المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من كان على عهده من الملوك: - الإحاطة في أخبار غرناطة - جـ ٤

[لسان الدين بن الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع]

- ‌[تتمة قسم الثانى]

- ‌ومن الغرباء

- ‌عبد المهيمن بن محمد بن عبد المهيمن بن محمد ابن علي بن محمد بن عبد الله بن محمد الحضرمي

- ‌عبد المهيمن بن محمد الأشجعي البلّذوذي

- ‌عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد الملزوزي

- ‌ومن العمّال

- ‌عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز الأسدي العراقي

- ‌عبد القادر بن عبد الله ابن عبد الملك بن سوّار المحاربي

- ‌ومن الزهّاد والصلحاء وأولا الأصليون

- ‌عبد الأعلى بن معلا

- ‌عبد المنعم بن علي بن عبد المنعم بن إبراهيم ابن سدراي بن طفيل

- ‌ومن الطارئين وغيرهم

- ‌عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن فتح ابن سبعين العكّي

- ‌دعواه وإزراؤه:

- ‌وفيما يسمى بإحدى عيون الإسلام من الأسماء العينية وهم عتيق وعمر وعثمان وعلي، وأولا الأمراء والملوك وهم ما بين طارىء وأصلي وغريب

- ‌دخوله غرناطة وإلبيرة:

- ‌عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مسلمة التجيبي

- ‌ومن الغرباء

- ‌عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن

- ‌علي بن حمود بن ميمون بن حمود بن علي بن عبيد الله ابن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن علي ابن أبي طالب

- ‌علي بن يوسف بن تاشفين بن ترجوت

- ‌ظهور الموحدين في أيامه:

- ‌الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء

- ‌عتيق بن زكريا بن مول التجيبي

- ‌عمر بن يحيى بن محلّى البطّوي

- ‌عامر بن عثمان بن إدريس بن عبد الحق

- ‌علي بن بدر الدين بن موسى بن رحّو بن عبد الله ابن عبد الحق

- ‌علي بن مسعود بن علي بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن مسعود المحاربي

- ‌علي بن لب بن محمد بن عبد الملك ابن سعيد العنسي

- ‌علي بن يوسف بن محمد بن كماشة

- ‌عثمان بن إدريس بن عبد الله بن عبد الحق بن محيو

- ‌القضاة الأصليون

- ‌عتيق بن أحمد بن محمد بن يحيى الغساني

- ‌علي بن محمد بن توبة

- ‌علي بن عمر بن محمد بن مشرف بن محمد بن أضحى ابن عبد اللطيف بن الغريب بن يزيد بن الشمر ابن عبد شمس بن الغريب الهمداني

- ‌ومن الطارئين والغرباء

- ‌عثمان بن يحيى بن محمد بن منظور القيسي

- ‌علي بن أحمد بن الحسن المذحجي

- ‌علي بن عبد الله بن الحسن الجذامي النّباهي المالقي

- ‌المقرئون والعلماء

- ‌علي بن أحمد بن خلف بن محمد بن الباذش الأنصاري

- ‌علي بن محمد بن دري

- ‌علي بن عمر بن إبراهيم ابن عبد الله الكناني القيجاطي

- ‌ومن الطارئين

- ‌عمر بن عبد المجيد بن عمر الأزدي

- ‌عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد الأموي

- ‌علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح ابن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد

- ‌علي بن إبراهيم بن علي الأنصاري المالقي

- ‌علي بن محمد بن علي بن يوسف الكتامي

- ‌الكتاب والشعراء وأولا الأصليون منهم

- ‌علي بن محمد بن عبد الحق بن الصباغ العقيلي

- ‌علي بن محمد بن سليمان بن علي بن سليمان ابن حسن الأنصاري

- ‌علي بن عبد الرحمن بن موسى بن جودي القيسي

- ‌ومن الطارئين

- ‌عمر بن خلاف بن سليمان بن سلمة

- ‌علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن عمر الغساني

- ‌علي بن محمد بن علي بن البنا

- ‌علي بن محمد بن علي العبدري

- ‌علي بن عبد العزيز ابن الإمام الأنصاري

- ‌أخباره في الجود والجلالة:

- ‌ومن المحدّثين والفقهاء والطلبة النجباء

- ‌علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم الجذامي

- ‌علي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن الضحاك الفزاري

- ‌علي بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري

- ‌ومن الطارئين والغرباء

- ‌علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الخشني

- ‌علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن مروان بن عمر الغساني

- ‌علي بن صالح بن أبي الليث الأسعد بن الفرج بن يوسف

- ‌علي بن أبي جلّا المكناسي

- ‌علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن علي ابن سمحون الهلالي

- ‌علي بن محمد بن عبد الحق الزرويلي

- ‌علي بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن عبد الله ابن يحيى بن عبد الله بن يحيى الغافقي

- ‌محنته ودخوله غرناطة:

- ‌علي بن عبد الله بن محمد ابن يوسف بن أحمد الأنصاري

- ‌عمر بن علي بن غفرون الكلبي

- ‌علي بن يحيى الفزاري

- ‌الزهاد والصلحاء والصوفية والفقراء

- ‌عتيق بن معاذ بن عتيق بن معاذ بن سعيد بن مقدم بن سعيد بن يوسف بن مقدم اللخمي

- ‌علي بن علي بن عتيق بن أحمد بن محمد ابن عبد العزيز الهاشمي

- ‌علي بن أحمد بن محمد بن عثمان الأشعري

- ‌ومن الطارئين

- ‌علي بن عبد الله النميري الششتري

- ‌الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء

- ‌عامر بن محمد بن علي الهنتاني

- ‌ومن الطارئين في القضاة والغرباء

- ‌عاشر بن محمد بن عاشر بن خلف بن رجا ابن حكم الأنصاري

- ‌عياض بن محمد بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي

- ‌عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى ابن عياض بن محمد بن عبد الله بن موسى ابن عياض اليحصبي

- ‌عقيل بن عطية بن أبي أحمد جعفر بن محمد ابن عطية القضاعي

- ‌ومن الكتّاب والشعراء

- ‌عاصم بن زيد بن يحيى بن حنظلة بن علقمة بن عدي بن محمد التميمي ثم العبادي الجاهلي

