الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد الملزوزي
من أهل العدوة الغربية، يكنى أبا فارس، ويعرف بعزّوز.
حاله: كان شاعرا مكثرا سيّال القريحة، منحطّ الطبقة، متجنّدا، عظيم الكفاية والجرأة، جسورا على الأمراء، علق بخدمة الملوك من آل عبد الحق وأبنائهم، ووقف أشعاره عليهم، وأكثر النظم في وقائعهم وحروبهم، وخلط المعرّب باللّسان الزناتي في مخاطباتهم، فعرف بهم، ونال عريضا من دنياهم، وجمّا من تقريبهم. واحتلّ بظاهر غرناطة في جملة السلطان أمير المسلمين أبي يعقوب، وأمير المسلمين أبيه، واستحقّ الذكر بذلك.
شعره: من ذلك أرجوزة نظمها بالخضراء في شوال سنة أربع وثمانين وستمائة، ورفعها إلى السلطان أمير المسلمين أبي يوسف بن عبد الحق، سماها ب «نظم السلوك، في الأنبياء والخلفاء والملوك» لم يقصر فيها عن إجادة.
ومن شعره، قال مخبرا عن الأمير أبي مالك عبد الواحد ابن أمير المسلمين أبي يوسف:
دعاني يوما والسما قد ارتدت بالسحائب
…
والغيث يبكي بالدموع السّواكب
كأنه عاشق صدّ عنه حبيبه
…
ففاضت دموعه عليه وكثر نحيبه
ولم يرق له مدمع
…
كأنه لم يبق له فيه مطمع
فكان الوعد حسرته
…
والبرق لو عته وزفرته
فقال لي: ما أحسن هذا اليوم
…
لو كان في غير شهر الصوم
فاقترح غاية الاقتراح عليّ
…
وقال: قل فيه شعرا بين يديّ
فأنشدته هذه الأبيات: [الكامل]
اليوم يوم نزهة وعقار
…
وتقرّب الآمال والأوطار
أو ما ترى شمس النهار قد اختفت
…
وتستّرت عن أعين النظّار
والغيث سحّ غمامه فكأنّه
…
دنف بكى من شدّة التذكار
والبرق لاح من السماء كأنه
…
سيف تألّق في سماء غبار
لا شيء أحسن فيه من نيل المنى
…
بمدامة «1» تبدو كشعلة نار
لولا صيام عاقني عن شربها
…
لخلعت في هذا النهار عذاري «1»
لو كان يمكن أن يعار أعرته
…
وأصوم شهرا في مكان نهار
لكن تركت سروره ومدامه
…
حتى أكون لديه ذا أفكار
ونديرها في الكأس بين نواهد
…
تجلو الهموم بنغمة الأوتار
فجفونها تغنيك عن أكواسها
…
وخدودها تغنيك عن أزهار
فشكره لمّا سمعه غاية الشكر، وقال: أسكرتنا بشعرك من غير سكر. قال:
وأتيته بهذه الأبيات: [الكامل]
أعلمت بعدك زفرتي وأنيني
…
وصبابتي يوم النّوى وشجوني «2» ؟
أودعت إذ ودّعت وجدا في الحشا
…
ما إن تزال سهامه تصميني «3»
ورقيب شوقك حاضر مترقّب
…
إن رمت صبرا بالأسى يغريني
من بعد بعدك ما ركنت لراحة
…
يوما ولا غاضت عليك شؤوني
قد كنت أبكي الدمع أبيض ناصعا
…
فاليوم تبكي بالدّماء جفوني
قل للذين قد ادّعوا فرط الهوى
…
إن شئتم علم الهوى فسلوني
إنّي أخذت كثيره عن عروة
…
ورويت سائره عن المجنون
هذي روايتنا عن اشياخ «4» الهوى
…
فإن ادّعيتم غيرها فأروني
يا ساكني أكناف رملة عالج
…
ظفرت بظبيكم الغرير يميني
كم بات في جنح الظلام معانقي
…
ومجنت في صفر «5» إلى مجنون
في روضة نمّ النسيم بعرفها
…
وكذاك عرف الرّوض غير مصون
والورق «6» من فوق الغصون ترنّمت
…
فتريك بالألحان أيّ فنون
تصغي الغصون لما تقول فتنثني
…
طربا لها فاعجب لميل غصون
والأرض قد لبست غلائل سندس
…
قد كلّلت باللؤلؤ المكنون
تاهت على زهر السماء بزهرها
…
وعلى البدور بوجهها الميمون
