الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أرزاء، وكان جزء منه يعدل «1» أجزاء، فعلى قدرها تصاب العلياء، وأشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء. ذلك لتبيّن «2» فضيلة الرّضا والتسليم، وتتعيّن صفات «3» من يأتي الله بالقلب السّليم، ويعلم كيف يخلف «4» الكريم للكريم، وكيف يحلّ الأجر العظيم، وهب الله لكم في مصابكم صبرا على قدره، وسكب ديم مغفرته على مثوى فقيدكم وقبره، وطيّب بعرف روضات الجنّات جنبات قصره، ونفعه بما كان أودعه من أسرار العلوم في صدره، وخلّفه منكم بكل سريّ بحلّة المجد من كل نديّ «5» بصدره.
قلت: ذكر الشيخ ابن الخطيب في الأصل في هذه الترجمة «الأعيان والوزراء» ، ستة من أهل هذا البيت، كلّهم يسمون بهذا الاسم، عدا واحدا، فإنه سمي بسعيد، وذاك مما يدلّ على كثرة النباهة والأصالة والوجاهة، رحمهم الله.
سليمان بن موسى بن سالم بن حسان بن أحمد ابن عبد السلام الحميري الكلاعي
«6»
بلنسي الأصل، يكنى أبا الربيع، ويعرف بابن سالم.
حاله: كان «7» بقيّة الأكابر من أهل العلم بصقع الأندلس الشّرقي، حافظا للحديث، مبرّزا في نقده، تامّ المعرفة بطرقه، ضابطا لأحكام أسانيده، ذاكرا لرجاله «8» ، ريّان من الأدب، كاتبا بليغا. خطب «9» بجامع بلنسية واستقضي، وعرف بالعدل والجلالة، وكان مع ذلك من أولي الحزم والبسالة، والإقدام والجزالة
والشهامة، يحضر الغزوات، ويباشر بنفسه القتال، ويبلى البلاء الحسن، آخرها الغزاة التي استشهد فيها.
مشيخته: روى «1» عن أبي القاسم بن حبيش وأكثر عنه، وأبي محمد بن عبيد الله، وأبي عبد الله بن زرقون، وأبي عبد الله بن حميد، وأبي بكر بن الجدّ، وأبي محمد بن سيد بونة، وأبي بكر بن مغاور، وأبي محمد عبد المنعم بن عبد الرحيم بن الفرس، وأبي بكر بن أبي جمرة، وأبي الحسن بن كوثر، وأبي خالد بن رفاعة، وأبي جعفر بن حكم، وأبي عبد الله بن الفخار، وأبي الحجاج بن الشيخ، وأبي عبد الله بن نوح، وأبي الحجاج بن أبي محمد بن أيوب، وأبي بكر عتيق بن علي العبدري، وأبي محمد عبد الوهاب بن عبد الصمد بن عتّاب الصّدفي، وأبي العباس بن مضاء، وأبي القاسم بن سمحون، وأبي الحسن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع الأشعري، وأبي زكريا الأصبهاني، وأبي بكر أسامة بن سليم، وأبي محمد عبد الحق الأزدي، وأبي محمد الشاذلي، وأبي الطاهر بن عوف، وأبي عبد الله الحضرمي، وجماعة غير هؤلاء من أهل المشرق والمغرب.
من روى عنه: روى «2» عنه أبو بكر بن أبي جعفر بن عمر «3» ، وعبد الله بن حزب الله، وأبو جعفر بن علي، وابن غالب «4» ، وأبو زكريا بن العباس، وأبو الحسن طاهر بن علي، وأبو الحسين عبد الملك بن مفوز، وابن الأبّار، وابن الجنّان، وابن الموّاق، وأبو العباس بن هرقد، وابن الغمّاز، وأبو عمرو بن سالم، وأبو محمد بن برطلة، وأبو الحسن الرعيني، وأبو جعفر الطّنجالي، وأبو الحجاج بن حكم، وأبو علي بن الناظر.