- ‌ومن الأصليين من ترجمة المحدّثين الفقهاء والطلبة النجباء

- ‌عيسى بن محمد بن أبي عبد الله بن أبي زمنين المرّي

- ‌عيسى بن محمد بن عيسى بن عمر بن سعادة الأموي

- ‌غالب بن أبي بكر الحضرمي

- ‌ومن المقربين

- ‌غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرؤوف بن تمام ابن عبد الله بن تمام بن عطية بن خالد بن خفاف ابن أسلم بن مكتوم المحاربي، أبو بكر

- ‌غالب بن حسن بن غالب بن حسن بن أحمد بن يحيى ابن سيد بونه الخزاعي

- ‌غالب بن علي بن محمد اللخمي الشقوري

- ‌فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر

- ‌فرج بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر

- ‌فرج بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر

- ‌ومن الكتاب والشعراء

- ‌الفتح بن علي بن أحمد بن عبيد الله الكاتب المشهور

- ‌ومن المقرئين والعلماء

- ‌فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي

- ‌ومن الصوفية والصلحاء

- ‌فضل بن محمد بن علي بن فضيلة المعافري

- ‌ومن العمال الأثرا

- ‌فلّوج العلج

- ‌ومن المقرئين والعلماء

- ‌قاسم بن عبد الله بن محمد الشّاط الأنصاري

- ‌قاسم بن عبد الكريم بن جابر الأنصاري

- ‌قاسم بن يحيى بن محمد الزّروالي

- ‌ومن الكتّاب والشعراء

- ‌قرشي بن حارث بن أسد بن بشر بن هندي بن المهلب ابن القاسم بن معاوية بن عبد الرحمن الهمداني

- ‌قاسم بن محمد بن الجد العمري

- ‌ومن المحدّثين والفقهاء والطلبة النجباء

- ‌قاسم بن أحمد بن محمد بن عمران الحضرمي

- ‌قاسم بن خضر بن محمد العامري

- ‌سوّار بن حمدون بن عبدة بن زهير بن ديسم بن قديدة ابن هنيدة

- ‌حاله وبعض آثاره وحروبه:

- ‌مبدأ أمره وحروبه وشعره:

- ‌سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر لدين الله الخليفة بقرطبة

- ‌سليمان بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك بن مروان

- ‌سعيد بن سليمان بن جودي السّعدي

- ‌ومن ترجمة الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء

- ‌سهل بن محمد بن سهل بن مالك بن أحمد بن إبراهيم ابن مالك الأزدي

- ‌سليمان بن موسى بن سالم بن حسان بن أحمد ابن عبد السلام الحميري الكلاعي

- ‌ومن القضاة في هذا الحرف

- ‌سلمون بن علي بن عبد الله بن سلمون الكناني

- ‌ومن المحدّثين والفقهاء وسائر الطلبة النجباء بين أصلي وغيره:

- ‌سعيد بن محمد بن إبراهيم بن عاصم بن سعيد الغساني

- ‌ومن الكتاب والشعراء

- ‌سهل بن طلحة

- ‌سالم بن صالح بن علي بن صالح بن محمد الهمداني

- ‌هشام بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الناصر لدين الله بن محمد بن عبد الله

- ‌ومن ترجمة الأعيان والكبرا والأماثل والوزرا

- ‌هاشم بن أبي رجاء الإلبيري

- ‌يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر الأنصاري الخزرجي

- ‌رئيس الغزاة ويعسوب الجند الغربي:

- ‌من كان على عهده من الملوك:

- ‌يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة ابن نافع الفهري

- ‌ومن غير الأصليين

- ‌يحيى بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي عزفة اللخمي

- ‌يحيى بن علي بن غانية الصحراوي، الأمير أبو زكريا

- ‌يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن توقورت بن وريابطن ابن منصور بن مصالة بن أمية بن وايامى الصنهاجي ثم اللمتوني

- ‌يوسف بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر

- ‌يوسف بن عبد المؤمن بن علي

- ‌يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو

- ‌يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن بكر بن حمامة ابن محمد بن رزين بن فقوس بن كرناطة بن مرين

- ‌الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء

- ‌يحيى بن رحو بن تاشفين بن معطي بن شريفين

- ‌يحيى بن طلحة بن محلّى البطوي، الوزير أبو زكريا

- ‌يحيى بن عبد الرحمن بن إبراهيم ابن الحكيم اللخمي

- ‌يحيى بن عمر بن رحّو بن عبد الله بن عبد الحق

- ‌يوسف بن هلال

- ‌ومن القضاة الأصليين وغيرهم

- ‌يحيى بن عبد الله بن يحيى بن كثير بن وسلاسن ابن سمال بن مهايا المصمودي

- ‌يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع الأشعري

- ‌يحيى بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري

- ‌يوسف بن الحسن بن عبد العزيز بن محمد ابن أبي الأحوص القرشي الفهري

- ‌يوسف بن موسى بن سليمان بن فتح بن أحمد ابن أحمد الجذامي المنتشاقري

- ‌ومن المقرئين

- ‌يحيى بن أحمد بن هذيل التجيبي

- ‌يحيى بن عبد الكريم الشنتوفي

- ‌يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن محمد بن قاسم ابن علي الفهري

- ‌ومن الكتّاب والشعراء بين أصلي وغيره:

- ‌يحيى بن محمد بن يوسف الأنصاري

- ‌ومن ترجمة الشعراء من السفر الأخير وهو الثاني عشر المفتتح بالترجمة بعد

- ‌يحيى بن محمد بن أحمد بن عبد السلام التطيلي الهذلي

- ‌يحيى بن بقي

- ‌يوسف بن محمد بن محمد اليحصبي اللوشي، أبو عمر

- ‌يوسف بن علي الطرطوشي، يكنى أبا الحجاج

- ‌ومن ترجمة المحدّثين والفقهاء وسائر الطلبة النجباء:

- ‌يحيى بن محمد بن عبد العزيز بن علي الأنصاري

- ‌ومن العمال

- ‌يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان بن يوسف ابن رضوان بن يوسف بن رضوان بن محمد بن خير بن أسامة الأنصاري النّجاري

- ‌ومن ترجمة الزهاد والصلحاء

- ‌يحيى بن إبراهيم بن يحيى البرغواطي

- ‌[ترجمة ابن الخطيب]

- ‌ذكر بعض ما صدر لي من التشريعات الملوكية أيام تأبّشي بهذه الغرور

- ‌المقطوعات المشتملة على الأغراض العديدة

- ‌ومن المقطوعات أيضا:

- ‌ومن الأوصاف وما يرجع إليها

- ‌ومن أغراض الإشارات الصوفية وغيرها من الوعظ والجدّ والحكم، ولعلّ ذلك ماحيا لما تقدّمه بفضل الله

- ‌رسالة السياسة

- ‌فهارس الإحاطة

- ‌فهرس تراجم الأعلام

- ‌فهرس الكنى والألقاب

- ‌فهرس الكتب والمؤلّفات

- ‌فهرس الأماكن والبقاع

- ‌فهرس القوافي

- ‌فهرس الأرجاز

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌من كان على عهده من الملوك:

كتّابه: تولّى كتابته كاتب أخيه وأبيه، شيخنا المذكور إلى حين وفاته. وقلّدني كتابة سرّه مثنّاة بمزيد قربه، مظفّرة برسم وزارته.

