الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفارسي، وكتاب سيبويه. وسمع جمل الزجّاجي، وغير ذلك من كتب العربية، ممن كان يقرأ في المجلس، وقرأ عليه طائفة كبيرة من تذكرة الفارسي مما يتعلّق بمسائل الكتاب، بعد أن جرّدها من التذكرة. وبلغ الغاية في الفن النحوي، وفاق أصحاب أبي علي بأسرهم.
وفاته: توفي، رحمه الله، في شهر ربيع الآخر «1» من سنة ثمانين وستمائة، وقد قارب التسعين «2» . [قلت: العجب من الشيخ الخطيب، رحمه الله، كيف لا يذكر للمترجم به، رحمه الله، شرحه لجمل الزجّاجي، بل شرحه الصغير والكبير؟ ولم يكن اليوم على الزجّاجي أجدى منها، ولا أنفع، ولا أقلّ فضولا، ولا أفصح عبارة، ولا أوجز خطابة، ولا أجمل إنصافا، ولا أجود نظرا «3» ] .
الكتاب والشعراء وأولا الأصليون منهم
علي بن محمد بن عبد الحق بن الصباغ العقيلي
«4»
يكنى أبا الحسن، من أهل غرناطة.
حاله: صاحبنا أبو الحسن، من «5» أهل الفضل والسّراوة والرّجولة والجزالة. فذ في الكفاية، ظاهر السذاجة والسلامة، مصعب لأضداده، شديد العصبة «6» لأولي ودّه، في أخلاقه حدّة، وفي لسانه نبالة، أخلّا به، مشتمل على خلال من خطّ بارع، وكتابة حسنة، وشعر جيد، ومشاركة في فقه وأدب ووثيقة، ومحاضرة ممتعة. ناب عن بعض القضاة، وكتب الشروط، وارتسم في ديوان الجند، وكتب عن شيخ الغزاة أبي زكريا يحيى «7» بن عمر على عهده. ثم انصرف إلى العدوة سابع عشر جمادى الأولى من عام ثلاثة «8» وخمسين وسبعمائة، فارتسم في الكتابة السلطانية منوّها به، مستعملا في خدم مجدية، بان غناؤه فيها، وظهرت كفايته.
وجرى ذكره في كتاب التّاج بما نصّه «1» : اللّسن العارف، والنّاقد «2» الجواهر المعاني كما يفعل بالسّكة الصّيارف، الأديب المجيد، الذي تحلّى به للعصر «3» النّحر والجيد، إن أجال جياد براعته فضح فرسان المهارق، وأخجل بين بياض طرسه وسواد نقسه «4» الطّرر تحت المفارق. وإن جلا أبكار أفكاره، وأثار طير البيان «5» من أوكاره، وسلب الرّحيق المفدّم «6» فضل أبكاره «7» ، إلى نفس لا يفارقها ظرف، وهمّة لا يرتدّ إليها طرف، وإباية «8» لا يفلّ لها غرب ولا حرف. وله أدب غضّ، زهره عن «9» مجتنيه مرفضّ «10» . كتبت إليه أنتجز «11» وعده في الالتحاف «12» برائقه، والإمتاع بزهر هواتفه «13» ، وهو قولي «14» :[الكامل]
عندي لموعدك افتقار محوج «15»
…
وعهودك افتقرت إلى إنجازها
والله يعلم فيك صدق مودّتي
…
وحقيقة الأشياء غير مجازها
فأجابني بقوله: [الكامل]
يا مهدي الدّرّ الثمين منظّما
…
كلما حلال السّحر في إيجازها
أدركت حلبات الأوائل وانيا
…
ورددت أولاها على أعجازها
أحرزت في المضمار خصل سباقها
…
ولأنت أسبقهم إلى إحرازها
حلّيت بالسّمطين مني عاطلا
…
وبعثت من فكري متات 1» مفازها
فلأنجزنّ مواعدي مستعطفا
…
فاسمح وبالإغضاء منك مجازها
ومن مقطوعاته قوله «17» : [المديد]
ليت شعري والهوى أمل
…
وأماني الصّبّ لا تقف
هل لذاك الوصل مرتجع
…
أو لهذا الهجر «1» منصرف؟
ومن ذلك: [الطويل]
وظبي سبى «2» بالطّرف والعطف والجيد «3»
…
وما حاز من غنج ولين ومن غيد
أتيت «4» إليه بالدّنوّ مداعبا
…
فقال: أيدنو الظّبي من غابة الأسد؟
وقال من مبدإ قصيدة مطولة فيما يظهر منها «5» : [الطويل]
حديث المغاني بعدهنّ شجون
…
وأوجه أيام التباعد جون «6»
لحا الله أيام الفراق فكم شجت
…
وغادرت الجذلان وهو حزين
وحيّا ديارا في ربى أغرناطة
…
وإنّي بذاك القرب فيه «7» ضنين
ليالي أنفقت الشباب مطاوعا
…
وعمري لدى البيض الحسان ثمين «8»
فأرخصت «9» فيها من شبابي ما غلا
…
وغرمي «10» على مال العفاف أمين
خليليّ، لا أمر، بأربعها قفا
…
فعندي إلى تلك الرّبوع حنين
ألم ترياني كلّما ذرّ شارق
…
تضاعف عندي عبرة وأنين؟
إذا لم يساعدني أخ منكما فلا
…
حدت نحو «11» قرن بعد ذاك أمون
أليس عجيبا في البريّة من لنا
…
إلى عهد إخوان الزمان «12» ركون؟
فلا تثقن من ذي «13» وفاء بعهده
…
فقد أجن السّلسال وهو معين
لقلبي «14» عذر في فراق ضلوعه
…
وللدمع في ترك الشؤون شؤون
ومن ترك الحزم المعين فإنه
…
لعان بأيدي الحادثات رهين
رعى الله أيامي الوثيق ذمامها
…
فإنّ مكاني في الوفاء مكين