المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حصورا، لكنه نجد تألّق بكل ثنيّة، ومكارم رمت عن كلّ - الإحاطة في أخبار غرناطة - جـ ٤

[لسان الدين بن الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع]

- ‌[تتمة قسم الثانى]

- ‌ومن الغرباء

- ‌عبد المهيمن بن محمد بن عبد المهيمن بن محمد ابن علي بن محمد بن عبد الله بن محمد الحضرمي

- ‌عبد المهيمن بن محمد الأشجعي البلّذوذي

- ‌عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد الملزوزي

- ‌ومن العمّال

- ‌عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز الأسدي العراقي

- ‌عبد القادر بن عبد الله ابن عبد الملك بن سوّار المحاربي

- ‌ومن الزهّاد والصلحاء وأولا الأصليون

- ‌عبد الأعلى بن معلا

- ‌عبد المنعم بن علي بن عبد المنعم بن إبراهيم ابن سدراي بن طفيل

- ‌ومن الطارئين وغيرهم

- ‌عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن فتح ابن سبعين العكّي

- ‌دعواه وإزراؤه:

- ‌وفيما يسمى بإحدى عيون الإسلام من الأسماء العينية وهم عتيق وعمر وعثمان وعلي، وأولا الأمراء والملوك وهم ما بين طارىء وأصلي وغريب

- ‌دخوله غرناطة وإلبيرة:

- ‌عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مسلمة التجيبي

- ‌ومن الغرباء

- ‌عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن

- ‌علي بن حمود بن ميمون بن حمود بن علي بن عبيد الله ابن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن علي ابن أبي طالب

- ‌علي بن يوسف بن تاشفين بن ترجوت

- ‌ظهور الموحدين في أيامه:

- ‌الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء

- ‌عتيق بن زكريا بن مول التجيبي

- ‌عمر بن يحيى بن محلّى البطّوي

- ‌عامر بن عثمان بن إدريس بن عبد الحق

- ‌علي بن بدر الدين بن موسى بن رحّو بن عبد الله ابن عبد الحق

- ‌علي بن مسعود بن علي بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن مسعود المحاربي

- ‌علي بن لب بن محمد بن عبد الملك ابن سعيد العنسي

- ‌علي بن يوسف بن محمد بن كماشة

- ‌عثمان بن إدريس بن عبد الله بن عبد الحق بن محيو

- ‌القضاة الأصليون

- ‌عتيق بن أحمد بن محمد بن يحيى الغساني

- ‌علي بن محمد بن توبة

- ‌علي بن عمر بن محمد بن مشرف بن محمد بن أضحى ابن عبد اللطيف بن الغريب بن يزيد بن الشمر ابن عبد شمس بن الغريب الهمداني

- ‌ومن الطارئين والغرباء

- ‌عثمان بن يحيى بن محمد بن منظور القيسي

- ‌علي بن أحمد بن الحسن المذحجي

- ‌علي بن عبد الله بن الحسن الجذامي النّباهي المالقي

- ‌المقرئون والعلماء

- ‌علي بن أحمد بن خلف بن محمد بن الباذش الأنصاري

- ‌علي بن محمد بن دري

- ‌علي بن عمر بن إبراهيم ابن عبد الله الكناني القيجاطي

- ‌ومن الطارئين

- ‌عمر بن عبد المجيد بن عمر الأزدي

- ‌عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد الأموي

- ‌علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح ابن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد

- ‌علي بن إبراهيم بن علي الأنصاري المالقي

- ‌علي بن محمد بن علي بن يوسف الكتامي

- ‌الكتاب والشعراء وأولا الأصليون منهم

- ‌علي بن محمد بن عبد الحق بن الصباغ العقيلي

- ‌علي بن محمد بن سليمان بن علي بن سليمان ابن حسن الأنصاري

- ‌علي بن عبد الرحمن بن موسى بن جودي القيسي

- ‌ومن الطارئين

- ‌عمر بن خلاف بن سليمان بن سلمة

- ‌علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن عمر الغساني

- ‌علي بن محمد بن علي بن البنا

- ‌علي بن محمد بن علي العبدري

- ‌علي بن عبد العزيز ابن الإمام الأنصاري

- ‌أخباره في الجود والجلالة:

- ‌ومن المحدّثين والفقهاء والطلبة النجباء

- ‌علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم الجذامي

- ‌علي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن الضحاك الفزاري

- ‌علي بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري

- ‌ومن الطارئين والغرباء

- ‌علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الخشني

- ‌علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن مروان بن عمر الغساني

- ‌علي بن صالح بن أبي الليث الأسعد بن الفرج بن يوسف

- ‌علي بن أبي جلّا المكناسي

- ‌علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن علي ابن سمحون الهلالي

- ‌علي بن محمد بن عبد الحق الزرويلي

- ‌علي بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن عبد الله ابن يحيى بن عبد الله بن يحيى الغافقي

- ‌محنته ودخوله غرناطة:

- ‌علي بن عبد الله بن محمد ابن يوسف بن أحمد الأنصاري

- ‌عمر بن علي بن غفرون الكلبي

- ‌علي بن يحيى الفزاري

- ‌الزهاد والصلحاء والصوفية والفقراء

- ‌عتيق بن معاذ بن عتيق بن معاذ بن سعيد بن مقدم بن سعيد بن يوسف بن مقدم اللخمي

- ‌علي بن علي بن عتيق بن أحمد بن محمد ابن عبد العزيز الهاشمي

- ‌علي بن أحمد بن محمد بن عثمان الأشعري

- ‌ومن الطارئين

- ‌علي بن عبد الله النميري الششتري

- ‌الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء

- ‌عامر بن محمد بن علي الهنتاني

- ‌ومن الطارئين في القضاة والغرباء

- ‌عاشر بن محمد بن عاشر بن خلف بن رجا ابن حكم الأنصاري

- ‌عياض بن محمد بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي

- ‌عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى ابن عياض بن محمد بن عبد الله بن موسى ابن عياض اليحصبي

- ‌عقيل بن عطية بن أبي أحمد جعفر بن محمد ابن عطية القضاعي

- ‌ومن الكتّاب والشعراء

- ‌عاصم بن زيد بن يحيى بن حنظلة بن علقمة بن عدي بن محمد التميمي ثم العبادي الجاهلي

- ‌ومن الأصليين من ترجمة المحدّثين الفقهاء والطلبة النجباء

- ‌عيسى بن محمد بن أبي عبد الله بن أبي زمنين المرّي

- ‌عيسى بن محمد بن عيسى بن عمر بن سعادة الأموي

- ‌غالب بن أبي بكر الحضرمي

- ‌ومن المقربين

- ‌غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرؤوف بن تمام ابن عبد الله بن تمام بن عطية بن خالد بن خفاف ابن أسلم بن مكتوم المحاربي، أبو بكر

- ‌غالب بن حسن بن غالب بن حسن بن أحمد بن يحيى ابن سيد بونه الخزاعي

- ‌غالب بن علي بن محمد اللخمي الشقوري

- ‌فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر

- ‌فرج بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر

- ‌فرج بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر

- ‌ومن الكتاب والشعراء

- ‌الفتح بن علي بن أحمد بن عبيد الله الكاتب المشهور

- ‌ومن المقرئين والعلماء

- ‌فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي

- ‌ومن الصوفية والصلحاء

- ‌فضل بن محمد بن علي بن فضيلة المعافري

- ‌ومن العمال الأثرا

- ‌فلّوج العلج

- ‌ومن المقرئين والعلماء

- ‌قاسم بن عبد الله بن محمد الشّاط الأنصاري

- ‌قاسم بن عبد الكريم بن جابر الأنصاري

- ‌قاسم بن يحيى بن محمد الزّروالي

- ‌ومن الكتّاب والشعراء

- ‌قرشي بن حارث بن أسد بن بشر بن هندي بن المهلب ابن القاسم بن معاوية بن عبد الرحمن الهمداني