تصانيفه: منها «5» «مصباح الظّلم» في الحديث، و «الأربعون حديثا «6» عن أربعين شيخا لأربعين من الصحابة «7» » ، و «الأربعون السباعية «8» » ، و «السباعيات من حديث الصدفي «9» » ، و «حلية الأمالي، في المراقبات «10» العوالي» ، و «تحفة الوداد، ونجعة
الرّوّاد «1» » ، و «المسلسلات والإنشادات «2» » ، و «كتاب الاكتفاء في»
مغازي رسول الله، ومغازي الثلاثة الخلفاء» ، و «ميدان السابقين، وحلية «4» الصّادقين المصدّقين» في غرض كتاب الاستيعاب، ولم يكمله، و «المعجم ممن «5» وافقت كنيته زوجه من الصحابة» ، و «الإعلام بأخبار البخاري الإمام» ، و «المعجم في مشيخة أبي القاسم بن حبيش» ، و «برنامج رواياته» «6» . و «جني الرطب في سني الخطب» ، و «نكتة الأمثال ونفثة السّحر الحلال» ، و «جهد النصيح، في معارضة المعرّي في خطبة الفصيح» ، و «الامتثال لمثال المنبهج «7» في ابتداع الحكم واختراع الأمثال» ، و «مفاوضة القلب العليل ومنابذة الأمل الطويل بطريقة أبي العلاء المعري في ملقى السبيل» ، و «مجاز فتيا اللّحن للّاحن الممتحن» ، يشتمل على مائة مسألة ملغّزة، و «نتيجة الحب الصميم وزكاة المنثور والمنظوم» ، و «الصحف المنشرة، في القطع المعشّرة» ، و «ديوان رسائله» ، سفر متوسط، و «ديوان شعره» ، سفر «8» .
شعره: من شعره ما كتب به إلى أبي بحر صفوان بن إدريس، عقب انفصاله من بلنسية عام سبعة وثمانين وخمسمائة «9» :[الطويل]
أحنّ إلى نجد ومن حلّ في نجد
…
وماذا الذي يغني حنيني أو يجدي؟
وقد أوطنوها وادعين وخلّفوا
…
محبّهم رهن الصّبابة والوجد
تبيّن بالبين اشتياقي إليهم
…
ووجدي فساوى ما أجنّ «10» الذي يبدي «11»
وضاقت على الأرض حتى كأنها
…
وشاح بخصر أو سوار على زند
إلى الله أشكو ما ألاقي من الجوى
…
وبعض الذي لاقيته من جوى يردي «1»
فراق أخلّاء وصدّ أحبّة
…
كأنّ صروف الدهر كانت على وعد
فيا سرحتي نجد، نداء متيّم
…
له أبدا شوق إلى سرحتي نجد
ظمئت، فهل طلّ يبرّد لوعتي؟
…
ضحّيت «2» ، فهل ظلّ يسكّن من وجد؟
ويا زمنا قد مرّ «3» غير مذمّم
…
لعلّ الأنس قد تصرّم من ردّ
ليالي نجني الأنس من شجر المنى
…
ونقطف زهر الوصل من شجر الصّدّ
وسقيا لإخوان بأكناف حائل «4»
…
كرام السّجايا لا يحولون عن عهد
وكم لي بنجد من سريّ ممجّد
…
ولا كابن إدريس، أخي البشر والجدّ «5»
أخو همّة كالزّهر في بعد نيلها
…
وذو خلق كالزّهر غبّ الحيا العدّ «6»
تجمّعت الأضداد فيه حميدة
…
فمن خلق سبط ومن حسب جعد
أيا راحلا أودى بصبري رحيله
…
وفلّل من عزمي وثلّم من حدّي «7»
أتعلم ما يلقى الفؤاد لبعدكم؟
…
ألا مذ نأيتم لا يعيد ولا يبدي «1»
فيا ليت شعري! هل تعود لنا المنى؟
…
وعيش كما نمنمت حاشيتي برد؟
عسى الله أن يدني السرور بقربكم
…