قضاته: تولّى «1» أحكام القضاء، قاضي أخيه الصّدر البقيّة، شيخنا أبو عبد الله محمد بن يحيى بن بكر «2» إلى يوم الوقيعة الكبرى بطريف، وفقد في مصافّه، وتحت لوائه «3» . وتولى «4» القضاء الفقيه المفتي البقيّة أبو عبد الله محمد بن عيّاش «5» ، من أهل مالقة أياما، ثم طلب الإعفاء، فأسعف عن أيام تقارب أسبوعا، وولّي مكانه الفقيه أبو جعفر أحمد بن محمد بن برطال من أهل مالقة، فسدّد الخطّة، وأجرى الأحكام، إلى الرابع من شهر ربيع الآخر عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة. وقدّم «6» عوضا عنه، الفقيه الشريف الصّدر الفاضل أبو القاسم محمد بن أحمد الحسيني السّبتي المولد والمنشأ «7» ، الطالع على أفق حضرته في أيام أخيه، النازع إلى إيالتهم النصرية، معدودا في مفاخر أيامها، مشارا إليه بالبنان عند اعتبار أعلامها؛ ثم عزله لغير جرمة تذكر، إلّا ما لا ينكر وقوعه، مما تجره تبعات الأحكام. وولّي الخطة شيخنا نسيج وحده الرّحلة البقية أبا البركات بن الحاج، شيخ الصّقع، وصدر الجلّة. واستمرّ قاضيا إلى

«8» وأربعين وسبعمائة. ثم أعاد إليها القاضي المفوض هونه، الشريف الفاضل، أبا القاسم، إلى يوم وفاته.

‌رئيس الغزاة ويعسوب الجند الغربي:

تولّى ذلك لأول الأمر الشيخ أبو ثابت عامر بن عثمان بن إدريس بن عبد الحق، قريع دهره في النكراء والدهاء، المسلّم له في الرتبة، عتاقة ورأيا وثباتا، إلى أن نكبه، وقبض عليه وعلى إخوته، يوم السبت التاسع والعشرين من ربيع الأول، عام أحد وأربعين وسبعمائة. وأقام شيخا ورئيسا، دائلهم وابن عمّهم، المتلقّف لكرة عزّهم يحيى بن عمر بن رحّو، ولي ذلك بنفسه ونديمه ومبرز خصاله إلى تمام مدته.

‌من كان على عهده من الملوك:

وأولا بفاس دار الملك بالمغرب، السلطان المتناهي الجلالة، أبو الحسن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق. وجاز على عهده إلى الأندلس، إثر صلاة

ص: 282

يوم الجمعة تاسع عشر «1» صفر، من عام أحد وأربعين وسبعمائة، بعد أن أوقع بأسطول الروم، المستدعى من أقطارهم، وقيعة كبيرة شهيرة، استولى فيها من المتاع والسلاح والأجفان، على ما قدم «2» به العهد، واستقر بالخضراء في جيوش «3» وافرة، وكان جوازه، في مائة وأربعين جفنا غزويا. وبادر إلى لقائه، واجتمع به في وجوه الأندلسيين وأعيان طبقاتهم بظاهر الجزيرة الخضراء، في اليوم الموفي عشرين من الشهر المذكور «4» . ونازل إثر انقضاء المولد النّبوي، مدينة طريف، ونصب عليها المجانيق، وأخذ بمخنّقها، واستحثّ من بها من المحصورين طاغية الروم «5» ، فبادر يقتاد «6» جيشا يجرّ «7» الشّجر والمدر. وكانت المناجزة يوم الاثنين السابع لجمادى الأولى من العام. ومحّص «8» المسلمون بوقيعة هائلة، أتت «9» على النفوس والأموال والكراع، وهلك فيها بمضرب الملك جملة من العقائل الكرام، فعظمت الأحدوثة، وجلّت المصيبة، وأسرع اللّحاق بالمغرب مفلولا في سبيل الله، محتسبا يروم الكرّة.

وكان ما هو معلوم من إمعانه في حدود الشّرق، عند إحكام المهادنة بالأندلس، وتوغّله في بلاد إفريقية، وجريان حكم الله عليه بالهزيمة، ظاهر القيروان التي لم ينتشله الدهر بعدها، وعلقت آمال الخلق بولده، مستحق الملك، من بين سائر إخوته، وهلك على تفئة لحاقه «10» بأحواز مراكش، ليلة الأربعاء السادس والعشرين لربيع الأول عام اثنين وخمسين وسبعمائة، فاختار الله له ما عنده «11» ، بعد أن بلغ من بعد الصيت، وتعظيم الملوك له، وشهرة الذكر، ما لم يبلغه سواه.

ونحن نجلب دليلا على فضله، والإشادة بفخره، نسخة العقد الذي تضمن هديته إلى صاحب الديار المصرية، صحبة الرّبعة الكريمة بخطه، وذلك قبّة من مائة بنيقة، وفيها أربعة أبواب، وقبّة أخرى من ستة وثلاثين بنيقة؛ داخلها حلة محلوقة ووجهها حرير أبيض، وركيزها أبنوس وعاج مرصع، والأهار فضة مذهبة، والشرائط حرير. وضربت القبّتان بالصفصيف، وحلّ فيها جميع الهدية. وصفّفت جميع الدواب

ص: 283

بجهازاتها أمام القبة، من الخيل ثلاثمائة، وخمسة وثلاثون من البغل بين ذكور وأناث، ومن الجمال سبعمائة، إلا أنها لم تصفّف، بل أعدّت لحمل الهدية، ومن البزاة الأحرار أربعة وثلاثون، ومن أحجار الياقوت مائتان وخمسة وعشرون، ومن قطب الزمرد مائة وثمانية وعشرون، ومن حبوب الجوهر الفاخر أكثره، ثلاثة آلاف وأربعة وستون. ومن أحجار الزبرجد ثمانية وعشرون، ومن المهنّدات بحلية الذهب عشرة، ومن أزواج مهاميز الذهب عشرة، ومن أزواج الأركب عشرة؛ واحد كله ذهب، وثلاثة كلها فضة، وستة من حبحبة مذهبة على الحديد، واثنان من اللضمات من ذهب، وشاشية مذهبة، وحلل: ثلاث عشرة، وعشر كلل ومخاد حلة. وتوق ذهب:

مائتان، واشتراق ذهب: عشرون. وقدود: ستة وأربعون. وفرش جلّة. وعشر علامات معشّشة. وعشر وقايات مذهّبة. وثلاثون من وجوه اللّحف حرير وذهب.