- ‌قاسم بن محمد بن الجد العمري

- ‌ومن المحدّثين والفقهاء والطلبة النجباء

- ‌قاسم بن أحمد بن محمد بن عمران الحضرمي

- ‌قاسم بن خضر بن محمد العامري

- ‌سوّار بن حمدون بن عبدة بن زهير بن ديسم بن قديدة ابن هنيدة

- ‌حاله وبعض آثاره وحروبه:

- ‌مبدأ أمره وحروبه وشعره:

- ‌سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر لدين الله الخليفة بقرطبة

- ‌سليمان بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك بن مروان

- ‌سعيد بن سليمان بن جودي السّعدي

- ‌ومن ترجمة الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء

- ‌سهل بن محمد بن سهل بن مالك بن أحمد بن إبراهيم ابن مالك الأزدي

- ‌سليمان بن موسى بن سالم بن حسان بن أحمد ابن عبد السلام الحميري الكلاعي

- ‌ومن القضاة في هذا الحرف

- ‌سلمون بن علي بن عبد الله بن سلمون الكناني

- ‌ومن المحدّثين والفقهاء وسائر الطلبة النجباء بين أصلي وغيره:

- ‌سعيد بن محمد بن إبراهيم بن عاصم بن سعيد الغساني

- ‌ومن الكتاب والشعراء

- ‌سهل بن طلحة

- ‌سالم بن صالح بن علي بن صالح بن محمد الهمداني

- ‌هشام بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الناصر لدين الله بن محمد بن عبد الله

- ‌ومن ترجمة الأعيان والكبرا والأماثل والوزرا

- ‌هاشم بن أبي رجاء الإلبيري

- ‌يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر الأنصاري الخزرجي

- ‌رئيس الغزاة ويعسوب الجند الغربي:

- ‌من كان على عهده من الملوك:

- ‌يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة ابن نافع الفهري

- ‌ومن غير الأصليين

- ‌يحيى بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي عزفة اللخمي

- ‌يحيى بن علي بن غانية الصحراوي، الأمير أبو زكريا

- ‌يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن توقورت بن وريابطن ابن منصور بن مصالة بن أمية بن وايامى الصنهاجي ثم اللمتوني

- ‌يوسف بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر

- ‌يوسف بن عبد المؤمن بن علي

- ‌يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو

- ‌يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن بكر بن حمامة ابن محمد بن رزين بن فقوس بن كرناطة بن مرين

- ‌الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء

- ‌يحيى بن رحو بن تاشفين بن معطي بن شريفين

- ‌يحيى بن طلحة بن محلّى البطوي، الوزير أبو زكريا

- ‌يحيى بن عبد الرحمن بن إبراهيم ابن الحكيم اللخمي

- ‌يحيى بن عمر بن رحّو بن عبد الله بن عبد الحق

- ‌يوسف بن هلال

- ‌ومن القضاة الأصليين وغيرهم

- ‌يحيى بن عبد الله بن يحيى بن كثير بن وسلاسن ابن سمال بن مهايا المصمودي

- ‌يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع الأشعري

- ‌يحيى بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري

- ‌يوسف بن الحسن بن عبد العزيز بن محمد ابن أبي الأحوص القرشي الفهري

- ‌يوسف بن موسى بن سليمان بن فتح بن أحمد ابن أحمد الجذامي المنتشاقري

- ‌ومن المقرئين

- ‌يحيى بن أحمد بن هذيل التجيبي

- ‌يحيى بن عبد الكريم الشنتوفي

- ‌يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن محمد بن قاسم ابن علي الفهري

- ‌ومن الكتّاب والشعراء بين أصلي وغيره:

- ‌يحيى بن محمد بن يوسف الأنصاري

- ‌ومن ترجمة الشعراء من السفر الأخير وهو الثاني عشر المفتتح بالترجمة بعد

- ‌يحيى بن محمد بن أحمد بن عبد السلام التطيلي الهذلي

- ‌يحيى بن بقي

- ‌يوسف بن محمد بن محمد اليحصبي اللوشي، أبو عمر

- ‌يوسف بن علي الطرطوشي، يكنى أبا الحجاج

- ‌ومن ترجمة المحدّثين والفقهاء وسائر الطلبة النجباء:

- ‌يحيى بن محمد بن عبد العزيز بن علي الأنصاري

- ‌ومن العمال

- ‌يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان بن يوسف ابن رضوان بن يوسف بن رضوان بن محمد بن خير بن أسامة الأنصاري النّجاري

- ‌ومن ترجمة الزهاد والصلحاء

- ‌يحيى بن إبراهيم بن يحيى البرغواطي

- ‌[ترجمة ابن الخطيب]

- ‌ذكر بعض ما صدر لي من التشريعات الملوكية أيام تأبّشي بهذه الغرور

- ‌المقطوعات المشتملة على الأغراض العديدة

- ‌ومن المقطوعات أيضا:

- ‌ومن الأوصاف وما يرجع إليها

- ‌ومن أغراض الإشارات الصوفية وغيرها من الوعظ والجدّ والحكم، ولعلّ ذلك ماحيا لما تقدّمه بفضل الله

- ‌رسالة السياسة

- ‌فهارس الإحاطة

- ‌فهرس تراجم الأعلام

- ‌فهرس الكنى والألقاب

- ‌فهرس الكتب والمؤلّفات

- ‌فهرس الأماكن والبقاع

- ‌فهرس القوافي

- ‌فهرس الأرجاز

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: حصورا، لكنه نجد تألّق بكل ثنيّة، ومكارم رمت عن كلّ

حصورا، لكنه نجد تألّق بكل ثنيّة، ومكارم رمت عن كلّ حنيّة، ومجد سبق إلى كل أمنيّة، وأياد ببلوغ غايات الكمال معنيّة. فحسبي الإلقاء باليد لغلبة تلك الأيادي، وإسلام قيادي، إلى ذلك المجد السّيادي، وإعفاء يراعي ومدادي. فإذا كانت الغاية لا تدرك، فالأولى أن يلقى الكدّ ويترك، ولا يعرّج على الادّعاء، ويصرف القول من باب الخبر إلى باب الدّعاء. وقد وصل كتاب سيّدي مختصر الحجم، جامعا بين النّجم والنّجم، قريب عهد من يمينه بمجاورة المطر السّجم، فقلت: اللهمّ كلّف سيدي وأجزه، ومدّ يده بالضّر فاخزه. ولله درّ المثل، أشبه امرؤ بعض برّه كمال واختصار، وريحان أنوف وإثمد أبصار. أعلق بالرّعي الذي لا يقرّ بعد الدار من شيمته، ولا يقدح اختلاف العروض والأقطار في ديمته. إنما نفسه الكريمة والله يقيها، وإلى معارج السعادة يرقّيها، قانون يلحق أدنى الفضائل بأقصاها، وكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها. وإني وإن عجزت عما خصّني من عمومها، وأحسّني من جموعها، لمخلّد ذكر يبقى وتذهب اللها، ويعلى مباني المجد تجاوز ذوابها السّها، ويذيع بمخايل الملك فما دونها، ممادح يهوى المسك أن يكونها، ويقطف له الروض المجود غصونها، وتكحل به الحور العين عيونها، وتؤدي منه الأيام المتهرّبة ديونها. وإن تشوّف سيدي، بعد حمده وشكره، واستنفاد الوسع في إطالة حمده، وإطابة ذكره، إلى الحال، ففلان حفظه الله يشرح منها المجمل، ويبيّن من عواملها الملغى والمعمل. وإما اعتناء سيدي بالولد المكفّن بحرمته، فليس ببدع في بعد صيته، وعلوّ همّته، على من تمسّك بأذمّته، وفضله أكبر من أن يقيّد بقصّة، وبدر كماله أجلّ من أن يعدّل بوسط أو حصّة. والله تعالى يحفظ منه في الولاء وليّ القبلة، ووليّ المكارم بالكسب والجبلّة، ويجعل جيش ثنائه لا يؤتى من القلّة، بفضله وكرمه، والسلام الكريم عليه، ورحمة الله وبركاته. وكتب في كذا.