فيبدو بنا الشّمل «2» منتظم العقد
ومن شعره في النسيب وفقد الشباب «3» : [الطويل]
توالت «4» ليال للغواية جون
…
ووافى صباح للرّشاد مبين
ركاب شباب أزمعت عنك رحلة
…
وجيش مشيب «5» جهّزته منون
ولا أكذب الرحمن فيما أجنّه «6»
…
وكيف وما «7» يخفى عليه جنين «8» ؟
ومن لم يخل أنّ الرّياء يشينه
…
فمن مذهبي أن الرّياء يشين
لقد ريع قلبي للشّباب وفقده
…
كما ريع بالعقد «9» الفقيد ضنين «10»
وآلمني وخط المشيب بلمّتي
…
فخطّت بقلبي للشجون فنون
وليل «11» شبابي كان أنضر منظرا
…
وآنق مهما لاحظته عيون
فآها «12» على عيش تكدّر صفوه
…
وأنس خلا منه صفا وحجون
ويا ويح فودي أو فؤادي كلّما
…
تزيّد شيبي كيف بعد يكون؟
حرام على قلبي سكون بغرّة «13»
…
وكيف مع الشّيب الممضّ «14» سكون؟
وقالوا: شباب المرء شعبة جنّة
…
فما لي عراني للمشيب «15» جنون؟
وقالوا شجاك الشيب «1» حدثان ما أتى
…
ولم يعلموا أنّ الحديث شجون»
وقال في الاستعانة والتوكل عليه «3» : [الطويل]
أمولى الموالي ليس غيرك لي مولى
…
وما «4» أحد يا ربّ منك بذا أولى
تبارك وجه وجّهت نحوه المنى
…
فأوزعها شكرا وأوسعها طولا
وما هو إلّا وجهك الدائم الذي
…
أقلّ حلى عليائه يخرس القولا
تبرّأت من حولي إليك وقوّتي
…
فكن قوتي في مطلبي وكن الحولا «5»
وهب لي الرضا مالي سوى ذاك مبتغى
…
ولا لقيت نفسي على نيله «6» الهولا
وقال «7» : [الطويل]
مضت لي سبع «8» بعد عشرين «9» حجّة
…
ولي حركات بعدها وسكون
فيا ليت شعري كيف «10» أو أين أو متى
…
يكون الذي لا بدّ أن سيكون؟
واستجاز المترجم به من يذكر بما نصه: المسؤول من السادة العلماء أئمة الدين، وهداة المسلمين، أن يجيزوا لمن ثبت اسمه في هذا الاستدعاء، وهم المولى الوزير العالم الفاضل الأشرف بهاء الدين أبو العباس أحمد ابن القاضي الأجل أبي عبد الرحمن بن علي البيساني، ولولديه أبي عبد الله، محمد، وأبي عبد الله الحسين وولده عبد الرحيم، ولأولاد ولده أبي الفتح حسن، وأبوي محمد عبد الرحمن ويوسف، ولمماليكه سنقر وأخيه الصغير وسنجر التركيون «11» ، وأفيد وأقسر الروميان «12» ، ولكمال بن يوسف بن نصر بن ساري الطباخ، وللوجيه أبي الفخر بن بركات بن ظافر بن عساكر. ولأبي الحسن بن عبد الوهاب بن وردان، ولأبي البقاء
خالد بن يوسف الشّاذلي ولولده محمد، ولمحمد بن يوسف بن محمد البزالي الإشبيلي ولولده، ولعبد العظيم بن عبد الله المندري ولولده أبي بكر، ولأبي الحسن بن عبد الله العطّار جميع ما يجوز لهم روايته من العلوم على اختلافها، وما لهم من نظم ونثر، وإن رأوا تعيين موالدهم ومشايخهم وإثبات أبيات يخفّ موقعها ثراه من الزلل، ومما يخالف الحق، فعلوا مأجورين. وكتب في العشر الأخر من شهر ربيع الآخر سنة ثلاثين وستمائة.