ومائتان من المحررات الملونة الرفيعة المختمة. وحيطيان أحدهما حلة والآخر طوق.

وثلاثة وعشرون شّقة من الرهاز. واثنان من هنابل الحلة. وعشرة براقع للخيل، منها ثمانية من الحلة. ومن أسلة الخيل ثلاثون، وثلاثة طنافس من الحرير. وهنابل حرير:

اثنان. وعشرة هنابل من الحرير والصوف. وهنابل وانشريشية وزمورية: مائة وسبعة.

وأربعة آلاف من الجلد التركي والأغماتي. ومن درق اللّمط المثمنة مائتان. ومن الأكسية المحررة أربعة وعشرون. ومن البرانس المحررة ثمانية. ومن الأحارم ما بين محررة وصوف عشرون. ومن أزواج المحفف خمسون. وعشر لزمات من الفضة.

وست عشرة شقة من الملف. وأما أزودة الحجاج فأعطى للحرة المكرمة أخته، أعزّها الله، ثلاثة آلاف دنير من الذهب، ومائتي كسوة برسم العرب. ولمن سافر معها ستمائة وسبعين. ولأبي إسحاق بن أبي يحيى ثلاثمائة من الذهب وكسوة رفيعة.

ولعريفه يحيى السويدي ألف دنير من الذهب. إلى العدد الكثير من الذهب العين برسم الوصفان والخدام، ولرسوم التحبيس على قراء الرابعة الكريمة، ستة عشر ألفا وخمسمائة دنير. انتهى.

وكان هذا السلطان، رحمه الله، ممّن دوّخ الأقطار، وجاهد الكفار، ووطئ بالأساطيل خدود البحار، والتمس ما عند الله من الثواب، وأعلق يده من نسخ كتابه بأوثق الأسباب، إلى أن «1» استوسق الأمر لولده، أمير المؤمنين بالمغرب وما إليه، فارس المكني بأبي عنان، الملقب «2» بالمتوكل على الله. فقام بالأمر أحمد قيام.

ص: 284

وجرت بين هذا السلطان وبينه المخاطبات والمراسلات. وسفّرني «1» إليه لأول الأمر، معزّيا «2» بأبيه، ومهنّئا بما صار إليه من ملكه، واستصحبت إليه كتابا من إنشائي، نجليه بحول الله، تجميما لمن يقف على هذه الأخبار، وإن اقتحمتها ثبج الإكثار، وهو:

المقام الذي رسخت منه في مقامي الصّبر والشكر قدم، فلا يغيره وجود لا يروعه عدم، وصدقت منه في كتاب المجد عزمة لم يختلجها وهن ولا ندم، حتى تصرفت بحكم معاليه، أيام دهره ولياليه، هو ولدان وهذه خدم. مقام محل أخينا الذي إن جاشت النوائب، وسعها صدره، أو عظمت المواهب، ترفع عنها قدره، أو أظلمت الكروب جلاها بدره. أو تألبت الخطوب هزمها صبره، أو أظلّت سحائب النعم أسدرها حمد الله وشكره، أو عرضت عقود الحمد في أسواق المجد أغلاها فجره، أو راقت حلل الصنائع طرّزها ذكره، أو طبّقت سيوف الناس أغمدها صفحه، وسلّها قهره. السلطان الكذا أبقاه الله ضاحك السعد كلما بكت عين، مجموع الشّمل كلما أزف بين، واري الزّند إذا اقتضى دين، محمي الذّمار بانفساح الأعمار كلما أغار على الأحياء حين. ولا زال يقيد منه شكر الله نعما ما في وعدها ليّ ولا في قولها مين، ويلبس منها حللا تقواه في عواتقها زين. مساهمة في كل خطب غمّ، أو فضل من الله عمّ، ومقاسمة في كل ما ألمّ. وتهنئة بالملك الذي خلص وتمّ، فلان.

أما بعد حمد الله الذي جعل الصّبر في الحوادث حصنا منيعا، والشكر يستدعي المزيد من النعم سريعا، فمتى أعملت للصبر دعوة كان بها الأجر سميعا، ومتى رفعت من الشكر رقعة كان المزيد عليها توقيعا، والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي بوّأنا من السعادة جنابا مريعا، وبين له حدود أوامره ونواهيه فطوبى لمن كان مطيعا، وكان لنا في الدنيا هاديا ونجده في الآخرة شفيعا، والرضا عن آله وصحبه الذين كانوا على العداة قيظا وللعفاة ربيعا، فحلّوا من الاقتداء به فيما ساء وسرّ وأحلى وأمرّ مقاما رفيعا. وخفض عليهم مضاضة فقده، مثابرتهم على ضمّ شمل المسلمين من بعده، اقتداء بقوله سبحانه: واعتصموا بحبل الله جميعا. والدّعاء لمقامكم الأسمى بالنصر الذي يشكر منه الجياد والبيض الحداد صنيعا، وتشرح منه ألسن الأقلام تهذيبا وتقريعا، والصبر الذي زرافات الأجر قطيعا فقطيعا. فإنا كتبناه

ص: 285

إليكم، كتب الله لكم من حظوظ الخير أوفرها عددا، وأقطعكم من خطط السّعد أبعدها مدا. وأتبعكم من كتائب العز أطولها يدا، وخوّلكم من بسطة الملك ما لا يبيد أبدا، وألهمكم من الصبر لما تقدّمونه فتجدونه غدا. من حمراء غرناطة، حرسها الله، وعندنا من الاعتداد في الله أسباب وثيقة، وأنساب صدق في بحبوحة الخلوص عريقة، ومن الثناء عليكم حدائق روض لا تحاكيها حديقة، ومن المساهمة لكم في شتّى الأحوال مقاصد لا تلتبس منها طريقة، ومن السّرور بما سناه الله لكم نعم بشكر الله عز وجل خليقة.