ومن تشوف إلى الإكثار من هذا الفن، فعليه بكتابنا المسمى ب «ريحانة الكتّاب، ونجعة المنتاب» «1» .

‌رسالة السياسة

قال ابن الخطيب: ولنختم هذا الغرض ببعض ما صدر عني في السّياسة وكان إملاؤها في ليلة واحدة «2» :

ص: 534

حدّث من امتاز باعتبار الأخبار، وحاز درجة الاشتهار، بنقل حوادث الليل والنهار، وولج بين الكمائم والأزهار، وتلطّف لخجل الورد من تبسّم البهار، قال:

سهر الرشيد ليلة «1» ، وقد مال في هجر النبيذ ميلة «2» ، وجهد ندماؤه في جلب راحته، وإلمام النوم بساحته، فشحّت عهادهم «3» ، ولم يغن اجتهادهم. فقال: اذهبوا إلى طرق سمّاها ورسمها، وأمهات قسمها، فمن عثرتم عليه من طارق ليل، أو غثاء سيل، أو ساحب ذيل، فبلّغوه، والأمنة سوّغوه، واستدعوه، ولا تدعوه. فطاروا عجالى، وتفرّقوا ركبانا ورجالا، فلم يكن إلّا ارتداد طرف، أو فواق حرف «4» ، وأتوا بالغنيمة التي اكتسحوها، والبضاعة التي ربحوها، يتوسّطهم الأشعث الأغبر، واللّجّ الذي لا يعبر، شيخ طويل القامة، ظاهر الاستقامة، سبلته مشمطّة، وعلى أنفه من القبح «5» مطّة، وعليه ثوب مرقوع، لطير الخرق «6» عليه وقوع، يهينم بذكر مسموع، وينبئ عن وقت مجموع. فلما مثل سلّم، وما نبس بعدها ولا تكلّم.

فأشار إليه الملك «7» فقعد، بعد أن انشمر وابتعد، وجلس، فما استرقّ النظر ولا اختلس، إنما حركة فكره، معقودة بزمام ذكره، ولحظات اعتباره، في تفاصيل أخباره. فابتدره الرشيد سائلا، وانحرف إليه مائلا، وقال: ممن الرجل؟ فقال:

فارسيّ الأصل، أعجميّ الجنس عربيّ الفصل، قال: بلدك، وأهلك وولدك؟ قال:

أمّا الولد فولد الدّيوان، وأمّا البلد فمدينة الإيوان. قال: النّحلة، وما أعملت إليه الرّحلة؟ قال: أمّا الرّحلة فالاعتبار، وأمّا النّحلة فالأمور الكبار، قال: فنّك، الذي اشتمل علية دنّك؟ فقال: الحكمة فنيّ الذي جعلته أثيرا، وأضجعت منه فراشا وثيرا، وسبحان الذي يقول: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً

«8» . وما سوى ذلك فتبيع «9» ، ولي فيه مصطاف وتربيع «10» . قال: فتعاضد جذل الرشيد وتوفّر، وكأنما «11» غشي وجهه قطعة من الصبح إذا أسفر، وقال: ما رأيت كاللّيلة أجمع لأمل شارد، وأنعم بمؤانسة وارد. يا هذا، إني سائلك، ولن تخيب بعد وسائلك، فأخبرني

ص: 535

بما «1» عندك في هذا الأمر الذي بلينا بحمل أعبائه، ومنينا بمراوضة إبائه «2» ، فقال:

هذا الأمر قلادة ثقيلة، ومن خطّة العجز مستقيلة، ومفتقرة لسعة الذّرع، وربط السياسة المدنية بالشّرع، يفسدها «3» الحلم «4» في غير محلّه، ويكون ذريعة إلى حلّه، ويصلحها «5» مقابلة الشكل بشكله:[المتقارب]

ومن لم يكن سبعا آكلا

تداعت سباع إلى أكله

فقال الملك: أجملت ففصّل، وبريت فنصّل، وكلت فأوصل، وانثر الحبّ لمن يحوصل، واقسم السياسة فنونا، واجعل لكلّ لقب قانونا، وابدأ بالرّعيّة، وشروطها المرعيّة. فقال: رعيّتك ودائع الله «6» قبلك، ومرآة العدل الذي عليه جبلك، ولا تصل إلى ضبطهم إلّا بإعانته «7» التي وهب لك. وأفضل ما استدعيت به عونك «8» فيهم، وكفايته التي تكفيهم، تقويم نفسك عند قصد تقويمهم، ورضاك بالسّهر لتنويمهم، وحراسة كهلهم ورضيعهم، والترفّع عن تضييعهم، وأخذ كل طبقة بما عليها وما لها، أخذا يحوط مالها، ويحفظ عليها كمالها، ويقصّر عن غير الواجب آمالها، حتى تستشعر عليتها «9» رأفتك وحنانك، وتعرف أوساطها في النّصب امتنانك، وتحذر سفلتها سنانك، وحظّر على كلّ طبقة منها أن تتعدّى طورها، أو تخالف دورها، أو تجاوز بأمر طاعتك فورها. وسدّ فيها سبل الذريعة، وأقصر جميعها على «10» خدمة الملك بموجب الشّريعة، وامنع أغنياءها من البطر والبطالة، والنظر في شبهات الدين بالتّمشدق والإطالة، وليقلّ فيما شجر بين السلف «11» كلامها، وترفض «12» ما ينبز به أعلامها، فإنّ ذلك يسقط الحقوق، ويرتّب العقوق. وامنعهم من فحش الحرص والشّره، وتعاهدهم بالمواعظ التي تجلو البصائر من المره «13» ، واحملهم من الاجتهاد في العمارة على أحسن المذاهب، وانهم عن التحاسد على المواهب، ورضهم على الإنفاق بقدر الحال، والتعزّي عن الفائت فردّه من المحال. وحذّر «14» البخل على «15»

ص: 536

أهل اليسار، والسّخاء على أولي الإعسار. وخذهم من الشّريعة بالواضح الظاهر، وامنعهم من تأويلها منع القاهر. ولا تطلق لهم التّجمّع على من أنكروا أمره في نواديهم، وكفّ عنهم أكفّ تعدّيهم، ولا تبح لهم تغيير ما كرهوه بأيديهم. ولتكن غايتهم، فيما توجّهت إليه إبايتهم، ونكصت عن الموافقة عليه رايتهم، إنهاؤه «1» إلى من وكلته بمصالحهم من ثقاتك، المحافظين على أوقاتك. وقدّم منهم من أمنت عليهم مكره، وحمدت على الإنصاف شكره، ومن كثر حياؤه مع التّأنيب، وقابل الهفوة باستقالة «2» المنيب، ومن لا يتخطّى عندك «3» محلّه، الذي حلّه، فربما عمد إلى المبرم فحلّه. وحسّن النّية لهم بجهد الاستطاعة، واغتفر المكاره في جنب حسن الطاعة. وإن ثار جرادهم، واختلف في طاعتك مرادهم، فتحصّن لثورتهم، واثبت لفورتهم، فإذا سألوا وسلّوا، وتفرّقوا وانسلّوا، فاحتقر كثرتهم، ولا تقل عثرتهم «4» ، واجعلهم لما بين أيديهم وما خلفهم نكالا، ولا تترك لهم على حلمك اتّكالا.