فكتب مجيزا بما نصه: قال سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي، وكتب بيده تجاوز الله عنه، وأقام بالعفو من أوده: إني لمّا وقفت على هذا الاستدعاء، أجاب الله في مستدعيه المسمى فيه صالح الدعاء، اقتضى حق المسؤول له، الوزير الأجل، العالم الأشرف الأفضل بهاء الدين أبو العباس ابن القاضي الأجل، الفاضل العلم الأوحد، ندرة الزمان، ولسان الدهر، وقسّ البيان، أبو «1» علي عبد الرحيم بن علي، أعلى الله قدره ورفعه، ووسم سلفه الكريم ونفعه، تأكيد الإسعاف، بحكم الإنصاف، له ولكل من سمي معه، فأطلقت الإذن لجميعهم، على تباعد أفكارهم وتدانيها، وتباين أقدارهم وتساويها، من أب سنيّ، وذرّية عريقة في النّسب العلي، ومماليك له تميّزوا بالنسب المولوي، وسمّين بعدهم، اعتلقوا من الرغبة في نقل العلم بالحبل المتين والسبب القوي. والله بالغ بجميعهم من تدارك الآمال أبعد الشّأو القصي، ويجريهم من مساعدة الإمكان، ومسالمة الزمان، على المنهج المرضي، والسنن السّوي، أن يحدّثوا بكل ما اشتملت عليه روايتي، ونظمته عنايتي، من مشهور الدواوين، ومنثور الأجزاء المنقولة عن ثقات الرّاوين، وغير ذلك من المجموعات في أي علم كان من علوم الدين، وكل ما يتعلق بها من قرب أو بعد مما يقع عليه التّعيين، وبما يصح عندهم نسبته إليّ من مجموع جمعته، ومنظوم نظمته، أو نثر صنعته. الإباحة العامة على ذلك آتية، ومقاصد الإسعاف لرغباتهم فيه مطاوعة وموافية، فليرووا عني من ذلك موفّقين، ما شاءوا أن يرووه، وليلتزموا في تحصيله أولا وأدائه ثانيا أوفى ما التزمه العلماء واشترطوه. ومن جلّه شيوخي وصدورهم الذين سمعت منهم، وأخذت بكل وجوه الأخذ عنهم، القاضي الإمام الخطيب العلّامة أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن حبيش، آخر أئمة المحدثين بالمغرب، رضي الله عنهم. والإمام الحافظ الصدر الكبير أبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن فرج بن الجدّ الفهري. والفقيه المشاور القاضي المسند أبو عبد الله محمد بن أبي الطيب.
والفقيه الحافظ أبو محمد عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم الخزرجي. والقاضي الخطيب النحوي أبو عبد الله محمد بن جعفر بن حميد. والأستاذ الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جمهور القيسي. والشيخ الراوية الثقة أبو محمد عبد الحق بن عبد الملك بن بونه بن سعيد بن عصام العبدري. والشيخ الصالح أبو جعفر أحمد بن حكم القيسي الحصّار الخطيب بجامع غرناطة. والفقيه القاضي الأجزل أبو العباس يحيى بن عبد الرحمن بن الحاج. والقاضي الفقيه الحسيب أبو بكر بن أبي جمرة.
والقاضي أبو بكر بن مغمور. والقاضي المسند أبو الحسين عبد الرحمن بن ربيع الأشعري. وسوى هؤلاء ممن سمعنا منه كثيرا، وكلهم أجازني روايته وما سمعه.