قال أبو فارس: وكان أمير المسلمين أبو يوسف سار إلى مدينة سلا، فبويع بها ولده أبو يعقوب، وذلك في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام أحد وسبعين وستمائة، يوم مولد النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأنشدته يوم بيعته هذه القصيدة ورفعتها إليه:
[الكامل]
يا ظبية الوعساء، قد برح الخفا
…
إنّي صبرت على غرامك ما كفى
كم قد عصيت على هواك عواذلي
…
وأناب بالتّبعيد منك وبالجفا
حمّلتني ما لا أطيق من الهوى
…
وسقيتني من غنج لحظك قرقفا «1»
وكسوتني ثوب النحول فمنظري
…
للناظرين عن البيان قد اختفى
هذا قتيلك فارحميه فإنه
…
قد صار من فرط النحول على شفا
لهفي على زمن تقضّى بالحمى
…
وعلى محلّ بالأجيرع قد عفا
أترى يعود الشّمل كيف عهدته
…
ويصير بعد فراقه متألّقا؟
لله درّك يا سلا من بلدة
…
من لم يعاين مثل حسنك ما اشتفا
قد حزت برّا ثم بحرا طاميا
…
وبذاك زدت ملاحة وتزخرفا
فإذا رأيت بها القطائع خلتها
…
طيرا يحوم على الورود مرفرفا
والجاذفين على الرّكيم كأنهم
…
قوم قد اتخذوا إماما مسرفا
جعل الصّلاة لهم ركوعا كلها
…
وأتى ليشرع في السجود مخفّفا
والموج يأتي كالجبال عبابه
…
فتظنّه فوق المنازل مشرفا
حتى إذا ما الموج أبصر حدّه
…
غضّ العنان عن السّرى وتوقّفا
فكأنّه جيش تعاظم كثرة
…
قد جاء مزدحما يبايع يوسفا
ملك به ترضى الخلافة والعلا
…
وبه تجدّد في الرّئاسة ما عفا
من لم يزل يسبي الفوارس في الوغى
…
إن سلّ في يوم الكريهة مرهفا
ألفت محبّته القلوب لأنه
…
ملك لنا بالجود أضحى متحفا
ألقى إليه الأمر والده الذي
…
عن كل خطب في الورى ما استنكفا
يعقوب الملك الهمام المجتبى
…
الماجد الأوفى الرحيم الأرأفا
يهواه من دون البنين كأنما
…
يعقوب يعقوب ويوسف يوسفا
طوبى لمن في الناس قبّل كفّه
…
والويل منه لمن غدا متوقّفا
أعطاك ربّك وارتضاك لخلقه
…
فاقتل بسيفك من أبى وتخلّفا
وامدد يمينك للوفود فكلهم
…
لليوم عاد مؤمّلا متشوّفا
فاليوم لا تخشى النّعاج ذئابها
…
ويعود من يسطو بها متعطّفا
صلح الزمان فلا عدوّ يتّقى
…
لم يخش خلق في علاك تخوّفا
لم لا وعدلك للبريّة شامل؟
…
طبعا وغيرك لا يزال تكلّفا
يا من سررت بملكه وعلائه
…
اليوم أعلم أنّ دهري أنصفا
فإذا ملكت فكن وفيّا حازما
…
واعلم بأنّ الملك يصلح بالوفا
وأفض بذلك «1» للوجود وكن لهم
…
كهفا وكن ببعيدهم مستعطفا
فالجود يصلح ما تعلّم في العلا
…
وسواه يفسد في الخلافة ما صفا
إنّ البريّة في يديك زمامها
…
فاحذر فديتك أن تكون معنّفا
يا من تسربل بالمكارم والعلا
…
ما زال حاسدكم يزيد تأسّفا
خذها إليك قصيدة من شاعر
…
في نظم فخرك كيف شاء «2» تصرّفا
خضع الكلام له فصار كعبده
…
ما شاء يصنع ناظما ومؤلّفا
لا زالت الأمجاد تخدم مجدكم
…
ما زارت الحجّاج مروة والصّفا
ومن شعره في رثاء الأمير أبي مالك: [الكامل]
سهم المنيّة أين منه فرار
…
من في البريّة من رجاه يجار
حكم الزمان على الخلائق بالفنا
…
فالدار لا يبقى بها ديّار
عش ما تشاء فإنّ غايتك الرّدى
…
يبلى الزمان وتذهب الأعمار
فاحذر مسالمة الزمان وأمنه
…
إنّ الزمان بأهله غدّار
وانظر إلى الأمراء قد سكنوا الثرى
…
وعليهم كأس المنون تدار
تركوا القصور لغيرهم وترحّلوا
…
ومن اللّحود عليهم أستار
قد وسّدوا بعد الحرير جنادلا
…
ومن اللحود عليهم أستار
منعوا القباب «3» وأسكنوا بطن الثّرى
…
حكمت بذاك عليهم الأقدار