الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن عمر الغساني
«1»
من أهل قرية أرينتيرة من قرى سند مدينة وادي آش، يكنى أبا الحسن.
حاله: كان من جلّة الطلبة ونبهائهم وأذكيائهم وصلحائهم. عنده معرفة بالفقه، ومشاركة في الحديث، ومعرفة بالنحو والأدب، وحسن نظم ونثر، من أحسن الناس نظما للوثائق، وأتقنهم لها، وأعرفهم بنقدها، وأقصدهم لمعانيها، يستعين على ذلك بأدب وكتابة، فيأتي بأشياء عجيبة.
مشيخته: روى عن الراوية أبي العباس الخروبي، والمقرئ أبي الحسن طاهر بن يوسف بن فتح الأنصاري، والقاضي أبي محمد بن عبد الرحيم الخزرجي.
تواليفه: ألّف كتابا في شرح المسند الصحيح لمسلم بن الحجاج في أسفار كثيرة، أجاد فيها كل الإجادة. وله كتاب سماه ب «الوسيلة في الأسماء الحسنى» . ونظم في شمائل النبيّ، عليه أفضل الصلاة والسلام.
شعره: له شعر في الزهد وغيره، فمنه قوله:[مجزوء الرجز]
أيا كريما لم يضع
…
لديك عبد أمّلك
بالباب من أنت له
…
وودّ أن لو كان لك
عبد له أسئلة
…
وليستحي أن يسألك
أفواههم تسأله
…
ولم تحسّن عملك
ألست «2» أنت خنته
…
أمانة قد حمّلك؟
ولم تكن تشكر ما
…
من فضله قد خوّلك؟
وكلّما أهملته
…
من حقّه ما أهملك
إنّا كما قالوا سوى
…
أنك أعلى من ملك
تلك التي تؤنسني
…
وترتجي من فضّلك «3»
بشراي إن نال الرّضا
…
بها فقد «4» توسّلك
علي بن محمد بن «1» علي بن هيضم الرّعيني
من أهل إشبيلية، يكنى أبا الحسن.
حاله: الكاتب البليغ المحدّث الراوية. قال الأستاذ: كان من أهل العلم والمشاركة، وغلبت عليه الكتابة السلطانية واعتمدها صناعة. وكتب لجلّة من ملوك الأندلس والعدوة. وكان انفصاله من الأندلس قبل سنة أربعين وستمائة.
قلت: وكتب للسلطان المتوكل على الله أبي عبد الله بن هود «2» ، ثم للسلطان المتوكل الغالب بالله أبي عبد الله بن نصر «3» . وسكن بغرناطة مدة مديدة. ثم رحل إلى مراكش، فكتب عن أمير سبتة، وعن ملوك الموحدين بمراكش. ونمت حاله ونبهت رتبته، واستقلّ بالإنشاء بعد شيخه أبي زيد الفازازي، وكان محدّثا عارفا بالرواية، متعدد المشيخة، فاضلا، ديّنا، مشاركا في كثير من المعارف، حسن الخط، جيد الكتابة، متوسط الشعر. قلت: هذا الرجل له مشيخة في أصل ابن الخطيب، طويلة اختصرتها.
شعره ونثره: من ذلك ما جمع فيه بين النظم والنثر: [الكامل]
وافى الكتاب وقد تقلّد جيده
…
ما أنت تحسن نظمه وتجيده
من كلّ معنى ضمن لفظه في حلى
…
خطّ يزيل طلى الطرّوس فريده
أبا المطرّف، دعوة من خالص
…
لعلاك غابت ودّه وشهيده
أنت الوحيد بلاغة وبراعة
…
ولك البيان طريفه وتليده
فانثر فأنت «4» بديعه وعماده
…
وانظم فأنت «5» حبيبه ووليده
إيه، أيها السيد الذي جلّت سيادته، وحلّت صميم الفؤاد سعادته، ودامت بها ينفع الناس عادته. ألقى إلى كتاب كريم خطّته تلك اليمنى التي اليمن فيها تخطّه، ونسّقت جواهر بيانه التي راق بها سمطه، فلا تسلوا عن ابتهاجي بأعاجيبه، وانتهاجي لأساليبه، وشدّة كلفي بالتماح وسيمه، وجدّة شغفي باسترواح نسيمه. فإنه قدم وأنس