وإلى هذا، أيّدكم الله بنصره، وحكم لمقامكم بشدّ أزره، وإعلاء أمره، فإنّنا ورد علينا الخبر الذي قبض وبسط، وجار وأقسط، وبخس ووفى، وأمرض وشفى، وأضحى وظلّل، وتجهّم وتهلّل، وأمرّ وأحلى وأساء ثم أحسن، وبشّر بعد ما أحزن، خبر وفاة والدكم، محلّ أبينا، السلطان العظيم القدر، الكبير الخطر، قدّس الله طاهر تربته، وكرّم لحده، كما أحيا بكم معالم مجده. فيا له من سهم رمى أغراض القلوب فأثبتها، وطرق مجتمعات الآمال فشتّتها. ونعى إلى المجد إنسان عينه وعين إنسانه، وإلى الملك هيولى أركانه، وإلى الدين ترجمة ديوانه، وإلى الفضل عميد إيوانه.

حادث نبّه العيون من سنة غرورها، وذكّر النفوس بهم أمورها. وأشرق المحاجر بماء دموعها، وأضرم الجوانح بنار ولوعها. وبيّن أن سراب الآمال سراب، وأنّ الذي فوق التّراب تراب. فمن تأمل الدنيا وطباعها، والأيام وإسراعها، والحوادث وقراعها، بدا له الحقّ من المين، واستغنى عن الأثر بالعين. فشأنها أن لا تفترّ عن سهم تسدّده إلى غرض، وصحّة تعقبها بمرض، وجوهر ترميه بعرض. وداء للموت قديم، وقربه لا يبقي عليه أديم، وكأسه يشربها موسر وعديم. دبّت إلى كسرى الفرس عقاربه، فلم تمنعه أساورته ولا مرازبه. وقصر قيصر على حكمه فكدّرت مشاربه، وأتبر سيف بن ذي يزن عمدانه فلم ترعه مضاربه، وأردى تبّعا فلم يكن في أتباعه من يحاربه. لم تدافع عنهم الجنود المجنّدة، ولا الصّفاح المهنّدة، ولا الدّروع المحكمة، ولا النّياب المعلمة. ولا الجياد الجرد المسوّمة، ولا الرّماح المثقّفة المقومة. كلّ قدّم على ما قدّم. وجّد إلى ما أعدّ. جعلنا الله ممن يسّر لسفره زادا، وقدّم بين يديه رباطا شافعا لديه وجهادا. ووثّر لنفسه بمناصحة الله والمؤمنين في أعلى عليين مهادا، وطوّق المسلمين عدلا وفضلا وإمدادا. غير أن هذا الفاجىء الذي فجع، ومنع القلوب أن تقرّ والعين أن تهجع، غمرته البشرى، وغلبته المسرّة الكبرى، وعارضته من بقائكم الآية المحكمة الأخرى، فاضمحلّ من بعد الرّسوخ، وصار ليله في حكم المنسوخ.

ما كان من استخلاصكم الملك الذي أنتم أهله، واحتيازكم المجد الذي أشرق بكم

ص: 286

محلّه. وكيف بسهم أخطأ ذاتكم الشريفة، أن يقال فيه: أصمى وأجهز، والأمل بعد بقائكم أن يقال فيه: تعذّر أو أعوز. إنما الآمال ببقائكم للملإ منوطة، وسعادة الإسلام بحياتكم المتّصلة مشروطة.

ومنها: فأي ترح يبقى بعد هذا الفرح، وأي كسل ينشأ بعد هذا المرح. إن أفل البدر، فقد تبلّج الفجر، أو غاض النّيل فقد فاض البحر. وإن مال فلك الملك فقد عاد إلى مداره، وإن أذنب الدّهر فقد أحسن ما شاء في اعتذاره. إنما هذا الخطب وهنّ أعقبه ضوء النهار، وسطعت بعده أشعة الأنوار، وصمصامة أغمدت وسلّ من بعدها ذو الفقار.

ومنها: وإنّنا لما

«1» عن حقّه ورصدنا طالعه في أفقه قابلنا الواقع بالتّسليم، والمنحة الرّادفة بالشكر العظيم، وأنسنا في غمام الهدنة ربّ هذا الإقليم. وقلنا استقرّ الحق ووضحت الطرق، وهوى الرّائد وصدق البرق، وتقرّرت القاعدة وارتفع الفرق، واستبشر بإبلال المغرب أخوه الشّرق. وثابت آمال أولي الجهاد إلى اقتحام فرضة المجاز، وأولي الحج إلى مرافقه ركب الحجاز، وآن للدنيا أن تلبس الحلى العجيبة بعد الابتزاز. والحمد لله الذي زيّن بكم أفق الملك، وكيّف بسعدكم نظم ذلك السّلك. وهنّأ الله إيالتكم العباد والبلاد، والحجّ والجهاد. وصدّق الظنون الذي في مقامكم الذي جاز في المكارم الآماد. بادرنا، أيّدكم الله، من برّكم إلى غرضين، وقمنا من حقّ عزائكم وهنائكم بواجبين مفترضين وشرعنا ومن لدينا أن نباشر بالنفوس هذين القصدين. إلّا أننا عاقنا عن ذلك ما اتصل بنا من العدوّ الذي بلينا بجواره، ورمينا بمصابرة تيّاره، وإلّا فهذا الغرض قد كنّا لا نرى فيه بإجراء الاستنابة، ولا نحظى غيرنا بزيارة تلك المثابة. فليصل الفضل جلالكم، ويقبل العذر كمالكم. وإذا كان الاستخلاف مما تحتمله العبادة، ولا ينكره عند الضرورة العرف والعادة، فأحرى الأخوة والودادة، والفضل والمجادة. فتخيرنا جهدنا، واصطفينا لباب اللّباب فيمن عنادنا، فعينّا فلانا.

واتصلت أيامه إلى آخر مدته.

وبمدينة «2» تلمسان: عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن يغمراسن بن زيّان، يكنى أبا تاشفين. وقد تقدم «3» ذكره، وهو الذي انقضى ملك بني زيّان على يده «4» .