ثم قال: والوزير الصالح أفضل عددك، وأوصل مددك، فهو الذي يصونك عن الابتذال، ومباشرة الأنذال، ويثب لك على الفرصة، وينوب في تجرّع الغصّة، واستجلاء القصّة، ويستحضر ما نسيته من أمورك، ويغلّب فيه الرأي بموافقة مأمورك، ولا يسعه ما تمكنك المسامحة فيه، حتى يستوفيه. واحذر مصادمة تيّاره، والتجوّز في اختياره، وقدّم استخارة الله في إيثاره، وأرسل عيون الملاحظة في «5» آثاره، وليكن معروف «6» الإخلاص لدولتك، معقود الرّضا والغضب برضاك وصولتك، زاهدا عمّا في يديك، مؤثرا كلّ «7» ما يزلف لديك، بعيد الهمّة، راعيا للأذمّة «8» ، كامل الآلة، محيطا بالإيالة، رحب «9» الصّدر، رفيع القدر، معروف البيت، نبيه الحيّ والميت، مؤثرا للعدل والإصلاح، دريّا «10» بحمل السّلاح، ذا خبرة بدخل المملكة وخرجها، وظهرها وسرجها، صحيح العقد، متحرّزا من النّقد، جادّا عند لهوك، متيقّظا في حال سهوك، يلين عند غضبك، ويصل الإسهاب بمقتضبك «11» ، قلقا من شكره دونك

ص: 537

وحمده، ناسبا لك الأصالة «1» بعمده. وإن أعيا عليك وجود أكثر هذه الخلال، وسبق إلى نقيضها «2» شيء من الاختلال، فاطلب منه سكون النّفس وهدونها «3» ، وأن لا يرى منك رتبة إلّا رأى قدره دونها، وتقوى الله تفضل شرف الانتساب، وهي للفضائل فذلكة الحساب. وساو في حفظ غيبه بين قربه ونأيه، واجعل حظّه من نعمتك موازيا لحظّك من حسن رأيه، واجتنب منهم من يرى في نفسه إلى الملك سبيلا، أو يقود من عيصه للاستظهار عليك قبيلا، أو من كاثر مالك ماله، أو من تقدم لعدوّك استعماله، أو من سمت لسواك آماله، أو من يعظم عليه إعراض وجهك، ويهمّه نادرة «4» نهجك «5» ، أو من يداخل غير أحبابك، أو من ينافس أحدا ببابك.

وأمّا الجند فاصرف التّقويم «6» منهم للمقاتلة، والمكايدة المخاتلة «7» ، واستوف عليهم شرائط الخدمة، وخذهم بالثّبات للصّدمة، ووفّ ما أوجبت لهم من الجراية والنّعمة، وتعاهدهم عند الغناء بالعلف «8» والطّعمة، ولا تكرّم منهم إلّا من أكرمه غناؤه، وطاب في الذّبّ عن ملّتك «9» ثناؤه، وولّ «10» عليهم النّبهاء من خيارهم، واجتهد في صرفهم عن الافتنان بأهلهم «11» وديارهم، ولا توطّئهم الدّعة مهادا، وقدّمهم على حفظك «12» وبعوثك متى «13» أردت جهادا، ولا تلن «14» لهم في الإغماض عن حسن طاعتك قيادا، وعوّدهم حسن المواساة بأنفسهم اعتيادا، ولا تسمح لأحد منهم في إغفال شيء من سلاح استظهاره، أو عدّة اشتهاره، وليكن ما فضل عن «15» شبعهم وريّهم، مصروفا إلى سلاحهم وزيّهم، والتّزيّد في مراكبهم وغلمانهم، من غير اعتبار لأثمانهم. وامنعهم من المستغلّات والمتاجر، وما يتكسّب منه غير المشاجر، وليكن من الغزو اكتسابهم، وعلى المغانم حسابهم، كالجوارح التي تفسد باعتيادها، أن تطعم من غير اصطيادها. واعلم أنها لا تبذل نفوسها من عالم الإنسان، إلّا لمن يملك قلوبها بالإحسان وفضل اللّسان، ويملك حركاتها بالتّقويم، ورتبها بالميزان القويم، ومن تثق بإشفاقها «16» على أولادها،

ص: 538

وتشتري «1» رضا الله بصبرها «2» على طاعته وجلادها. فإذا استشعرت لها هذه الخلال تقدمتك إلى مواقف التّلف، مطيعة دواعي الكلف، واثقة منك بحسن الخلف. واستبق إلى تمييزهم استباقا، وطبّقهم طباقا، أعلاها من تأمّلت منه في المحاربة عنك إحظارا «3» ، وأبعدهم في مرضاتك مطارا «4» ، وأضبطهم لما تحت يدك «5» من رجالك حزما ووقارا، واستهانة بالعظائم واحتقارا، وأحسنهم لمن تقلّده أمرك من الرعيّة جوارا، إذا أجدت اختيارا، وأشدّهم على مماطلة من مارسه من الخوارج عليك اصطبارا. ومن بلا «6» في الذبّ عنك «7» إحلاء وإمرارا، ولحقه الضّرّ في معارك «8» الدفاع عنك مرارا. وبعده من كانت محبّته لك أكثر «9» من نجدته، وموقع رأيه أصدق «10» من موقع صعدته «11» . وبعده «12» من حسن انقياده لأمرائك، وإحماده لآرائك، ومن جعل نفسه من الأمر حيث جعله «13» ، وكان صبره على ما عراه أكثر من اعتداده بما فعله. واحذر منهم من كان عند نفسه أكبر من موقعه في الانتفاع، ولم يستح «14» من التزيّد بأضعاف ما بذله من الدّفاع، وشكا البخس فيما تعذّر عليه من فوائدك، وقاس بين عوائد «15» عدوّك وعوائدك، وتوعّد بانتقاله عنك وارتحاله، وأظهر الكراهية لحاله.

وأما العمّال فإنهم ينبئون «16» عن مذهبك، وحالهم في الغالب شديدة الشّبه بك، فعرّفهم في أمانتك السّعادة، وألزمهم في رعيّتك العادة، وأنزلهم من كرامتك بحسب منازلهم في الاتّصاف، بالعدل والإنصاف، وأحلّهم من الحفاية، بنسبة مراتبهم من الأمانة والكفاية، وقفهم عند تقليد الأرجاء، مواقف الخوف والرّجاء، وقرّر في نفوسهم أنّ أعظم ما به إليك تقرّبوا، وفيه تدرّبوا، وفي سبيله أعجموا وأعربوا، إقامة حقّ ودحض باطل «17» ، حتى لا يشكو غريم مطل ماطل، وهو آثر لديك من كل رباب «18» هاطل. وكفّهم من الرّزق الموافق، عن التصدّي لدنيء المرافق. واصطنع منهم من تيسّرت كلفته، وقويت للرعايا ألفته، ومن زاد على تأميله صبره، وأربى على

ص: 539

خبره خبره، وكانت رغبته في حسن الذّكر، تشفّ «1» على غيرها من بنات الفكر، واجتنب منهم من غلب «2» عليه التّخرّق في الإنفاق، وعدم الإشفاق، والتنافس في الاكتساب، وسهل عليه سوء الحساب، وكانت ذريعته المصانعة بالنّفاية، دون التّقصّي والكفاية، ومن كان منشؤه خاملا، ولأعباء الدّناءة حاملا، وابغ من يكون الاعتذار في أعماله، أوضح من الاعتذار في أقواله، ولا يفتننّك من «3» قلّدته اجتلاب الحظّ المطمع «4» ، والتّنفّق بالسّعي المسمع، ومخالفة السّنن المرعيّة وإتباعه رضاك بسخط الرعيّة، فإنه قد غشّك، من حيث بلّك ورشّك، وجعل من يمينك في شمالك، حاضر مالك. ولا تضمّن عاملا مال عمله، وحل بينه فيه وبين أمله، فإنّك تميت رسومك بمحيّاه، وتخرجه من خدمتك فيه إلّا أن تملّكه إيّاه. ولا تجمع له في «5» الأعمال فيسقط استظهارك ببلد على بلد، والاحتجاج على والد بولد، واحرص على أن يكون في الولاية غريبا، ومتنقّله منك قريبا، ورهينة لا يزال معها مريبا، ولا تقبل مصالحته على شيء اختانه، ولو برغيبة فتّانه، فتقبل المصانعة في أمانتك، وتكون مشاركا له «6» في خيانتك، ولا تطل مدّة العمل، وتعاهد كشف الأمور ممّن يرعى الهمل، ويبلغ الأمل.