وقرأت على الخطيب أبي القاسم بن حبيش غير هذا وسمعت كثيرا، وتوفي، رحمه الله، بمرسية في الرابع عشر لصفر لسنة أربع وثمانين وخمسمائة. ومولده سنة أربع وخمسمائة، على ما أخبرني به، رحمه الله ورضي عنه. ومما أخذته عن الحافظ أبي بكر بن الجدّ بإشبيلية بلده، موطّأ مالك، رواية يحيى بن يحيى القرطبي، أخبرني به عن أبي بحر سفيان بن العاصي الأسدي الحافظ، سماعا بأسانيده المعلومة. وتوفي الحافظ أبو بكر سنة ست وثمانين. وقرأت على الفقيه أبي عبد الله بن زرقون أيضا موطّأ مالك، وحدّثني به عن أبي عبد الله الخولاني إجازة، قال: سمعته على أبي عمرو عثمان بن أحمد بن يوسف اللخمي؛ عن أبي عيسى يحيى بن عبد الله بن أبي عيسى، عن أبيه عبيد الله بن يحيى الليثي، عن أبيه عن مالك بن أنس، رضي الله عن جميعهم. ولا يوجد اليوم بأندلسنا ومغربنا بأعلى من هذه الأسانيد. وممن كتب لي بالإجازة من ثغر الإسكندرية الإمام الحافظ مفتي الديار المصرية ورئيسها أبو الطاهر بن عوف، والفقيه الحاكم أبو عبد الله بن الحضرمي، والفقيه المدرس أبو القاسم بن فيرّه، وغيرهم، نفعنا الله بهم، ووفقنا للاقتداء بصالح مذهبهم. وأما المولد الذي وقع السؤال عنه، فإني ولدت على ما أخبرني أبواي، رحمهما الله، بقاعدة مرسية، مستهل رمضان المعظم سنة خمس وستين وخمسمائة «1» . ومما يليق أن يكتب في هذا الموضع ما أنشدني شيخنا «2» الفقيه أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن مغاور، رحمه الله، في منزله بشاطبة سنة ست وثمانين وخمسمائة، وهو بقيّة مشيخة الكتّاب بالأندلس لنفسه، مما أعدّه ليكتب على قبره:[الخفيف]
أيها الواقف اعتبارا بقبري
…
استمع فيه قول عظمي الرميم
أودعوني بطن الضريح وخافوا
…
من ذنوب كلومها بأديم
قلت: لا تجزعوا عليّ فإنّي
…
حسن الظّنّ بالرؤوف الرحيم
ودعوني بما اكتسبت رهينا
…
غلق الرّهن عند مولى كريم
انتهى. وكتب هذا بخطه في مدينة بلنسية، حماها الله، سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي، في الموفي عشرين لجمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وستمائة.
والحمد لله رب العالمين.
وفاته: كان أبدا يقول: إن منتهى عمره سبعون سنة لرؤيا رآها في صغره، فكان كذلك، واستشهد في الكائنة على المسلمين بظاهر أنيشة «1» على نحو سبعة أميال منها؛ لم يزل متقدما أمام الصفوف زحفا إلى الكفار، مقبلا على العدو، ينادي بالمنهزمين من الجند: أعن الجنّة «2» تفرّون؟ حتى قتل صابرا محتسبا، غداة يوم الخميس لعشر بقين من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وستمائة.
ورثاه أبو عبد الله بن الأبّار، رحمه الله، بقوله «3» :[الطويل]
ألمّا بأشلاء العلى والمكارم
…
تقدّ بأطراف القنا والصّوارم
وعوجا عليها مأربا وحفاوة «4»
…
مصارع غصّت «5» بالطّلا والجماجم
نحيّي «6» وجوها في الجنان «7» وجيهة
…
بما لقيت «8» حمرا وجوه الملاحم
وأجساد إيمان كساها نجيعها «1»
…
مجاسد «2» من نسج «3» الظّبى واللهازم «4»
مكرّمة حتى عن الدّفن في الثرى
…
وما يكرم الرحمن غير الأكارم
هم القوم راحوا للشهادة فاغتدوا «5»
…
وما لهم في فوزهم من مقاوم
تساقوا كؤوس الموت في حومة الوغى
…
فمالت بهم ميل الغصون النّواعم
مضوا في سبيل الله قدما كأنما
…
يطيرون من أقدامهم بقوادم
يرون جوار الله أكبر مغنم
…
كذاك جوار الله أسنى المغانم
عظائم نالوها «6» فخاضوا لنيلها
…
ولا روع يثنيهم صدور العظائم
وهان عليهم أن تكون لحودهم
…
متون الرّوابي أو بطون التّهائم
ألا بأبي تلك الوجوه سواهما