ص: 287

تولّى الملك عام ثمانية عشر كما تقدم، وتهنّأه إلى أن تأكّدت الوحشة بينه وبين السلطان ملك المغرب، فتحرّك لمنازلته، وأخذ بكظمه «1» ، وحصره سنين ثلاثا، واقتحم عليه ملعب البلدة ليلة سبع وعشرين من رمضان عام سبعة «2» وثلاثين وسبعمائة. وفي غرّة شوال منها، دخل «3» البلد من أقطاره عنوة، ووقف هو وكبير ولده برحبة قصره، قد نزعا لام الحرب المانعة من عمل السلاح استعجالا للمنيّة ورغبة في الإجهاز، وقاما مقام الثّبات والصبر والاستجماع، إلى أن كوثرا وأثخنا، وعاجلتهما «4» منيّة العزّ قبل شدّ الوثاق، وإمكان الشّمات، واستولى على الملك «5» ملك المغرب. وفي ذلك قلت من الرّجز المسمى بقطع السلوك في الدول الإسلامية، مما يخص «6» ملوك تلمسان، ثم أميرها عبد الرحمن هذا «7» :[الرجز]

وحلّ فيها عابد الرحمن

فاغترّ بالدنيا وبالزمان

وسار فيها مطلق العنان

من مظهر سام إلى جنان

كم زخرفت «8» علياه من بنيان

آثاره تنبي عن العيان

وصرف العزم إلى بجايه

فعظمت في قومها النّكايه

حتى ما إذا مدّة الملك انقضت

وأوجه الأيام عنهم أعرضت

وحقّ حقّ الدهر فيها ووجب

وكتب الله عليها ما كتب

حثّ إليها السير ملك المغرب

يا لك من ممارس مجرّب

فغلب القوم بغير عهد

بعد حصار دائم وجهد

فأقفرت من ملكهم أوطانه

سبحان من لا ينقضي سلطانه

ثم نشأت لهم بارقة، لم تكد تقد حتى خبت «9» ، عندما جرت على السلطان أبي الحسن الهزيمة بالقيروان؛ وانبتّ عن أرضه، وصرفت البيعة في الأقطار إلى ولده، وارتحل إلى طلب منصور ابن أخيه، المنتزي «10» بمدينة فاس، فدخلوا تلمسان، وقبضوا على القائم بأمرها، وقدّموا على أنفسهم عثمان بن يحيى بن عبد الرحمن بن يغمراسن، المتقدم الذكر في رسم عثمان، وذلك في الثامن والعشرين لجمادى الآخرة

ص: 288

من عام تسعة وأربعين وسبعمائة. واستمرت أيامه أثناء الفتنة وارتاش، وأقام رسم الإمرة، وجدّد ملك قومه. واستمرت حاله إلى أن أوقع بهم ملك «1» المغرب، أمير المسلمين أبو عنان الوقيعة المصطلمة «2» التي خضدت الشوكة، واستأصلت الشّأفة.

وتحصّل عثمان في قبضته. ثم ألحقت النكبة به أخاه «3» ، فكانت سبيلهما في القتل صبرا عبرة، وذلك في وسط ربيع الأول من عام التاريخ.

وبتونس: الأمير أبو يحيى أبو بكر ابن الأمير أبي زكريا ابن الأمير أبي إسحاق ابن الأمير أبي زكريا «4» ، إلى أن هلك. وولي الأمر «5» ولده عمر، ثم ولده أحمد، ثم عاد الأمر إلى عمر. ثم استولى ملك المغرب السلطان أبو الحسن على ملكهم. ثم ضمّ نشرهم بعد نكبته وخروجه عن وطنهم على أبي إسحاق بن أبي بكر.

ومن ملوك النصارى بقشتالة: ألفنش «6» بن هرنده بن دون جانجه بن ألفنش المستولي على قرطبة، ابن هرنده المستولي على إشبيلية، إلى عدد جمّ. وكان «7» طاغية مرهوبا، وملكا مجدودا. هبّت له الريح، وعظمت به إلى المسلمين النكاية.

وتملّك الخضراء بعد أن أوقع بالمسلمين الوقيعة الكبرى «8» العظمى بطريف. ثم نازل جبل الفتح، وكاد يستولي «9» على هذه الجزيرة، لولا أن الله تداركها بجميل صنعه وخفيّ لطفه، لا إله إلّا هو. فهلك بظاهره في محلّته حتف أنفه ليلة عاشوراء من عام أحد وخمسين وسبعمائة، فتنفس المخنّق، وانجلت الغمّة، وانسدل السّتر. كنت منفردا بالسلطان، رحمه الله، وقد غلب اليأس، وتوقّعت الفضيحة، أؤنسه بعجائب الفرج بعد الشدة، وأقوي بصيرته في التماس لطف الله، وهو يرى الفرج بعيدا، ويتوقع من الأمر عظيما. وورد الخبر بمهلكه، فاستحالت الحال إلى ضدها من السّرور والاستبشار، والحمد لله على نعمه. وفي ذلك قلت «10» :[الطويل]

ألا حدّثاني «11» فهي أم الغرائب

وما حاضر في وصفها مثل غائب

ص: 289

ولا تخليا منها على خطر «1» السّرى

سروج المذاكي أو ظهور النّجائب «2»

أيوسف، إنّ الدهر أصبح واقفا

على بابك المأمول موقف تائب

دعاؤك أمضى من مهنّدة الظّبا

وسعدك أقضى من سعود الكواكب

سيوفك في أغمادها مطمئنة

ولكنّ سيف الله دامي «3» المضارب

فثق بالذي أرعاك أمر عباده

وسل فضله فالله أكرم واهب

لقد طوّق الأذفنش سعدك خزية

تجدّ على مرّ العصور الذواهب

وفّيت وخان العهد في غير طائل

وصدّق أطماع الظنون الكواذب

هوى في مجال العجب غير مقصّر

وهل نهض العجب المخل براكب؟

وغالب أمر الله جل جلاله

ولم يدر أنّ الله أغلب غالب

ولله في طيّ الوجود كتائب

تدقّ وتخفى عن عيون الكتائب

تغير على الأنفاس في كل ساعة

وتكمن حتى في مياه المشارب

فمن قارع في قومه سنّ نادم

ومن لاطم في ربعه خدّ نادب

مصائب أشجى وقعها مهج العدا

وكم نعم في طيّ تلك المصائب

شواظّ أراد الله إطفاء ناره

وقد نفج الإسلام من كل جانب

وإن لم يصب منه السلاح فإنّما

أصيب بسهم من دعائك صائب

ولله من ألطافه في عباده

خزائن ما ضاقت لمطلب طالب

فمنهما غرست الصّبر في تربة الرضا

بأحكامه فلتجن حسن العواقب

ولا تعدّ الأمر البعيد وقوعه

فإن الليالي أمّهات العجائب

وهي «4» طويلة سهلة؛ على ضعف كان ارتكابه مقصودا في أمداحه.

