الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكروا أنه حجّ وقفل والعودة تتبعه، والنفوس لمتوقّع شؤمه مكرهة. ورجي أن يكون ماء زمزم وضوء النقع، أو أنّ مشاهدته الآثار الكريمة تصلح ما فسد من حاله، فآب شرّ إياب، وربما نبض له شريان من جدّه الذي تقدم في خدمة النصارى ذكره، فأجاز البحر إلى ملك برجلونة، فجعل تقبيل كفّه لاستلام الحجر الأسود وسيلة ثانية وقربة مزلفة، والقول بفضل وطنه حجّة صادقة، ثم قلق لخيبة قصده، وخلوّ يده من الزّقوم الذي كان قد احتجنه للمهمّ من أمره، واستيلاء النّحس على بيت سعده، فصرف وجهه المشؤوم إلى المغرب، فاحتلّ به، وجعل يطوق كل من أسلف له بداء الذّام، ويشيع عنه سوء القيلة، ويجهر في المجتمعات والدّكاكين بكل شنيع من القول، بالغا في ألفاظ السّغيلة أقصى مبالغ الفحش، لطف الله بنا أجمعين.
عثمان بن إدريس بن عبد الله بن عبد الحق بن محيو
«1»
من قبيل بني مرين، يكنى أبا سعيد، شيخ الغزاة بجزيرة الأندلس على عهده.
أوليتهم: جدّ هؤلاء الأقيال الكرام، الذي يشترك فيه الملوك الغرّ من بني مرين بالعدوة، مع هؤلاء القرابة، المنتبين عنهم أضرار التّراث، ودواعي المنافسات، عبد «2» الحق بن محيو. وكان له من الولد إدريس وعثمان وعبد الله ومحمد وأبو يحيى ويعقوب، فكان الملوك بالمغرب من ولد يعقوب، وهؤلاء من ولد عبد الله وإدريس ويعقوب ورحّو. ولمّا قتل جدّهم يعقوب بيد ابن عمّه عبد الحق بن يعقوب، أجفل أخواه ومن معهم، وانتبذوا، واستقرّوا بتلمسان، بعد أمور يطول شرحها. ثم اجتاز الشيخ أبو سعيد في جملة من اجتاز منهم إلى الأندلس، فنال بها العزّة والشّهرة.
حاله: كان رجل وقته جلالة وأصالة، ودهاء وشهرة وبسالة، مرمى لاختيار عتاقة وفراهة، واحد الزّمن أبّهة ورواء، وخلقا ورجاحة، أيّدا، عظيم الكراديس، طوالا، عريض المنكب، أقنى الأنف، تقع العين منه على أسد عيص، وفحل هجمة، بعيد الصيت، ذائع الشهرة، منجب الولد، يحمي السّرح، ويزين الدّست. لحق بتلمسان مع زوج أمّه وعمّه، موسى بن رحّو، عندما فرّوا من الجبل بأحواز وزغة، شابا كما اجتمع، وأجاز البحر منها، وخدم مرتزقا بها. ثم عاد إلى العدوة برضا من
عمه السلطان بها. ثم فرّ عنه ولحق بالأندلس، واستقرّ بها، وولّي خطّة الشّياخة العامة، وهي ما هي، من سموّ الهضبة، وورود الرّزق، وانفساح الإقطاع، فشارك، وتبنّك النّعيم، وأقبل ما استظهر به على ما وراء مدينة سبتة، عند انتظامها في الإيالة النّصرية، فشنّ الغارة، ودعا إلى نفسه، وخلا فطلب النّزال، فغلبت غارته أحواز وادي سبو. ثم رجع أدراجه إلى الأندلس، وذمّر السلطان أبا الوليد، منفق حظوته على طلب الملك، ففازت به قداحه، واستولى على الجمّ من ريق دنياه، وسلّ الكثير من ماله وذخيرته في أبواب من العبادة، والاسترضاء والاستهداء. ولمّا توفي، تضاعف لطف محلّه من ولده، إلى أن ساء ما بينه وبين مدبّر أمره ابن المحروق، ونفر عنه، مؤاخذا بألقيات كانت سلّما إلى تجنّيه، يحسب أن الافتقار إليه يعبّد له كل وعث، فاغتنم المذكور نفرته، واستبصر في الانتباذ عنه، مطيعا دواعي الخور والرّهبة، من شؤوب حاله. وأجلى الأمير عن رحيله وولده إلى ساحل ألمريّة، موادعا، مزمعا الرحيل عن الأندلس. وارتاد الجهات، وراسل الملوك بالعدوة، فكلّ صمّ عن ندائه، وسدّ السبيل إليه، فداخل قوما من مشيخة حصن أندرش حاضرة وطن الجباية، فاستولى عليه، وانتقل إليه بجملته، وراسل الطّاغية، فتحرّك إلى منازلة حصن وبرة من الحصون التاكرونيّة، ففازت به قداحه، واستدعي عمّ السلطان، وهو الرئيس أبو عبد الله بن فرج بن نصر، من تلمسان، فدعا إليه، وشملت الفتنة، وكانت بينه وبين جيش الحضرة وقائع تناصف فيها القوم خطّتي المساجلة إلى أن نفد صبره وماله، وسمت فتنته الدولة، واقتضت مسالمته المصلحة، فعوهد على التخلّي عن الحصن، وصرف أميره إلى متبوّئه الأقصى، وانتقاله إلى مدينة وادي آش؛ ليكون سكنه بها تحت جرايات مقدّرة، وذلك في شهر رمضان ثمانية وعشرين وسبعمائة، وعلى تفيئة ذلك، عدا على مناوءة أميره، ففتك به، واستقدم الشيخ أبا سعيد فأعاده إلى محلّه، واستمرّت على ذلك حياته إلى مدة حياته، إلى أن توفي في أخريات أيامه.
وفاته: ولمّا نزل العدوّ ثغر أطيبة، ونهض جيش المسلمين إلى مضايقته، أصابه المرض. ولمّا أشفى «1» نقل «2» إلى مالقة، فكانت بها وفاته يوم الأحد ثاني ذي حجة من عام ثلاثين وسبعمائة عن سنّ عاليه تنيف على الثمانين سنة، ونقل إلى غرناطة، فووري بها، وبنيت عليه بنية ضخمة، وصار أمره إلى ولده. ونقش على قبره في الرخام: