته، وأحيا الأنس بعد مماته، سبحانه لا مبدّل لكلماته. وإياه أسأل أن يجعل العصمة حظّ سيدي ونصيبه، فلا يستطيع حادث أن يصيبه، وأنا أحدج «15» عن بثّ كمين، ونصح أنابه قمين، بعد أن أسبر غوره، وأخبر طوره، وأرصد دوره، فإن كان له في التّشريق «16» أمل، وفي ركب الحجاز ناقة وجمل، والرأي فيه قد نجحت منه نيّة وعمل، فقد غني عن عوف «17» والبقرات، بأزكى الثمرات، وأطفأ هذه الجمرات، برمي الجمرات، وتأنّس بوصل السّرى ووصال السّراة، وأناله «18» إن رضي مرافق، ولو أغري «19» به خافق.
وإن كان على السّكون بناؤه، وانصرف إلى الإقامة اعتناؤه، فأمر له ما بعده، والله يحفظ من الغير «20» سعده. والحقّ أن تحذف الأبهة وتختصر، ويحفظ «21» اللسان
ويغضّ «1» البصر، وينخرط في الغمار، ويخلّى عن المضمار، ويجعل من المحظور مداخلة من لا خلاق له، ممّن لا يقبل الله تعالى «2» قوله ولا عمله، فلا يكتم سرّا، ولا يتطرّق «3» من الرّجولة زمرا «4» ، ورفض «5» الصّحبة زمام السلامة، وترك النّجاة علامة. وأمّا حالي فكما «6» علمتم ملازم كنّ «7» ، ومبهوظ «8» تجربة وسنّ، أزجي الأيام، وأروم بعد التفرّق الالتئام، خالي اليد، مالئ «9» القلب والخلد، بفضل الواحد الصّمد، عامل على الرّحلة الحجازية التي أختارها لكم ولنفسي، وآمل في التماس الإعانة عليها يومي بأمسي، أوجب ما قرّرته لكم ما أنتم أعلم به من ودّ قرّرته الأيام والشهور، والخلوص المشهور، وما أطلت في شيء عند قدومي على هذا الباب الكريم إطالتي فيما يختصّ بكم من موالاته، وبذل مجهود القول والعمل في مرضاته. وأما ذكركم في هذه الأوضاع، فهو ممّا يقرّ عين المجادة، والوظيفة التي تنافس «10» فيها أولو السيادة، والله يصل بقاءكم، وييسّر لقاءكم، والسلام.
وهذا الفاضل ممن جال فيه لاختيار الإمارة أيام مقامه بالعدوة الغربية؛ لذياع فضله، وكرم خلاله. وقفل إلى الأندلس عند رجوع الدولة، فجنى ثمرة ما أسلفه، وقدّم شيخ الغزاة بمالقة، ثم نقل إلى التي لا فوقها من تقديمه شيخ الغزاة بحضرته منّة لا على ميادين حظوته، مقطعا جانب تجلّته، فبلي الناس على عهد ولايته الفتوح الهنيّة، والنّعم السّنية. ولما قفل السلطان، أيّده الله، من فتح قاعدة جيّان، أصابه مرض، توفي منه في ثالث صفر من عام تسعة وستين وسبعمائة، فتأثّر الناس لفقده، لما بلوه من يمن طائره، وحسن موارده ومصادره. وكان قد صدر له المنشور الكريم، من إملائي، بما ينظر في اسم المؤلف، في آخر هذا الديوان.