النّفس راحل، واستعاده وروض الفكر ماحل، فجاده لا جرم أنه بما حوى من حدق النّوى، وروى من طرق الهوى، وبكى الربيع المحيل، وشكى من صابح الرّحيل، هيّج لواعج الأشواق وأثارها، وحرّك للنفس حوارها، فحنّت، واستوهبت العين مدارها فما ضنّت. فجاشت لوعة أسكنت، وتلاشت سلوة عنت، وكفّ دمع كفّ، وثقل عذل حفّ، واشتدّ الحنين، وامتدّ الأنين، وعلا النحيب، وعرا الوجيب، والتقى الصّبّ والحين، وهدى المحب قدر ما جناه البين، وطالما أعمل في احتمال المشاق عزيمه، وشدّ لاجتياب الآفاق حيازيمه:[المنسرح]
وادع مثوى المقام معتزما
…
فلا «1» يرى للغرام ملتزما
وأزمع البين «2» عن أحبّته
…
والبين عن داره التي رئما
وما درى أنه بعزمته
…
قد «3» أشعل البين في الحشا ضرما
وهل جرى ذاك في تصوّره؟
…
فربما أحدث الهوى لمما
إلهي، ألا نوى مشيئته «4»
…
شملا من العيش كان منتظما؟
وعاذل قال لي يعنّتني
…
لا تبد فيما فعلته ندما
ما حيلة في يدي فأعملها
…
عدل من الله كلّ ما حكما
أما أنّ القلب لو فهم حقيقة البين قبل وقوعه، وعلم قدر ما يشبّ من الرّوع في روعه، لبالغ في اجتنابه، واعتقد المعفي عنه من قبيل المعتنى به، ولحا الله الأطماع، فإنها تستدرج المرء وتغرّه، وتغريه بما يسرّه، ما زالت تقتل في الغارب والذّروة، وتخيل بالترغيب والثّروة، حتى أنأت عن الأحباب والحبايب، ورمت بالغريب أقصى المغارب. فيا لوحشة ألوت بإيناسه، وبالغربة أحلّت في غير وطنه وناسه، ويا عجبا للأيام وإساءتها، وقرب مسرّتها عن مساءتها، كأنها لم تتحف بوصال، ولم تسعف باتصال، ولم تمتّع بشباب، ولم تفتح لقضاء أوطار النفس كل باب:[الخفيف]
عجبا للزمان عقّ وعاقا
…
وعدمنا مسرّة ووفاقا
أين أيامه وأين ليال
…
كلآل تلألؤأ واتّساقا؟
كم نعمنا بظلّها فكأنّا
…
مرقها للصّبا علينا رماقا
كم بغرناطة وحمص وصلنا
…
باصطباح من السرور اغتباقا
في «1» ربى نجد تلك أو نهر هدي
…
والأماني تجري إلينا استباقا
في رياض راقت وراق ولكن
…
حين ندّ الحيا لها فأراقا
رقّ فيها النسيم فهو نسيب
…
قد سبا رقّة نفوسا رفاقا
وثنا للغصون منها قدودا
…
تتلاقى تصافحا واعتناقا
كلّما هبّ من صباه عليل
…
وتداوى بها العليل أفاقا
حكم السّعد للأحبة فيه
…
بكؤوس الوصال أن تنساقا
ثم كرّت للدهر عادة سوء
…
شقّ فيها خطب النوى حين شاقا
شتّت الشمل بعد طول اجتماع
…
وسقى للفراق «2» كأسا دهاقا
وأعاد الأوطان قفرا ولكن
…
قد أعاد القطان فيها الرفاقا
ليت شعري والعيش تطويه بالفي
…
فى «3» ، أشاما تبوءوا أم عراقا؟
يا حداة القلوب، رفقا بصبّ
…
بلغت نفسه السياق اشتياقا
آه «4» من شجوة وآه لبين
…
ألزم النّفس لوعة واحتراقا
هذه، يا سيدي، استراحة من فؤاد وقدته الفرقة والقطيعة، واستباحته لحمى الوقار بما لم تحظره الشريعة، فقديما تشوكيت الأحزان، وتبوكيت الأوطان، وحنّ المشتاق، وكنّ له من الوجد ما لا يطاق، فاستوقف الركب يشكو البلابل، واستوكف السحب لسقيا المنازل، وفدى الرّبع وإن زاده كربا، ومن له إن يلم لائما له تربا.
حسبه دموع تفيض مجاريها، ونجوم يسامرها ويسايرها:[الكامل]
ألف السهاد فشأنه إدمانه
…
واستغرقت أحيانه أشجانه
وشكا جفاء «5» الطّيف إذ لم يأته
…
هل ممكن من لم ينم إتيانه؟
واستعبدته صبابة وكذا الهوى
…
في حكمه «6» أحراره عبدانه
كم رام كتمان المحبة جهده
…
ودموعه يبدو بها كتمانه