…
وإن كنّ عند الله غير سواهم
عفا حسنها إلّا بقايا مباسم «7»
…
يعزّ علينا وطؤها بالمناسم
وسؤر أسارير تنير طلاقة
…
فتكسف أنوار النجوم العواتم
لئن وكفت فيها الدموع «1» سحائبا
…
فعن بارقات لحن فيها لشائم
ويا بأبي تلك الجسوم نواحلا
…
بإجرائها نحو الأجور الجسائم
تغلغل فيها كلّ أسمر ذابل
…
فجدّل «2» منها كلّ أبيض ناعم
فلا يبعد الله الذين تقرّبوا
…
إليه بإهداء النفوس الكرائم
مواقف أبرار قضوا من جهادهم
…
حقوقا عليهم كالفروض اللّوازم
أصيبوا وكانوا في العبادة أسوة
…
شبابا وشيبا بالغواشي «3» الغواشم
فعامل رمح دقّ في صدر عامل
…
وقائم سيف قدّ في رأس قائم
ويا ربّ صوّام الهواجر واصل
…
هنالك مصروم الحياة بصارم
ومنقذ عان في الأداهم راسف
…
ينوء برجلي راسف في الأداهم
أضاعهم يوم الخميس حفاظهم
…
وكرّهم في المأزق المتلاحم
سقى الله أشلاء بسفح أنيشة
…
سوافح تزجيها ثقال الغمائم
وصلّى عليها أنفسا طاب ذكرها
…
فطيّب «4» أنفاس الرّياح النّواسم
لقد صبروا فيها كراما وصابروا
…
فلا غرو أن فازوا بصفو المكارم
وما بذلوا إلّا نفوسا كريمة «1»
…
تحنّ إلى الأخرى حنين الرّوائم «2»
ولا فارقوا «3» والموت يتلع جيده
…
فحيث «4» التقى الجمعان صدق العزائم
بعيشك طارحني الحديث عن التي
…
أراجع فيها بالدموع السّواجم «5»
وما هي إلّا غاديات فجائع
…
تعبّر عنها رائحات مآتم
جلائل دقّ الصّبر فيها فلم نطق «6»
…
سوى غضّ أجفان وغضّ «7» أباهم
أبيت لها تحت الظلام كأنّني
…
رميّ نصال أو لديغ أراقم
أغازل من برح الأسى غير بارح
…
وأزجر «8» من سأم «9» البكا غير سائم
وأعقد بالنجم المشرّق ناظري
…
فيغرب عني ساهرا غير نائم
وأشكو إلى الأيام سوء صنيعها
…
ولكنها شكوى إلى غير راحم
وهيهات هيهات العزاء ودونه
…
قواصم شتّى أردفت بقواصم
ولو برّد السّلوان حرّ جوانحي
…
لآثرت عن طوع سلوّ البهائم
ومن لي بسلوان يحلّ منفّرا
…
بجاث من الأرزاء حولي جاثم
وبين الثّنايا والمخارم رمّة
…
سرى في الثّنايا طيبها والمخارم
بكتها المعالي والمعالم جهدها
…
فمن «1» للمعالي بعدها والمعالم؟
سعيد صعيد لم ترمه قرارة
…
وأعظم بها وسط العظام الرّمائم
كأن دما أذكى أديم ترابها
…
وقد مازجته الرّيح مسك اللّطائم
يشقّ على الإسلام إسلام مثلها
…
إلى خامعات بالفلا وقشاعم
كأن لم تبت تغشى «2» السّراة «3» قبابها
…
ويرعى حماها الصّيد رعي السّوائم
سفحت عليها الدّمع أحمر وارسا
…
كما تنثر «4» الياقوت أيدي النّواظم
وسامرت فيها الباكيات نوادبا
…
يؤرّقن تحت الليل ورق الحمائم
وقاسمت في حمل الرّزيّة أهلها «5»
…
وليس قسيم البرّ غير المقاسم
فوا أسفا «1» للدّين أعضل «2» داؤه
…
وآيس من أسّ «3» لمسراه حاسم
ويا أسفا «4» للعلم أقوت «5» ربوعه
…
وأصبح مهدود «6» الذّرى والدّعائم
قضى حامل الآثار «7» من آل يعرب
…
وحامي هدى المختار من آل هاشم
خبا الكوكب الوقّاد إذ متع الضّحى
…
ليخبط «8» في ليل من الجهل فاحم
وخانت «9» مساعي السّامعين حديثه
…
كما شاء يوم الحادث المتفاقم
فأيّ بهاء غار ليس بطالع
…
وأيّ سناء غاب ليس بقادم
سلام على الدّنيا إذا لم يلح بها
…
محيّا سليمان بن موسى بن سالم