وببرجلونة «5» : السلطان بطره المتقدم ذكره في اسم أخيه.

ومن الأحداث «6» في أيامه الوقيعة الكبرى بظاهر طريف، يوم الاثنين السابع من جمادى الأولى، من عام أحد وأربعين وسبعمائة، وما اتصل بذلك من منازل الطاغية

ص: 290

ألهنشه قلعة يحصب الماسة الجوار من حضرته، واستيلائه عليها، وعلى باغة. ثم منازلة الجزيرة الخضراء عشرين شهرا، أوجف خلالها بجيوش المسلمين من أهل العدوتين إلى أرضه. ثم استقرّ منازلا إياها إلى أن فاز بها قداحه، والأمر لله العلي الكبير، في قصص يطول ذكره، تضمن ذلك «طرفة العصر» من تأليفنا. ثم تهنأ السلم، والتحف جناح العافية والأمنة برهة، رحمه الله.

وفاته «1» : وما استكمل أيام حياته، وبلغ مداه، أتمّ ما كان شبابا واعتدالا وحسنا وفخامة وعزّا، حتى أتاه أمر الله من حيث لا يحتسب، وهجم «2» عليه يوم عيد الفطر، من عام خمسة وخمسين وسبعمائة، في الركعة الأخيرة، رجل من عداد الممرورين «3» ، رمى بنفسه عليه، وطعنه بخنجر كان قد أعدّه «4» ، وأغرى بعلاجه، وصاح، وقطعت الصلاة، وقبض عليه، واستفهم، فتكلم بكلام مخلّط، واحتمل إلى منزله، على فوت لم يستقر به، إلّا وقد قضى، رحمه الله ورضي عنه، وأخرج ذلك الخبيث «5» للناس، وقتل وأحرق بالنار، مبالغة في التشفي، ودفن السلطان عشية اليوم في مقبرة قصره لصق والده «6» ، وولي أمره ابنه أبو عبد الله محمد، وبولغ في احتفال قبره، بما أشف على من تقدمه، وكتب عليه ما نصه:

«هذا قبر السلطان الشهيد، الذي كرمت أحسابه وأعراقه، وحاز الكمال خلقه وأخلاقه، وتحدّث بفضله وحلمه شام المعمور وعراقه، صاحب الآثار السّنيّة، والأيام الهنيّة، والأخلاق الرضيّة، والسير المرضيّة. الإمام الأعلى، والشّهاب الأجلى، حسام الملة، علم الملوك الجلّة، الذي ظهرت عليه عناية ربّه، وصنع الله له في سلمه وحربه. قطب الرّجاحة والوقار، وسلالة سيّد الأنصار، حامي حمى الإسلام برأيه ورايته، المستولي في «7» ميدان الفخر على غايته، الذي صحبته عناية الله في بداية أمره وغايته، أمير المسلمين أبي الحجاج يوسف ابن السلطان الكبير، الإمام الشهير، أسد دين الله، الذي أذعنت الأعداء لقهره، ووقفت الليالي «8» والأيام عند نهيه وأمره. رافع ظلال العدل في الآفاق، حامي حمى السّنة بالسمر الطوال والبيض الرّقاق، مخلّد صحف الذّكر الخالد والعزّ الباقي، الشّهيد السعيد المقدس أبي الوليد، ابن الهمام الأعلى الطاهر النسب والذات، ذي العز البعيد الغايات، والفخر الواضح الآيات، كبير الخلافة النصرية، وعماد الدولة الغالبيّة، المقدس

ص: 291

المرحوم أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن نصر، تغمّده الله برحمة من عنده، وجعله في الجنّة جارا لسعد بن عبادة جدّه، وجازى عن الإسلام والمسلمين حميد سعيه، وكريم قصده. قام بأمر المسلمين أحمد القيام، ومهّد لهم الأمن من «1» ظهور الأيام، وجلّى لهم وجه العناية مشرق القسام، وبذل فيهم من تواضعه وفضله كل واضح الأحكام، إلى أن قضى الله بحضور أجله، على خير عمله، وختم له بالسعادة، وساق إليه على حين إكمال شهر الصوم هديّة الشهادة. وقبضه ساجدا خاشعا، منيبا إلى الله ضارعا، مستغفرا لذنبه، مطمئنا في الحالة التي أقرب ما يكون العبد فيها من ربّه. على يد «2» شقيّ قيضه الله لسعادته، وجعله سببا لنفوذ سابق مشيئته وإرادته، خفي مكانه لخمول قدره، وتمّ بسببه أمر الله لحقارة أمره، وتمكّن له عند الاشتغال بعبادة الله، ما أضمره من غدره، وذلك في السجدة الأخيرة من صلاة العيد، غرة شوال، من عام خمسة وخمسين وسبعمائة، نفعه الله بالشهادة التي كرم منها الزمان والمكان، ووضح منها على قبول رضوان الله البيان، وحشره مع سلفه الأنصار الذين عزّ بهم الإيمان، وحصل لهم من النار الأمان. وكانت ولايته الملك في غرة اليوم الرابع عشر لذي الحجة من عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة. ومولده في الثامن والعشرين لربيع الآخر عام ثمانية عشر وسبعمائة. فسبحان من انفرد بالبقاء المحض، وحتّم الفناء على أهل الأرض، ثم يجمعهم إلى يوم الجزاء والعرض، لا إله إلا هو.