وأما الولد فأحسن آدابهم، واجعل الخير دابهم «7» ، وخف عليهم من إشفاقك وحنانك، أكثر من غلظة جنانك، واكتم عنهم ميلك، وأفض عليهم جودك ونيلك، ولا تستغرق بالكلف بهم يومك ولا ليلك، وأثبهم على حسن الجواب، وسبّق إليهم «8» خوف الجزاء على رجاء الثواب، وعلّمهم الصّبر على الضّرائر، والمهلة عند استخفاف الجرائر، وخذهم «9» بحسن السّرائر، وحبّب إليهم مراس الأمور «10» الصعبة المراس، وحصّن «11» الاصطناع والاغتراس، والاستكثار من أولي المراتب والعلوم، والسياسات والحلوم، والمقام المعلوم، وكرّه إليهم مجالسة الملهين، ومصاحبة السّاهين، وجاهد أهواءهم عن عقولهم، واحذر «12» الكذب على مقولهم، ورشّحهم

ص: 540

إذا أنست منهم رشدا أو هديا، وأرضعهم من المؤازرة والمشاورة ثديا، لتمرّنهم على الاعتياد، وتحملهم على الازدياد، ورضهم رياضة الجياد، واحذر عليهم الشهوات فهي داؤهم، وأعداؤك في الحقيقة وأعداؤهم. وتدارك الخلق الذّميمة كلّما نجمت، واقذعها إذا هجمت، قبل أن يظهر تضعيفها، ويقوى ضعيفها، فإن أعجزتك في صغرهم «1» الحيل، عظم الميل:[البسيط]

إنّ الغصون إذا قوّمتها اعتدلت

ولن تلين إذا قوّمتها الخشب

وإذا قدروا على التدبير، وتشوّفوا للمحلّ الكبير، فلا «2» توطّنهم في مكانك، جهد إمكانك، وفرّقهم في بلدانك، تفريق عبدانك. واستعملهم في بعوث جهادك، والنيابة عنك في سبيل اجتهادك، فإنّ حضرتك تشغلهم بالتّحاسد، والتّباري والتّفاسد. وانظر إليهم بأعين الثّقات، فإنّ عين الثقة، تبصر ما لا تبصر عين المحبّة والمقة.

وأمّا الخدم فإنهم بمنزلة الجوارح التي تفرّق بها وتجمع، وتبصر وتسمع، فرضهم بالصدق والأمانة، وصنهم صون الجمانة «3» ، وخذهم بحسن الانقياد إلى ما آثرته، والتقليل ممّا استكثرته. واحذر منهم من قويت شهواته، وضاقت عن هواه لهواته، فإنّ الشهوات تنازعك في استرقاقه، وتشاركك في استحقاقه. وخيرهم من ستر ذلك عليك «4» بلطف الحيلة، وآداب للفساد مخيلة «5» . وأشرب قلوبهم أنّ الحقّ في كلّ ما حاولته واستنزلته، وأنّ الباطل في كلّ ما جانبته واعتزلته، وأنّ من تصفّح منهم أمورك فقد أذنب، وباين الأدب وتجنّب. وأعط من أكددته، وأضقت منهم ملكه وشددته، روحة يشتغل فيها بما يغنيه «6» ، على حسب صعوبة ما يعانيه، تغبطهم فيها بمسارحهم، وتجمّ كليلة جوارحهم. ولتكن عطاياك فيهم بالمقدار الذي لا يبطر أعلامهم، ولا يؤسف الأصاغر فيفسد أحلامهم، ولا ترم محسنهم بالغاية من إحسانك، واترك لمزيدهم فضلة من رفدك ولسانك. وحذّر عليهم مخالفتك ولو في صلاحك، بحدّ سلاحك. وامنعهم من التّواثب والتّشاجر، ولا تحمد لهم شيم التّقاطع والتّهاجر، واستخلص منهم لسرّك من قلّت في الإفشاء ذنوبه، وكان أصبرهم «7» على ما ينوبه، ولودائعك من كانت رغبته في وظيفة لسانك، أكثر من رغبته في إحسانك،

ص: 541

وضبطه لما تقلّده «1» من وديعتك، أحبّ إليه من حسن صنيعتك. وللسّفارة عنك من حلا الصدق في فمه، وآثره ولو بإخطار دمه، واستوفى لك وعليك فهم ما تحمّله، وعني بلفظه حتى لا يهمله، ولمن تودعه أعداء دولتك من كان مقصور الأمل، قليل القول صادق العمل، ومن كانت قسوته زائدة على رحمته، وعظمه في مرضاتك آثر من شحمته، ورأيه في الحذر سديد، وتحرّزه من الحيل شديد. ولخدمتك في ليلك ونهارك من لانت طباعه، وامتدّ في حسن السّجية باعه، وآمن كيده وغدره، وسلم من الحقد صدره، ورأى المطامع فما طمع، واستثقل إعادة ما سمع، وكان بريئا من الملال، والبشر عليه أغلب الخلال. ولا تؤنسهم منك بقبيح فعل ولا قول، ولا تؤيسهم من طول «2» . ومكّن في نفوسهم أنّ أقوى شفعائهم، وأقرب إلى الإجابة من دعائهم، إصابة الغرض فيما به وكلوا، وعليه شكّلوا، فإنّك لا تعدم بهم انتفاعا، ولا يعدمون لديك ارتفاعا.

وأمّا الحرم فهنّ «3» مغارس الولد، ورياحين الخلد، وراحة القلب الذي أجهدته الأفكار، والنّفس التي تقسّمها الإحماد إلى المساعي والإنكار «4» ، فاطلب منهنّ من غلب عليهنّ من حسن الشّيم، المترفّعة عن القيم، ما لا يسوءك في خلدك، أن يكون في ولدك، واحذر أن تجعل لفكر بشر دون بصر إليهنّ سبيلا، وانصب دون ذلك عذابا وبيلا «5» ، وأرعهنّ من النّساء العجز من فاقت «6» في الدّيانة والأمانة سبله «7» ، وقويت غيرته ونبله، وخذهنّ بسلامة النّيّات، والشيم السّنيّات، وحسن الاسترسال، والخلق السّلسال. وحظّر «8» عليهنّ التّغامز والتّغاير، والتّنافس والتّخاير، وآس «9» بينهنّ في الأغراض، والتّصامم عن الإعراض، والمحاباة بالأعراض. وأقلل من مخالطتهنّ فهو أبقى لهمّتك، وأسبل لحرمتك، ولتكن عشرتك لهنّ عند الكلال والملال، وضيق الاحتمال، بكثرة الأعمال، وعند الغضب والنّوم، والفراغ من نصب اليوم. واجعل مبيتك بينهنّ تنم بركاتك، وتستتر حركاتك، وافصل من ولدت منهنّ إلى مسكن يختبر فيه استقلالها، وتعتبر «10» بالتفرّد خلالها. ولا تطلق لحرمة شفاعة ولا تدبيرا، ولا تنط بها من الأمر صغيرا ولا كبيرا، واحذر أن يظهر على خدمهنّ في خروجهنّ عن القصور، وبروزهن من

ص: 542

أجمة الأسد الهصور «1» ، زيّ مفارع «2» ، ولا طيب للأنوف مسارع، واخصص بذلك من طعن في السّن، ويئس من الإنس والجنّ، ومن توفّر النزوع إلى الخيرات قبله، وقصر عن جمال الصورة ووسم «3» بالبله.