وهل في حياتي متعة بعد موته
…
وقد أسلمتني للدّواهي الدّواهم؟
فهأناذا في حرب «10» دهر محارب
…
وكنت به في أمن دهر مسالم
أخو العزّة القعساء كهلا ويافعا
…
وأكفاؤه ما بين راض وراغم
تفرّد بالعلياء علما وسؤددا
…
وحسبك من عال على الشّهب عالم
معرّسه فوق السّهى «1» ومقيله
…
ومورده قبل النّسور الجواثم «2»
بعيد مداه لا يشقّ غباره
…
إذا فاه فاض السّحر ضربة لازم
يفوّض منه كلّ ناد ومنبر
…
إلى ناجح مسعاه في كلّ ناجم
متى صادم «3» الخطب الملمّ بخطبة «4»
…
كفى صادما منه بأكبر صادم
له منطق سهل النّواحي قريبها
…
فإن رمته ألفيت صعب الشّكائم
وسحر بيان فات كلّ مفوّه
…
فبات عليه قارعا سنّ نادم
وما الروض حلّاه بجوهره النّدى
…
ولا البرد وشّته «5» أكفّ الرّواقم
بأبدع حسنا في «6» صحائفه التي
…
تسيّرها أقلامه «7» في الأقالم
يمان كلاعيّ نماه إلى العلا
…
تمام حواه قبل عقد التّمائم
يروق رواق الملك في كلّ مشهد
…
ويحسن وسما في وجوه المواسم
ويكثر أعلام البسيطة وحده
…
كمال مثال «1» أو جمال مقاوم
لعا لزمان عاثر من خلاله «2»
…
بواق «3» من الجلّى أصيب بواقم
مناد إلى دار السلام منادم
…
بها الحور، واها للمنادي المنادم
أتاه رداه مقبلا غير مدبر
…
ليحظى بإقبال من الله دائم
إماما لدين أو قواما لدولة
…
تولّى ولم تلحقه لومة لائم
فإن «4» عابه حسّاده شرقا به
…
فلن تعدم الحسناء ذاما بذائم «5»
فيا أيها المخدوم سامي «6» محلّه
…
فدى لك من ساداتنا كلّ خادم
ويا أيها المختوم بالفوز سعيه
…
ألا إنما الأعمال حسن الخواتم
هنيئا لك الحسنى من الله إنها
…
لكلّ تقيّ خيمه، غير خائم
تبوّأت جنّات النعيم ولم تزل
…
نزيل الثّريّا قبلها والنعائم «7»
ولم تأل عيشا راضيا أو شهادة
…
ترى ما عداها في عداد المآتم
لعمري «1» ما يبلى بلاؤك في العدا
…
وقد جرّت «2» الأبطال ذيل «3» الهزائم
وتالله «4» لا ينسى مقامك في الوغى
…
سوى جاحد نور الغزالة كاتم
لقيت الرّدى في الرّوع جذلان باسما
…
فبوركت من جذلان في الرّوع باسم
وحمت على الفردوس حتى وردته
…
ففزت بأشتات المنى فوز غانم
أجدّك لا تثني عنانا لأوبة
…
أداوي بها برح الغليل المداوم
ولا أنت بعد اليوم واعد هبّة
…
من النوم تحدوني إلى حال حالم
لسرعان ما قوّضت رحلك ظاعنا
…
وسرت على غير النواجي «5» الرّواسم
وخلّفت من يرجو دفاعك يائسا
…
من النّصر أثناء الخطوب الضّوائم «6»
كأنّي للأشجان فوق هواجر
…
بما عادني من عاديات هواجم
عدمتك مفقودا «7» يعزّ نظيره
…
فيا عزّ معدوم ويا هون عادم
ورمتك مطلوبا فأعيا مناله
…
وكيف بما أعيا «1» منالا لرائم؟
وإني لمحزون الفؤاد صديعه
…
خلافا لسال قلبه منك سالم
وعندي إلى لقياك شوق مبرّح
…
طواني من حامي الجوى فوق جاحم
وفي خلدي والله ثكلك خالد
…
أليّة برّ لا أليّة آثم
ولو أنّ في قلبي مكانا لسلوة
…
سلوت ولكن لا سلوّ لهائم
ظلمتك أن لم أقض نعماك حقّها
…
ومثلي في أمثالها غير ظالم
يطالبني فيك الوفاء بغاية
…
سموت لها حفظا لتلك المراسم
فأبكي لشلو بالعراء كما بكى
…
زياد لقبر بين بصرى وجاسم «2»
وأعبد أن يمتاز دوني عبدة
…
بعلياء في تأبين قيس بن عاصم «3»
وهذي المراثي قد وفيت برسمها
…
مسهّمة جهد الوفيّ المساهم