وفي الجهة الأخرى من «3» النظم، وكلاهما من إملائي، ما نصه:[الطويل]

يحيّيك بالريحان والروح من قبر

رضى الله عمّن حلّ فيك مدى الدّهر

إلى أن يقوم الناس تعنو وجوههم

إلى باعث الأموات في موقف الحشر

ولست بقبر إنما أنت روضة

منعّمة الريحان عاطرة النّشر

ولو أنني أنصفتك الحقّ لم أقل

سوى يا كمام الزّهر أو صدف الدّرّ

ويا ملحد التقوى ويا مدفن الهدى

ويا مسقط العليا ويا مغرب البدر

لقد حطّ فيك الرحل أيّ خليفة

أصيل «4» المعالي غرّة في بني نصر

لقد حلّ فيك العزّ والمجد والعلى

وبدر الدّجا والمستجار لدى «5» الدهر

ص: 292

ومن كأبي الحجاج حامي حمى الهدى؟

ومن كأبي الحجاج ماحي دجا الكفر؟

إمام الهدى غيث النّدى دافع العدا

بعيد المدى في حومة المجد والفخر

سلالة سعد الخزرج بن عبادة

وحسبك من بيت رفيع ومن قدر

إذا ذكر الإغضاء والحلم والتّقى

وحدّثت عن علياه حدّث عن البحر

تخوّنه طرف الزمان وهل ترى

بقاء لحيّ أو دواما على أمر؟

هو الدهر ذو وجهين يوم وليلة

ومن كان ذا وجهين يعتب في غدر

تولّى شهيدا ساجدا في صلاته

أصيل التقى رطب اللسان من الذكر

وقد عرف الشّهر المبارك حقّ ما

أفاض من النّعمى ووفّى من البرّ

وباكر عيد الفطر والحكم مبرم

وليس سوى كأس الشهادة من فطر

أتيح له وهو العظيم مهابة

وقدرا حقير الذّات والخلق والقدر

شقيّ أتته «1» من لدنه سعادة

ومنكر قوم جاء بالحادث النّكر

وكم من عظيم قد أصيب بخامل

وأسباب حكم الله جلّت عن الحصر

فهذا عليّ قد قضى بابن ملجم

وأوقع وحشي بحمزة ذي الفخر

نعدّ الرّماح المشرفيّة والقنا

ويطرق أمر الله من حيث لا تدري

ومن كان بالدّنيا الدّنية واثقا

على حالة يوما فقد باء بالخسر

فيا مالك الملك الذي ليس ينقضي

ويا من إليه الحكم في النهي والأمر

تغمّد بستر العفو منك ذنوبنا

فلسنا نرجّي غير سترك من ستر

فما عندك اللهمّ خير ثوابه

وأبقى ودنيا المرء خدعة مغترّ

ومما رثي به قولي في غرض ناء عن الجزالة، متحرّيا اختيار ولده «2» :

[الكامل]

العمر يوم «3» والمنى أحلام

ماذا عسى أن يستمرّ منام «4»

وإذا تحقّقنا لشيء «5» بدأة

فله بما تقضي العقول تمام

والنفس تجمع في مدى آمالها

ركضا، وتأبي ذلك الأيام

من لم يصب في نفسه فمصابه

بحبيبه نفذت بذا الأحكام

ص: 293

بعد الشبيبة كبرة ووراءها

هوم «1» ومن بعد الحياة حمام

ولحكمة ما أشرقت شهب الدّجا

وتعاقب الإصباح والإظلام

دنياك يا هذا محلّة نقلة

ومناخ ركب ما لديه مقام

هذا أمير المسلمين ومن به

وجد السّماح وأعدم الإعدام «2»

سرّ الإمامة «3» والخلافة يوسف

غيث الملوك وليثها الضّرغام

قصدته عادية الزمان فأقصدت

والعزّ سام والخميس لهام

فجعت به الدنيا وكدّر شربها

وشكى العراق مصابه والشام

أسفا على الخلق الجميل كأنه «4»

بدر الدّجنّة قد جلاه تمام

أسفا على العمر الجديد كأنه

غضّ «5» الحديقة زهره بسّام

أسفا على الخلق الرّضيّ كأنها «6»

زهر الرّياض همى عليه غمام

أسفا على الوجه الذي مهما «7» بدا

طاشت لنور جماله الأفهام

يا ناصر الثّغر الغريب وأهله

والأرض ترجف والسماء قتام

يا صاحب الصّدمات «8» في جنح الدجا

والناس في فرش النعيم نيام

يا حافظ الحرم الذي بظلاله

ستر الأرامل واكتسى الأيتام

مولاي، هل لك للقصور زيارة

بعد انتزاح الدار أو إلمام؟

مولاي، هل لك للعبيد تذكّر؟

حاشاك أن تنسى «9» لديك ذمام

يا واحد الآحاد والعلم الذي

خفقت بعزّة نصره «10» الأعلام

وافاك أمر الله حين تكاملت

فيك النّهى والجود والإقدام

ورحلت عنّا الرّكب خير خليفة

أثنى عليك الله والإسلام

نعم الطريق سلكت كان رفيقه

والزّاد فيه تهجّد وصيام

وكسفت يا شمس المحاسن ضحوة

فاليوم كيل «11» والضياء ظلام

ص: 294

وسقاك «1» عيد الفطر كأس شهادة

فيها من الأجل الوحيّ «2» مدام

وختمت عمرك بالصلاة فحبّذا

عمل كريم سعيه وختام «3»

مولاي، كم هذا الرقاد؟ إلى متى

بين الصّفائح والتّراب تنام؟

أعد التحيّة واحتسبها قربة

إن كان يمكنك الغداة كلام

تبكي عليك مصانع شيّدتها «4»

بيض كما تبكي الهديل حمام

تبكي عليك مساجد عمّرتها

فالناس فيها سجّد وقيام

تبكي عليك خلائق أمّنتها

بالسّلم وهي كأنها أنعام

عاملت وجه الله فيما رمته

منها فلم يبعد عليك مرام

لو كنت تفدى أو تجار «5» من الرّدى

بذلت نفوس من لدنك كرام

لو كنت تمنع بالصّوارم والقنا

ما كان ركنك بالغلاب يرام

لكنه أمر الإله وما لنا

إلّا رضى بالحكم واستسلام

والله قد كتب الفنا على الورى

وقضاؤه جفّت به الأقلام

نم في جوار الله مسرورا بما

قدّمت يوم تزلزل الأقدام

واعلم بأن سليل ملك «6» قد غدا

في مستقرّ علاك وهو إمام

ستر «7» تكنّف منه من خلّفته

ظلّ ظليل فهو ليس يضام

كنت الحسام وصرت في غمد الثّرى

ولنصر ملكك سلّ منه حسام

خلّفت أمّة أحمد لمحمد

فقضت بسعد الأمّة الأحكام

فهو الخليفة للورى في عهده

ترعى العهود وتوصل الأرحام

أبقى رسومك كلّها محفوظة

لم ينتثر منها عليك نظام

العدل والشّيم الكريمة والتّقى

والدّار والألقاب والخدّام

حسبي بأن أغشى «8» ضريحك لائما

وأقول والدمع السّفوح سجام

ص: 295