ثم لمّا بلغ إلى هذا الحدّ، حمي وطيس استجفاره، وختم حزبه باستغفاره، ثم صمت مليّا، واستعاد كلاما أوّليا. ثم قال: واعلم يا أمير المؤمنين، سدّد الله سهمك لأغراض خلافته، وعصمك من الزمان وآفته، أنك في مجلس الفصل، ومباشرة الفرع من ملكك والأصل، في طائفة من عزّ الله تذبّ عنك حماتها، وتدافع عن حوزتك كماتها، فاحذر أن يعدل بك غضبك عن عدل تزري منه ببضاعة، أو يهجم بك رضاك على إضاعة. ولتكن قدرتك وقفا على الاتصاف، بالعدل والإنصاف، واحكم بالسّويّة، واجنح بتدبيرك إلى حسن الرّويّة. وخف أن تقعد بك أناتك عن حزم تعيّن، أو تستفزّك العجلة في أمر لم يتبيّن. وأطع الحجّة ما توجّهت عليك «4» ، ولا تحفل بها إذا كانت إليك «5» ، فانقيادك إليها أحسن من ظفرك، والحقّ أجدى من نفرك. ولا تردّنّ النصيحة في وجه، ولا تقابل عليها بنجه، فتمنعها إذا استدعيتها، وتحجب عنك إذا استوعيتها، ولا تستدعها من غير أهلها، فيشغبك أولو الأغراض بجهلها. واحرص على أن لا ينقضي مجلس جلسته، أو زمن اختلسته، إلّا وقد أحرزت فضيلة زائدة، أو وثقت منه في معادك بفائدة، ولا يزهدنّك في المال كثرته، فتقلّ في نفسك أثرته.

وقس الشّاهد بالغائب، واذكر وقوع ما لا يحتسب من النوائب، فالمال المصون، أمنع الحصون. ومن قلّ ماله قصرت آماله، وتهاون بيمينه شماله، والملك إذا فقد خزينه، أنحى «6» على أهل الجدة التي تزينه، وعاد على رعيّته بالإجحاف، وعلى جبايته بالإلحاف، وساء معتاد عيشه، وصغر في عيون جيشه، ومنّوا عليه بنصره، وأنفوا من الاقتصار على قصره. وفي المال قوّة سماوية تصرف الناس لصاحبه، وتربط آمال أهل السّلاح به. والمال نعمة الله تعالى فلا تجعله ذريعة إلى خلافه، فتجمع بالشّهوات بين إتلافك وإتلافه. واستأنس بحسن جوارها، واصرف في حقوق الله بعض أطوارها، فإن فضل المال عن الأجل فأجلّ «7» ، ولم يضر ما تلف «8» منه بين يدي الله عز وجل. وما ينفق في سبيل الشّريعة، وسدّ الذريعة، مأمول خلفه،

ص: 543

وما سواه فمستيقن «1» تلفه. واستخلص لحضور «2» نواديك الغاصّة، ومجالسك العامّة والخاصّة، من يليق بولوج عتبها، والعروج «3» لرتبها. أما العاميّة فمن عظم عند الناس قدره، وانشرح بالعلم صدره، أو ظهر يساره، وكان لله إخباته وانكساره، ومن كان للفتيا منتصبا، وبتاج المشورة معتصبا. وأما الخاصّيّة فمن رقّت طباعه، وامتدّ فيما يليق بتلك المجالس باعه، ومن تبحّر في سير الحكماء، وأخلاق الكرماء، ومن له فضل سافر، وطبع للدّنيّة منافر، ولديه من كل ما تستتر به الملوك عن العوام حظّ وافر. وصف ألبابهم بمحصول خيرك، وسكّن قلوبهم بيمن طيرك، وأغنهم ما قدرت عن غيرك.

واعلم بأنّ مواقع العلماء من ملكك مواقع المشاعل المتألّقة، والمصابيح المتعلّقة، وعلى قدر تعاهدها تبذل من الضّياء، وتجلو بنورها صور الأشياء، وفرّعها «4» لتحبير ما يزيّن مدتك، ويحسّن من بعد البلاء جدّتك. وبعناية الأواخر، ذكرت الأول «5» ، وإذا محيت المفاخر، خربت الدّول. واعلم أنّ بقاء الذّكر مشروط بعمارة البلدان، وتخليد الآثار الباقية في القاصي منها والدّان، فاحرص على ما يوضّح في الدهر سبلك، ويحوز «6» المزيّة لك على من قبلك، وأنّ خير الملوك من ينطق بالحجّة وهو قادر على القهر، ويبذل الإنصاف في السّر والجهر، مع التمكّن من المال والظّهر. ويسار الرعية جمال للملك وشرف، وفاقتهم من ذلك طرف، فغلّب أينق «7» الحالين بمحلّك، وأولاهما بظعنك «8» وحلّك. واعلم أنّ كرامة الجور دائرة، وكرامة العدل مكاثرة «9» ، والغلبة بالخير سيادة، وبالشّرّ هوادة.

واعلم أنّ حسن القيام بالشّريعة يحسم عنك نكاية الخوارج، ويسمو بك إلى المعارج، فإنها تقصد أنواع الخدع، وتوري بتغيير البدع. وأطلق على عدوّك أيدي الأقوياء من الأكفاء، وألسنة اللّفيف من الضّعفاء، واستشعر عند نكثه شعار الوفاء.

ولتكن ثقتك بالله أكثر من ثقتك بقوة تجدها، وكتيبة تنجدها، فإنّ الإخلاص يمنحك قوى لا تكتسب، ويهديك «10» مع الأوقات نصرا لا يحتسب. والتمس سلم «11» من

ص: 544

سالمك، بنفيس «1» ما في يدك. وفضّل حاصل يومك على منتظر غدك، فإن أبى وضحت محجّتك، وقامت عليه للناس «2» حجّتك، فللنفوس على الباغين ميل، ولها من جانبه نيل، واستمدّ «3» كل يوم سيرة من يناويك، واجتهد أن لا يباريك «4» في خير ولا يساويك، وأكذب بالخير ما يشنّعه «5» من مساويك، ولا تقبل من الإطراء إلّا ما كان فيك، فضل عن إطالته، وجدّ يزري ببطالته «6» . ولا تلق المذنب بحميّتك وسبّك، واذكر عند حميّة «7» الغضب ذنوبك إلى ربّك. ولا تنس أنّ ذنب «8» المذنب أجلسك مجلس الفصل، وجعل من «9» قبضتك رياش النّصل. وتشاغل في هدنة الأيام بالاستعداد، واعلم أنّ التّراخي منذر بالاشتداد. ولا تهمل عرض ديوانك، واختبار أعوانك، وتحصين معاقلك وقلاعك، وعمّ إيالتك «10» بحسن اضطلاعك. ولا تشغل زمن الهدنة بلذّاتك، فتجني في الشّدة على ذاتك. ولا تطلق في دولتك ألسنة الكهانة والإرجاف، ومطاردة الآمال العجاف «11» ، فإنه يبعث سوء القول، ويفتح باب الغول «12» . وحذّر على المدرّسين والمعلّمين «13» ، والعلماء والمتكلّمين، حمل الأحداث على الشّكوك الخالجة، والزلّات «14» الوالجة، فإنه يفسد طباعهم، ويغري سباعهم، ويمدّ في مخالفة الملّة باعهم. وسدّ سبل «15» الشّفاعات فإنها تفسد عليك حسن الاختيار، ونفوس الخيار. وابذل في الأسرى من حسن ملكتك ما يرضي من ملّكك رقابها، وقلّدك ثوابها وعقابها. وتلقّ بدء نهارك بذكر الله في ترفّعك وابتذالك، واختم اليوم بمثل ذلك. واعلم أنك مع كثرة حجّابك، وكثافة حجابك، بمنزلة الظّاهر للعيون، المطالب بالدّيون، لشدّة البحث عن أمورك، وتعرّف السّرّ الخفيّ بين آمرك ومأمورك، فاعمل في سرّك ما لا تستقبح أن يكون ظاهرا، ولا تأنف أن تكون به مجاهرا، وأحكم بريك في الله ونحتك، وخف من فوقك يخفك «16» من تحتك.

ص: 545

واعلم أنّ عدوّك من أتباعك من تناسيت حسن قرضه، أو زادت مؤونته على نصيبه منك وفرضه. فأصمت الحجج «1» ، وتوقّ اللّجج «2» ، واسترب بالأمل، ولا يحملنك انتظام الأمور على الاستهانة بالعمل. ولا تحقّرنّ صغير الفساد، فيأخذ في الاستئساد. واحبس الألسنة عن التّحالي «3» باغتيابك، والتّشبّث بأذيال ثيابك، فإنّ سوء الطّاعة ينتقل من الأعين الباصرة، إلى الألسن القاصرة، ثم إلى الأيدي المتناصرة. ولا تثق بنفسك في قتال عدوّ ناواك «4» ، حتى تظفر بعدوّ غضبك وهواك. وليكن خوفك من سوء تدبيرك، أكثر من عدوّك السّاعي في تتبيرك «5» . وإذا استنزلت ناجما «6» ، أو أمنت ثائرا هاجما، فلا تقلّده البلد الذي فيه نجم، وهمى عارضه «7» فيه وانسجم، يعظّم عليك القدح في اختيارك، والغضّ «8» من إيثارك، واحترز من كيده في حوزك «9» ومأمّك، فإنّك أكبر همّه وليس بأكبر همّك. وجمّل المملكة بتأمين الفلوات، وتسهيل الأقوات، وتجويد «10» ما يتعامل به من الصّرف في البياعات، وإجراء العوائد مع الأيام والسّاعات، ولا تبخس عيار قيم البضاعات، ولتكن يدك عن أموال الناس محجورة، وفي احترامها إلّا عن الثّلاثة مأجورة: مال من عدا طوره وطور «11» أهله، وتجاوز «12» في الملابس والزّينة، وفضول المدينة، يروم معارضتك بحمله «13» ، ومن باطن أعداك، وأمن اعتداك، ومن أساء جوار رعيّتك بإخساره، وبذل الأذاية فيهم بيمينه ويساره. وأضرّ ما منيت به التّعادي بين عبدانك، أو في بلد من بلدانك، فسدّ فيه الباب، واسأل عن الأسباب، وانقلهم بوساطة أولي الألباب، إلى حالة الأحباب. ولا تطوّق الأعلام أطواق المنون، بهواجس الظّنون، فهو أمر لا يقف عند حدّ، ولا ينتهي إلى عدّ. واجعل ولدك في احتراسك، [وصدق مراسك]«14» ، حتى لا يطمع في افتراسك.

ص: 546

ثم لمّا رأى الليل قد كاد ينتصف، وعموده يريد أن ينقصف، ومجال الوصايا أكثر ممّا يصف، قال: يا أمير المؤمنين، بحر السّياسة زاخر، وعمر التّمتّع «1» بناديك العزيز «2» مستأخر، فإن أذنت في فنّ من فنون الأنس يجذب بالمقاد، إلى راحة الرّقاد، ويعتق النّفس بقدرة ذي الجلال، من ملكة الكلال «3» . فقال: أما والله قد استحسنّا ما سردت، فشأنك وما أردت. فاستدعى عودا فأصلحه حتى أحمده «4» ، وأبعد في اختياره أمده. ثم حرّك فمه «5» ، وأطال الحسن ثمّه، ثم تغنّى بصوت يستدعي الإنصات، ويصدع الحصاة «6» ، ويستفزّ الحليم عن وقاره، ويستوقف الطّير ورزق بنيه في منقاره، وقال:[الخفيف]

صاح، ما أعطر القبول بنمّه

أتراها أطالت اللبث «7» ثمّه؟

هي دار الهوى منى النّفس فيها

أبد الدّهر والأمانيّ جمّه

إن يكن ما تأرّج الجوّ منها

واستفاد الشّذا وإلّا فممّه

من بطرفي «8» بنظرة ولأنفي

في رباها وفي ثراها بشمّه

ذكر العهد فانتفضت كأنّي

طرقتني من الملائك لمّه

وطن قد نضيت فيه شبابا

لم تدنّس منه البرود مذمّه

بنت عنه والنفس من أجل من قد «9»

خلّفته خلاله «10» مغتمّه

كان حلما فويح من أمّل الدّه

ر وأعماه جهله وأصمّه

تأمل العيش بعد أن أخلق «11» الجس

م وبنيانه عسير المرمّه

وغدت وفرة الشّبيبة بالشّي

ب على رغم أنفها معتمّه

فلقد فاز مالك «12» جعل اللّ

هـ إلى الله قصده ومأمّه

من يبت من غرور دنيا بهمّ

يلدغ القلب أكثر الله همّه

ص: 547

ثم أحال اللّحن إلى لون التّنويم، فأخذ كلّ في النّعاس والتّهويم، وأطال الجسّ في الثّقيل، عاكفا عكوف الضّاحي في المقيل، فخاط عيون القوم، بخيوط النّوم، وعمر بهم المراقد، كأنّما أدار عليهم الفراقد، ثم انصرف، فما علم به أحد ولا عرف. ولمّا أفاق الرشيد جدّ في طلبه، فلم يعلم بمنقلبه فأسف للفراق، وأمر بتخليد حكمه في بطون الأوراق. فهي إلى اليوم تروى «1» وتنقل، وتجلى القلوب بها وتصقل، والحمد لله ربّ العالمين.

هذا «2» ما حضرني «3» من المنثور والمنظوم «4» ، وحظّه عندي في الإفادة «5» حظّ ضعيف، وغرضه، كما شاء الله تعالى «6» ، سخيف، لكن الله سبحانه «7» بعباده لطيف، [سبحانه لا إله إلّا هو]«8» .

مولدي: في الخامس والعشرين لرجب عام ثلاثة عشر وسبعمائة «9» ، وكم بالحيّ ممّن ذكرته ألحق بالميت، وبالقبر قد استبدل من البيت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قلت «10» : هنا انتهى هذا التأليف المسمّى ب «الإحاطة في تاريخ غرناطة» بالاختصار، وتحصل منه ما أردناه من هذا المقدار، ووهبناه للناظر فيه هبة ليست بهبة اعتصار، بل هي لتحصيله ذات انتصار. ولمّا لم يمكنه أن يعرّف بمحنته ووفاته، رأيت أنا بعده أن أعرّف بذلك في مختصري هذا على مهيعه، وعادته، فأقول:

محنته ووفاته: رأيت تعليقا بخط بعض العدول المعاصرين، الأذكياء المحاضرين، الأدباء المجيدين، الطرفاء المقيدين، وهو صاحبنا أبو عبد الله

«11» الوادي آشي، حفظه الله، طرفة زمان، وحفظة أوان، وهو ما نصّه

ص: 548

من تاريخ ابن خلدون، قال «1» :

ولما «2» استولى السلطان أبو العباس على البلد الجديد، دار ملكه، فاتح «3» ست وسبعين، استقلّ «4» بسلطانه، والوزير محمد بن عثمان مستبدّ عليه، وسليمان بن داود من أعراب «5» بني عسكر رديف له «6» . وقد كان الشرط وقع بينه وبين السلطان ابن الأحمر، عندما بويع بطنجة، على نكبة «7» ابن الخطيب وإسلامه إليه، لما نمي عنه أنه كان يغري السلطان عبد العزيز بملك «8» الأندلس. فلمّا زحف السلطان أبو العباس من طنجة، ولقي «9» الوزير أبا بكر بن غازي بساحة البلد الجديد، فهزمه السلطان، ولاذ منه «10» بالحصار، أوى معه ابن الخطيب إلى البلد الجديد خوفا على نفسه، فلمّا «11» استولى السلطان على البلد «12» أقام أياما، ثم أغراه سليمان بن داود بالقبض عليه «13» ، فقبضوا عليه، وأودعوه السجن «14» ، وطيّروا بالخبر إلى السلطان ابن الأحمر. وكان سليمان بن داود شديد العداوة لابن الخطيب، لما «15» كان سليمان قد بايعه «16» السلطان ابن الأحمر على مشيخة الغزاة بالأندلس، متى أعاده الله إلى ملكه. فلمّا استقرّ له سلطانه، أجاز إليه سليمان سفيرا عن «17» عمر بن عبد الله، ومقتضيا عهده من السلطان، فصدّه ابن «18» الخطيب عن ذلك، بأن «19» تلك الرياسة إنما

ص: 549

هي «1» لأعياص «2» الملك من آل «3» عبد الحق؛ لأنهم يعسوب زناتة، فرجع آيسا «4» ، وحقد ذلك لابن الخطيب. ثم جاور «5» الأندلس بمحل «6» إمارته من جبل الفتح، فكانت تقع بينه وبين ابن الخطيب مكاتبات ينفس «7» كل واحد «8» منهما لصاحبه «9» ، بما يحفظه «10» لما «11» كمن في صدورهما. وحين بلغ الخبر «12» بالقبض على ابن الخطيب إلى السلطان [ابن الأحمر]«13» ، بعث كاتبه ووزيره بعد ابن الخطيب، وهو أبو عبد الله بن زمرك، فقدم على السلطان أبي العباس، وأحضر ابن الخطيب بالمشور «14» في مجلس الخاصة وأهل الشورى «15» ، وعرض عليه بعض كلمات وقعت له في كتابه «16» ، فعظم عليه «17» النكير «18» فيها، فوبّخ ونكّل وامتحن بالعذاب بمشهد ذلك الملإ «19» . ثم تلّ «20» إلى محبسه، واشتوروا في قتله بمقتضى تلك المقالات المسجّلة عليه، وأفتى بعض الفقهاء فيه. ودسّ سليمان بن داود لبعض الأوغاد من حاشيته بقتله، فطرقوا السجن ليلا، ومعهم زعانفة جاءوا في لفيف الخدم مع سفراء السلطان ابن الأحمر، وقتلوه خنقا في محبسه، وأخرجوا شلوه من الغد، فدفن في مقبرة باب المحروق. ثم أصبح من الغد على شأفة «21» قبره طريحا، وقد جمعت له أعواد، وأضرمت عليه نارا «22» ، فاحترق شعره، واسودّ بشره، فأعيد إلى حفرته. وكان في ذلك انتهاء محنته. وعجب الناس من هذه

ص: 550

السفاهة «1» التي جاء بها سليمان، واعتدّوها من هناته، وعظم النكير فيها عليه وعلى قومه وأهل دولته. والله فعال «2» لما يريد. وكان، عفا الله عنه، أيام امتحانه بالسجن، يتوقّع مصيبة الموت، فيتجيش «3» هواتفه بالشعر «4» يبكي نفسه. وممّا قال في ذلك:[المتقارب]

بعدنا وإن جاورتنا البيوت

وجئنا بوعظ «5» ونحن صموت

وأنفاسنا سكنت دفعة

كجهر الصلاة تلاه القنوت

وكنّا عظاما «6» فصرنا عظاما «7»

وكنّا نقوت فها نحن قوت

وكنّا شموس سماء العلا

غربن فناحت «8» علينا «9» البيوت «10»

فكم جدّلت «11» ذا الحسام الظّبا

وذو البخت كم جدّلته البخوت

وكم سيق للقبر في خرقة

فتى ملئت من كساه التّخوت

فقل للعدا: ذهب ابن الخطيب

وفات ومن «12» ذا الذي لا يفوت

فمن «13» كان يفرح منهم «14» له

فقل: يفرح اليوم من لا يموت

انتهى من السفر الأخير منه، حيث عرّف بنفسه وبشيوخه، رحمة الله على الجميع.

قلت: وهنا انتهى ما قصدناه، وتمّ بحول الله ما أردناه واستوفيناه واستلحمناه، وذلك بغرناطة أقالها الله وصانها، وعمر بالعلماء الأعلام، وصالحي الإسلام، عمرانها، وبتاريخ أوائل شهر ربيع الآخر من عام خمسة وتسعين وثمانمائة، والحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى.

ص: 551

الحمد لله، من كتاب «نفاضة الجراب» لابن الخطيب المذكور، رحمه الله، الذي ألّفه بالعدوة بعد صرفه عن الأندلس، واستقراره بالعدوة بآخرة من عمره، وقرب وفاته، ولذلك سمّاه «نفاضة الجراب» ، قال في أثنائه ما نصّه:

وإلى هذا العهد صدر عني من النظم والنثر بحال القلعة، ومكان الغمرة، رسائل إخوانية، ومقطوعات أدبية، نثبتها إحماضا وإراحة؛ لتعيد مطالع هذا جماما، أو تهدي إليه أنسا، والحمد لله على البأساء والنّعماء:[المتقارب]

جزتني غرناطة بعد ما

جلوت محاسنها بالجلا

ولم تبق جاها ولا حرمة

ولم تبق مالا ولا منزلا

كأني انفردت بقتل الحسين

وجرّدت سيفي في كربلا

ولم أجن ذنبا سوى أنني

صدعت بأمداحها في الملا

وأني صنعت فيها الغريب

فصرت الغريب أجوب الفلا

يمينا لقد أنكرت ما جرى

نفوس الورى وأبته العلا

وما خصّني زمني بالعقوق

فكم خصّ «1» من فاضل مبتلى

أإن ظهرت نعمة الإله

عليّ فألبست منها حلا

أإن قرّبتني الملوك الكرام

يقلّد آخرها الأوّلا

وإن مكّنتني من أمرها

فشمت السيوف وصنت الطّلا

وقابلت بالشكر منها الصنيع

وحاشى لمثلي أن يغفلا

فأقسم بالله لولا أنوفا

لجرّدت من مقولي منصلا

يقدّ الدروع ويخلي الدموع

ويلقي على من عدا الله ركلا

فيترك في الناس أمثاله

تجدّ على رغم أنف البلا

ولا خلق أجهل ممن يظنّ

بمقدار مثلي أن يجهلا

وما «2» ركبت الدّجى إذ سما

يقلّد للنّجم نصرا كلا

وكان لساني سيفا صقيلا

وكانت يراعي قنا ذبّلا

ولكن ليأت «3» بصبر جميل

قضاء الذي لم يزل مجملا

وحاسبت نفسي فيما أمرّ

فألفيته البعض فيما خلا

ص: 552

وأسكنت ناري لما دعا

وأسكنت يأسي لما غلا

سلام عليها وإن أخفرت

ذمامي ووجّزت بالقلا

وألبستها الأمن سترا حصيفا

وإن هتكت ستري المسبلا

ومثلي يبقى على عهده

إذا أعرض الخلّ أو أقبلا

وقلت «1» : [مخلع البسيط]

من حاكم بي على الفراق

حكم زياد على العراق

يبدي «2» وقد ختمت يداه

بالجور في أنفس رقاق

وعاجل النّظم بانتثار

وصيّر الشّمل لافتراق

فمن أكفّ على خدود

ومن دموع على تراق

وأيّ حال إلى دوام

وما سوى الله غير باق

يا سائق الرّكب، إنّ نفسي

من لوعة البين في سياق

رفقا على مهجتي فإنّي

قد بلغت روحي التّراقي

ويا رسول النّسيم، بلّغ

بحيرة الحيّ ما ألاقي

وسق إلى سمعهم «3» حديثا

من أرضهم طيّب المساق

جرّعني البين كأس حزن

بعدهم مرّة المذاق

فلا أنيسا «4» سوى ادّكاري

ولا جليسا «5» إلى اشتياق

ففي غدوّي بها اصطباحي

وفي رواحي بها اغتباقي

يا شقّة القلب، ليت شعري

هل صحّ «6» شملك في اتّساق؟

أو يقلع الدهر من عتاب

أو يطلق الشوق من وثاق؟

طال عليّ الظلام لمّا

ضنّ محيّاك بالتّلاقي

فيكذب الليل في ارتحال

ويمطل الفجر بانشقاق

ضايقني الدّهر فيك حتى

في موقف البين والفراق

ص: 553

فلم يكن فيه من سلام

ولا كلام ولا اعتناق

قد عجز النطق عن شجوني

قد بلغ الماء للنّطاق

أقسمت حقّا بخير هاد

سرى إلى الله بالبراق

لو خيّرت في الوجود نفسي

ما اخترت منها «1» سوى التّلاقي

إن بطش الدهر بي وأبدى

سجيّة الغدر والنّفاق

فكم هلال رأيت بدرا

أفلت من ظلمة المحاق

يا من على فضله اعتمادي

يا من بأسبابه اعتلاقي

إن لم تجد منك لي برحمى

ما لي في الخلق من خلاق

تمّ بحمد الله

ص: 554